"خطة مدروسة".. لماذا رفعت هولندا مؤقتا القيود المفروضة على لم شمل اللاجئين؟

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن هولندا تعد الوجهة المفضلة بعد ألمانيا من قبل طالبي اللجوء المهاجرين من شتى أصقاع العالم نحو أوروبا، فإن هذا البلد، قرر تعليق القيود المفروضة مؤقتا على لم شمل عائلات هؤلاء، في خطوة تعد "انتصارا قانونيا" للحالمين بمستقبل جديد.

ونجح اللاجئون والمنظمات الحقوقية المحلية، في حث أمستردام على التراجع عن خطوتها بعد شكاوى ناجحة رفعوها ضد إجراء يوقف التحاق عائلات طالبي اللجوء بمن حصلوا على الإقامة في هولندا، خاصة أنها خطوة غير قانونية.

تعليق القيود

وفرضت هولندا قيودا على لم شمل العائلات في أغسطس/آب 2022 عندما كانت البلاد تواجه أزمة إسكان وفي خضم التعامل مع عدد كبير من طالبي اللجوء في مراكز الإيواء التي غصت بالمهاجرين بشكل غير مسبوق.

في ذلك الوقت، كان المئات من طالبي اللجوء ينامون في الخارج بسبب نقص المرافق المجهزة لإيوائهم، وفي ظروف غير صحية خارج مركز استقبال المهاجرين الرئيس في البلاد في قرية تير أبيل الشمالية، مما أثار مخاوف لدى السلطات من فقدان السيطرة.

وأعلن وزير العدل والأمن الهولندي، إريك فان دير بورغ، في 11 يناير/كانون الثاني 2023، أن القيود التي جرى إدخالها عام 2022 ستظل معلقة حتى تصدر المحاكم الإدارية الهولندية قرارا نهائيا بشأن هذه المسألة.

وحكمت حكومة هولندا، بأن أفراد عائلات طالبي اللجوء الذين منحوا الإقامة لن يطلب منهم الانتظار لمدة 15 شهرا على الأقل قبل أن يتمكنوا من الانضمام إلى أسرهم.

وجاء ذلك، بعدما رأت الحكومة أنها يجب أن تعتني بطالبي اللجوء الموجودين بالفعل في هولندا ثم الاستمرار في لم شمل الأسرة.

وقضت المحاكم الهولندية، بأن لم شمل الأسرة يجب أن يستمر، بعدما رأت أن خطوة وقفها غير قانونية، وذكر القضاة في حكمهم أن ذلك ينتهك القانون الوطني والاتفاقيات الدولية.

في 27 أغسطس 2022، نقل مئات من طالبي اللجوء كانوا يقطنون في خيام خارج مركز إيواء في تير أبيل شمال هولندا إلى مواقع أخرى في أنحاء مختلفة من البلاد.

وحينها حذر الصليب الأحمر والفرع الهولندي لمنظمة أطباء بلا حدود، من حالة الطوارئ الإنسانية الوشيكة في مركز الإيواء، حيث ينام أكثر من 700 رجل خارج المركز لأسابيع آملين في الحصول على مأوى خلال فترة دراسة ملفاتهم.

وعود بحل بنيوي

تلك الظروف السيئة للغاية، دفعت الفرع الهولندي لمنظمة أطباء بلا حدود الإنسانية لإرسال فريق للعناية بالمهاجرين، وهي المرة الأولى التي تنتشر فيها الوكالة في هولندا، في محاولة لتخفيف الاكتظاظ.

وانتقد المجلس الهولندي للاجئين بشدة هذه السياسة، ودعا إلى إلغائها ووصفها بأنها "السياسة في أبشع صورها".

واعترف وقتها رئيس الوزراء الهولندي مارك روته بوجود "مشاهد مخزية في المركز" وبأنه جرى ارتكاب أخطاء، واعدا بـ "حل بنيوي" للمشكلة.

وكانت الحكومة الهولندية أعلنت في 26 أغسطس 2022 إجراءات لمواجهة الأزمة التي تعود إلى نقص الموظفين في وكالة اللاجئين الهولندية ونقص المساكن في البلاد.

وفي تلك الفترة أكدت الحكومة الهولندية موافقتها على طلبات لجوء نحو 16000 شخص ليس لديهم مكان للسكن ويضطرون إلى البقاء في المراكز، واشترطت ألا توافق على قدوم عائلاتهم إلا بعد العثور على سكن لهم.

ووفقا لمكتب الإحصاء الهولندي (سي بي إس)، فإن الهجرة ساهمت في رفع أعداد الهولنديين إلى 17.8 مليونا كما أن العدد آخذ في ازدياد، وفق ما نقل موقع "londynek" الهولندي نهاية أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأشار المكتب إلى أن معظم المهاجرين الجدد لعام 2022 جاءوا من أوكرانيا بنسبة 30 بالمئة، وسوريا وعدة دول آسيوية أخرى كأفغانستان والهند وتركيا واستقروا في الجزء الأوسط من البلاد وخاصة في مدن أمستردام ولاهاي وروتردام والميري.

وفي الأشهر الستة الأولى من عام 2022، جاء نحو 5700 من أقارب اللاجئين في سياق لم الشمل إلى هولندا، وفي المجموع وصل نحو عشرين ألف طالب لجوء جديد خلال هذه الفترة.

خلال عام 2022، أبرم مجلس الوزراء الهولندي اتفاقية أخرى مع البلديات حول استقبال اللاجئين. إذ يجب على البلديات تأمين السكن لـ 20 ألفا من حاملي الإقامات في العام المذكور، في وقت يوجد فيه ما يقرب من 17 ألفا مازالوا يعيشون في مراكز لطالبي اللجوء.

ستوفر الحكومة 15 مليون يورو لإنشاء موقع استقبال إضافي لطالبي اللجوء، وقال وزير العدل والأمن الهولندي فان دير بورغ إنه يأمل أن يكون الموقع جاهزا بحلول 10 من سبتمبر/ أيلول 2023.

إجراء مدروس

وفي هذا السياق، أوضح اللاجئ السوري في هولندا عبادة المحمد، لـ "الاستقلال"، أن" هناك صعوبة في حصول اللاجئ على منزل من البلدية في المقاطعات الهولندية.

لذا فإن القرار الجديد يسمح لطالب اللجوء بلم شمل عائلته فور حصوله على الموافقة بدون شرط وجود منزل حيث يجرى إيواؤهم في كامبات (مخيمات) أو منازل مشتركة.

ورأى المحمد، أن "تراجع الحكومة الهولندية يعود أولا إلى تحريك المنظمات المحلية الداعمة للاجئين.

وثانيا وهو الأرجح أن قرار تعليق لم الشمل بسبب الأعداد الهائلة للاجئين الذين وصلوا هولندا عام 2022، صدر للتخفيف من اللجوء والقدرة على استيعاب اللاجئين الأوكران بعد أن جرى إعطاء الأولوية لهم على حساب باقي الجنسيات.

واستدرك قائلا: "حينها قدم اقتراح لتحويل البواخر إلى أماكن سكن للاجئين وبالفعل جرى تحويل الكثير من اللاجئين للسكن فيها في أرنهيم وأمستردام، وأيضا في مساكن تابعة لجامعة تو ديلفت، الأمر الذي خلق عجزا كبيرا لدى الحكومة ما دعاها لتشديد إجراءات اللجوء".

وزاد بالقول: "إن تسليط الإعلام المحلي والدولي على واقع أزمة اللاجئين والنوم في العراء بسبب عدم توفر السكن، دفع لتحريك قضايا حقوق الإنسان والتي وصلت إلى أورقة المحاكم الهولندية".

ومضى يقول: "حاليا بسبب دخول فصل الشتاء توقفت الهجرة ولم يعد هناك ضغط على الحكومة الأمر الذي دفعها لتعليق القرار بشكل مؤقت مما يعطي لهم مساحة في إعادة تفعيله وفق نسبة اللجوء". 

وأصبحت هولندا الوجهة الأولى للاجئين بسبب إجراءات لم الشمل السريعة فيها بخلاف الدول الأوروبية الأخرى.

عجز عمالي

وأشار المحمد إلى أن "هولندا بحاجة كبيرة إلى يد عاملة بسبب ارتفاع نسبة كبار السن داخل المجتمع الهولندي، ولذلك يعد هؤلاء المحرك لاقتصاد البلد، ولا سيما أنه خلال جائحة كورونا شهد البلد حالات وفاة لمواطنين هولنديين وعلى أثر ذلك بات كثير من المنازل خالية من السكان".

ونوه إلى أن "اللاجئين القدامى منذ عقود هم المغاربة والأتراك وهؤلاء أصبحوا مواطنين وحصلوا على الجنسية، ولذلك تراهم منخرطين في سوق العمل عبر مشاريع صغيرة من محلات غذائية وشركات ومنهم موظفون في البلديات ومديرون فيها، وحتى منهم من دخل قبة البرلمان".

واستدرك قائلا: "أما السوريون فهم يعدون جددا على هولندا لذلك بعضهم في مجال الحلاقة والمطاعم وتوصيل الطرود البريدية، فضلا عن أن هناك من يحصل على وظائف في شركات تعمل في قطاع الكهرباء والإلكترونيات وغيرها".

وخلال ديسمبر/كانون الأول 2022، قضت محكمة في هارلم، بحق امرأة سورية في لم شملها مع أطفالها، وأكدت المحكمة وقتها بأن ذلك له الأسبقية على حاجة الحكومة لإدارة أزمة السكن، وقضت بأن الحظر المؤقت ينتهك القانون الهولندي والمبادئ التوجيهية الأوروبية.

وكان اللجوء من أكثر القضايا الشائكة بالنسبة للحكومة الهولندية الحالية التي أدت اليمين الدستوري في 10 يناير 2022، إذ يتصدر هذا البلد الدول الأوروبية الداعية إلى التقشف المالي.

وعلى الرغم من أنه في هولندا هناك أحزاب تدفع من أجل سياسة هجرة أكثر تقييدا، فإنه في المقابل هناك أحزاب تهدد بالتصويت ضد هكذا مشاريع، الأمر الذي يسمح للحكومة في لاهاي بإجبار السلطات المحلية على إيواء اللاجئين.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، وصل 3980 طالب لجوء إلى هولندا، بزيادة 70 لاجئا عن الشهر الذي سبقه. بالإضافة إلى ذلك، وصل 375 من أفراد الأسر عبر لم الشمل، بزيادة 285 عن أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وأيضا في نوفمبر 2022، كانت الجنسيات الأكثر شيوعا بين طالبي اللجوء وأفراد الأسرة الملتحقين بهم، في هولندا هم السوريون (42.5 في المئة)، ثم اليمنيون (6.4 في المئة)، ومن ثم تركيا (6.2 في المئة)، فالجزائر (4.6 في المئة)، والصومال (4.4 في المئة) والإريتريون (4.0 بالمئة).

أما النسبة المتبقية 31.9 بالمئة فتتعلق بجنسيات أخرى، وفق إحصائية نشرتها دائرة الهجرة والتجنيس الهولندية (IND) التي تتولى ملف اللاجئين وقبول اللجوء وهي المسؤولة عن كل القرارات حولهم، ولاحقا عمليات التجنيس.

في المجموع، دخل 34860 طالب لجوء بمن فيهم أقاربهم إلى هولندا في عام 2021. وبلغ اللجوء ذروته في عام 2015، عندما تسببت الحرب في سوريا في تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين، ويقدر عدد السوريين هناك بـ 51 ألفا منذ عام 2013.

وأكدت وزارة العدل والأمن الهولندية حصول 22 ألفا و820 سوريا ممن يحملون تصاريح الإقامة والعمل على الجنسية الهولندية حتى أبريل/نيسان 2021.

ومن المتوقع وصول نحو 55 ألف لاجئ إلى هولندا عام 2023، وفق ما نقل موقع "Dutch News" الهولندي في تقرير له نشر بتاريخ 10 يناير 2023. 

وكان وزير العدل والأمن الهولندي، إيريك فان دير بورغ، قال في ديسمبر 2022، إن هناك أماكن إقامة كافية متاحة على المدى القصير.

ومضى يقول: لكن من المرجح أن ترفع القضية رأسها مرة أخرى في أبريل 2023 بعدما أغلقت المرافق المؤقتة في أمستردام ودرونتين وفيلسن بسعة 4000 سرير.