حسابات معقدة.. لماذا فضلت باريس المسلحين الأكراد على تركيا في سوريا؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلطت قناة فرنسية الضوء على تباين مواقف باريس وأنقرة تجاه المسألة الكردية، مؤكدة أن تركيا لن تغفر لفرنسا تفضيلها التحالف مع التنظيمات الكردية المسلحة في سوريا عليها رغم عضويتهما بحلف شمال الأطلسي "ناتو".

وادعت قناة "فرانس 24"، أن سبب هذه الخلافات يعود إلى الثقة المفقودة بين الجانبين، لافتة في الوقت ذاته إلى أن المجتمع الفرنسي لا يفرق بين الأكراد والتنظيمات المسلحة التي لا تمثلهم، مثل حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".

ملف حساس

وذكرت القناة أن آلاف الأشخاص حضروا من جميع أنحاء أوروبا إلى العاصمة الفرنسية باريس، في 7 يناير/ كانون الثاني 2023، لإحياء الذكرى العاشرة لاغتيال 3 نشطاء أكراد في العاصمة الفرنسية.

وجاء ذلك بعد قرابة أسبوعين فقط على مقتل 3 أكراد في شارع دينغيان الواقع أيضا في قلب باريس، الحدث الذي سلط الضوء مجددا على سوء التفاهم الذي يقوض العلاقات بين تركيا وفرنسا بشأن القضية الكردية.

ففي 23 ديسمبر/ كانون الأول 2022، قتل مطرب كردي، يدعى مير بيروير، ومعه شخصان آخران، في مركز أحمد كايا الثقافي في باريس، والذي يعد مقرا للمجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا، والمعروف بقربه من "بي كا كا".

وجدير بالذكر أن حزب العمال الكردستاني تأسس عام 1978 على يد عبد الله أوجلان، وهو تنظيم سياسي مسلح يراه كل من الأتراك والاتحاد الأوروبي (وبالتالي فرنسا) "إرهابيا".

ووفقا للقناة، أضحى أعضاء هذا التنظيم مصدرا للقلق بالنسبة للعدالة الفرنسية، وذلك بسبب انخراطهم في قضايا ابتزاز، وتكوين جماعات إجرامية وتمويل الإرهاب.

ونقلت رد فعل السفير التركي في فرنسا، علي أونانير، على المجزرة التي وقعت في شارع دينغيان، حيث قال إن "المعلومات الأولية المستقاة من السلطات القضائية الفرنسية وضعت حدا نهائيا لدعاية بي كا كا التي تحاول التلميح إلى ارتباط الاعتداء ببلد آخر".

في إشارة إلى اتهام بي كا كا للسلطات التركية بالوقوف وراء هذا الحادث. 

بالمقابل، يرى الباحث المتخصص في الشؤون التركية ديدييه بيليون، أنه من الضروري "فصل القضية الكردية عن بي كا كا"، معللا ذلك بأن "الرأي العام الفرنسي يربط بين الصورة الذهنية للحزب المحظور، وبين عموم الأكراد".

وقال إن "انعدام الثقة الفرنسية تجاه تركيا لأسباب قد تكون مبررة تماما، دفع الرأي العام الفرنسي إلى تبني قضية الأكراد لدرجة اعتقاد البعض أن أعضاء بي كا كا يناضلون من أجل الحرية والقيم المشتركة مع فرنسا".

ودلل على ذلك بحضور زعيم حزب فرنسا الأبية اليساري جان لوك ميلينشون، ونائبه إريك كوكريل، إلى تجمع الجالية الكردية في ساحة الجمهورية في باريس، في 24 ديسمبر 2022.

أما في تركيا، فتتهم السلطات تنظيم بي كا كا بالمسؤولية الكاملة عن مقتل 40 ألف شخص في أعمال العنف المرتبطة بالتمرد منذ عام 1984.

وتقول فرانس 24: "ربما يرى البعض أن استدعاء السفير الفرنسي، في 26 ديسمبر 2022، من قبل وزارة الخارجية التركية عقب استقبال وزير العدل الفرنسي لثلاثة ممثلين عن الجالية الكردية، أمر مبالغ فيه". 

وأضافت أن هذا الرد كان طبيعيا ومبررا بالنسبة للسفير التركي في باريس، حيث صرح: "تخيلوا للحظة الصدمة والسخط اللتين هزتا الرأي العام التركي بعد انتشار صور وزير العدل الفرنسي وهو يرحب بثلاثة إرهابيين".

حسابات معقدة

وأبرزت القناة مساعي السفير التركي لحث الفرنسيين على فصل "الأكراد عن بي كا كا"، كما أنه يؤكد أن الأكراد اليوم يحظون بحقوق لم تكن متاحة لهم من قبل، وذلك بفضل سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

وإبرازا للخطاب التركي الرسمي حاليا، يقول أونانير: "لم تعد هناك قضية كردية، فقط يوجد مشكلة أمنية مع حزب العمال الكردستاني الذي لا يمثل الأكراد".

وتستذكر القناة مبادرة السلام التي أطلقتها أنقرة في وقت سابق مع حزب العمال الكردستاني بهدف تحويل التنظيم الإرهابي إلى حركة سياسية شرعية، وهي حزب الشعوب الديمقراطي (HDP).

لكن هذه المبادرة فشلت بسبب راديكالية بعض المسؤولين التنفيذيين في حزب العمال الكردستاني.

ونتيجة لذلك، باتت الحكومة التركية  ترى أن حزب الشعوب الديمقراطي هو النافذة السياسية لحزب العمال الكردستاني، وبالتالي تسعى أيضا لحظره. 

لذا قررت المحكمة الدستورية العليا في تركيا، في 5 يناير، تجميد الحسابات المالية لحزب الشعوب الديمقراطي  بشكل مؤقت، في إطار دعوى إغلاق الحزب المرفوعة من قبل المحكمة الإدارية العليا.

ويعد حزب الشعوب الديمقراطي، ثاني أكبر أحزاب المعارضة في البلاد، ويمتلك ثالث أكبر كتلة في البرلمان التركي، ممثلا بنحو 6 ملايين ناخب.

من جانبه، علق المتحدث باسم حزب الشعوب الديمقراطي هيسيار أوزسوي، على قرار التجميد بالقول: "التظاهر بعدم وجود قضية كردية اليوم أو اختزالها إلى قضية أمنية بحتة، علامة على عدم قدرة الحكومة على معالجتها". 

كذلك أشارت القناة إلى أن انهيار مباحثات السلام عام 2015، أتى بعد إخفاق حزب العدالة والتنمية في الحصول على الأغلبية في الانتخابات.

وهو ما تسبب في عجز الحزب الحاكم أو المعارضة عن تشكيل حكومة، ولذا أعيدت الانتخابات. وفي ظل هذه الظروف، اختار الحزب الحاكم تلقي الدعم من الناخبين القوميين، عبر تحالفه مع حزب الحركة القومية، المعادي بشدة للأكراد.

وهو ما رأته القناة "تفضيلا لمصالحه الانتخابية قصيرة المدى"، لافتة إلى أن هذا التحالف "أغلق كل أبواب الحل السياسي للصراع".

خطأ كبير

بصرف النظر عن تهاون جزء من الرأي العام الفرنسي تجاه بي كا كا، فإن ما لا تغفره أنقرة لباريس هو أنها اختارت التحالف مع التنظيمات الكردية  المسلحة في سوريا بدعوى محاربة تنظيم الدولة، حسب القناة.

وعللت ذلك بأن "تركيا ترى هذه الجماعات مثل حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه المسلح ووحدات حماية الشعب، كيانا واحدا مع حزب العمال الكردستاني". 

وفي تصريحاته لفرانس 24، أكد علي أونانير على ذات الفكرة، حيث قال: "في عام 2015، أرادت فرنسا شن حرب منخفضة التكلفة باستخدام إرهابيي بي كا كا، لكن يجب أن تفهموا أن الوصول إلى حدودنا وتسليح وتمويل جماعة تشكل تهديدا وجوديا لتركيا أمر غير مقبول".

وهنا تساءلت القناة: "لماذا فضلت فرنسا التحالف مع جماعات عرفت صلاتها بمنظمة يراها الإليزيه إرهابية، وليس مع تركيا الدولة ذات السيادة والشرعية التي أقامت علاقات دبلوماسية معها منذ مئات السنين وحليفها التاريخي داخل الناتو؟". 

وأضافت: "الجواب يكمن في كلمة واحدة، هي الثقة".

وزعمت أن "تركيا لم تقدم اقتراحا عمليا موثوقا لمحاربة تنظيم الدولة، بل إن ما زاد الطينة بلة، تهاونها تجاه الجهاديين الذين عبروا بسهولة الحدود السورية من أراضيها، وتمكنوا حتى من تلقي العلاج في مستشفياتها، الأمر الذي ظل راسخا في الذاكرة الفرنسية". 

لكن علي أونانير يلقي باللوم في هذا الفشل على جماعة فتح الله غولن، وهي منظمة كانت ذات يوم حليفة لرجب طيب أردوغان قبل أن يقطع علاقتها بها ويتهمها بالضلوع وراء الانقلاب الفاشل في عام 2016. ومنذ ذلك الحين تم اعتبارها منظمة إرهابية في تركيا.

ويرى السفير التركي أن تركيا أظهرت شراستها في قتال تنظيم الدولة منذ عام 2017، فقال: "أظهرنا أننا مستعدون للقتال بشراسة ضد الإرهابيين. لقد فقدنا العديد من الجنود - بينهم 72 ضابطا في منطقة الباب - عندما قمنا بإيقاف 4000 إرهابي من تنظيم الدولة".

واضاف: "في ذلك الوقت، حشدت أنقرة موارد كبيرة، كما أدى عنف المواجهات إلى استياء شديد من تنظيم الدولة".

وعقبت الصحيفة: "بهذا النوع من الخطاب، مازالت أنقرة تسعى إلى إقناع فرنسا بالتعاون معها بدلا من الميليشيات الكردية، لكن ذلك متأخر جدا".

حيث تحاجج بأن "هذا القرار لا يخص باريس -أو بالأحرى لم يعد يخص باريس- منذ اليوم الذي اختارت فيه واشنطن بي كا كا للتعاون معه ودعمه لقتال تنظيم الدولة، وذلك لعدم وجود بديل بعد فشل برامج تدريب الجيش السوري الحر". 

واتبعت: "وهكذا تظل فرنسا أسيرة في عجلة القيادة الأميركية، وبالتالي سينتهي بها الأمر بالتخلي عن الجماعات الكردية نفسها إذا قررت الولايات المتحدة المغادرة".

وتختتم القناة بالقول: "قصة تحالف فرنسا الفعلي مع هذه الجماعات الكردية المسلحة في شمال سوريا على حساب علاقاتها مع أنقرة، هي في الواقع قصة فشل الثورة السورية، وظهور وصعود تنظيم الدولة".