أدانت اقتحام الأقصى ثم قررت تدريس الهولوكوست.. ماذا وراء ازدواجية الإمارات؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أظهرت الإمارات خلال يناير/ كانون الثاني 2023، مواقف متناقضة فيما يتعلق بانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي أثارت تساؤلات عن ماهيتها وأهدافها منها.

ففي 3 يناير، أدانت الإمارات بشدة اقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف "إيتمار بن غفير" باحة المسجد الأقصى بحماية قوات الاحتلال، وطلبت عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لإدانة ذلك.

وفي اليوم نفسه أُعلن تأجيل زيارة مفترضة لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو للإمارات، وأشيع أن ذلك جرى بسبب غضب أبوظبي من اقتحام بن غفير في الشهر نفسه المسجد الأقصى، ما جلب ثناء عربيا عليها.

لكن بعد 48 ساعة من إدانتها اقتحام بن غفير للأقصى، أعلنت أبوظبي في 5 يناير أنها ستبدأ تدريس تاريخ "الهولوكوست" اليهودي بالمدارس الابتدائية والثانوية الإماراتية.

وبعد ثلاثة أيام أخرى، استقبلت الإمارات في 8 يناير، أول وفد إسرائيلي من الحكومة اليمينية المتطرفة للمشاركة في "منتدى النقب"، تحضيرا لـ "قمة النقب" التطبيعية الثانية، والمقرر عقدها في المغرب مارس/آذار 2023.

وقالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" 11 يناير، إن "150 مسؤولاً من إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب شاركوا في الاجتماع الأول لمجموعات عمل "منتدى النقب" في أبوظبي، بحضور الولايات المتحدة".

وضم الوفد الإسرائيلي الذي ترأسه المدير العام لوزارة الخارجية ألون أوشفيز ممثلين رفيعي المستوى من وزارات الخارجية والدفاع والصحة وشؤون الاستخبارات والزراعة والسياحة والطاقة والتربية والتعليم والاقتصاد، وفق الصحيفة.

القرارات الإماراتية المتضاربة بين التطبيع وإدانة إسرائيل، أثارت تساؤلات حول السياسة الإماراتية الفعلية تجاه دولة الاحتلال.

وهل الأمر "موازنة" بين مواقفها، بسبب الإحراج الذي شكله مجيء حكومة إسرائيلية متطرفة دينيا، أم "هندسة" للتطبيع، وعلاقاتها مع إسرائيل بهدوء صعودا وهبوطا لكن مع المحافظة عليها؟

مراقبون يرون أن الإمارات تقود التطبيع بخطوات ثابتة بحثا عن مصالحها الاقتصادية مع إسرائيل ومن يدعمها في الغرب، لذا لا تعبأ كثيرا بحكومة إسرائيلية متطرفة أو معتدلة، ولكنها تحاول التحرك بهدوء لتنفيذ ذلك دون إثارة الشعوب.

فهي "تلعب على وتر التيار المندد بإسرائيل تارة، حال جرى اقتحام الأقصى مثلا، مراعاة للمشاعر الشعبية العربية، لكن لا يردعها هذا عن خططها التطبيعية المبرمجة تارة أخرى، بحسب صحفي فلسطيني لـ"الاستقلال" فضل عدم ذكر اسمه.

وضمن لعبة التوازنات، سعت لجان الإمارات الإلكترونية بدورها للترويج لوطنية أبوظبي وادعاء أن أولويتها "فلسطين والمصلحة العربية"، لكنها تغافلت عن خطواتها التطبيعية.

أبوظبي و"الهولوكوست" 

في 5 يناير 2023 أعلنت سفارة الإمارات في الولايات المتحدة في بيان باللغة الإنجليزية (ربما موجهة للغرب) أنها ستدرج دراسات الهولوكوست (المحارق اليهودية) في المناهج الدراسية بمدارسها على اعتبار أن دراستها "ضرورية للبشرية".

واحتفى حساب "إسرائيل بالعربية"، المعبر عن خارجية إسرائيل، بهذه الخطوة، واعتبرها "قرارا تاريخيا".

وبين أن "قرار دولة الإمارات يعد سابقة تاريخية إذ إنها أول دولة عربية تقوم بهذه الخطوة وتقف قرارها بوجه منكري وقوع الهولوكوست".

وقد أشادت السفيرة "ديبورا ليبشتات"، المبعوثة الأميركية الخاصة لمراقبة ومكافحة معاداة السامية، بالإعلان الإماراتي، في تغريدة على تويتر مستخدمة كلمة عبرية تشير إلى الهولوكوست.

كتبت تقول: "إن تعليم الهولوكوست أمر حتمي للبشرية، والعديد من الدول، التي ظلت لفترة طويلة تواصل التقليل من أهمية المحرقة لأسباب سياسية"، متوقعة أن "يحذو الآخرون حذوها قريبًا".

المفارقة أنه رغم بيان تدريس الهولوكوست في مدارس الدولة الخليجية أكدت وكالة أسوشيتد برس الأميركية في 9 يناير أن "السلطات التعليمية في الإمارات لا تعترف بما أعلنته سفارتها في أميركا".

كما انتقد الأكاديمي البارز عبدالخالق عبد الله أحد المستشارين السابقين لرئيس دولة الإمارات محمد بن زايد عندما كان وليا للعهد هذه الخطوة.

وقال عبر تويتر إن الحديث عن تدريس الهولوكوست في المدارس "لا قيمة وطنية أو إضافة تربوية له"، ودعا لنفي رسمي صريح لما أعلنته السفارة.

لكن قصة تعهد الإمارات بتدريس الهولوكوست في مدراسها أقدم من ذلك، وترجع إلى 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وقتها قالت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" إن الإمارات تتخذ خطوات كبيرة لمكافحة ثقافة إنكار الهولوكوست في أعقاب اتفاقات أبراهام.

وأضافت: "بعد أن غابت تماما عن المواد التعليمية للأطفال في الإمارات، وجرى حجب اسم إسرائيل عن الخرائط، تقرر الآن إدراج الهولوكوست بالكامل في المناهج الدراسية".

الأخطر هو كشف الصحيفة العبرية أن "معهد مراقبة السلام والتسامح الثقافي في التعليم المدرسي" (IMPACT-se) ومقره تل أبيب ولندن، سيقدم استشارات لوزارة التعليم الإماراتية بشأن كيفية تعليم الأطفال وطلاب المدارس الابتدائية والثانوية، لـ "الهولوكوست".

بل وكشفت "تايمز أوف إسرائيل" أن متحف الهولوكوست في إسرائيل (ياد فاشيم) "يعمل أيضًا مع وزارة الثقافة والشباب الإماراتية على تطوير المناهج الدراسية، وتغيير محتواها العربي والمساعدة في تطوير مواد جديدة".

ونقل عن "روبرت روزيت"، المؤرخ في المعهد الدولي لأبحاث الهولوكوست في ياد فاشيم، أن المغرب سينضم لذلك. وأوضح أنه بعد التوقيع مباشرة على اتفاقيات إبراهام، أعلن المغرب أنه سيُضمن التاريخ والثقافة اليهودية في مناهجه.

وتأمل أن "يساعد تدريس الهولوكوست في مناهج الإمارات والمغرب لتغيير تشوهات تثار حول المحرقة النازية".

وقد نقلت "تايمز أوف إسرائيل" عن "ماركوس شيف"، الرئيس التنفيذي لمنظمة IMPACT-se، أن المناهج الدراسية الإماراتية رغم هذا، لا تعادي إسرائيل وتعترف بالمكانة التاريخية لليهودية في العالم العربي والدولي.

وذكرت الصحيفة العبرية أن الإماراتي أحمد المنصوري أقام أول معرض مخصص لإحياء ذكرى الهولوكوست في الشرق الأوسط كمحاولة للتغلب على إنكار الهولوكوست.

كما جمع المنصوري شواهد اليهودية التاريخية من جميع أنحاء المنطقة منذ افتتاح المتحف عام 2013.

وأشارت إلى أنه سبق وافتتح عام 2021 أول متحف لإحياء ذكرى الهولوكوست في المنطقة في دبي، بعد أشهر فقط من اتفاقات التطبيع التي توسطت فيها الولايات المتحدة.

قبل هذا سمحت الإمارات -للمرة الأولى في دولة عربية- لسفارة دولة الاحتلال بإقامة "مراسم ذكرى ضحايا الحروب الإسرائيلية" بالعاصمة أبوظبي في 3 مايو/أيار 2022، ما يعني التضامن مع جنود الاحتلال الذي قتلوا خلال احتلاهم أراض عربية.

وترأس سفير إسرائيل في الإمارات أمير حايك هذه المراسم، وتضمن الحفل تلاوة عدد من الصلوات التذكارية اليهودية التقليدية.

وجاء الاحتفال "على خلفية العلاقات الرسمية المزدهرة بين إسرائيل وبعض الدول العربية"، بحسب ما نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 8 يناير 2022.

كما سمحت الإمارات أيضا للصهاينة عام 2021 وللمرة الأولى بإقامة احتفال في دولة عربية لذكرى المحرقة (الهولوكوست).

وكان الحفل، الذي أقيم في دبي، مبادرة مشتركة بين "إسرائيل-إز" وهي منظمة تهدف إلى تحسين صورة الكيان العالمية، ومنظمة "معا"، التي تهدف إلى دمج فلسطينيي الأراضي المحتلة عام 1948 في المجتمع الإسرائيلي.

ووقعت أبوظبي وتل أبيب على اتفاقية تطبيع العلاقات في سبتمبر/أيلول 2020، ما تسبب بسخط إسلامي واسع، وعدّتها الفصائل الفلسطينية طعنة في ظهر قضيتها.

"منتدى النقب" والتطبيع

تعلق دول التطبيع العربية علاقتها واصطفافها مع إسرائيل، عبر قمم مثل "قمة النقب" على شماعة تُسمي "المصلحة الفلسطينية"، وادعاء أن هذه العلاقات ستفيد في حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومواجهة إيران.

وذلك رغم أن البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإماراتية 10 يناير 2023 حول "منتدى النقب" أكد بوضوح أنهم "بحثوا خلاله مشاريع تهدف إلى تعزيز التعاون الأمني وتبادُل المعلومات"، أي لأسباب أمنية واستخبارية.

وأضاف البيان أن الاجتماع "ركز على بناء قدرات متعلقة بمشاركة المعلومات، في محاولة لزيادة التعاون بين جيوش دول المنتدى"، أي تعاون عسكري عربي إسرائيلي.

وحين رحب وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، 10 يناير 2023، باجتماع منتدى النقب في الإمارات بمشاركة 4 دول عربية إلى جانب إسرائيل وأميركا قال إن هدفه "بناء شبكات تعاون لتعزيز المصالح المشتركة والاستقرار الإقليمي".

لكنه زعم بدوره أن لقاء نحو 150 مسؤولاً من إسرائيل ومصر والبحرين والإمارات والمغرب استهدف أيضا "خلق زخم في العلاقات الإسرائيلية الفلسطينية نحو حل تفاوضي للصراع الإسرائيلي الفلسطيني".

وقد أكد مستشار وزارة الخارجية الأميركية ديريك شوليت، لموقع "تايمز أوف إسرائيل" 11 يناير أن منتدى النقب في أبوظبي "ناقش القضايا المتعلقة ببناء القدرات وتبادل المعلومات من أجل البناء على التعاون العسكري القائم بالفعل بين بلدانهم".

قال: "نعتقد أن هناك مجالا حقيقيًا لإنشاء مساحات يمكن لبلدان منتدى النقب أن تجتمع فيها للحديث عن تصور التهديدات. أمن الحدود، تغير المناخ، والاستعداد للكوارث".

وأضاف أن الولايات المتحدة تخطط لاستضافة أعضاء منتدى النقب لمشاركة طريقة تعاملها مع التهديدات الأمنية المختلفة.

أيضا أكد موقع "ميدل إيست آي" البريطاني 8 يناير 2023 أن الهدف من الاجتماعات العربية الإسرائيلية المشتركة هو تعزيز تكريس اتفاقيات أبراهام وزيادة التنسيق بين الدول حول قضايا الأمن والطاقة والسياحة والتعليم والأمن المائي.

لكن الموقع نبه إلى أن هذا هو أول اجتماع بين الدول العربية وحكومة إسرائيل اليمينية المتطرفة الجديدة، والتي يشرف اثنان من ورائها من الحركة الصهيونية الدينية على ملفات "قمة النقب".

وكان وزراء خارجية هذه الدول التقوا لأول مرة في كيبوتس سديه بوكير في صحراء النقب في مارس/آذار 2022، وحضر اللقاء أيضاً وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن.

ربما لهذا انتقد الأمين العام للمبادرة الوطنية الفلسطينية مصطفى البرغوثي، انخراط 4 دول عربية في فعاليات منتدى النقب الذي دشن في أبو ظبي، بدعوى أن هذا يخدم قضية فلسطين.

أكد في حوار مع قناة "الجزيرة مباشر" 11 يناير 2023 أنه "لا يحق لأي من المشاركين في المنتدى أن يتحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني"، مضيفاً أنهم ناضلوا كثيراً للوصول إلى الاستقلالية في القرار الفلسطيني وتمثيل شعبهم.

وشدد على أن "الادعاء بأن اللقاءات هذه تخدم الفلسطينيين هي ادعاءات فارغة وغير صحيحة وغير سليمة".

وطالب الحكومات العربية التي تشارك في التطبيع أن تتوقف عن ذلك، وتحترم إرادة الشعب الفلسطيني، و"تحترم حقنا في مقاومة الظلم والاضطهاد الذي تعرضنا له".

وتساءل البرغوثي: "كيف يمكن لدول عربية أن تجلس مع هؤلاء الفاشيين المتطرفين، الذين يهددون بالتطهير العرقي للشعب الفلسطيني، ويعلنون ليل نهار عن نيتهم ضم الضفة الغربية لهم، ويعملون على تحويل المسجد الأقصى إلى مكان صلاة تلمودية، وتقسيمه زمانياً ومكانياً".

وأخطر نتائج التهافت الإماراتي على التطبيع، هو أنه يزيد الغلو والتطرف الصهيوني ويصور للإسرائيليين الأمر على أنه "ضوء أخضر" عربي لممارساتهم العدوانية.

برغم تهافتها على التطبيع، كان موقف الإمارات بشأن تأجيل زيارة نتنياهو لأبوظبي "أمرا ايجابيا" كما يقول المحلل الفلسطيني صالح النعامي، لذلك ينبه لأهمية استمرار الضغط على المطبعين لفرملة اندفاعاهم نحو التطبيع.

"النعامي" كتب عبر تويتر أنه "يجب عدم الاستهانة بتأجيل الإمارات زيارة نتنياهو لها في أعقاب تدنيس بن غفير للأقصى لأن هذا يعني أنه كلما تعاظم التفاف الفلسطينيين ومقاومتهم حول الأقصى تقلص مسار التطبيع".

لكنه أوضح أن الإمارات حطمت كل أرقام قياسية أخرى في استفزاز الأمة والاستهانة بمشاعرها حين كانت أول دولة تدعو نتنياهو، لزيارتها في الوقت الذي أعلن وزير أمنه الإرهابي بن غفير نيته تدنيس المسجد الأقصى.

أيضا انتقد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة حسن نافعة الاجتماع الثاني لمجموعة النقب في الإمارات، مؤكدا أنه يضر بالقضية الفلسطينية ويشجع حكومة إسرائيل العنصرية الجديدة على إذلال الشعب الفلسطيني دون رد عربي.

واستغرب الإعلامي المصري حافظ المرازي أن يكون خبر تأجيل، وليس إلغاء الإمارات زيارة نتنياهو، حتى لا تواكب أسبوع زيارة وزيره بن غفير لساحة الأقصى، خبرا جيدا.

قال عبر تويتر: تواضعت مطالبنا حتى أصبح مجرد التأجيل خبرا جيدا، ورغم أن بن غفير كان من ضيوف سفارة الإمارات في إسرائيل احتفالا بالعيد القومي لدولة الشيخ زايد.

وعقب إعلان أبوظبي تقديم طلب لمجلس الأمن حول الاقتحام، تساءلت صحيفة "هآرتس" 3 يناير 2023: "أليست تلك الإمارات نفسها التي دعت واستضافت واستقبلت بالأحضان بن غفير في سفارتها بإسرائيل؟!".

ويشرح تحليل لوكالة "رويترز" البريطانية في 6 يناير 2023 معضلة الإمارات لموازنة تطبيعها مع إسرائيل، موضحة أنه "كان المقصود من اتفاقيات أبراهام أن تؤدي إلى تطبيع أوسع، لكن الأربع دول عربية المطبعة الآن في موقف صعب".

وتشير رويترز إلى أن "ميل إسرائيل الحاد بعد تولي حكومة متطرفة، وضع حلفاءها العرب الجدد في موقف حرج يتمثل في الاضطرار إلى التعامل مع القوميين المتطرفين، دون الظهور بمظهر التخلي عن الفلسطينيين".