رفع الفائدة وخفض الجنيه.. قرارات مصرية تأخذ الاقتصاد نحو الانهيار

طارق الشال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

توقع بنك "إتش إس بي سي HSBC"، في 9 يناير 2022، أن تغيرات أسعار الصرف في السوق المصرية، قد تنتهي عند بلوغ الدولار مستوى 30 - 35 جنيها على المدى القصير، مشيرا إلى أن هذا التراجع في سعر صرف الجنيه أمام الدولار قد ترافقه زيادات إضافية في أسعار الفائدة.

وبالفعل، واصلت العملة المصرية رحلة انهيارها، ليكسر الدولار حاجز 32 جنيها في 11 يناير / كانون الثاني 2023، ويصل إلى أدنى مستوى له في تاريخه قبل أن يستقر في نهاية اليوم عند حدود 30 جنيها للدولار.

تداعيات سلبية

وتأتي تلك القرارات لتفاقم من معاناة الشركات والمستثمرين المحليين خاصة في ظل تفاقم التضخم المستمر، بجانب انكماش القطاع الخاص غير النفطي للشهر الخامس والعشرين على التوالي، وفق مؤشر ستاندرد آند بورز غلوبال لمديري المشتريات. 

وبحسب الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، فإن إقبال البنوك المصرية على إصدار شهادات بمعدل ادخار 25 بالمئة يعكس حقيقة أن معدل التضخم في مصر أعلى بكثير من سعر الفائدة السائد في البنوك المحلية والذي جرى رفعه خلال الفترة الماضية إلى 16.25 بالمئة للمودعين و17.25 بالمئة للمقترضين. 

وأضاف الصاوي، لـ"الاستقلال"، أنه من خلال تلك المعطيات يمكن استنتاج أن معدل التضخم الحقيقي في مصر يصل إلى 25 بالمئة، مشيرا إلى أنه قابل للزيادة في ظل انخفاض قيمة الجنيه التي حدثت على مدار الأيام الماضية. 

وقرر البنك المركزي، رفع سعر الفائدة 3 بالمئة على الإيداع والإقراض في آخر اجتماع للجنة السياسة النقدية في 2022، متجاوزا بذلك توقعات السوق التي كانت عند 2 بالمئة.

وبهذا القرار، يكون البنك المركزي، رفع أسعار الفائدة 4 مرات خلال العام 2022، بواقع 8 بالمئة. 

وفق أحدث البيانات، ارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي، ليبلغ مستوى 21.5 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، مقابل 19 بالمئة خلال أكتوبر/تشرين الأول، ليسجل معدلا شهريا بلغ 2.7 بالمئة، بحسب بيانات البنك المركزي المصري. 

وأوضح الصاوي أن الانخفاض الحادث في سعر صرف الجنيه أمام الدولار سيؤدي إلى مزيد من ظاهرة الدولرة في الاقتصاد المصري وسيدفع المصريين إلى الاحتفاظ بما لديهم من دولارات وعملات أجنبية أخرى.

وأرجع ذلك إلى "عدم معرفتهم بعد بالسقف الذي يمكن أن تصل إليه عملية خفض الجنيه، فهم يسعون للحفاظ على مدخراتهم والأصول التي لديهم من خلال العملات الأجنبية".

وحول تداعيات تلك القرارات على الاستثمار، يرى الصاوي، أن بعض العاملين في الإنتاج من صناعة أو تجارة أو غيرها سيضطرون إلى تجميد نشاطه وإيداع أموالهم في البنوك ليحصلوا على نسبة العائد الكبيرة، بينما قد يتجه البعض الآخر إلى تقليص العمالة وخفض الإنتاج. 

وأشار إلى أن ذلك يعني مزيدا من البطالة والانكماش في القطاع الخاص في ظل الضبابية القائمة لدى المستثمرين والتي تجعلهم في حيرة من أمرهم.

وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، في 15 نوفمبر 2022، عن ارتفاع معدل البطالة في مصر إلى 7.4 بالمئة من إجمالي قوة العمل في الربع الثالث من العام، ارتفاعا من 7.2 بالمئة في الربع الثاني، بواقع 2.25 مليون متعطل.

بدوره، يرى الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، أن توفير شهادات استثمار بعائد 25 بالمئة في البنكين الرئيسين في البلاد "البنك الأهلي" و"بنك مصر"، له أثر مباشر على الاستثمار المحلي.

وأشار إلى أنه لا يوجد مشروع يربح هذا العائد في السنة، "وبالتالي وجود مثل هذه الشهادة يعني موت الاستثمار المحلي".

وأضاف ذكر الله، لـ"الاستقلال"، أن المستثمرين سيفضلون وضع أموالهم في البنوك على خوض مغامرة ومخاطرة الاستثمار، موضحا أن هذا العائد المرتفع سيؤدي إلى زيادة التكلفة ما يعني في النهاية مزيدا من التضخم الذي يسعي القرار في ذاته على احتوائه. 

ويعاني المستثمرون في مصر من عدم توافر الدولار ما أدى إلى تكدس وارداتهم في الموانئ المصرية لينخفض المعروض في الأسواق المحلية بشكل تدريجي ما أسهم أيضا في معدلات التضخم المرتفعة التي تشهدها البلاد في الوقت الحالي.

ويرى ذكر الله، أن رفع الفوائد في مصر يؤثر على الموازنة العامة ويؤدي إلى تنامي عجزها، مضيفا أن طرح شهادات بين الحين والآخر بعوائد أعلى قد يفقد ثقة الجماهير في القطاع المصرفي.

وتابع: "فبعد شهادات الـ18 بالمئة في مارس/آذار 2022 جاءت أخرى بـ 25 بالمئة، ومع المزيد من التعويم خلال الأيام القادمة قد نرى شهادات بعوائد أكبر وسط فقدان ثقة المصريين في عملاتهم المحلية". 

تكرار الآليات

وتسير السياسات النقدية للبنك المركزي من رفع فائدة وإصدار شهادات بعائد مرتفع وخفض للجنيه في حالة من التكرار دون جدوى بل إن الأزمات الاقتصادية تتفاقم.

إلا أن الحكومة منذ عام 2016، وقت التعويم الأول، لديها قناعة راسخة بأن استخدام نفس الأدوات سيقود إلى نتائج غير التي تعيشها البلاد الآن.

وأوضح الصاوي، أن المدخر في ظل هذا الأداء الحكومي المتراجع يبحث عن مصلحته خاصة عندما يجد أن سعر الفائدة وصل إلى 25 بالمئة.

فكثير من أصحاب الودائع في البنوك أو ممن لديهم شهادات استثمار سابقة بمعدلات أقل سيكسرون تلك الودائع أو يردونها إلى البنوك في سبيل الحصول على الشهادات الجديدة ذات العائد الأكبر، كما قال.

وأشار إلى أنه "هنا يظهر أن عملية رفع الفائدة من أجل جذب مدخرات المصريين الموجودة داخل الجهاز المصرفي هي عملية عبثية، ولا تؤدي إلى خطوة حقيقية لجذب الاستثمارات الموجودة داخل البيوت والشركات بعيدا عن البنوك كما تظن الحكومة". 

فيما يرى ذكر الله، أن قرار رفع الفائدة أو طرح شهادات استثمار عالية العائد في سبيل محاربة التضخم وفق مزاعم البنك المركزي ليست آلية فعالة.

ورأى أن التضخم في مصر ليس من جانب الطلب لكي يعمل البنك المركزي على سحب الأموال من السوق، وإنما هو تضخم ناتج عن شح الموارد والتضخم العالمي وغيرها من الأمور الأخرى وبالتالي هذا الإجراء سيكون محدود الأثر رغم تكلفته العالية.

ويكلف رفع معدل الفائدة بمقدار 1 بالمئة الموازنة العامة نحو 28 مليار جنيه، وفق تقديرات رئيس لجنة الخطة والموازنة في مجلس النواب المصري فخري الفقي.

إلا أن بعض التقديرات تذهب إلى أن كل زيادة بمقدار 1 بالمئة تكبد الحكومة 50 مليار جنيه؛ نظرا لأن الدين المحلي المصري يتجاوز 5 تريليونات جنيه. 

من جهتها قالت أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، علياء المهدي، عبر منشور من خلال صفحتها الرسمية على منصة فيسبوك: "لما تصدر شهادات بـ 25 بالمئة، مش دي شهادات أثرها تضخمي برضو؟؟؟".

وأردفت: "أولا سعر فائدة اقراض النشاط الاقتصادي لازم يرتفع وكذلك تكاليف الإنتاج والأسعار (التضخم). ثانيا في ظرف سنة حيبقي مع الموطنين سيولة كبيرة 25 بالمئة زيادة وإنفاقها أيضا أو جزء منها ح يكون تضخمي".

ثالثا الدول اللي معدلات التضخم فيها في حدود العشرين في المية أو أعلي زينا و منها المجر  والتشيك ولاتفيا وحتي تركيا و غيرهم… معدلات سعر الفايدة الأساسية فيها لا تتجاوز 9 بالمئة، (و باستثناءات محدودة جدا و لدول ضعيفة جدا لا يصح أن نقارن أنفسنا بها). لأنها دول عايزة نشاطها الاقتصادي لا يدمر".

وتابعت بالقول: "وأنا شايفة إن سعر فائدة 25 بالمئة  مبالغ في ارتفاعه ومضر للاقتصاد بالفعل… كيف تتخذ هذه القرارات بسياسات؟؟؟".

الانصياع لصندوق النقد 

تأتي السياسات النقدية والمالية المتبعة من قبل الحكومة منذ عام 2016 نتاج ما يسمى بالإصلاحات الاقتصادية المتفق عليها مع صندوق النقد الدولي.

إلا أن الدين العام ارتفع ليصل إلى 391.8 مليار دولار أميركي بعد أن كان عند مستويات 184.9 مليار دولار فقط عام 2017.

كما تدهور الجنيه المصري منذ 2016 وحتى الآن ليتراجع من مستوى 7 جنيهات للدولار الواحد إلى أكثر من 30 جنيها.

وحصلت مصر من صندوق النقد على شريحة أولى بقيمة 347 مليون دولار، ضمن قرض بقيمة 3 مليارات دولار وافق عليها الصندوق نهاية عام 2022.

ويرى الصاوي أن قرض صندوق النقد الدولي ليس منقذا في الماضي ولا الحاضر، وأن الذي يساعد على إنقاذ الاقتصاد المحلي هو توجه صحيح نحو عمليات الإنتاج والخروج من التمسك بالمسكنات.

وأشار الخبير إلى أن مشكلة الاقتصاد الحقيقية في مصر تتمثل بضعف حجم الإنتاج. وأوضح أن الصندوق لم يكن أكثر من شهادة أو ممر للحصول على مزيد من القروض من السوق الدولية.

وبين أن مصر واحدة من أكبر الدول التي تقترض بأعلى معدل فائدة في العالم عند سعر 6.5 بالمئة أو 7.5 بالمئة. 

وتابع: "يتوقع مع تراجع الوضع الائتماني والاقتصادي محليا أن تصل معدلات الفائدة مع العالم الخارجي بأعلى من هذا".

ودفعت تلك المعطيات الاقتصادية المتأزمة وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، مطلع نوفمبر 2022، إلى تعديل نظرتها المستقبلية لمصر إلى "سلبية"، بعد أن كانت "مستقرة".

وأرجعت الوكالة ذلك إلى تدهور وضع السيولة الخارجية للبلاد، وتراجع قدرتها على الوصول لأسواق السندات، وأعلنت في بيان تثبيت التصنيف الائتماني لمصر عند (B+).  

وحذرت الوكالة بشأن خفض تصنيف مصر الائتماني قائلة، إن عجز ميزان المعاملات الجارية المتضخم، ومدفوعات الديون الأجنبية البالغة 33.9 مليار دولار على مدى السنوات الثلاث المقبلة حتى منتصف 2025، يجعلان القاهرة عرضة للخطر. 

من جانبه، يعتقد ذكر الله، أن مصر بلجوئها لصندوق النقد في القرض الأخير فضلت الانصياع له وفقدان جزء من القرار الاقتصادي السيادي للدولة والرضوخ لإملاءاته التي من بينها التعويم وغيرها من القرارات التي يجرى اتخذها في الوقت الحالي.

وتوقع أن يسير الاقتصاد المصري من سيئ إلى أسوأ، وبالتالي سيكون الأمر ثقيلا على ما تبقى من الطبقة المتوسطة في حال كانت ما تزال موجودة.

هذا الإضافة للفقراء الذين يعانون من أزمات طاحنة وتصل نسبتهم وفق الأرقام الرسمية الأخير الصادرة عن العام المالي 2019-2020 إلى نحو 29.7 بالمئة. 

ورأى بنك نومورا الياباني، في 24 نوفمبر 2022، أن مصر هي الدولة الأكثر عرضة لأزمة عملة بين الأسواق الناشئة خلال الأشهر الـ12 المقبلة، وفقا لنموذج الإنذار المبكر الخاص بالبنك لأزمات أسعار الصرف في الأسواق الناشئة، والمعروف باسم داموكليس.

وهو ما ينذر برفع فائدة وإصدار شهادات استثمار أعلى من 25 بالمئة في ظل هذا السباق الحاصل بين الحكومة وتقلبات أسعار سعر صرف الجنيه.