القمح الأوكراني.. هكذا سرقه بوتين وخزنه الأسد وفضحتهما الأقمار الصناعية

لندن - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

شكلت سرقة الحبوب أولى التكتيكات الحربية التي اتبعتها روسيا في غزوها لأوكرانيا، الأمر الذي وثقته كييف وقدمت أدلة على نقل موسكو شحنات القمح إلى الموانئ السورية.

فمنذ بداية الحرب في 24 فبراير/شباط 2022 وتقدم الآلة العسكرية الروسية على مناطق أوكرانيا، رصدت كييف عمليات نهب الحبوب.

سرقة ممنهجة

وجمعت كييف شهادات أصحاب الحقول والصوامع في الأراضي الأوكرانية المحتلة، واستعانت ببيانات الأقمار الصناعية لكشف تحركات الشاحنات إلى الموانئ التي تديرها موسكو، كما جرى تتبع السفن المغادرة والتي تحمل حبوبا مسروقة.

وكانت سوريا بقيادة رئيس النظام بشار الأسد حليف روسيا الأول في الشرق الأوسط، إحدى أبرز الوجهات لتخزين موسكو القمح المسروق، "لغايات إستراتيجية" مستقبلية.

يرجع ذلك، إلى هيمنة روسيا على ميناء طرطوس السوري على البحر المتوسط بشكل كامل منذ عام 2017، وجزء من ميناء اللاذقية بعد اتفاق 17 يناير/كانون الثاني 2022 مع إيران الذي تشرف عليه منذ عام 2019.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة رويترز البريطانية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2022، فإن سوريا زادت في هذا العام بشكل حاد واردات القمح من شبه جزيرة القرم الأوكرانية المطلة على البحر الأسود والتي ضمتها روسيا عام 2014.

القمح الذي جرى إرساله إلى سوريا من ميناء سيفاستوبول على البحر الأسود في شبه جزيرة القرم، زاد 17 ضعفا عام 2022، إلى ما يزيد قليلا عن 500 ألف طن، وفقا لبيانات الشحن التي لم يبلغ عنها سابقا، لتشكل ما يقرب من ثلث إجمالي واردات البلاد من الحبوب.

وتعتمد روسيا وسوريا، بشكل متزايد على سفن تابعة لهما لنقل الحبوب، بما في ذلك ثلاث سفن سورية تخضع لعقوبات تفرضها واشنطن.

وتتقاطع معلومات وكالة رويترز الجديدة، مع ما ورد في تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية، نشرته في 6 يونيو/حزيران 2022.

وكشف التقرير أن الحكومة الأوكرانية اتهمت روسيا بسرقة ما يصل إلى 500 ألف طن من القمح الأوكراني، بقيمة 100 مليون دولار، منذ الغزو الروسي.

ويقول مسؤولون أوكرانيون، إن الكثير من الحبوب نقلت بالشاحنات إلى موانئ في شبه جزيرة القرم، ثم نقلت إلى سفن، بما في ذلك بعض السفن التي تخضع لعقوبات غربية.

بوابة خلفية

وظهرت التقارير الأولى عن نهب الحبوب الأوكرانية منذ منتصف مارس/آذار 2022، ومنذ ذلك الحين، تباهى المعلقون في محطات التلفزيون الحكومية الروسية علانية بالمصادرة، قائلين إن روسيا تعتزم الاستمرار فيها.

لدرجة أن تاراس فيسوتسكي، نائب وزير الزراعة الأوكراني، قال إن الروس سرقوا أيضا آلات زراعية تقدر قيمتها بنحو 15 إلى 20 مليون دولار.

وينتهي المطاف بمعظم الحبوب المنهوبة، وفقا لمسؤولين أوكرانيين، في موانئ مثل سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم.

ولذلك، فإن روسيا حرصت على جعل سوريا بوابتها الخلفية لتكديس الحبوب المنهوبة، نظرا لنفوذها الواسع على ساحل البحر المتوسط عبر قاعدة طرطوس البحرية الروسية التي استأجرتها موسكو من النظام السوري لمدة 49 عاما.

ويعد ميناء طرطوس الأكبر في سوريا، ويمتلك المرفأ ميزات فنية تؤهله ليكون ضمن المرافئ المتطورة.

إذ يشغل حاليا مساحة 3 ملايين متر مربع منها 1.2 مليون متر مربع مساحة الأحواض المائية و1.8 مليون متر مربع مساحة الساحات والمستودعات والأرصفة، التي تلبي حاجة عمليات الاستثمار.

وتسمح الاتفاقية بوجود 11 سفينة حربية، بما في ذلك النووية منها في آن واحد، لمدة 49 عاما، مع إمكانية التجديد التلقائي لفترات لمدة 25 عاما.

وتنص الوثيقة، على أن يسلم النظام السوري لروسيا الأراضي والمياه في منطقة ميناء طرطوس للاستخدام المجاني طوال مدة الاتفاق، فضلا عن العقارات التي لم يعلن عنها رسميا.

في أغسطس/آب 2022، زعمت الإدارة التي أنشأتها روسيا في شبه جزيرة القرم، أن 1.4 مليون طن من القمح، جرى حصادها من الحقول فيها، لكن أوكرانيا شككت في هذه الأرقام، قائلة إن تلك المنطقة لا تنتج الكثير.

وقبل غزو أوكرانيا، كان النظام السوري يستورد الحبوب من شبه جزيرة القرم، لكنه استورد حتى نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2022 حوالي 501800 طن من القمح من سيفاستوبول ارتفاعا من حوالي 28200 طن في عام 2021 بأكمله.

وجرى تسلم الشحنات من مايو/أيار 2022 فصاعدا بأكبر شحنة شهرية تبلغ 78600 طن في أكتوبر/تشرين الأول، وفقا للبيانات التي جرى تجميعها من تقارير فحص الموانئ المقدمة من مشغلي الموانئ.

خطوة استباقية

اللافت أن روسيا، عمدت إلى خطوة استباقية في هذا الشأن ضمن الرؤية الإستراتيجية لـ "سرقة الحبوب" التي جهزتها قبل غزو أوكرانيا.

إذ رعت موسكو توقيع "جمهورية شبه جزيرة القرم"، اتفاقيات تعاون جديدة بشأن الموانئ مع النظام السوري في 17 يناير 2022.

وشملت تلك الاتفاقيات حينها مذكرة تعاون بين موانئ القرم وميناء اللاذقية السوري، عقب لقاء وفد اقتصادي برئاسة وزير في النظام السوري محمد سامر الخليل، مع رئيس "جمهورية القرم"، سيرغي أكسيونوف.

وعلى هامش الاتفاقات، قال غيورغي مرادوف نائب رئيس وزراء القرم إن موانئ شبه الجزيرة يمكن أن تصبح البوابة البحرية الجنوبية الرئيسة لروسيا في إطار تطوير العلاقات التجارية والاقتصادية مع سوريا.

وزاد بالقول إن "موانئ الجزيرة منفتحة ومستعدة لتوريد المنتجات الروسية إلى سوريا دون خوف من أي عقوبات".

وتعد سفينة "Laodicea" واحدة من ثلاث سفن مملوكة لهيئة الموانئ السورية، التي تقول أوكرانيا إنها كانت تنقل القمح المنهوب من المتاجر في الأراضي الأوكرانية. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على السفن الثلاث منذ عام 2015.

وهناك "فينيقيا" أيضا وهي واحدة من ثلاث سفن تملكها شركة "سيريامار"، وهي وكالة شحن تملكها الدولة تابعة للنظام السوري.

وقد وضعت تلك الشركة ضمن اللائحة السوداء للعقوبات الأميركية التي فرضتها وزارة الخزانة على كل من تربطه صلة بنظام بشار الأسد وقواته، وفقا لموقع "ماريتايم إكسيكيوتيف".

وأكدت كييف في 18 مايو 2022، أن السفينة تعود لشركة شحن صغيرة ذات أسطول محدود، وأنها محملة بحمولة ساكنة تزن نحو 19 ألف طن.

وفي يونيو 2022، قالت السفارة الأوكرانية في بيروت، إن روسيا أرسلت لحليفتها سوريا ما يقدر بنحو 100 ألف طن من القمح سرقت من أوكرانيا بواسطة السفينة "ماتروس بوزينيتش" التي ترفع العلم الروسي، ورست في ميناء اللاذقية البحري الرئيس في سوريا أواخر مايو.

وأظهرت بيانات من شركة "Refinitiv" وهي واحدة من أكبر مزودي بيانات الأسواق المالية والبنية التحتية في العالم، تحميل القمح في السفينة بميناء سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم، إذ غادرت السفينة بتاريخ 19 مايو 2022، وكان موقع تفريغ الشحنة في سوريا.

وأظهرت صور الأقمار الصناعية من “Planet Labs PBC”، في 29 مايو 2022، أن السفينة نفسها راسية في اللاذقية.

وكانت السفارة الأوكرانية في بيروت، قالت في 6 مايو 2022، إن روسيا أرسلت لحليفتها سوريا ما يقدر بنحو 100 ألف طن من القمح سرقت من أوكرانيا منذ غزوها البلاد، واصفة الشحنات بأنها "نشاط إجرامي".

وأفادت السفارة بأن الشحنات جرت بواسطة السفينة “ماتروس بوزينيتش” التي ترفع العلم الروسي، والتي رست في ميناء اللاذقية البحري الرئيسي في سوريا.

وتعهدت روسيا سابقا بتزويد النظام السوري بمليون طن من القمح، بموجب اتفاق ثنائي عام 2021، بحسب وكالة “إنترفاكس”، وشملت واردات الحبوب السورية شحنات من شبه جزيرة القرم.

وسبق أن قال وزير الاقتصاد في حكومة النظام السوري، محمد سامر الخليل، إن بلاده بحاجة إلى 1.5 مليون طن من واردات القمح، مع توفير روسيا الأغلبية.

الأسد شريك

ويرى حسن خانينجي، مدير معهد هورن الدولي للدراسات الإستراتيجية، وهو هيئة بحثية في كينيا، أنه بمواجهة الحاجة الملحة للحبوب، فمن غير المرجح أن تتردد العديد من الدول الإفريقية قبل شراء الحبوب التي توفرها روسيا بغض النظر عن مصدرها، وفق صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في يوليو/تموز 2022.

وتقدر وزارة الدفاع الأوكرانية أن ما لا يقل عن 400 ألف طن من الحبوب قد سرقت وأخذت من أوكرانيا منذ الغزو الروسي.

في بداية غزو أوكرانيا، سعى الكرملين إلى استخدام اعتماد أوروبا على صادرات الطاقة الروسية كورقة مساومة، في محاولة لجعل الدول الأوروبية تدفع ثمن الغاز الروسي بالروبل لدعم العملة الفاشلة.

لكن لم يلتزم الاتحاد الأوروبي، وقرر قطع 90 بالمئة من واردات النفط الروسية وثلثي واردات الغاز بحلول نهاية 2022 بدلا من ذلك.

الآن، يبدو أن موسكو تنتقل إلى استخدام أزمة الجوع العالمية التي تلوح في الأفق، والصراع العالمي الناجم عن فقدان الصادرات الغذائية الروسية والأوكرانية لصالحها.

وبحسب تحقيق نشرته وكالة "أسوشيتيد برس" الأميركية، و"فرونت لاين"، في 3 أكتوبر 2022، وجد أن سفينة الشحن السورية "لاوديسا" التي يبلغ طولها 138 مترا (453 قدما) والمملوكة للنظام السوري، هي جزء من عملية تهريب متطورة تديرها روسيا.

واستخدمت هذه السفينة بيانات مزيفة و"حيلا بحرية"، لسرقة حبوب أوكرانية بقيمة لا تقل عن 530 مليون دولار.

ووفق التحقيق فإن "هذه السيولة النقدية ساعدت في تغذية آلة الحرب للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين".

كما ظهر أن شركة بناء السفن المتحدة (دفاعية روسية مملوكة للدولة ومختصة بالمقاولات)، متورطة في تهريب الحبوب.

وقد أجرت السفن الثلاث ما لا يقل عن 17 رحلة بين شبه جزيرة القرم وموانئ في تركيا وسوريا.

ويرى أوليج نيفيفسكي، الأستاذ المساعد ونائب الرئيس لتعليم الاقتصاد في كلية كييف للاقتصاد، أن ارتفاع الطلب على الحبوب يجعل من السهل على الروس العثور على مشترين.

وأضاف في 3 أكتوبر 2022: "لن تكون هناك مشكلة في بيع الحبوب المسروقة من أوكرانيا على الإطلاق"، وفق ما نقلت وكالة "أسوشيتيد برس".

وأمام كل هذه العمليات، يعد النظام السوري شريكا رسميا لروسيا، في سرقة الحبوب وتسهيل تخزينها في مواقع خاضعة للنفوذ الروسي على سواحل البحر المتوسط من جهة سوريا.