المدارس الفلسطينية في القدس.. كيف تهددها حكومة اليمين الإسرائيلي الجديدة؟

12

طباعة

مشاركة

في ظل تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، ينتظر قطاع التعليم في القدس مزيدا من الاستهداف ومحاولات فرض المناهج الإسرائيلية في جميع مدارس المدينة المحتلة، وحذف كل ما له علاقة بالانتماء الوطني الفلسطيني.

ووضعت "إسرائيل" في عام 2018 خطة خمسية محكمة للسيطرة على التعليم في مدينة القدس (2018-2022)، تهدف إلى أسرلة التعليم بنسبة 90 بالمئة، وتفريغ البلدة القديمة من المدارس والسيطرة على مبانيها التاريخية الأثرية بهدف تحويلها إلى مدينة سياحية.

وظهرت تحذيرات فلسطينية من القدس حول خطورة واقع التعليم بالمدينة مع قرب تشكيل بنيامين نتنياهو زعيم حزب الليكود اليميني الحكومة الأكثر تطرفا وفق مراقبين. 

وسبق وأكد رئيس بلدية الاحتلال السابق في مدينة القدس، نير بركات، في تصريح له في يناير/كانون الثاني 2019، أنهم "يقودون ثورة في التعليم بشرقي القدس لدمج العرب في المجتمع الإسرائيلي".

ويبلغ عدد الطلبة في كل من المرحلة الابتدائية والإعدادية والثانوية نحو 98428 طالبا وطالبة وفقا لبيانات نشرتها مؤسسة فيصل الحسيني (فلسطينية خيرية) مطلع يوليو/تموز 2022.

ويشرف على التعليم في القدس خمس جهات مختلفة هي: مدارس الأوقاف وتتبع لمديرية التربية والتعليم بالمدينة، وتعمل ضمن إطار وزارة التربية والتعليم الفلسطينية وتلتزم بالمناهج الفلسطينية.

والجهة الثانية هي المدارس الأهلية والخاصة وتتبع للكنائس أو الجمعيات الخيرية، أو مدارس أهلية وخاصة تتبع أفرادا.

 وتلتزم المدارس الأهلية بالبرامج التعليمية الفلسطينية والمنهاج الفلسطيني رغم أن غالبيتها يعمل تحت ضغوطات إسرائيلية بسبب حصولها على مخصصات إسرائيلية شهرية.

والجهة الثالثة هي مدارس إسرائيلية، وتدار بشكل كامل ومباشر من دائرة المعارف (وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية) وبلدية الاحتلال وتخضع لتطبيق المناهج الفلسطينية المحرفة وجزء منها يطبق فيها المناهج الاسرائيلية.

والرابعة هي مدارس لمستثمرين وهي مرخصة ومعترف بها ولكن غير رسمية، ويطلق عليها أيضا اسم مدارس المقاولات لأن إدارتها تتعاون مع المعارف الإسرائيلية وتلتزم بتعليماتها كاملة، لفتح صفوف في مبان سكنية، وذلك مقابل مخصصات تتقاضاها من بلدية الاحتلال.

والخامسة والأخيرة هي المدارس التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا"، وتعمل تحت إدارة المؤسسة الدولية، وتلتزم بالنظام التعليمي والمنهاج الفلسطيني.

ووفقا للقانون الإسرائيلي، لا يمكن تفعيل أي مدرسة في شرق القدس دون ترخيص صادر عن وزارة المعارف الإسرائيلية، وبالتالي فإن كل المدارس الأهلية والبلدية تحصل على ترخيص منها.

معركة مستمرة

منذ بداية العام الدراسي نهاية أغسطس/آب 2022، تدور معركة في القدس عنوانها المنهاج الدراسي الذي تحاول سلطات الاحتلال فرضها على جميع المدارس في المدينة. 

ونهاية يوليو/تموز 2022 أقرت ما تسمى وزارة المعارف إلغاء التراخيص الدائمة لمدارس فلسطينية بالقدس المحتلة بسبب ما قالت إنه "تحريض ضد الدولة والجيش في الكتب المدرسية".

وهددت الوزيرة يفعات شاشا بيتون بإلغاء رخصة كل مؤسسة تعليمية تحوي مناهجها تحريضا على "دولة إسرائيل ورموزها".

جاء ذلك بعد سلسلة من عمليات تفتيش لتلك المدارس نفذتها إدارة الرقابة والتطبيق في الوزارة الإسرائيلية، وصلت إلى حد انتقاء كتب من حقائب الطلبة داخل الصف الدراسي، واستدعاء مديري المدارس إلى لجنة استماع.

لينتهي الأمر بحرمانهم من رخصة التشغيل الدائمة، واستبدال أخرى مؤقتة بها لمدة عام، تعمل المدرسة خلالها على إزالة بعض المضامين شرطا لإعادة الرخصة. 

وخلال أغسطس أرسلت الوزارة رسالة إلى عدة مدارس بعنوان "كتب مدرسية تحتوي على محتوى تحريضي في مدارس القدس الشرقية".

والمدارس المذكورة هي الكلية الإبراهيمية في حي الصوانة، والتي تأسست عام 1931، ومدارس الإيمان بفروعها الخمسة في أنحاء القدس المحتلة، والتي تأسست عام 1984. 

وزعم القرار الإسرائيلي الأخير أن "التحريض" ورد في بعض كتب الصف الثالث والسابع والتاسع عبر تمجيد الأسرى وكفاحهم المسلح ضد الاحتلال، واتهام الأخير بالمسؤولية عن أزمة الماء في أراضي السلطة الفلسطينية.

وأيضا الحديث عن احتلال فلسطين والجرائم بحق شعبها، وسرد قضايا النكبة عام 1948 والمذابح والهدم والاعتقال والاستيطان وجدار الفصل، بالإضافة إلى عرقلة واستهداف الطواقم الطبية الفلسطينية.

عضو المجلس التنسيقي للتعليم بمدينة القدس المحتلة، رائد البشير، حذر من زيادة تغول السلطات الإسرائيلية على التعليم في القدس مع الحكومة الإسرائيلية القادمة والتي تضم أكثرهم تطرفا وهو إيتمار بن غفير.

ويقول البشير في حديثه لـ"الاستقلال: "سلطات الاحتلال أدركت أن التعليم في مدينة القدس المحتلة يلعب دورا في تكوين شخصية الجيل الفلسطيني الذي يعلم كيف يتعامل مع الاحتلال بطريقة صحيحة".

ويلفت إلى أن مدارس المدينة المقدسة تتعرض لحملة قوية من قبل دائرة المعارف الإسرائيلية، بهدف تمرير مناهجها المحرفة، واستبدال المناهج الفلسطينية.

ويضيف: "القانون الدولي يقر أن مدينة القدس محتلة، ويلزم سلطة الاحتلال بتأمين الحقوق الأساسية كافة لأهلها واحترام عقائد وتقاليد الشعب الذي تحتله، وحرية التعليم لسكانها، وأحقيتهم باختيار مناهجهم الدراسية بما يتوافق مع الرواية الفلسطينية".

وتكفل المادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة والمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حق الشعوب تحت الاحتلال في الحصول على التعليم الذي يتماشى مع معتقداتهم وحماية ثقافتهم وتراثهم من التغيير أو التشويه.

ويوضح أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي بدأت استهداف مدارس القدس من خلال سحب التراخيص الدائمة لعدد منها، ومنحهم ترخيصا مؤقتا لمدة عام، بسبب عدم التزامها بالمنهاج المحرف.

ويبين أن أشكال مهاجمة السلطات الإسرائيلية للمدارس التي تدرس المنهاج الفلسطيني تتمثل في سحب التراخيص منها، وإجراء جولات تفتيشية عليها، وتوقيف الطلبة بالشوارع والعبث في حقائبهم للتأكد من وجود أي منهاج يجرى تدريسه في مدارسهم.

ويشير إلى أن السلطات الإسرائيلية لا تمتلك أي صلاحيات على المدارس الخاصة في مدينة القدس، ولا يحق لها إلزامها بتدريس أي مناهج، أو تطبيق أي قرارات إدارية أو تعليمية.

أزمات المدارس 

وإلى جانب مواجهة السلطات الإسرائيلية للمنهاج، تعاني المدارس الفلسطينية في مدينة القدس من نقص حاد في الغرف الصفية تصل إلى حوالي 2200 غرفة صفية، إضافة إلى أن معظم الأبنية المدرسية هي عبارة عن مبانٍ سكنية مستأجرة.

الناطق الإعلامي باسم اتحاد لجان أولياء الأمور في مدينة القدس رمضان طه، أكد أن السلطات الإسرائيلية تقدم الكثير من المميزات للمدارس التابعة لها والتي تدرس المناهج الإسرائيلية المحرفة.

وقال طه في حديثه لـ"الاستقلال": "تعمل السلطات الإسرائيلية على مضايقة المدارس الفلسطينية التي ترفض تدريس مناهجها، وتهدد بعدم تقديم أي ميزانيات لها، وسحب التراخيص منها".

وشدد على أن مجلس أولياء الأمور في مدينة القدس سيعمل على مواجهة محاولات تمرير تدريس المناهج الإسرائيلية المحرفة لأنها تحمل موضوعات مضللة تهدف للتأثير على عقول الطلبة.

وبين أن أخطر ما يحمله المنهاج الإسرائيلي هو استخدام مصطلحات يهودية وتسمية الرموز الفلسطينية بأسماء إسرائيلية، كمصطلح جبل الهيكل بدلا من المسجد الأقصى، وعيد الاستقلال بدلا من النكبة الفلسطينية.

ولفت إلى أن دائرة المعارف الإسرائيلية حاولت خلال الأيام الأخيرة اقتحام المدرسة الإبراهيمية في مدينة القدس بهدف التفتيش على المناهج التي تدرس داخل المدرسة وفرض المناهج المحرفة، ولكن جرى منعهم من قبل إدارة المدارس.

وعن طريق مواجهة لجنة أولياء الأمور للمناهج الإسرائيلية المحرفة، أشار إلى أن هناك قرارا بالدخول في إضراب عن التعليم في حال أقدمت سلطات الاحتلال على سحب تراخيص أي من المدارس أو فرضت المناهج المحرفة بها.

مدير مركز القدس الدولي (معلوماتي)، حسن خاطر، بين أن التعليم في مدينة القدس يعد من أكثر الملفات التي يتعرض للتهويد بشكل مباشر وغير مباشر، سواء من خلال نقص المدارس، وضعف البنية التحتية فيها، وعلى مستوى ضعف الإمكانيات المادية.

وقال خاطر في حديثه لـ"الاستقلال: "هناك نقص كبير في عدد الصفوف في مدارس القدس واكتظاظ للطلبة، وغياب للمرافق الصحية".

وبين أن الاحتلال يريد اتباع المدارس العربية والفلسطينية له، بهدف الوصول إلى الإنسان الفلسطيني بمراحل الطفولة، وهي التي يتشكل وعيه فيها، لذلك يرغب بالوصول إلى الجيل من خلال تدريس تلك المناهج.

وكشف أن المدارس الصامدة في مدينة القدس والتي ترفض تدريس المنهاج الإسرائيلي، وضعها بائس، وقد يغلق بعضها خلال الفترات القادمة، نتيجة غياب الدعم المادي لها.

ولفت إلى أن هيمنة الاحتلال على التعليم بالقدس، تعني تقديم الرؤية الإسرائيلية للإنسان الفلسطيني، والدخول بعقول الأطفال والجيل القادم، وهو ما يشكل خطورة كبيرة.

وأشار إلى أن هناك صراعا مستمرا بين مجالس الأمور وسلطات الاحتلال في القدس، لمنع تمرير المناهج الإسرائيلية في جميع المدارس الفلسطينية، وتشويه الوعي، لذلك القدس بحاجة إلى دعم في مواجهة المحاولات الإسرائيلية ضد التعليم. 

وفي 27 أغسطس قالت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية، إن تحريف سلطات الاحتلال الإسرائيلي كتبنا كما يحلو لها، وإعادة طباعة الكتب المحرفة والإبقاء على أسماء مؤلفيها هو جناية سيجرى مقاضاتها عليها. 

وأضافت "التربية" أن سلطات الاحتلال تشن هجمة شرسة وغير مسبوقة على التعليم الفلسطيني في القدس العاصمة، كجزء لا يتجزأ من خططها لضمها ومحو كل ما هو فلسطيني من معالمها المادية والمعنوية والروحية وطمسها وتشويهها.

وأبرز انتهاكات الاحتلال بحق التعليم هو تحريف الكتب المدرسية الفلسطينية وتزويرها، وتهديد المدارس الفلسطينية على تبني الكتب المحرفة بالإكراه، والضغط عليها لاستحداث برامج التعليم (الإسرائيلية) المعتمدة لديها، وفق الوزارة. 

وأوضحت أن المدارس الخاصة والأهلية والأجنبية تلتزم بالحصول على رخصة مزاولة من الوزارة، طبقا للوائح والتعليمات المرعية استنادا إلى القانون الأساسي الفلسطيني، وقانون التربية والتعليم، ويشترط الترخيص التزامها بالمناهج والكتب والامتحانات التي تعتمدها فلسطين.