أمام الاحتجاجات.. إيران تستورد مليشيات سورية لتعزيز ساحتها الداخلية

لندن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

شكل تراجع المعارك في سوريا منذ عام 2020 فرصة لإيران لسحب بعض مليشياتها هناك، بهدف تعزيز جبهتها الداخلية على ضوء الاحتجاجات الشعبية الملتهبة.

وعجزت قوات الأمن الإيرانية عن إخماد الاحتجاجات المتفجرة منذ منتصف سبتمبر/أيلول 2022، والتي وصل سقف مطالبها لحد المطالبة بإسقاط نظام الملالي (ولاية الفقيه).

واندلعت الاحتجاجات عقب مقتل الشابة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما، بعد ثلاثة أيام من احتجازها داخل فرع طهران لـ"شرطة الأخلاق" في 13 سبتمبر 2022، بدعوى عدم احترام قواعد اللباس التي تفرض على النساء ارتداء الحجاب بإيران.

سحب مقاتلين

حالة التخبط داخل النظام الإيراني لاحتواء تلك الاحتجاجات، رغم القمع المفرط لها وتدخل الحرس الثوري لوأدها، أجبرت السلطات على الاستعانة بالمليشيات التي أسستها ودربتها في سوريا منذ عام 2012.

إذ تمتلك إيران حاليا نحو مئة ألف عنصر مقاتل لها في سوريا جرى تنظيمهم منذ تدخلها عسكريا لوأد الثورة عام 2012، ولتحقيق حلم طهران بالوصول للبحر المتوسط عبر ترسيخ وجودها العسكري.

وهؤلاء أسسهم الحرس الثوري عبر خليط من عناصر محلية سورية وأخرى عراقية وأفغانية وباكستانية ولبنانية، وينتشرون في 14 محافظة سورية طبقا لنظام توازن الجبهات مع المعارضة السورية.

وكذلك تبعا للأهمية العسكرية للمدن ولا سيما الحدودية مع إسرائيل جنوب سوريا، ولطبيعة الدور المناط لعناصر تلك المليشيات على خارطة الوجود الإيراني في هذا البلد.

وأكدت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية المتخصصة في الشأن الاستخباراتي، في تقرير نشرته في 16 ديسمبر/كانون الأول 2022، أن الحرس الثوري يواجه صعوبة في مواجهة الاحتجاجات داخل إيران.

ولذا وفق المجلة، أعاد الحرس الثوري مراجعة نظام إدارة مليشياته المختلفة للتكيف مع تطور الأحداث، ونشر مقاتليه الموزعين بين سوريا والعراق وحتى لبنان في أكثر المناطق الإيرانية توترا.

واضطر قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الجنرال إسماعيل قاآني لتعزيز مجموعاته العسكرية في مواجهة الانتفاضة الشعبية المستمرة.

وأمر قاآني بسحب بعض عناصر مليشياته المنتشرين في سوريا، ولم تعد جبهات المعارك المجمدة حاليا تتطلب مثل هذه القوة البشرية المسلحة.

فاطميون وزينبيون

وفي هذا السياق، عادت مجموعات كاملة من لواء زينبيون المكون من مليشيات شيعية باكستانية، ولواء فاطميون المكون من الهزارة الشيعة الأفغان إلى أكثر محافظات إيران توترا وهي: سيستان وبلوشستان.

كما سيرت شركتا "ماهان إير" و"إيران إير" الإيرانيتين رحلات جوية مكثفة بين دمشق وطهران.

وتحت شعار "لن تسبى زينب مرتين"، جذبت طهران عشرات الآلاف من المليشيات الشيعية من إيران ولبنان والعراق وباكستان وأفغانستان، للسفر إلى سوريا والقتال من أجل "حماية" مقام "السيدة زينب" جنوبي دمشق، وهي بنت الخليفة الرابع علي بن أبي طالب.

والمقام يقع في حي "السيدة زينب" أحد أحياء العاصمة دمشق، الذي بات منطقة إيرانية منفصلة بشكل كامل عن محيطها.

واتخذت طهران من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لإرسال مقاتلين وضباط من الحرس الثوري إلى سوريا، وأطلقت عليهم اسم "مدافعي الحرم".

ويبلغ عدد عناصر الحرس الثوري في إيران 125 ألف جندي، وقد جرى تشكيله بعيد ما تسمى بـ"الثورة الإسلامية" عام 1979 وفق المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.

ويرتبط الحرس الثوري مباشرة بالمرشد الأعلى علي خامنئي، ويمتلك قوات مشاة وبحرية وجوية خاصة، ويمسك بأجزاء مهمة من الاقتصاد الإيراني، ويتحكم بالبنية التحتية والطاقة.

واهتمت إيران بالهيكلية التنظيمية لمليشيا فاطميون وزينبيون، إذ عزلتهم عن باقي التشكيلات، وأسست لهم مقرات ومراكز تدريب خاصة في دير الزور وريف حلب الجنوبي.

وحظي هؤلاء بإعداد عسكري عالي المستوى، فضلا عن التهذيب الديني المستمر بإشراف مباشر من رجال دين إيرانيين، يأتون من طهران خصيصا لتلك المراكز.

وفي 9 يوليو/تموز 2021، زار قاآني أحد مقرات لواء "فاطميون" الأفغاني بالقرب من جبل عزان بريف حلب أكبر قاعدة عسكرية لإيران بسوريا والتي تعد مركز التحكم العملياتي للحرس الثوري الإيراني.

وتمتلك إيران 131 موقعا عسكريا بين قاعدة ونقطة وجود في عشر محافظات سورية، بحسب دراسة لمركز "جسور للدراسات، نشرها في 5 يناير/ كانون الثاني 2021.

مراكز الثقل

لكن مراكز الثقل تتباين من حيث التواجد المكثف، إذ تعد مدينة "البوكمال" الحدودية مع العراق شرق سوريا المعقل الأساسي للمليشيات الإيرانية الأجنبية، نظرا لموقع المدينة إستراتيجيا بالنسبة لإيران.

إذ تتكدس على الحدود المليشيات العراقية بفصائل متعددة الأسماء بينها من يتبع للحشد الشعبي وحركة النجباء ولواء حيدريون.

 وتلعب تلك المليشيات دورا مهما في تأمين دخول السلاح والذخيرة والوقود برا من العراق قادما من إيران إلى سوريا ولبنان.

تؤكد "إنتيليجنس أونلاين"، في تقريرها ذاته، أن بعض عناصر مليشيا الحشد الشعبي عادوا إلى إيران برا، في حين نقل مقاتلو حزب الله اللبناني بدءا من 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 إلى طهران وشمال البلاد من بيروت عبر شركة طيران "معراج" الإيرانية.

وأردفت: "تبرعت زينب ابنة قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، بمبلغ 2.5 مليون دولار لتشجيع مقاتلي حزب الله على الانضمام إلى فيلق القدس في مهامه في إيران".

وتعمل خلية مؤلفة من صقور النظام الإيراني على تنسيق الرد العسكري على الاحتجاجات، يرأسها قائد الحرس الثوري حسين سلامي.

وتضم كذلك، وزير الداخلية أحمد وحيدي ووزير المخابرات إسماعيل الخطيب وقائد مليشيا الباسيج غلام رضا سليماني، بالإضافة إلى قائد القوات الخاصة بالشرطة حسين كرمي ورئيس جهاز شرطة الآداب محمد رستمي جشمه كجي.

ورغم تماسك مواقع القيادة في النظام الإيراني، بدأت بعض الأصوات داخل المؤسسة الدينية تبدي الآن تعاطفا مع المتظاهرين.

من بينهم الرئيس الإيراني السابق (بين عامي 1997 و2005) محمد خاتمي والشخصية البارزة محمد جواد العلوي البروجردي وإمام أهل السنة في محافظتي سيستان وبلوشستان مولوي عبد الحميد.

كما وافق عضو البرلمان ولواء الحرس الثوري محمد إسماعيل كوثري على إرسال قوات برية إلى المدن الكردية لمواجهة "الانفصاليين".

وفي 9 نوفمبر 2022، قال قائد القوات البرية بالجيش الإيراني، إن "مثيري الشغب" لن يكون لهم مكان في إيران.

إذ أمر المرشد علي خامنئي بشن حملة قمع أكثر صرامة على الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد، حسبما ذكرت وكالة مهر شبه الرسمية للأنباء.

وتشكل هذه الاحتجاجات الجديدة ضغطا كبيرا على النظام الإيراني بعكس المظاهرات السابقة عامي 2017 و2019، والتي حدثت في مناطق الطبقة العاملة.

لا تأثير عسكريا

أما الآن، وللمرة الأولى، فقد شارك في الاحتجاجات أشخاص من جميع شرائح المجتمع والفئات العمرية الإيرانية، الأمر الذي دفع طهران للزج بقوات الأمن في عشرات المدن والبلدات على مستوى البلاد.

ولعل هذا ما يدفع إيران لتعزيز جبهتها الداخلية من مليشياتها التي أسستها في دول عربية، في أكثر لحظة فارقة يعيشها النظام الإيراني لكون الاحتجاجات التي اندلعت على خلفية وفاة مهسا أميني تشكل أكبر تحد لإيران منذ ثورة العام 1979.

ولهذا فإن نشر إيران لقوات قمعية إضافية لإخماد الاحتجاجات، عبر سحب مقاتلين من سوريا، لم يكن وليدة الصدفة، بل يعد جزءا من إستراتيجية طهران في تهيئة هؤلاء لمثل هذه المهمات.

وفي هذا الإطار، يؤكد الصحفي المهتم بالشأن الإيراني علاء الفايز، أن "خطوة سحب إيران بعض مليشياتها من سوريا متوقعة خاصة أنها حولت كثير من المناطق لمواقع تدريب عسكرية وأمنية وقتالية، بمعنى أن هؤلاء باتوا مختصين بعمليات القمع ومكافحة أعمال الشغب ومواجهة الاحتجاجات".

ولفت الفايز لـ "الاستقلال"، إلى أن "إيران قسمت تلك المليشيات حسب جنسياتهم وجهزت لهم معسكرات يخدمون فيها بشكل نظامي بإشراف مباشر من ضباط الحرس الثوري".

فضلا عن "تأهيل تلك المليشيات من الناحية العقائدية وجلب المعممين لهم بشكل مستمر من الحوزات الإيرانية وإلقاء الخطب والدروس لهم ضمن ما يعرف بمشروع الولي الفقيه".

وألمح الفايز إلى أن "المليشيات التي جرى سحبها من سوريا إلى إيران، لن يؤثر غيابها عسكريا على الجبهات كونها توجد في مراكز تدريب خاصة وبعيدة عن المدن ومحصنة بشكل كبير في دير الزور وريف حلب وحمص تحديدا".

ولم ترد أي تقارير عن تراجع الحركة الاحتجاجية في الأيام الأخيرة في إيران رغم تنفيذ إعدامات على خلفيتها ضمن إجراءات تخويفية رادعة.

وفي 5 ديسمبر، نقلت وكالة تسنيم عن "الحرس الثوري" تهديداته للمحتجين في بيان جاء فيه: "لن نرحم مثيري الشغب وقطاع الطرق والإرهابيين".

واعتقلت أجهزة الأمن الإيرانية، آلاف الأشخاص منذ اندلاع الاحتجاجات. وقالت أعلى هيئة أمنية إيرانية في 3 ديسمبر إن أكثر من 200 شخص قتلوا في الاحتجاجات.

بينما أعلنت منظمة "حقوق الإنسان في إيران" ومقرها النرويج في 29 نوفمبر أن 448 شخصا على الأقل قتلوا بأيدي قوات الأمن.

ومنذ بدء الحركة الاحتجاجية، تتهم السلطات "أعداء" إيران، ولا سيما الولايات المتحدة، بالسعي إلى زعزعة استقرار البلاد.

وقال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي "إن الأميركيين يسعون إلى تدمير إيران القوية واستبدالها بأخرى ضعيفة وجعلها مثل سوريا لكنهم أخطأوا في الحسابات".