"العدالة في جيب العائلة".. فضيحة المنح الدراسية تفتح ملف فساد حكومة اليمن

عدن - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

فتحت تسريبات جديدة في اليمن تتعلق بملف المنح الدراسية في الخارج، ملف الفساد من جديدة، في بلد تنخر فيه الحرب بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثيين.

وخلال ديسمبر/كانون الأول 2022، نشرت جهات إعلامية تسريبات تتضمن قوائم المبتعثين للدراسة في الخارج كشفت تصدر أبناء مسؤولين في الحكومة الشرعية ومؤيدين لها ودبلوماسيين وقادة عسكريين وسياسيين، قائمة المنح.

القوائم المسربة التي تعود إلى الفترة الممتدة من 2017 إلى 2019، أظهرت تلاعبا بالمنح الدراسية وسلطت الضوء على حجم الفساد والمحسوبية المستشري داخل وزارة التعليم العالي، والحكومة اليمنية وحصر الامتيازات في متنفذين ومحسوبين عليها.

وعقب تلك التسريبات، تداول ناشطون تسريبات لكشوفات وظائف عليا بوزارة الخارجية والسلك الدبلوماسي والسفارات والملحقيات، ذهبت كلها لأبناء قيادات ومسؤولين في الحكومة، وبميزانية شهرية قدرت بـ 5 ملايين دولار.

تلك التسريبات وغيرها، أثارت موجة غضب واسعة بين الناشطين على تويتر، ودفعتهم لمهاجمة الحكومة الشرعية واتهامها بالفساد والتغطية عليه، والعبث بالوظائف العامة ونهب أموال الدولة، وسرقة المساعدات الخارجية ووضع اليد على المنح الدراسية.

واتهموا عبر تغريداتهم على حساباتهم الشخصية ومشاركتهم في وسمي #احاله_الفاسدين_للقضاء_مطلبنا، #لصوص_المنح_الدراسية، الحكومة الشرعية وعلى رأسها رئيس المجلس الرئاسي رشاد العليمي، ورئيس الحكومة معين عبدالملك، بالتسبب في تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية. 

وأشار ناشطون إلى أن ملف نهب المنح الدراسية بالخارج مجرد رأس جبل الجليد أمام ملفات فساد الوظيفة العامة، والمحسوبيات، وليس سوى قطرة في بحر الفساد، متهمين الحكومة بالفشل في إدارة الدولة والنجاح في نهب أموال الشعب. 

 واستنكروا توجيه العليمي بإلغاء المنح، وعدوها خطوة غير كافية وتهدف للتغطية على اللصوص والمفسدين وليس معاقبتهم، مطالبين بمحاكمة المتلاعبين في المنح لصالح أبناء المسؤولين وحرمان عامة الطلاب المتفوقين من أبناء الشعب.

وفي أول رد حكومي على ذلك، جاء في خبر رسمي 4 ديسمبر توجيه العليمي، خلال ترؤسه لاجتماع مجلس الوزراء بعدن، “بإلغاء أسماء المبتعثين كافة غير المستحقين من ابناء مسؤولي الدولة بمن فيهم أي شخص من عائلته المقربين من الدرجة الاولى، وتحويلها إلى طلاب مستحقين مستوفين للشروط".

وأمر العليمي بتنفيذ قرار مجلس الوزراء بحصر الابتعاث الخارجي على برامج التبادل الثقافي وفقا لمعايير دقيقة، وشفافة، ومنصفة.

وبدورهم، طالب ناشطون بفتح تحقيق وإقالة ومحاسبة وزير التعليم العالي ووكيل الوزارة لقطاع البعثات والعلاقات الثقافية ومدير إدارة البعثات وكل من تورط في الفساد، والإسراع في محاسبة رؤوسه وكشفهم للرأي العام المحلي واقتلاعهم من السلطة. 

استنكار وإدانة

وتفاعلا مع الأحداث، قال وكيل وزارة العدل في الجمهورية اليمنية فيصل المجيدي، إن سرقة المال العام والاستئثار بالوظائف والمنح للأقارب كارثة كبرى ومفسدة عظيمة، وروائح الفساد باتت تزكم الأنفس.

ورأى الناطق الإعلامي باسم هيئة علماء اليمن النائب محمد ناصر الحزمي الإدريسي، أن المشكلة ليست في حصول أبناء المسؤولين على المنح والمناصب في السلك المدني والعسكري لأن هذا من حقهم كمواطنين يمنيين.

لكن المشكلة والمصيبة أن أغلبهم لم يحصل عليها إلا لأنه ابن فلان فهذا مؤهله الذي تميز به عن صاحب الحق الآخر وهنا اللصوصية بذاتها، كما قال.

وكتبت الناشطة السياسية والحقوقية عفراء الحريري: "لم نصح من صدمة فساد منح بعثات وزارة التعليم العالي حتى تلحقها قوائم وظائف وزارة الخارجية ناهيك عن الجبايات خارج نطاق القانون ونهب الإيرادات وسرقة الثروات وتوزيعها والمال العام من المنصب السياسي القضائي التنفيذي ورواتب الأسماء الوهمية".

وطالب المحلل والخبير العسكري والإستراتيجي محمد عبدالله الكميم، بفتح ملفات الدفاع والداخلية والقضاء، والاتصالات، الخارجية، والإعلام، والنفط والمعادن، والتعليم والصحة وباقي الوزارات.

وقال: "سترون ما يشيب له رأس الطفل الصغير وتعلمون لماذا تأخر نصرنا على الحوثي.. مكافحة الفساد وإصلاح الاختلالات معركة قائمة بذاتها ولابد من الانتصار فيها".

استشراء الفساد

واستعرض ناشطون ملفات فساد أخرى يجرى تجاهلها في اليمن ولم تلق تفاعلا إعلاميا أو استجابة رسمية من قبل المسؤولين في الدولة.

وكشف الصحفي اليمني أنيس منصور، عن حصوله على (وثائق) فساد السلك الدبلوماسي وكشوفات كلها فاضحة، قائلا: "باقي كشف المنح العسكرية في عدد من الدول وتتم عبر هيئة الأركان والمحلقيات العسكرية كذلك كشف العقارات".

وعد الصحفي معاذ راجح، ما يحدث دليلا على أن "العدالة في جيب العائلة أيضا"، مشيرا إلى أن رئيس المحكمة العليا والنائب العام السابق وظف 96 من عائلته وأفراد قريته في الجهاز القضائي.

وأضاف: إذا "ميزان العدالة" المختل أساسا، ليس ببعيد عن الفساد والمحسوبية العائلية التي تعشعش في الأجهزة الحكومية ومؤسساتها المستقلة في اليمن.

وأشار الناشط السياسي عبدالشافي النبهاني، إلى أن المخصص الشهري لأعضاء المجلس الرئاسي اليمني تقدر بمبلغ مليار وأربعمائة مليون ريال يمني تصرف من موازنة الدولة.

ناهيكم عن المبالغ التي تصل إليهم من الكفيل السعودي أو الإماراتي وهي متفاوتة بحسب درجة الانبطاح والتبعية والولاء لمصالح الكفيل، كما قال.

ونشر الناشط السياسي والاجتماعي ياسر اليماني، كشفا بأسماء أفراد في أسر من أسماهم "لصوص الشرعية" معينين في وظائف دبلوماسية.

وقال: "تخيلوا أن كل الوظائف الدبلوماسية في وزارة الخارجية في جميع سفارات اليمن كلها من أولاد المسؤولين ونسائهم وبناتهم وأبنائهم وتركوا كل كوادر الخارجية يتسكعون في الشوارع بدون أعمال وبدون رواتب".

العليمي شريك

وصب ناشطون غضبهم على رئيس المجلس الانتقالي رشاد العليمي، وعدّوه شريكا في الفساد، مستنكرين توجيهه بإلغاء منح الابتعاث الخارجي دون إقالة المسؤولين عن تمرير هذه المنح وإحالتهم للتحقيق وتقديمهم للعدالة، ما يعني أنه يشرعن الفساد ويثبت أقدام الفاسدين. 

وتساءل السكرتير الصحفي السابق للرئاسة اليمنية مختار الرحبي: "هل تضع توجيهات العليمي حدا للفوضى في المنح الدراسية أم تسدل الستار على القضية؟"

وقال الناشط السياسي والإعلامي أبو محمد السيباني، إن من يعتقد أن رشاد العليمي قادر على إيقاف الفساد المستشري أو محاسبة من تورط به خلال الحكومات المتعاقبة فهو واهم.

وكتب أمين محمد هاشم: "رشاد العليمي رئيس جمهورية وهو ناهب منح، كيف يعني يلغي دون أن يعمل حل أولا لنفسه بعد أن مرمط بالرئاسة وقيم الدولة؟ (يجب) عزل وزير التعليم وكل المسؤولين عن المنح، مع اعتذار من رشاد للشعب اليمني عن إضافة أبنائه".

وأكد أحد المغردين، أن العليمي لن يتخذ أي إجراء أو يصدر قرار بمحاكمة أو إقالة وزير التعليم العالي أو وزير الخارجية حول الفساد الذي ظهر أخيرا في البعثات الدبلوماسية والمنح الدراسية لأنه شريك في ذلك الفساد وكل ما يستطيع فعله هو إلغاء البعثات والمنح الدراسية فقط لإسكات الشارع الغاضب.

وكتب عبدالقادر أبو الليم: "قولوا للدكتور رشاد العليمي إن الفاسدين مكانهم المحاكم والقضاء ليقول كلمته فيهم وفي فسادهم وفي تلاعبهم بالمنح وبالوظيفة العامة لجعلها خاصة للأهل والعشيرة وليس مكانهم الاستمرارية في مناصبهم ليستمر فسادهم، يكفي استخفاف بالناس".

مطالبات بالتحقيق

ودعا ناشطون إلى إقالة كل المتورطين في ارتكاب أي شكل من أشكال الفساد وتقديمهم إلى محاكمات عادلة وناجزة، مشيرين إلى أن القضاء في اليمن بات أمام مهمة تثبت استقلاليته.

وطالب الكاتب الصحفي والناشط السياسي محمد النود، بإقالة الوزير الوصابي وتشكيل لجان تقصي حقائق وكشف كل الضالعين وتقديمهم للقضاء.

وقال: "نعرف أن العليمي لن يفعل ذلك وأن رئيس الحكومة لن يفعل ذلك، ومن عليه أن يفعل ذلك هم المحامون الشرفاء، الجدار الأخير للدفاع عن الحقوق وهذا ما بدأ يلوح في الأفق من مبادرات".

وحث الناشط الإعلامي كامل علي، النائب العام والأجهزة القضائية على التوجيه بعدم تعيين الأقارب وإحالة الفاسدين إلى القضاء.

وأشار إلى أن الفساد يطول عمره كلما انسحب الشرفاء من الميادين.

ولفت الناشط المجتمعي ماجد عبيد، إلى أن القضاء اليوم أمام مفترق طرق في معركة محاسبة ومعاقبة المسؤولين الفاسدين العابثين بأموال الشعب وسرقة المال العام وتقاسم المنح والوظائف التي تعد ملك الجميع.

ودعا الناشط منقوش التميمي، إلى محاسبة أي مسؤول استغل منصبه ونفوذه لأخذ منح لأولاده وأحفاده وأقاربه، ومحاسبة الكل من أعلى هرم في السلطة دون استثناء.