هاجمها النظام ويرفضها الشعب.. هل تعقد انتخابات برلمان تونس في موعدها؟

زياد المزغني | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بينما يقترب موعد الانتخابات التشريعية التونسية المقررة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022، تزداد بصورة ملحوظة حالة التخبط والأخطاء وحرب التصريحات والطعون أمام المحاكم.

حتى الرئيس التونسي قيس سعيد الذي يقف وراء هذا المسار، دخل في حملة التشكيك في عمل الهيئة التي عينها بنفسه بمرسوم رئاسي صادر يوم 9 مايو/ أيار 2022، إذ طالب بإعادة النظر في "ترشحات تسلل إليها أصحاب سوابق".

ولا يبدو المسار الانتخابي سهلا ومرنا مثلما حصل مع محطة الاستفتاء، حيث إن التشكيك والرفض والمقاطعة بدت أوسع وأخذت أشكالا متعددة من الاحتجاج في الشارع إلى رفع القضايا أمام المحاكم.

وبين يوم وآخر تضع الهيئة العليا المستقلة للانتخابات نفسها محل انتقادات وجدل وتشكيك في قراراتها، فضلا عن تصريحات أعضائها المتضاربة بين الحين والآخر. 

وتشهد تونس أزمة سياسية واقتصادية خانقة منذ 25 يوليو/ تموز 2021، حين اتخذ سعيد إجراءات انقلابية، منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية وإقالة الحكومة وتعيين أخرى جديدة، ويسعى لتمرير انتخابات شكلية لتشكيل برلمان وفق أهوائه كما فعل مع الدستور.

مسار باطل

وتخيم على المشهد في الأيام الأخيرة إشكالية طرحها حكم المحكمة الابتدائية في صفاقس في 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 ببطلان إجراءات الانتخابات التشريعية، مرجعة ذلك إلى مخالفات بشأن شروط الترشح للانتخابات.

وفي ساعة متأخرة من مساء 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، سارعت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى نشر القرار عدد 25 لسنة 2022 المؤرخ بـ 26 سبتمبر/ أيلول 2022 والذي يتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات التشريعية، في الجريدة الرسمية.

وذلك رغم أن فترة الترشحات قد انتهت ودخلت فترة الطعون التي تسبق الإعلان عن القائمة النهائية للمترشحين.

وجاءت هذه الخطوة ردا على حكم المحكمة الإدارية بصفاقس، الذي جاء فيه أنه "لم يثبت للمحكمة نشر قرار الهيئة العليا المستقلة للانتخابات المتعلق بقواعد وإجراءات الترشح للانتخابات التشريعية بالجريدة الرسمية".

وهو ما رأته المحكمة "خطأ للهيئة في مجال تطبيق القانون باعتمادها نصا ترتيبيا غير نافذ زمن اتخاذها قرارها بإسقاط ترشح أحد المترشحين للانتخابات التشريعية".

ورأى العضو المعزول من الهيئة العليا المستقلة للانتخابات سامي بن سلامة أنه من بين أخطر وأهم الأحكام في تاريخ تونس، وستكون له انعكاسات وخيمة على مٱل الانتخابات التشريعية المقبلة.

وأضاف ابن سلامة في تدوينة على فيسبوك: "بوضوح تام، الانتخابات التشريعية لسنة 2022 باطلة إجرائيا بحسب الحكم المذكور ويجب تأجيلها".

وتابع: "وأعتقد أن المواصلة في المسار الانتخابي الحالي سيؤدي بنا إلى إبطال الانتخابات من قبل القضاء التونسي، فكل شخص رفض ترشحه وكل شخص ترشح ولم يفز يمكنه الطعن في الانتخابات وطلب إبطالها".

وبحسب القانون المنظم لعمل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في فصله 18، تنشر مداولات مجلس الهيئة على موقعها الإلكتروني وبالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.

عملية مضطربة 

من جانبها سجلت منظمات المجتمع المدني التونسية ما رأته مظاهر قصور وارتباك على المشرفين والمتدخلين المباشرين في العملية الانتخابية، خاصة هيئة الانتخابات.

ودعا أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي في تصريح لإذاعة موزاييك رئيس الجمهورية إلى التأني والتبصر ووقفة تأمل حقيقية ومراجعة القانون الانتخابي لتبقى الإرادة إرادة شعبية.

وطالب الطبوبي بتأجيل الانتخابات التشريعية المقبلة، قائلا إن "القرآن فقط لا يتغير وكل عمل بشري قابل للتغيير".

بدوره، أفاد رئيس شبكة "مراقبون" (منظمة مختصة في مراقبة الانتخابات) سليم بوزيد بأنّ "صدور القرار الابتدائي في المحكمة الإدارية في صفاقس يؤكد قلة مهنية الهيئة المشرفة على الانتخابات".

وأضاف لـ"الاستقلال"، "لا يمكن أن تكون مداولات ينجر عنها قرار ثم لا يتم نشره في الرائد الرسمي للجمهورية لأن أي قانون أو قرار في تونس لا يمكن أن يكون نافذا إلا بصدوره في الرائد الرسمي" .

وأكد بوزيد أن "شبكة "مراقبون" لاحظت أمثلة عدة تؤكد هذا الارتباك والقصور فقد شملت الإخلالات مختلف مراحل الإعداد للانتخابات التشريعية.

ومضى يقول: فعلى سبيل المثال، أصدرت الهيئة أخيرا قرارين ترتيبيين يتعلق أولهما بقواعد تنظيم الحملة الانتخابية ويتعلق ثانيهما بقواعد تمويل الحملة، حيث تضمنا العديد من القواعد المستجدة التي ضيقت على المترشحين للانتخابات في خرق تام للقانون الانتخابي. 

ورأى بوزيد أن المسار برمته تشوبه نقائص عديدة تفتقد للمعايير الدولية والشفافية التي التزمت بها البلاد منذ عام 2011، وما يقع بالفعل خطير جدا لا يمكن السكوت عنه.

وشدد بالقول: "نحن  شبكة مراقبون ننبه إلى مدى تأثير كل ذلك على المسار الانتخابي ككل وبالأخص على ضمان التنافس العادل في إطار شفاف ونزيه ومفهوم من قبل كل المتدخلين في المسار".

صراع صلاحيات

 ولم يقتصر الارتباك على اللجنة، فمع اقتراب موعد انطلاق الحملة الانتخابية، أعلنت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، يوم 16 نوفمبر، أنها قررت "إصدار قرار توجيهي لوسائل الإعلام السمعي البصري يتضمن القواعد الأساسية الواجب احترامها لضمان شفافية التغطية الإعلامية للحملة الانتخابية ونزاهتها". 

هذا القرار أثار حفيظة لجنة الانتخابات التي سارعت بإصدار موقف رأت فيه أن القرار التوجيهي الذي أصدرته، الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري بصفة أحادية، مخالف للفصل 67 من القانون الانتخابي، ولا يُلزم هيئة الانتخابات ولا يوجد له أي آثار قانونية.

وقبل أن يقفل الجدل حول الصراع الدائر بين هيئتي الإعلام والانتخابات، صدر بالرائد الرسمي المنشور يوم 17 نوفمبر قرار لوزارة العدل يتعلق بإحالة رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر القاضي من الرتبة الثانية إلى "عدم المباشرة" لمدة سنة واحدة ابتداء من 10 أغسطس/ آب المنقضي.

من جهتها أعلنت منظمة أنا يقظ (منظمة مختصة في الشفافة ومكافحة الفساد)، أن وزارة العدل استجابت لطلبها القاضي بإنهاء إلحاق فاروق بوعسكر وإحالته كقاض على عدم المباشرة.

وما يزيد عمل هيئة الانتخابات صعوبة، بعد حجم الانتقادات الموجهة لإدارتها والطعون القضائية، التدخلات المتكررة من قيس سعيد، ما ضاعف من الاتهامات الموجهة لها بغياب استقلاليتها وخدمتها لأجندة الرئيس.

فخلال احتفاله بيوم الشجرة في 7 نوفمبر، دعا سعيد إلى إعادة النظر في الترشحات التي شملت عددا ممن تتعلق بهم قضايا ولهم سوابق عدلية، وهو ما يخالف القانون الانتخابي.

لكن رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات فاروق بوعسكر أكّد أن الهيئة رفضت كل الترشحات التي وردت عليها من الذين لا يتمتعون بنقاوة السوابق العدلية أو من تتعلق بهم قضايا جارية .

وأضاف بوعسكر أن القرار الأخير بيد المحكمة الإدارية الآن وأن الهيئة ستقدم كل ما لديها من مؤيدات تحصلت عليها من وزارة العدل ومن وزارة الداخلية.

وإن كان لا أحد يعلم من يقصدهم قيس سعيد من حديثه، إلا أنه يؤكّد فقط وجود اضطراب في أداء السلطة القائمة وتخوف من مقاطعة واسعة للانتخابات.

حيث لم يتم قبول سوى ألف و58 طلب ترشح للانتخابات التشريعية، سيتنافسون على 161 مقعدا في مجلس النواب. ويعد عدد المترشحين هو الأضعف منذ عام 2011.

فرغم اعتماد القانون الانتخابي الجديد على الترشحات الفردية خلافا للمحطات الانتخابية السابقة، التي ارتكزت فيها الترشحات على القائمات، فقد أظهرت الأرقام التي نشرتها هيئة الانتخابات أن عدد المترشحين لانتخابات 2022 عشر عدد المترشحين في 2019 الذي بلغ 15737 مترشحا ضمن القوائم التي تنافست على 217 مقعدا في البرلمان.