صراع مليشيات إيران لقيادة أجهزة حساسة بالعراق.. هل تسمح واشنطن؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل التفاهمات التي يجريها رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد شياع السوداني مع القوى السياسية من أجل تشكيل حكومته، فإن بعض المليشيات الموالية لإيران تضع عينها على الأجهزة الأمنية الحساسة، لا سيما المخابرات والأمن الوطني، ومكافحة الإرهاب.

ينتمي السوداني إلى قوى "الإطار التنسيقي" الشيعي القريب من إيران، الذي يضم العديد من المليشيات المسلحة التي تمتلك أذرعا سياسية، منها: عصائب أهل الحق، كتائب حزب الله، منظمة بدر، كتائب جند الإمام، كتائب سيد الشهداء.

صراع شرس

على وقع تقاسم المناصب الحكومية، يدور صراع شرس بين كتلة "صادقون"، التابعة لـ"عصائب أهل الحق"، وحركة "حقوق" التابعة لـ"كتائب حزب الله" على جهازي المخابرات والأمن الوطني، مبدين استعدادهما للتخلي عن حصتهما من الوزارات مقابل تسلم الجهازين الأمنيين.

ورغم امتلاك "حقوق" 6 مقاعد في البرلمان، لكنها لم تستسلم إلى "صادقون" التي لديها 10 مقاعد برلمانية، وخلق الصراع بين الطرفين على الجهازين الأمنيين خلافا بين القوتين الشيعيتين، حسبما أفادت به وكالة "شفق نيوز" العراقية في 21 أكتوبر/تشرين الأول 2022.

ويرأس كتلة "حقوق" البرلمانية القيادي في "الكتائب" حسين مؤنس، الذي توجه إليه أصابع الاتهام باغتيال الخبير الأمني هشام الهاشمي عام 2021، بعد أن كشف الأخير أن مؤنس هو نفسه صاحب حساب المسؤول الأمني لـ"الكتائب" على "تويتر" المعروف باسم "أبو علي العسكري".

وعرف "العسكري" بمهاجمته المستمرة لرئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وجهاز المخابرات الذي كان يديره الأخير، ويتهمه بالتواطؤ مع الأميركيين في عملية اغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس قرب مطار بغداد الدولي عام 2020.

وفي 26 فبراير/ شباط 2020 صنفت الولايات المتحدة الأميركية أحمد محسن فرج الحميداوي الأمين العام وقائد العمليات الخاصة لكتائب حزب الله العراقية ضمن لائحة الإرهاب العالمي.

إذ اتهمت "الكتائب" بخطف وقتل وتهجير آلاف العراقيين السنة في العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة 2014 إلى 2017.

وكذلك الحال، فإن مليشيا "عصائب أهل الحق" بقيادة قيس الخزعلي، صنفتها الولايات المتحدة عام 2020 على قوائم الإرهاب.

فهي متهمة بارتكاب جرائم اغتيال وقتل ضد ناشطين والمحتجين العراقيين عام 2019، وقتل واختطاف على الهوية في المناطق ذات الغالبية السنية إبان الحرب ضد تنظيم الدولة.

ولفتت الوكالة إلى أن الصراع لم يقف عند هذا الحد، بل تعداه إلى "رئاسة هيئة الحشد الشعبي، إذ تسعى قوى داخل الإطار التنسيقي للإطاحة برئيسها الحالي فالح الفياض، وتسمية رئيس أركان الحشد عبد العزيز المحمداوي بديلا عنه، لكن الأمر لم ينل بعد أغلبية رأي الإطار".

وعلى نحو مماثل، نقلت وكالة "يقين" العراقية في 25 أكتوبر 2022 عن مصادر سياسية وبرلمانية (لم تسمها) قولها إن "خلافا آخر نشب داخل قوى الإطار التنسيقي، وتحديدا بين منظمة بدر بقيادة هادي العامري وائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي على منصب وزير الداخلية".

تحذيرات سياسية

وعلى إثر ذلك، قال مصدر سياسي عراقي، طلب عدم الكشف عن هويته، لـ"الاستقلال" إن "كتائب حزب الله التي اشتركت عام 2021 لأول مرة في الانتخابات البرلمانية تشعر بالغبن داخل الإطار التنسيقي، لأنهم لم يعطوها استحقاقها من المناصب الحكومية، وتحديدا الأمنية".

وأوضح المصدر أن "الكتائب تشكو داخل الإطار التنسيقي من تهميشها في المغانم السياسية، رغم أنها قدمت خدماتها الأمنية للقوى الشيعية المناوئة للتيار الصدري، وتعد نفسها ممن ساهموا في حماية المكاسب التي حاول الصدر الاستحواذ عليها في مساعيه لتشكيل حكومة أغلبية".

وفي السياق ذاته، رأى السياسي العراقي المعارض أحمد الأبيض، أن "حصول مليشيات على جهازي الأمن الوطني والمخابرات، يعني تصفية للناشطين والصحفيين المعارضين لوجود السلاح المنفلت، وتحول العراق إلى بلد بوليسي ضد الأصوات الوطنية، وهذا السبب الذي تهدف إليه هذه المليشيات".

وأضاف الأبيض، المقيم في الولايات المتحدة الأميركية، في 25 أكتوبر أن "سيطرة مليشيات معينة على المفاصل الأمنية في الدولة، توجه نحو تقوية النفوذ الإيراني في العراق"، وفق موقع العربي الجديد.

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، ياسين عزيز، إن "المناصب الأمنية الحساسة يجب أن تناط بشخصيات مستقلة عن الأحزاب والجماعات التي لديها أجندات خارجية، لا سيما تلك الأجندات التي شهدناها في العراق ولا تعمل لصالح أمن المواطن وسيادة البلد".

وأضاف أن "السوداني يدرك جيدا أن منح هذه المناصب لشخصيات مقربة من جماعات مدرجة على قائمة الإرهاب أو مقربة من إيران سيخلق له مشاكل كبيرة؛ سواء في عدم قدرته على ضبط هذه المؤسسات أو إحراجه أمام الداخل والخارج، لا سيما المجتمع الدولي وتحديدا الولايات المتحدة".

وأعرب عزيز خلال حديث لوكالة "الساعة" العراقية في 24 أكتوبر عن أمله بأن "لا يرضخ السوداني للضغوطات التي تمارس عليه في منح هذه المناصب الحساسة، وأن يجري منحها لشخصيات متمرسة مهنية وولاؤها للعراق".

وأشار المحلل السياسي العراقي إلى أن "منح المناصب الأمنية للجماعات المدرجة على قوائم الإرهاب سيعجل بفشل حكومة السوداني وسحب التأييد منه داخليا وخارجيا".

محاذير دولية

وعن مدى استجابة السوداني للضغوط وتسليم الأجهزة الأمنية الحساسة للمليشيات المسلحة، قال الخبير الأمني العراقي أحمد الشريفي خلال مقابلة تلفزيونية في 24 أكتوبر إن "الحكومة الحالية خاضعة للتقاسم بين الكتل السياسية، ومن الصعوبة بمكان أن يبعد رئيس الوزراء الأجهزة الأمنية عن المحاصصة".

لكن الشريفي أكد أن "الولايات المتحدة الأميركية مكلفة بموجب قرار رسمي من مجلس الأمن الدولي بعد عام 2003 بإدارة العديد من الملفات في العراق، وعلى رأسها الملف الأمني، خصوصا أن جهاز المخابرات بني وجرى تشكيله على يد الولايات المتحدة ولا يزال حتى اليوم تحت إشرافها، إضافة إلى جهاز مكافحة الإرهاب".

وأوضح الشريفي أن "جهاز المخابرات الوطني لديه خصوصية بالنسبة للولايات المتحدة، خلافا لباقي الأجهزة الأمنية بالعراق، لذلك فإن من يتصدى لإدارة مثل هذه الأجهزة يجب ألا تكون عليه أي نقطة من الولايات المتحدة".

وأضاف أن "العصائب تطالب بجهاز المخابرات كاستحقاق انتخابي، لكنها تحت لائحة الإرهاب الأميركية. وأحد أهم مرتكزات منح حكومة السوداني المباركة الدولية هي التزامات باتفاقية الإطار الإستراتيجي المبرمة بين بغداد وواشنطن".

وتساءل الشريفي، قائلا: "كيف نأتي بجهة سياسية متهمة بالإرهاب ولديها جناح عسكري في ظل هذا التقاطع الذي يحصل؟ إذن السوداني لا يستطيع اتخاذ هذا القرار لأنه مقيد بمطالب دولية".

وأكد الخبير العراقي أنه "إذا سحبت الشرعية الدولية من حكومة السوداني، فسيطاح بها، لأن حكومته نتاج انتخابات جرت تحت إشراف دولي عام 2021، بمعنى أن الولايات المتحدة ومجلس الأمن مفوضة للإطاحة بالحكومة بشكل مباشر ولم تأت عبر المظاهرات".

وتابع: "على السوداني وقوى الإطار التنسيقي أن يكونوا حذرين، لأن اتفاقية الإطار الإستراتيجي ملزِمة التطبيق دوليا وبموجب رأي وتوجهات الأميركيين، لذلك إذا لم تكن الحكومة منسجمة مع المطالب الدولية سيمنح مجلس الأمن الولايات المتحدة الإذن في إحداث فعل التغيير بالعراق".

ووقعت بغداد وواشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2008 اتفاقية أطلق عليها "اتفاقية الإطار الإستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق".

وصدق عليها البرلمان العراقي في نهاية العام نفسه، ودخلت حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني من العام التالي.

وتتضمن هذه الاتفاقية تحديد "الأحكام والمتطلبات الرئيسة التي تنظم الوجود المؤقت للقوات العسكرية الأميركية وأنشطتها فيه وانسحابها من العراق".

وكانت أولى تطبيقاتها مغادرة القوات الأميركية التي احتلت العراق عام 2003، جميع الأراضي العراقية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2011.

ترسي هذه الاتفاقية أيضا أسس تعاون مشترك وطويل المدى بين البلدين في مجالات رئيسة هي: "السياسة والدبلوماسية، الدفاع والأمن، الثقافة، الاقتصاد والطاقة، الصحة والبيئة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تطبيق القانون والقضاء".