رغم أخطائها.. ما فرص اتحاد أحزاب تونس وحراك الشارع لإسقاط قيس سعيد؟

12

طباعة

مشاركة

عاد الشارع السياسي في تونس للتحرك من جديد لأول مرة بعد وضع قيس سعيد دستورا جديدا للبلاد إثر استفتاء شعبي شهد مقاطعة غالبية فئات الشعب في 25 يوليو/ تموز 2022.

وبدعوة من جبهة الخلاص الوطني المعارضة، شارك الآلاف في مسيرة شعبية بالعاصمة تونس تحت شعار "المسيرة الوطنية للإنقاذ" بالتزامن مع الذكرى الـ59 لجلاء الاحتلال الفرنسي في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2022.

وتأتي هذه المسيرة في وقت تعيش فيه تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة وعجزا متراكما في المالية العمومية أدى إلى غياب عدد كبير من المواد الأساسية وتعطّل حركة الإنتاج، ما ضاعف من الشعور بالإحباط لدى المواطنين.

وشهدت عدّة مناطق بتونس اندلاع احتجاجات ومواجهات مع قوات الأمن لأسباب متعددة، وسط تحذيرات من إمكانية توسعها خلال الأيام القادمة في ظل لجوء السلطة إلى الحلول الأمنية لمواجهتها دون تقديم حلول لأسبابها.

وأسست جبهة الخلاص الوطني في 31 مايو/ أيار 2022، من قبل السياسي أحمد نجيب الشابي، وهي هيئة تجمع قوى سياسية معارضة للرئيس التونسي قيس سعيد، ورفعت لواء مواجهة الانقلاب الذي سيطر الأخير عبره على السلطات كافة بالبلاد منذ 25 يوليو 2021.

وخروج مظاهرات بهذه الكثافة غير المسبوقة منذ نحو سنتين، أثار تساؤلات عن عودة اتحاد الشارع التونسي مع أحزاب المعارضة التي نكل بها سعيد وحل البرلمان الذي كان يجمعها، مستغلا الخلافات فيما بينها التي سئمها الشعب لسنوات.

تحرك غير مسبوق

منذ الساعات الأولى من صباح 15 أكتوبر 2022، بدأ المتظاهرون في التوافد على وسط العاصمة تونس رغم ما عدته جبهة الخلاص تعطيلات وتضييقات موثّقة بالشهادات والصور التي يتعرّضون لها في طريق التحاقهم بالتحرّك الاحتجاجي في العاصمة.

وشددت الجبهة في بيان في نفس اليوم على أن "تواصل هذه الممارسة السياسية المتخلفة لسلطة الانقلاب، يُعلن للعالم عدم احترام حق التظاهر وممارسة التضييق الأمني الواسع".

وحملت وزير الداخلية توفيق شرف الدين شخصيا مسؤولية "هذه الانتهاكات وما قد ينتج عنها من توتر وتعبير عن الغضب"، معلنة عزمها مقاضاة وزير الداخلية وكل من يثبت تورطه في تعطيل حق التظاهر المكفول بدستور الثورة.

وأعلنت الجبهة خلال كلمة عضو هيئتها التنفيذية شيماء عيسى في التظاهرة أن عدد المتظاهرين وصل حسب تقديراتهم لـ25 ألفا، وهو ما يعد التحرك الأكبر منذ انقلاب 25 يوليو 2021.

وردد المتظاهرون شعارات مطالبة بإسقاط الانقلاب و"عزل قيس سعيّد"، كما لم تغب المطالب الاجتماعية والاقتصادية عن الشعارات المرفوعة.

حيث احتجوا على سياسات الحكومة وغلاء الأسعار بالإضافة إلى شعارات تضامنية مع أهالي مدينة جرجيس، منددين بـ"لامبالاة" السلطات مع حادثة غرق مركب مهاجرين وفقدان 18 مهاجرا في عرض البحر من أبناء المدينة الجنوبية.

كما رفع المتظاهرون في الشارع الرئيس في العاصمة "سلالا فارغة" في إشارة إلى تدهور القدرة الشرائية للتونسيين بسبب ارتفاع الأسعار ورددوا "يا شعب يا مقموع زاد الفقر زاد الجوع" و"يا شعب ثورة ثورة على حقك المنهوب".

غضب عارم

تظاهرات المعارضة هذه المرة، جاءت في سياق داخلي مختلف تماما عن كل المحطات التي شهدتها البلاد منذ الانقلاب.

إذ طغى على المرحلة السابقة رغم الأزمة الاقتصادية، ملفات سياسية فتحها قيس سعيد في مناسبات مختلفة، من حل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء إلى تعطيل العمل بالدستور ووضع دستور جديد مرورا بعدد من المراسيم التي رأتها المعارضة ضربا لمكتسبات الثورة.

أما السياق الجديد فيتميز بتصاعد وتيرة الغضب الشعبي في مواجهة غلاء غير مسبوق في الأسعار، حيث سجلت نسبة التضخم في سبتمبر/ أيلول 2022 9.1 بالمئة متجاوزة كل التوقعات.

كما تشهد البلاد غياب مجموعة من المواد الأساسية كالسكر والحليب والدقيق، وأزمة حادة في الوقود شلت الحركة في عدد من الجهات.

وتتواصل المواجهات الليلية بين شباب حي التضامن في العاصمة تونس وقوات الأمن منذ يوم 14 أكتوبر 2022، إثر وفاة الشاب مالك السليمي (24 عاما) خلال مطاردة أمنية.

وأخذت قضية غرق مركب المهاجرين قبالة سواحل مدينة جرجيس منحى تصعيديا بعد قرار منظمات المجتمع المدني في المدينة الدخول في إضراب عام يوم 18 أكتوبر مع تواصل الاحتجاجات في المدينة.

هذه القضايا لم تغب عن خطابات المعارضة، حيث قال رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي في كلمة بالمسيرة إن " تونس تعيش حالة من الغليان، نتيجة تردّي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وأن حالة الغضب في البلاد بلغت مداها".

وانتقد الشابي توجهات قيس سعيد قائلا: "الشعب لم يجن من انقلابه سوى زيادة في الفقر والبطالة وغلاء المواد الغذائية الأساسية ومنذ عام كان يستأسد علينا المنقلب ويصدر المراسيم وينفرد بتقرير مصير تونس".

وأضاف "جراء سياسات قيس سعيد ميزانية الدولة أصابها نزيف والشركات المالية العالمية أصبحت ترفض إقراض تونس وهو اليوم يتوسل وينحني أمام صندوق النقد الدولي ويجمد الأجور استجابة لصندوق النقد".

وأكد أن الجبهة تدعو إلى أن تكون الإصلاحات الاقتصادية نابعة عن اتفاق وطني وتراعي الطبقات الضعيفة.

في المقابل لا يبدو أن قيس سعيد وحكومته غيرت من سلّم أولوياتها رغم كل ما يحدث، حيث تواصل أجهزة الدولة العمل على تمرير الانتخابات التشريعية نهاية 2022، رغم المقاطعة الواسعة من الأحزاب والقوى السياسية الرئيسة في البلاد

ومازال قيس سعيد يتهرب من تحمل المسؤولية تجاه كل الأزمات، إذ يواصل توجيه الاتهامات إلى جهات مجهولة يتفنن فقط في توصيفها.

ورأى سعيد أن "الهجرة غير النظامية ما كان لها أن تكون أو تتحول إلى ظاهرة إلا نتيجة حيتان البرّ الذين لا شغل لهم إلا التنكيل بالشعب والقضاء على كل أمل في حياة كريمة في وطنهم."

وأوضح في لقائه برئيسة الحكومة نجلاء بودن يوم 17 أكتوبر  أن وضع حد لهذه المآسي لا يمكن أن يتم إلا في ظل مقاربة شاملة وطنية ودولية في نفس الوقت.

ويعتقد مراقبون وحقوقيون أن تعامل السلطات السلبي مع هذه المطالب الاجتماعية والتركيز المفرط على المسائل السياسية يغذيان هذه الاحتجاجات التي تتجه إلى التوسع.

بالإضافة إلى أن السلطة اختارت في بعض الاحتجاجات المواجهة الإعلامية على غرار ما حدث في جرجيس.

والمواجهة الأمنية والقمعية على غرار ما حدث مع المدرسين والمواطنين المنددين بارتفاع الأسعار، الذين فرقتهم الشرطة ومنعتهم من الاعتصام أو المقاربة القضائية، مثلما حصل للمحتجين في مدينة مرناق (شرق) الذين حوكموا بـ3 سنوات سجنا على خلفية الاحتجاجات.

اختبار للأحزاب

وفي قراءته للمشهد، رأى الناشط السياسي وسيم بوثوري أن "علاقة السبب بالنتيجة المتأصلة بين حقلي المطلبية السياسية والاجتماعية متلازمة، وأثبت التاريخ سيرهما في نفس الاتجاه، ومازال الحاكم هو من يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في لا وعي النشطاء السياسيين والاجتماعيين على حد السواء".

وأضاف بوثوري لـ"الاستقلال": "بيد أنها علاقة تسير على خيط رقيق من الثقة المتبادلة فلا تثق الشعارات السياسية في صمود الحراك الاجتماعي المطلبي ذي الأفق المحدود وتخشى الحركات الاجتماعية من سطو الساسة على نضالاتها ومجهوداتهم في مقارعة السلطة".

وشدد على أن "هذا الخيط الرفيع يجب أن يدفع المسارين على السير جنبا إلى جنب دون تداخل, فعلى الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية محاولة تأطير الحركات الاجتماعية دون إفقادها طابعها المطلبي الإصلاحي في مسار يشهد مطالب سياسية ثورية تهدف لإسقاط منظومة 25 يوليو ككل".

وأكد بوثوري أيضا أن "أكثر من عشر سنوات استنفدت الأحزاب السياسية المتعاقبة بصنفيها النمطي واللانمطي كل رصيدها النضالي وخسرت مصداقيتها لعدة عوامل يعود بعضها لضعف الأداء والبعض الآخر لتعفن الساحة السياسية حيث برزت لوبيات المال والأعمال الانتهازية التي أثرت على نقاء المشهد ونظافته".

وأضاف: "لا سبيل لعودة شعبية الأحزاب كشكل تنظيمي إلا من خلال ثورات داخلية تجدد القيادات وخطابها بما يمكن من صناعة رموز سياسية جديدة لا تحمل ما علق من تراب على معاطف القادة السابقين مستفيدين من أخطاء التجارب وهذا يتطلب تضحيات جساما من النخبة السياسية الحالية التي تعودت بدوائر القرار".

وأمام هذا الوضع المعقّد توجد خشية حقيقية من انزلاق التحركات الشعبية نحو الفوضى، خاصة مع عدم وضوح موقف الاتحاد العام التونسي للشغل، بصفته المنظمة النقابية الأكبر، من الأحداث الجارية.

كما يرى متابعون أنه لا يوجد مسار واضح لحل الأزمة في ظل إلغاء قيس سعيد لكل المؤسسات الدستورية وحصر السلطات في رئاسة الجمهورية ما يضع البلاد أمام سيناريوهات مفتوحة.

ومن هذه السيناريوهات، دعوة عضو جبهة الخلاص جوهر بن مبارك في تصريحات صحفية يوم 17 أكتوبر إلى تشكيل حكومة انتقالية، نظرا لأن "سعيد هرب بقطار البلاد بمسافة كبيرة"، مضيفا "يجب أن يعود القطار لمرحلة انتقالية تُشرف عليه حكومة انتقالية ذات مهام محددة".