العائق الأخير.. لماذا عادت إسكتلندا للمطالبة بالاستقلال بعد وفاة إليزابيث؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد نحو شهر على وفاة الملكة إليزابيث الثانية في 8 سبتمبر/ أيلول 2022 وجلوس نجلها تشارلز الثالث على عرش بريطانيا، عادت إسكتلندا لإعلان عزمها إجراء استفتاء جديد للانفصال عن المملكة المتحدة.

وتعهدت رئيسة الوزراء الإسكتلندية نيكولا ستورجن، في 9 أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بمواصلة حملتها للانفصال عن بريطانيا، حتى لو خسرت قضية في المحكمة العليا تسعى من خلالها إلى الحصول على إذن للدعوة إلى استفتاء جديد على الاستقلال.

وذكرت ستورجن، التي تقود الحزب الوطني الإسكتلندي القومي، أنه إذا خسرت حكومتها الدعوى القضائية، فستجعل الانتخابات الوطنية المقبلة في بريطانيا بمثابة استفتاء عام بشأن إنهاء اتحاد إسكتلندا مع إنجلترا الذي دام لثلاثة قرون.

وتريد رئيسة الوزراء الإسكتلندية إجراء استفتاء في أكتوبر 2023، لكن حكومة ليز تراس في لندن أكدت أن الاستفتاء الأخير عام 2014 كان حدثًا يحصل مرة واحدة في كل جيل. وقالت مطلع أكتوبر: "أنا واضحة جدا أنه لا ينبغي أن يكون هناك استفتاء آخر قبل أن ينتهي هذا الجيل".

وكان الإسكتلنديون اختاروا البقاء ضمن المملكة المتحدة بنسبة 55 بالمئة خلال استفتاء نظم عام 2014.

وتستمع المحكمة العليا في بريطانيا إلى المرافعات ابتداء من 11 أكتوبر، حول إذا ما كانت الإدارة شبه المستقلة في إسكتلندا تستطيع تنظيم تصويت على الاستقلال دون موافقة حكومة لندن.

عرش يترنح

صحف بريطانيا وإسكتلندا وأميركا ترى أن الشعرة التي كانت تربط بين التاج البريطاني وإسكتلندا انقطعت بوفاة الملكة إليزابيث، التي كان الإسكتلنديون يرفضون انفصال بلادهم عن المملكة لأسباب عاطفية تتعلق بشعبية الملكة الراحلة.

وتوحدت إسكتلندا وإنجلترا سياسيا عام 1707، ومنذ عام 1999 لإسكتلندا برلمانها وحكومتها الخاصة، وتضع الحكومة هناك سياساتها الخاصة في مجالات الصحة العامة والتعليم ومسائل أخرى فيما تسيطر الحكومة في لندن على قضايا من بينها السياسة الدفاعية والمالية.

وتتكون المملكة المتحدة كدولة اتحادية من أربعة أقاليم هي: إنجلترا وأيرلندا الشمالية وإسكتلندا وويلز.

ولو استقلت إسكتلندا فسوف تفقد المملكة ضلعا من أضلاع توازنها التاريخي الأربعة، وقد يكون هذا مشجعا لمناطق أخرى في الكومنولث تنضوي تحت التاج البريطاني للاستقلال خاصة كندا وأستراليا.

تنص القوانين البريطانية على نقل بعض السلطات من لندن إلى إدنبرة، عبر برلمان إسكتلندا، لكنها أكدت على أن ما يتعلق باتحاد البلدين لا يمكن أن يقرره إلا برلمان المملكة المتحدة.

وشددت على أن برلمان المملكة يجب أن يوافق على منح سلطات للحكومة المفوضة في إسكتلندا باستخدام ما يسمي "أمر القسم 30"، في حالات الانفصال، كما حصل حين وافقت لندن على استفتاء عام 2014، والذي رفض فيه الإسكتلنديون الاستقلال.

لذا قد تكون هذه الجزئية عائقا أمام محاولة رئيسة الوزراء ستورجن، إجراء استفتاء أكتوبر 2023، وهو ما دفعها لتحدي هذا الأمر والإعلان عن "خطط" لم تحددها للانفصال إذا لم يتغير موقف حكومة المملكة المتحدة.

استفتاءات متقلبة

وهناك تقلب في المزاج الإسكتلندي تجاه الانفصال عن التاج البريطاني، عكسه استطلاع الرأي الذي أجراه أكثر من مركز بحثي، ربما بسبب دور الملكة الراحلة في جذبهم عاطفيا للبقاء داخل المملكة المتحدة.

ففي استطلاع أجراه موقع "نيوستاتسمان" البريطاني في 15 سبتمبر/ أيلول 2020، أيد 70 بالمئة من الإسكتلنديين الانفصال عن المملكة المتحدة.

ووجد استطلاع منفصل أجراه مركز أبحاث المستقبل البريطاني في 18 مايو/ أيار 2022 أن 45 بالمئة فقط في إسكتلندا أرادوا الاحتفاظ بالنظام الملكي، مقارنة بستة من كل 10 أشخاص في جميع أنحاء بريطانيا.

وأظهر الاستطلاع أن أكثر من ثلث الإسكتلنديين (36 بالمئة) قالوا إن نهاية عهد الملكة إليزابيث الثانية سيكون الوقت المناسب لإلغاء الملكية وتحول إسكتلندا إلى "جمهورية".

قبل هذا، بين استطلاع أجرته مؤسسة "يوغوف" في أبريل/نيسان 2017، أن قرابة نصف ناخبي إسكتلندا لا يريدون إجراء استفتاء على الاستقلال بعدما طلبت إسكتلندا رسميا، أواخر مارس/ آذار 2017 من بريطانيا إجراء استفتاء لانفصالها.

وحسب نتائج الاستطلاع الذي نشرت نتائجه صحيفة "التايمز" في 29 أبريل 2017، عارض 49 بالمئة من الإسكتلنديين إجراء الاستفتاء الذي اقترحته حينئذ رئيسة الوزراء، بينما أيد 37 بالمئة إجراء الاستفتاء، ولم يحسم 14 بالمئة أمرهم.

ولكن جاء انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي والذي رفضه غالبية الإسكتلنديين ليزايد دعوات الانفصال التاريخية، إذ يريد الحزب الوطني الحاكم استقلال إسكتلندا لتنضم إلى الاتحاد الأوروبي كدولة مستقلة.

لكن عقب اتفاق "بريكست" الذي انسحبت بريطانيا بموجبه من الاتحاد الأوروبي، في 29 مارس 2019، والذي وافق عليه 52 بالمئة من البريطانيين ورفضه 62 بالمئة من الإسكتلنديين، حاولت رئيسة الوزراء الإسكتلندية تنظيم استفتاء جديد لتقرير المصير.

ومع هذا أيد 62 بالمئة من الأسكتلنديين البقاء داخل المملكة ورفض 38 بالمائة مطالبين بالاستقلال، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" في 10 أكتوبر 2022.

ومع تزايد الرغبة الإسكتلندية في العودة مرة أخرى إلى التكتل الأوروبي تزايدت شعبية القوميين في إسكتلندا وهو ما انعكس على الانتخابات الأخيرة التي جرت في مايو 2021 وعزز فيها الحزب الوطني الإسكتلندي مقاعده في البرلمان وتحقيق الفوز للمرة الرابعة على التوالي.

وحصل الحزب القومي الإسكتلندي الذي تتزعمه رئيسة الوزراء ستورجن على 64 مقعدا في الانتخابات، أي أقل من الأغلبية المطلقة بمقعد واحد.

كما حصل حلفاء ستورجن من حزب الخضر المؤيد للاستقلال أيضا على ثمانية مقاعد وهو ما يعطيها الهيمنة على الأجندة السياسية لإسكتلندا

شعبية الملكة

وقال خبير الاستطلاعات البروفيسور السير جون كيرتس، لـ"بي بي سي" في 10 أكتوبر 2022، إن ستة استطلاعات رأي أخيرة قدّرت نسبة التأييد للاستقلال عند 49 بالمئة مقابل 51 المئة ضدها.

وأوضح أن هذا يشير إلى أن البلاد لم تشهد الارتفاع الكبير الذي ظهر في اتجاه دعم الاستقلال الذي كانت تأمل فيه رئيسة وزراء إسكتلندا، في أعقاب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لكن هذا يجب أن يكون مؤشرا واضحا على زيادة نسبة داعمي الاستقلال.

وكان لكاريزما الملكة الراحلة إليزابيث وتعاطف الإسكتلنديين معها دور في تخفيف دعاوي الانفصال، خاصة بعدما تسرب خبر رفض الملكة للانفصال رغم أنه ليس من حقها إبداء أراء سياسية.

فأثناء حملة سبقت الاستفتاء على الاستقلال في إسكتلندا عام 2014، أخبرت إليزابيث مسؤولا خارج الكنيسة عند انصرافها أنها تأمل في أن "يفكر الناس بعناية شديدة بشأن المستقبل"، بحسب موقع "ذا سكوتس مان" في 19 سبتمبر/أيلول 2022.

وأثر هذا الموقف الملكي على قرار الناخبين في الاستفتاء الأول عام 2014 فقرروا بأغلبية تجاوزت 55 بالمئة آنذاك رفض الاستقلال عن المملكة، بعد أن اعتُبرت تعليقاتها بمثابة تأييد لحملة "لا" في ذلك الوقت.

وبحسب ما تسرب حينئذ، سمع رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون الملكة تضحك بسعادة عندما اتصل بها لإعلامها بأن إسكتلندا صوتت ضد الاستقلال في الاستفتاء.

وأمضت الملكة أيامها الأخيرة في إسكتلندا، وتوفيت في قلعة بالمورال الإسكتلندية، وكانت والدة الملكة إليزابيث، من أصل أسكتلندي لأنها كانت عضوًا في عائلة باوز ليون، وفق الموقع  الأسكتلندي.

وعقب وافتها، أعلنت ستورجن، عزمها إجراء الاستفتاء الثاني للانفصال عن المملكة المتحدة في أكتوبر 2023، إذا سمحت المحكمة العليا بذلك.

لكن الباحث في معهد دراسات الحكومة البريطاني "أكاش باون" كان قد أكد في 30 يونيو/حزيران 2022 أنه من غير المرجح أن تصدر المحكمة العليا حكما لصالح الحزب الوطني الإسكتلندي.

إلا أنه أوضح أن هذا ليس نهاية المطاف، و"يجب ألا يرى أولئك الذين يؤيدون الاتحاد في ذلك انتصارا نهائيا".

تشارلز وإسكتلندا

منذ أصبح تشارلز الثالث ملكا، ويتساءل البريطانيون: هل سينهار عرش بريطانيا في ظل ولايته، خاصة في ظل دعوات الحزب الوطني الإسكتلندي للانفصال والتي لم يصدها سوى كاريزما وقوة شخصية الملكة الراحلة.

وشجع الملك الجديد، الاستقلال، عكس أمه الملكة الراحلة، حين أعلن مرارا أن "لكل شعب الحق في اختيار مصيره، وأنه لا يمانع في انفصال أي من الدول التابعة للتاج البريطاني، شريطة أن يتم ذلك بشكل يليق وبهدوء، وأنه لا يرغب في حدوث صراعات".

ويقول أستاذ التاريخ الإسكتلندي في جامعة دندي "ألان ماكدونالد": "أي شخص تابع السياسة الإسكتلندية على مدار الثلاثين عاما الماضية يدرك تماما أن وفاة الملكة قد تكون المسمار الأخير في نعش الاتحاد البريطاني".

وأوضح لمجلة "تايم" الأميركية قي 9 سبتمبر 2022 أن التوترات بين التاج "الإنجليزي" والقومية الإسكتلندية موجودة منذ زمن طويل، ودوافع الاستقلال الآن أكثر إلحاحا بسبب تخبط حكومة لندن وانسحابها المكلف من الاتحاد الأوروبي، الذي صوت الأسكتلنديون ضده بأغلبية ساحقة في عام 2016. 

وحاول الملك تشارلز الثالث اللعب على الوتر العاطفي مع إسكتلندا مثل والدته، وحرص خلال مراسم جثمان الملكة إليزابيث في إسكتلندا على ارتداء القميص والتنورة الإسكتلندية التقليدية.

لكن مجلة "تايم" ترى أنها "حيلة علاقات عامة ملكية لكسب رضا الإسكتلنديين على البقاء ضمن التاج البريطاني".

وتوقعت أن تدخل علاقة إسكتلندا مع التاج البريطاني، مع تولي تشارلز الثالث العرش، "منعطفا مجهولا"، يختلف عن كيفية تعامل العائلة المالكة بمهارة مع إسكتلندا في القرون الأخيرة.

ويقول أحد المدافعين البارزين عن الاستقلال، طالبا عدم الكشف عن هويته لمجلة "تايم": إن "وصول الملك تشارلز للعرش هو بالتأكيد دفعة لحركة الاستقلال، لأنه بلا شعبية عكس شعبية الملكة الراحلة العالمية وفي إسكتلندا".

ويصف "كلايف إيرفينغ"، مؤلف السيرة غير الرسمية لإليزابيث الثانية الملكة الأخيرة تشارلز الثالث بأنه "إسكتلندي مزيف، فهو يرتدي الملابس الإسكتلندية لكنه لا يبدو أبدا كأصحاب المنزل".

مع هذا يشدد موقع "سكوتش مان" في 19 سبتمبر 2022 على أن علاقة الملك تشارلز الثالث مع إسكتلندا هي في حمضه النووي، حيث إنه ينحدر مباشرة من جيمس السادس ملك إسكتلندا من خلال جده الملك جورج السادس.