محمد الرحمون.. جلاد الأسد لتعذيب السوريين وقصف الأطفال بالكيماوي
.png)
عاد إلى الواجهة وزير داخلية النظام السوري، محمد الرحمون، الذي شغل منصبه عام 2018، كمكافأة على جرائم ارتكبها بحق السوريين عقب اندلاع الثورة في مارس/آذار 2011.
الرحمون القادم من عمق أجهزة المخابرات السورية، تدرج في مناصبه بقيادة تلك الأجهزة في أكثر من منطقة سورية، قبل أن تدفع به "جرائمه" نحو الواجهة أكثر.
إذ حظي الرحمون بثقة رأس النظام بشار الأسد، وقلده هذا المنصب الحساس بعدما قاد شخصيا تعذيب معتقلين سوريين بقسوة، وكان المسؤول المباشر عن مجازر شهدتها أقبية السجون بريف دمشق.
كما كان الرحمون الشخصية التي قبلت أن تتسلم "ملف الكيماوي" عقب الثورة، بعد أن ترأسه رئيس "مكتب الأمن الوطني" اللواء علي مملوك لعدة سنوات.
وهذا ما قاده للإشراف بشكل مباشر على هجمات كيماوية استهدفت مدنا سورية، أسفرت عن مقتل المئات.
وعاد الرحمون لينكأ جراح بعض السوريين الذين كتب لهم القدر النجاة من مسالخ الأسد البشرية (السجون)، وما تزال أجسادهم شاهدة على عمليات التعذيب، حينما التقى بالمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فيليبو غراندي بالعاصمة دمشق.
وبشكل وصف بـ المستفز"، التقى غراندي الرحمون في 13 سبتمبر/أيلول 2022، حينما كان المسؤول الأممي في زيارة إلى سوريا تحت عنوان تقديم المزيد من الدعم لتلبية الاحتياجات الإنسانية في هذا البلد.
ووقتها بحث غراندي مع مسؤولين في نطام الأسد "التعاون المشترك في مجالات التعافي المبكر للمناطق المتضررة والعمل الإنساني والخدمات المقدمة للمهجرين".
وزعم الرحمون خلال لقائه غراندي، أنه جرى "تقديم جميع التسهيلات اللازمة لتأمين عودة المهجرين إلى وطنهم"، علما أن حالات العودة لا تكاد تذكر، وإن حصلت فإنها لعوائل وأشخاص غير مطلوبين لأجهزة مخابرات الأسد.
النشأة والتكوين
ولد محمد خالد الرحمون في مدينة خان شيخون بريف إدلب عام 1957 لأسرة من الطائفة السنية.
وهو متزوج ولديه ستة أولاد من امرأة من الطائفة العلوية تنحدر من مدينة القرداحة مسقط رأس الرئيس السابق لسوريا حافظ الأسد الذي استولى على السلطة عام 1971 بانقلاب عسكري، وأورث الحكم لابنه بشار عام 2000.
انخرط الرحمون في السلك العسكري مبكرا، وانتسب إلى الجيش والقوات المسلحة السورية عام 1977، وتخرج في الكلية الحربية باختصاص دفاع جوي، وجرى فرزه إلى إدارة المخابرات الجوية.
وقاده ذلك إلى شغل عدد من المناصب الأمنية الكبيرة، كان آخرها رئاسته شعبة الأمن السياسي، قبل أن يعينه الأسد الابن، وزيرا للداخلية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.
وقبل ذلك كان الرحمون نائبا لرئيس شعبة الأمن السياسي، وهو واحد من أصل أربعة أجهزة أمنية رئيسة في سوريا.
لكن المرحلة التي ظهر فيها إجرام الرحمون كانت وهو يشغل منصب رئيس فرع المخابرات الجوية (سيئ السمعة والصيت) في المنطقة الجنوبية، وهو الفرع المسؤول عن محافظات (دمشق وريفها، ودرعا، والقنيطرة، والسويداء).
كما عين وهو برتبة عميد رئيسا لقسم المخابرات الجوية في مدينة درعا عام 2004، وكان حينها برتبة مقدم.
وحينما تولى الرحمون منصب وزير الداخلية كان مدركا أنه والأجهزة التي تتبع له أسهمت في قتل مئات الآلاف وتهجير 13 مليون سوري من بيوتهم، وباتوا بين نازح داخليا أو لاجئ خارجيا من أصل 23 مليون نسمة.
ووقتها عد الرحمون في كلمته أن "بشار الأسد يقود سفينة النصر المؤزر بكل حكمة وحنكة واقتدار وسط عباب متلاحم من الأعاصير إلى بر الأمان والعزة والكرامة والمجد والسؤدد"، متجاهلا دماء الآلاف من السوريين.
متورط بالكيماوي
وجهت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" المعارضة انتقادا لـ "غراندي"، إثر لقائه مع الرحمون.
وأكدت أن المفوض السامي "ليس على اطلاع كاف بخلفية الرحمون والانتهاكات الفظيعة المتورط بها، والتي تشكل بعضها جرائم ضد الإنسانية ويرقى بعضها إلـى جرائم حرب".
وبينت الشبكة أن الرحمون يعد من الشخصيات الأمنية البارزة بنظام الأسد، في التخطيط وإدارة الملف الأمني الداخلي داخله.
إذ إنه أدرج على لائحة العقوبات الصادرة من وزارة الخزانة الأميركية مطلع عام 2017.
كما جرى إضافته إلى قوائم العقوبات الصادرة عن بريطانيا عام 2019؛ بسبب ارتباطه المباشر ببرنامج الأسلحة الكيميائية السورية.
وأيضا لكونه جزءا من سلسلة إصدار الأوامر المتعلقة بالهجوم بالأسلحة الكيميائية على عدة مناطق في محافظة ريف دمشق، وبشكل خاص في مجزرة الغوطة عام 2013 والتي قتل فيها 1127 شخصا مسجلين بالأسماء وفق قاعدة بيانات الشبكة السورية.
وفي مطلع مارس 2019 وضع الرحمون على قائمة العقوبات الأوروبية، في قائمة ضمت سبعة وزراء في حكومة النظام السوري.
ولفتت الشبكة إلى ضرورة تجنب المفوض لقاء وزير داخلية النظام السوري، الذي تتبع له نظريا الأجهزة الأمنية ذات السيط البربري فـي التعامل مـع المواطنين السوريين".
ومضت تقول: "إن هذا اللقاء يرسل رسالة سلبية لملايين اللاجئين والنازحين فـي المناطق خارج سيطرة النظام".
رجل تعذيب
يؤكد موقع "مع العدالة" الذي يعنى بإحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب ومنتهكي حقوق الإنسان، أن الرحمون أشرف عام 2011 على عمليات الاعتقال والاقتحام في مناطق بريف دمشق.
وتولى حينئذ عمليات التحقيق والتعذيب التي كانت تجري في "فرع حرستا" الذي اعتقل فيه وقتل عشرات آلاف السوريين تحت التعذيب، في الفرع الذي يطلق عليه "فرع الموت".
ووفقا لشهادة خمسة معتقلين تمكنوا من الفرار من الفرع المذكور نشرها تقرير مركز توثيق الانتهاكات بسوريا عام 2013 بعنوان "رحلة الهروب من الجحيم"، فإن الفرع الذي كان يرأسه الرحمون مورست فيه فظاعات غيـر مسبوقة وأن المذكور كان يشرف شخصيا على عمليات التعذيب.
واتهم الرحمون بالمشاركة في مجزرة الكيماوي بالغوطة الشرقية عام 2013 التي أودت بحياة حوالي 1400 شخص بينهم أطفال ونساء، وذلك لارتباطه بأحد المشرفين على عمليات تجارب الأسلحة الكيماوية في الوحدة 417 التابعة للمخابرات الجوية.
ووفقا لموقع "مع العدالة" فإنه عرف عن اللواء رحمون اعتقاله لمئات السيدات وأطفالهن بهدف الضغط على شباب عوائلهن من أجل تسليم أنفسهم إلى "فرع الموت"، الذي مارس أبشع أساليب التعذيب والقتل.
وأبقى بشار الأسد، الرحمون في منصبه عام 2020، حينما تشكلت حكومة جديدة برئاسة حسين عرنوس الذي خلف عماد خميس.
وتلقى الرحمون هجوما لاذعا عندما زار في ديسمبر 2018 سجن دمشق المركزي "عدرا" المدني، بدعوى تفقده أحوال المساجين.
ووقتها دعاه السوريون لزيارة المعتقلات وتفقد أحوال المعتقلين على خلفية الثورة، وليس زيارة سجناء بجنح جنائية يقضون مدد حكمهم دون تعذيب ويأكلون أكلا طبيعيا ويرون الشمس ويزورهم أقرباؤهم.
ومما يدلل على أن سلطة الرحمون محصورة في تعذيب السوريين المناهضين للأسد، وأنه في منصب "فخري"، يتلقى الأوامر من القصر الجمهوري وينفذها بكل جدارة، تراجعه في مارس/آذار 2019 عن قرار أصدره بحق حوت اقتصادي مقرب من عائلة الأسد، وهو خضر علي طاهر.
وتمثل القرار بمنع وحدات الشرطة من التعامل مع خضر واستقباله في مقرات وزارة الداخلية وتنفيذ طلباته دون أي تردد.
وخلال مقابلة للرحمون على تلفزيون النظام في 18 يناير/كانون الثاني 2020، اعترف بمراقبة حسابات السوريين على فيسبوك، في رسالة تهديدية مباشرة للمواطنين.
وأطلق الرحمون تصريحات حول المراقد الشيعية بسوريا في 10 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 قال إنها في "أمان تام ونرحب باستقبال الزوار الإيرانيين".
وذلك في إشارة منه إلى أن سوريا وجهة للسياحة الدينية التي تشجع عليها إيران، وتجذب آلاف الزوار سنويا إليها من مواطنيها، والعراق ولبنان وأفغانستان وباكستان.
ولا سيما أن طهران اتخذت من مسألة الدفاع عن "المقامات" حجة لجذب المليشيات الشيعية من كل أصقاع العالم إلى سوريا لقتل الشعب، وإبقاء الأسد يحكم على جماجم السوريين.