"صمت مهين".. رد المغرب على فضيحة التحرش في مكتب إسرائيل بالرباط

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تتواصل تسريبات الإعلام العبري بشأن فضيحة مدوية هزت الرأي العام في المغرب تتعلق بشبهات فساد وتحرش جنسي وفساد إداري ومالي مرتبط بمكتب البعثة الدبلوماسية لإسرائيل في الرباط ورئيسها، ديفيد غوفرين.

وأمام هذه التسريبات الصادمة ظل الموقف الرسمي المغربي "صامتا" متجاهلا كل الضغوطات الشعبية المطالبة بتوضيح من المملكة لهذه "الإهانة" لكرامة مواطنيه.

فيما تتعالى دعوات فعاليات مغربية مناهضة للتطبيع إلى إغلاق مكتب الاتصال بالرباط، وذلك على خلفية التحقيق الذي تجريه الخارجية الإسرائيلية مع رئيس بعثتها الدبلوماسية، غوفرين.

وضع صامت 

القضية التي أثيرت لأول مرة في 5 سبتمبر/أيلول 2022 عبر وسائل إعلام عبرية أبرزها قناة "كان" التابعة لهيئة البث الرسمية، جاء فيها أن محور التحقيق هو "سلوك" رئيس مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط.

وتتعلق القضية باختفاء هدية ثمينة جاءت من الديوان الملكي المغربي خلال احتفالات ما تسميه إسرائيل بـ”عيد الاستقلال”، وفق القناة.

بالإضافة إلى ذلك، يحقق المكتب أيضا في صراع داخل السفارة بين رئيس البعثة، غوفرين، وضابط الأمن المسؤول عن الأمن والتشغيل السليم للبعثة الإسرائيلية.

قناة "كان"، كشفت أن "وزارة الخارجية تحقق في الشكاوى الواردة بشأن أعمال يزعم أنها نفذت في الممثلية (مكتب الاتصال) في المغرب".

وأوضحت أنه "على خلفية تلك الادعاءات وصل وفد كبير من وزارة الخارجية الإسرائيلية إلى الرباط على عجل ضم المفتش العام للوزارة حجاي بيهار".

وقالت "كان" إن "أكثر ما يزعج مسؤولي وزارة الخارجية (الإسرائيلية) هو الادعاءات الخطيرة باستغلال نساء محليات ومضايقتهن من قبل مسؤول إسرائيلي".

وبينت أنه "إذا ثبتت صحة هذه المزاعم فقد يكون هذا حادثا دبلوماسيا خطيرا في العلاقات الحساسة بين إسرائيل والمغرب".

وبعد أيام من هذه التسريبات من إعلام رسمي انتظر المغاربة رأي المملكة من هذه الفضيحة الخطيرة، دون بيان أو تصريح.

وعقب إلحاح صحفيين خلال الندوة التي تلت الاجتماع الأسبوعي للحكومة في 8 أغسطس 2022، فضل الناطق باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، عدم الخوض في الموضوع.

وحول ما إذا كانت الحكومة المغربية أحيطت علما بمسار تحقيق وزارة الخارجية الإسرائيلية حول شبهة تورط دبلوماسيين إسرائيليين في التحرش الجنسي بمغربيات فوق أرض الرباط، اكتفى بايتاس بالقول إن "الحكومة لم تناقش الموضوع في اجتماعها الأسبوعي".

واختار بايتاس عدم تقديم أي توضيحات حول ما إن كانت “وزارة الخارجية المغربية فتحت تحقيقا في الموضوع أيضا”.

كما فضل عدم “التصريح بما تعتزم الحكومة تنفيذه لصون كرامة النساء المغربيات، في حال ثبتت الاتهامات الموجهة إلى المسؤولين الدبلوماسيين بمكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط”.

وعن أسباب هذا الصمت، قال رئيس "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع"، أحمد ويحمان: "في فمهم ماء كما يقال، وفي كرشهم العجينة وليس في وجوههم دم ولا ماء حياء.. وإلا فإن هذه القضية تهز من لا يهتز" .

وشدد ويحمان في حديث لـ"الاستقلال" أن "هذه الحكومة قرارها ليس بيدها ولا كرامة لوزرائها، فمن لا تهمه كرامة شعبه ولا وطنه ولا دولته، وهو في مواقع حكومية فماذا تنتظر منه؟".

واستطرد: "تغتصب نساء المغرب ويعلن هذا السلݣوط (الصعلوك) أنه يتعمد إهانة الدولة.. يقدم على إعلان نفسه سفيرا من طرف واحد متحديا الدولة المغربية، يتعمد الصهاينة الترويج في إعلامهم بأنهم تلقوا هدية من الملك، رئيس لجنة القدس، في ذكرى عيد استقلال إسرائيل؛ أي في ذكرى اغتصاب فلسطين !!!ولا من يحرك ساكنا.. صمت القبور".

واستدرك ويحمان: "حتى إذا اضطر الوزير الناطق الرسمي باسم الحكومة أن يجيب على سؤال لصحفي في اللقاء الأسبوعي الذي لا مفر منه، أجاب في ستة 6 ثوان بقوله :لم نناقش الموضوع !!!6 ثوان.. جملة واحدة لفضيحة مرغت شرف المغرب والمغاربة وعلى رأسهم الملك في الوحل"، وفق تعبيره.

وتابع: "لم يناقشوا، مجرد المناقشة، جريمة وفضيحة بالمغرب هي حديث الخاص والعام في العالم بأسره، إنها بكل وضوح إيذان بخراب البلاد! البلاد في أيد غير آمنة.. يقامرون بالبلد بكل ما تعني المقامرة من معنى".

"مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين"، التي تضم فعاليات سياسية وحقوقية ونقابية ومدنية مناهضة للتطبيع في المغرب، أدانت ما سمته بـ"الصمت الفاضح" لكل مؤسسات الدولة ذات الصلة بملف فضيحة مكتب الاتصال الإسرائيلي.

وفي بيان صادر في 8 سبتمبر، استنكرت "عدم اتخاذ مؤسسات المغرب للإجراءات الصارمة الفورية ولم تعلن تصديها للمس بالسيادة الوطنية أمام إعلان الكيان الصهيوني فتح تحقيق رسمي بالمغرب وترويج عدد من الملفات المفتوحة للتحقيق دون أدنى موقف للخارجية المغربية أو السلطات المركزية المعنية مثلما تقتضيه الحالة".

وأعربت المجموعة عن استغرابها الشديد مما يزعمه الكيان الصهيوني بخصوص وجود "هدية" جرى تقديمها إلى مكتب الاتصال بالرباط في ذكرى ما يسمى "استقلال إسرائيل"؛ أي ذكرى نكبة فلسطين ‼️ في سياق الحديث عن اختفاء هدية من الدولة المغربية؟!".

وبينت أن "الأمر إن صح يشكل طعنة كبرى لفلسطين من داخل عاصمة دولة رئاسة لجنة القدس.. وطعنة للشعب المغربي الذي ما انفك يخرج بالملايين لدعم فلسطين ومقاومة الكيان الصهيوني والتصدي لكافة أشكال التطبيع معه‼".

ولفتت إلى أن ذلك يأتي "في تطور جد خطير لمسلسل الإهانات الكبرى للمغرب الرسمي والشعبي عبر مسار التطبيع المحموم والهرولة الصهيوتطبيعية الطافحة باتجاه الصهينة الشاملة للبلاد منذ قرابة العامين".

بدوره، قال عضو المكتب المركزي للهيئة المغربية لنصرة قضايا الأمة، محمد الرياحي الإدريسي: "ما جرى خرق سافر لقواعد العمل الدبلوماسي، واستغلال لسلطة المنصب لإرضاء نزوات شاذة، خاصة بعد فتح الدولة الباب على مصراعيه للصهاينة غير مكثرتين بالرفض الشعبي العارم والسخط على هذا الكيان المجرم الملطخة يده بدماء الآلاف من الشهداء".

وتابع الرياحي الإدريسي في حديث لـ"الاستقلال": "الأكيد أن الدولة المغربية تجني ثمار هذه الخطوة المتهورة التي ستبقى وصمة عار على جبينها".

وبيّن أن "الدليل على هذا الحرج هو رفض الناطق للحكومة التعليق على الحدث في الندوة الصحفية التي تلت الاجتماع الأسبوعي للحكومة، مكتفيا بالقول أن الحكومة (لم تناقش ما حدث)، وهو عذر أقبح من زلة".

كما أن هذا السلوك، وأعتقد أن ما خفي أعظم وأخطر، يؤكد ما نبهنا عنه سابقا بكون أي تنسيق أو تطبيع مع هذا الكيان ورموزه لن يجلب للمغرب والمغاربة إلا الفساد والكساد، استفادة من تجارب الدول التي سبقت المغرب في التطبيع ولأن هذا الكيان هو جرثومة الفساد في الأرض كما أخبرنا بذلك القرآن الكريم، وفق الرياحي الإدريسي.  

استقصاد الإذلال

عضو الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة "العدل والإحسان"، حسن بناجح قال: "لحد الآن لم نسمع ولم نر ما يلزم رسميا (سياسيا وإعلاميا وقانونيا) تجاه الأحاديث القوية عن استباحة ممثلي الكيان الغاصب لأعراض المغربيات بعد استباحة الأرض بتدنيسها بأحذيتهم المضمخة بدماء أطفال فلسطين، لماذا؟".

وشدد في منشور على فيسبوك في 7 سبتمبر على أن "ما ينبغي أن يستشعره الجميع هو أن موضوع التطبيع، بالنسبة للمغاربة، تجاوز حصر ضرره على فلسطين وحدها، الآن أصبح ضرر التطبيع يمس المغرب بدرجة أكبر".

وتابع: "وبالتالي ففي مناهضة التطبيع دفاع عن المغرب بعد أن أصبح يشكل له تهديدا مباشرا في أمنه ووحدته واستقراره وقيمه واقتصاده واستقلاله وأعراضه".

الناشط المغربي المناهض للتطبيع، عزيز هناوي، قال إن "الجريمة: تحرش واستغلال جنسي لمواطنات مغربيات (موظفات محليات) في مكتب الاتصال الصهيوني بالرباط.. والتحقيق إسرائيلي، ..‼بينما (وزير الخارجية ناصر) بوريطة في وضع الصامت".

وتساءل عبر فيسبوك: "أليس من واجب النيابة العامة بالرباط فتح تحقيق في (وقائع) الاستغلال الجنسي لموظفات مغربيات في مكتب الاتصال الإسرائيلي.. وقد بلغ إلى علمها كل هذا الضجيج من تل أبيب".

الباحث في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي أوضح قائلا "إسرائيل تقرر اليوم إعادة سفيرها في المغرب لاستكمال التحقيق معه وطاقم السفارة حول مضايقات واستغلال عاملات مغربيات في السفارة جنسيا".

وأضاف في تغريدة "في هذه الأثناء الحكومة المغربية تلتزم الصمت في حين تواصل إسرائيل التحقيق.!".

الصمت الرسمي المغربي تماهى معه تجاهل من الأحزاب السياسية والإعلام المحسوب على السلطة لـ"الفضيحة".

فيما قالت عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أمينة ماء العينين، إن "هؤلاء القوم لن يأتي منهم أي خير"، مشددة على أن المغرب "يجب أن يراجع سياسة الهرولة التي تنتهجها فئة واسعة تجاه الكيان الإسرائيلي".

وانتقدت ماء العينين في تدوينة عبر فيسبوك المطبعين الذين وصفتهم بـ"أشباه السياسيين والمنتخبين والأكاديميين والإعلاميين والفنانين وغيرهم، والذين، بهرولتهم التطبيعية، يقومون بما لا يليق بمكانة المغرب وتاريخه وعزته وكرامته الجماعية".

وأكدت أن "من يغتصب أرضا وينكل بشعب بأكمله لن يتورع عن فعل ما هو مريع أينما حل وارتحل"

ولفتت ماء العينين إلى أن "الكيان الإسرائيلي لم يكلف نفسه حتى عناء اختيار من يمثله في بلد عريق كالمغرب، وما نسمعه اليوم ليس سوى بدايات لا عنوان لها إلا الاستخفاف واستقصاد الإذلال، والجميع يعلم أن التحرش بالنساء هو المدخل الأمثل لذلك، والقادم يعلمه الله".

من جانبه، قال ويحمان: "هذه البروباغندا للمنابر تسيطر عليها الدعاية الصهيونية من خلال منظمة جيش الصهيونية العالمية، وكذا منابر المناولة التي يهيمن عليها الرأسمال الإماراتي مثل (موقع) هسبريس وغيره، ومنها من يديرها عملاء بوراقهم ولا يرف لهم جفن في إعلان عمالتهم".

وعد أن "هذا هو الزمن المغربي الذي يحضرون به الفراغ بإضعاف وتحطيم وتفكيك مجتمعه لإسقاط دولته بعد إيصالها لمستوى الدولة الفاشلة قبل هدمها بشكل نهائي لبناء إسرائيل جديدة على أنقاضها.. علما بأن الحديث يدور الآن على برنامج توطين مليونين من اليهود الصهاينة، ثلاثة أرباع منهم ليسوا حتى من أصول مغربية".

وعن تطورات هذه القضية على ملف التطبيع وهل يمكن القول إنها تدفع الرباط للتراجع خطوات، قال ويحمان: "المخطط الخبيث أكبر بكثير مما يجري الآن.. هذه، على فظاعاتها، مجرد مقدمات.. لقد اختطفوا الدولة الآن.. ووسائل الدولة وبأموالها يتم التطبيع المفروض بالاستبداد المفروض عليه باستبداد أكبر هو الإمبريالية لعالمية؛ أميركا" .

وشدد على أن "المغرب ليس له من خيار سوى أن يواجه أو ينتهي ككيان" .وأكد أن "التطبيع خراب،  وها نحن نرى حصيلة بضعة أشهر فحسب".

وختم حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "آخر الكلام هو مراجعة الموقف من التطبيع ووحدة الجبهة الداخلية لمواجهة الضغوط، وإلا فإنها الكارثة لا قدر الله".

وبشأن صمت و"تبرير" الإعلام المحسوب على الدولة للقضية، قال الرياحي الإدريسي: "عهدنا هذا الأمر وهذه السلوكيات من طرف الإعلام المخزني وأبواقه التي عملت في مرحلة سابقة للتطبيل والترويج للخطوة التطبيعية الرسمية وما تبعها من أنشطة في هذا الصدد، فلا غرابة ألا تسمع لها خبرا في هذه القضية الحساسة والخطيرة في الوقت نفسه".

وعن تطورات هذه القضية على ملف التطبيع، أعرب الرياحي الإدريسي عن أمله "أن يأخذ النظام المغربي الدرس مما حدث وأن يتراجع عن ممارساته التطبيعية المتهورة، حماية للمغرب وصونا لهوية المغاربة ووقوفا إلى جانب إخوتنا في فلسطين".

وختم حديثه لـ"الاستقلال" بالقول: "في الاتجاه المقابل تعد هذه القضية والضجة فرصة أخرى للهيئات المناهضة للتطبيع التي انخرطت جميعها في برامج متنوعة ومتكاملة للتأكيد على مصداقية ما دعت إليه وما نبهت عليه من كون الصهاينة المجرمين القتلة لا يرجى منهم خير بالمطلق".

كما دعا الرياحي الإدريسي تلك المؤسسات إلى "الاستمرار في مسارها الرافض للتطبيع رغم ما تتعرض له من تضييق وتنكيل ومتابعات".