تصريح عباس عن "الهولوكوست".. هكذا استغلته إسرائيل للتغطية على جرائمها

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

خلال مؤتمر صحفي في ألمانيا، رفض رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الاعتذار لإسرائيل عن الهجوم على البعثة الرياضية الإسرائيلية في أولمبياد ميونخ عام 1972.

وفي رده على سؤال لأحد الصحفيين في 16 أغسطس/آب 2022، عما إذا كان سيعتذر بمناسبة الذكرى السنوية الـ50 للهجوم الذي نفذه فدائيون فلسطينيون، قال عباس إن هناك يوميا شهداء يسقطهم الجيش الإسرائيلي.

وفي ذلك اليوم، احتجزت مجموعة فلسطينية تدعى "أيلول الأسود" 11 رياضيا من الفريق الإسرائيلي كرهائن مطالبة بإطلاق سراح أسرى في السجون الإسرائيلية.

وقتل إسرائيليان خلال الهجوم، وعندما كان الفلسطينيون ينتقلون مع رهائنهم إلى مطار فورستفيلدبروك العسكري ليستقلوا الطائرة إلى القاهرة في ضوء المفاوضات التي أجرتها معهم الحكومة الألمانية ووسطاء، تدخلت الشرطة وتعرض المسلحون والرهائن لنيران القناصة.

ووقتها، اندلعت مواجهة أسفرت عن مقتل 18 شخصا هم 9 إسرائيليين و5 فلسطينيين وشرطي وقائد طائرة مروحية وألمانيين.

استياء وهجوم

وتابع عباس في المؤتمر المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز: "منذ عام 1947 ارتكبت إسرائيل 50 مجزرة… 50 مذبحة.. 50 هولوكوست".

و"هولوكوست" مصطلح استخدم لوصف الحملات من قبل حكومة ألمانيا النازية وبعض حلفائها، بغرض اضطهاد وتصفية اليهود في أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية (1939ـ 1945).

وبعدها بيوم، أبدى المستشار الألماني أولاف شولتز استياءه من تصريحات عباس التي شبه فيها ممارسات إسرائيل ضد الفلسطينيين بمحرقة الهولوكوست.

وقال شولتز في تغريدة على تويتر: "أشعر بالاشمئزاز من التصريحات الفاضحة التي أدلى بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس".

وأضاف: "بالنسبة لنا نحن الألمان، فإن إضفاء طابع نسبي حول تفرد الهولوكوست أمر غير محتمل وغير مقبول"، وتابع: "أدين أي محاولة لإنكار جرائم الهولوكوست".

وأشار موقع واللا العبري إلى أن المستشار الألماني، الذي وقف إلى جانب أبو مازن خلال المؤتمر الصحفي، اندهش من الكلمات ولم يخف غضبه.

ورد النظام السياسي الإسرائيلي على كلام أبومازن، وغرد رئيس الوزراء يائير لابيد أن تصريحه "ليس عارا أخلاقيا فحسب، بل تشويها فظيعا أيضا، ستة ملايين يهودي لقوا حتفهم في الهولوكوست ومليون ونصف المليون طفل يهودي، والتاريخ لن يغفر له".

وزيرة الداخلية أيليت شاكيد خاطبت وزير الجيش بيني غانتس، بالقول إن "عباس قاتل جنودنا في لاهاي (يقدم شكاوى لمحاكمتهم)، ومنكر الهولوكوست في ألمانيا يجب ألا تكون له شرعية".

وبحسب ما نقلته الصحف الإسرائيلية عن غانتس، فإن "تصريح أبو مازن معاد للسامية، ونحن نطالبه بالتراجع عن كلامه، ومن لا يرسل جنودا للمعارك يجب ألا يقدم نصائح حول كيفية منع الحروب".

ووصف وزير القضاء "جدعون ساعر" تصريحات عباس بأنها "وصمة عار"، و"جزء من دعاية فلسطينية مؤسسية تقوم على مؤامرات الدم الكاذبة، ومعاداة السامية، وهي تهدف إلى نزع الشرعية عن إسرائيل".

وأردف أن "اختيار أبو مازن لقول كلماته البغيضة على التراب الألماني يشير فقط إلى النقطة الرديئة التي اختار الوصول إليها".

تحوير للتصريح

وقال رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت: "خلال فترتي لم أوافق على لقاء أبو مازن أو دفع أي مفاوضات سياسية معه، حتى في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية".

وتابع أن من ينكر المحرقة ويضطهد جنودنا في محكمة لاهاي، ويدفع رواتب لأسر الشهداء والجرحى والأسرى الفلسطينيين "ليس شريكا".

داني ديان رئيس ياد فاشيم، وهي مؤسسة إسرائيلية أقيمت عام 1953 بموجب قرار الكنيست (البرلمان) الإسرائيلي كمركز أبحاث مختصة بالهولوكوست، وصف كلمات عباس بأنها "رديئة بشكل مثير للاشمئزاز".

وطالب الحكومة الألمانية بأن تستجيب بشكل مناسب للتلميحات الصادرة عن مكتب المستشار"، وفق وصفه.

كما أدانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن بشدة تصريحات عباس، كما قالت المبعوثة الأميركية لمكافحة معاداة السامية "ديبوراه ليبستادت" إن مقارنة أبو مازن لأفعال إسرائيل بالمحرقة أمر غير مقبول.

وأردفت أن "تشويه الهولوكوست يغذي معاداة السامية، وقد يكون لذلك عواقب وخيمة". وهاجمت "شلوميت رومانو" ابنة الحاخام يويسف الذي قتل في أولمبياد ميونيخ، أبو مازن وادعت أنه كان جزءا من نفس التخطيط للقتل، وفق قولها.

وبينت أنه "ربما لم يسلك أبو مازن المسار الذي نأمل أن يسلكه، وللأسف فهو لا يفهم أن الهولوكوست لا يقارن بأي شيء آخر، فهو شيء لا يمكن مقارنته".

وتساءلت ابنة القتيل الحاخام: هل تحملت ألمانيا المسؤولية؟ مجيبة: "دعونا ننتقل ونغلق هذه القصة مرة واحدة وإلى الأبد، وتعوضنا ألمانيا كالمعتاد عن هجوم إرهابي دولي".

وعندما سئلت عن التعويض المقدم لأسر القتلى، أجابت: "أنا آسفة، هذا استمرار في التقليل من شأننا، فلا يوجد مثيل لهذا في العالم".

وأعلنت ألمانيا في يوليو/تموز 2022، أنها تعتزم دفع تعويضات لأسر ضحايا الهجوم الإرهابي في أولمبياد ميونيخ، وفق الموقع العبري.

ولفت الموقع إلى أنه صدر قرار بعدم الرغبة في تحديد العواقب الوخيمة على أقارب الضحايا من الناحية المادية.

وقال متحدث باسم وزارة الداخلية الاتحادية إن الحكومة الفيدرالية أعادت تقييم الهجوم الأوليمبي ونتائجه في الأسابيع الأخيرة، بحسب الموقع.

 توضيح ورد

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ فتحت الشرطة الألمانية تحقيقا جنائيا ضد الرئيس محمود عباس للاشتباه بتحريضه على الكراهية، وذلك عقب تصريحاته الأخيرة.

وقالت القناة 12 العبرية في 19 أغسطس: إن الشرطة الألمانية تفتح تحقيقا في شكوى قدمت ضد محمود عباس بعد تصريحاته الأخيرة بشأن الهولوكست.

فيما قالت الخارجية الألمانية إنه لن يجري محاكمة عباس في المحاكم الألمانية بالنظر إلى تمتعه بالحصانة كونه صرح بذلك على الأراضي الألمانية وبدعوة رسمية لمؤتمر دولي، وفق القناة.

وبعدها بساعات، أعربت الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عن رفضها واستغرابها "لما بدى وكأنه حملة ألمانية من التنمر ضد فلسطين والرئيس أبو مازن، تعقيبا على استخدامه لمصطلح هولوكوست للتعبير عن الجرائم الإسرائيلية المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني، ما يخرج الأمور من سياقها الصحيح".

وأعرب مصدر مسؤول بالأمانة العامة، في بيان، عن الاستنكار إزاء بعض ردات الفعل الألمانية والتي ذهبت بعيدا، وبشكل غير مسبوق وليس له تبرير مقنع وعقلاني، في شيطنة الفلسطينيين والاستهانة بمعاناتهم الهائلة على مدار عقود، وكأن الحقائق صارت تقف على رأسها وانقلبت الضحية إلى جان وتحول الجاني الحقيقي وهو الاحتلال إلى ضحية.

وأضاف المصدر أنه "من العجيب أن الأطراف المترصدة دوما بفلسطين، سواء في ألمانيا أو بريطانيا أو غيرهما، لم تلتفت للتصريح التوضيحي الصادر عن الرئاسة الفلسطينية في هذا الخصوص، وهو الأمر الذي يلقي بظلال كثيفة من الشكوك حول النوايا السيئة من جانب تلك الأطراف إزاء القضية الفلسطينية ورئيسها ومعاناة شعبها البطل".

وبعد تصريحاته بيوم، أصدر عباس، توضيحا حول ما جاء في إجابته خلال المؤتمر قائلا إنه "يعيد التأكيد على أن الهولوكوست أبشع الجرائم التي حدثت في تاريخ البشرية الحديث".

وأضاف "نؤكد أنه لم يكن المقصود في الإجابة إنكار خصوصية الهولوكوست، التي ارتكبت في القرن الماضي، فهو مدان بأشد العبارات".

وذكر أن "المقصود بالجرائم التي تحدثت عنها هي المجازر التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني منذ النكبة على أيدي القوات الإسرائيلية، وهي جرائم لم تتوقف حتى يومنا هذا".

وتابعت الجامعة العربية أن قضية الهولوكست "لا يجب أن تتحول إلى مدخل لتسجيل نقاط سياسية ضد القضية الفلسطينية وقائدها بما يسهم ليس فقط في طمس المعاناة الفلسطينية اليومية من جرائم الاحتلال، وإنما في تحقيق استفادة لقوته على حساب الشعب الفلسطيني المنكوب".

وبدوره، أكد رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، أن الفلسطينيين لا ينكرون "الهولوكوست"، وأنه ليس لأحد أيضا أن ينكر "المذابح التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني"، مضيفا أن الرئيس محمود عباس يتعرض لهجوم "من الاحتلال وأعوانه".

وقال في 17 أغسطس: "لم ينكر الرئيس المذبحة بحق اليهود في ألمانيا النازية، لكن أيضا قال للعالم: لا تغمضوا أعينكم عن المذابح التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني".

وأردف أن "العالم يزن الأمور بميزانين (...) الكيل بمكيالين نحن نرفضه كل الرفض: المذبحة مذبحة بغض النظر بحق من، الاحتلال احتلال بغض النظر عن أين ومتى، الاستعمار استعمار بشكل أشكاله".