منافسة "متطرفة" بين تروس وسوناك لخلافة جونسون بالحكومة البريطانية

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تحدثت صحيفة إيطالية عن سمات المنافسة بين وزيرة الخارجية البريطانية ليز تروس وزميلها في الحكومة السابقة وزير المالية ريشي سوناك على منصب رئيس الوزراء خلفا لبوريس جونسون.

وبينت صحيفة "إيل بوست" أن المنافسة بينهما تجري بمقترحات صعبة التنفيذ وشعبوية ومتطرفة في بعض المسائل.

وقالت إن تصويت ما يقرب من 160 ألف عضو من حزب المحافظين لاختيار زعيم الحزب الجديد ورئيس الوزراء في البلاد، يجري حاليا، ومن المنتظر الإعلان عن النتائج في أوائل سبتمبر/أيلول 2022.

فضائح وضغط

وجاءت استقالة جونسون من زعامة حزب المحافظين بعد أن تخلى عنه وزراء معينون حديثا وأكثر من 50 وزيرا ومسؤولا بالحكومة في حملة استقالات جماعية.

وذكرت الصحيفة أن السباق يأتي "على إثر استقالة بوريس جونسون في بداية يوليو/تموز بعد أشهر من الفضائح والضغط من جانب المعارضة وحزبه على حد سواء".

وأضافت بأن الحملة الانتخابية بين المحافظين البريطانيين تستمر منذ أسابيع بطريقة عدوانية إلى حد ما.

ونقلت عن العديد من المعلقين قولهم إن "الحملة بين تروس وسوناك، على وجه الخصوص، تتميز بنبرات متطرفة إلى حد ما ومقترحات سياسية موجهة نحو الهوية وتستهدف خاصة الناخبين الراديكاليين من المحافظين".

وبحسب الصحيفة الإيطالية، يعود هذا جزئيا إلى فترة الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تمر بها المملكة المتحدة، وكذلك بصفة جزئية أيضا إلى كيفية سير هذه الانتخابات. 

وتخلى معظم حلفاء جونسون عنه باستثناء قلة قليلة رفضا لسياساته وعلى خلفية اتهامه بالكذب في فضيحة "بارتي غيت" وغيرها من القضايا.

والفضيحة المذكورة تمثلت بإشراف جونسون وحضوره حفلات خرقت قواعد الإغلاق الرامية لمكافحة كورونا تخللها عراك بين موظفين ثملين.

وكان جونسون من بين عشرات الأشخاص في داونينغ ستريت الذين فرضت الشرطة غرامات عليهم لخرقهم قواعد كورونا منذ العام 2020، ليصبح مقر رئيس الحكومة البريطانية العنوان الأكثر عرضة لهذا النوع من العقوبات على مستوى البلاد.

وقاوم جونسون على مدى أشهر الدعوات المطالبة باستقالته بعدما بات أول رئيس وزراء بريطاني يخرق القانون وهو في منصبه.

وتجاهل جونسون أي دعوات لتنحيه وحث حزبه وبلاده على "المضي قدما" والتركيز على اقتصاد المملكة المتحدة المتعثر والحرب في أوكرانيا.

وكانت تفاصيل هذه الفضيحة في بعض الأحيان "هزلية" بينها تهريب موظفي الخمر إلى داونينج ستريت (مقر الحكومة) في حقيبة.

ورغم هذه الاتهامات، دافع جونسون عن نفسه بالحديث عن الإنجازات التي حققها خلال ولايته، بما فيها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ومكافحة جائحة كورونا ودعم أوكرانيا.

واجه جونسون أيضا مزاعم بشأن حصوله على أموال من متبرع من حزب المحافظين قيل إنه استخدمها لتجديد شقته الرسمية.

وبينت الصحيفة أن المتنافسين يخاطبان فقط الناخبين المحافظين، أكثر من المملكة المتحدة بأكملها، لا سيما أعضاء الحزب الذين يمثلون الناخبين الأكثر تطرفا ويصران لإقناعهم بالمواضيع والقيم التقليدية أكثر.

وأشارت إلى أن أحد المتنافسين، سواء تروس، المرشحة الأكثر حظوظا للفوز بمنصب رئاسة الوزراء، أو سوناك، سيكون رئيس الوزراء المحافظ الرابع على التوالي المنتخب في المملكة المتحدة منذ عام 2010، بعد ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون.

وقالت إيل بوست إن "المملكة المتحدة تغيرت كثيرا في هذه السنوات الـ12 تحت القيادة المحافظة، فهي اليوم في خضم أزمة اقتصادية ارتفعت فيها تكلفة المعيشة بشكل كبير، مما أثر على العديد من العائلات بشدة، فيما بلغ معدل التضخم 9.4 بالمئة".

 من الناحية السياسية، يسبب الخروج من الاتحاد الأوروبي مجموعة أخرى من المشاكل تشمل أيضا نمو مشاعر القومية في أسكتلندا وأيرلندا الشمالية، تضيف الصحيفة.

المنافسة الحالية

كتب الصحفي توم ماك تاغ في مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية أن على تروس وسوناك إقناع الناخبين المحافظين بأن كليهما يمثل التغيير لاستعادة القوة والهيبة للبلاد، وفي نفس الوقت القدرة على تجسيد القيم التقليدية للحزب.

والنتيجة، وفقا لتحليلات مختلفة، حملة انتخابية فقيرة المحتوى إلى حد ما تتميز بمقترحات موجهة نحو الهوية وفي بعض الأحيان متطرفة وغير مناسبة لحل مشاكل البلاد، تستخلص الصحيفة.

من جانبها، تركز تروس كثيرا على التخفيضات الضريبية، أحد المواضيع الشائعة جدا بين المحافظين. وذكرت الصحيفة بأن السياسية البريطانية اقترحت خفضا ضريبيا بنحو 30 مليار جنيه إسترليني سنويا.

كما اقترحت إلغاء زيادة 1.25 نقطة مئوية في المساهمات التي جرى إقرارها في أبريل/نيسان 2022 لتقديم المزيد من التمويل إلى هيئة الخدمات الطبية الوطنية وبعض الخدمات الاجتماعية.

 بالإضافة إلى زيادة الضرائب على أرباح الشركات، والتي من المفترض أن تبدأ من العام 2023.

 واقترحت وزيرة الخارجية الحالية أيضا، خفضا كبيرا في رواتب بعض فئات العاملين في القطاع العام قبل أن تنفي ذلك.

ولفتت الصحيفة إلى أن هذه المقترحات بشأن التخفيضات الضريبية عدت عدوانية لدرجة أن العديد من الصحف قارنتها بمارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء من 1979 إلى 1990.

 وذكرت أن سياساتها المطابقة لللنيوليبرالية المحافظة، بما في ذلك الخصخصة والتخفيضات الضريبية، هدفت إلى تقليص دور الدولة في الحياة الاقتصادية قدر الإمكان، مما أدى إلى تقليص الخدمات العامة البريطانية إلى حد كبير مع عواقب وخيمة في كثير من الأحيان.

وفقا لبعض المعلقين، إذا جرى تنفيذ السياسات الاقتصادية التي اقترحتها تروس، فإنها ستخاطر بحدوث تأثيرات مماثلة.

 وبحسب "مؤسسة القرار"، وهي مركز دراسات بريطاني يعمل على تحسين المستوى المعيشي للفئات ذات مستوى الدخل المتوسط ​​والمنخفض، سيستفيد فقط 15 بالمئة من الفئات الفقيرة من الأرباح من التخفيضات في الضرائب التي اقترحها تروس.

فيما يعتقد آخرون، بمن فيهم بعض الزملاء السابقين في حكومة تاتشر، أن تنفيذ مثل هذه التخفيضات الضريبية الكبيرة في مرحلة تتسم بارتفاع التضخم، دون أن يصاحبها تخفيضات في الإنفاق العام، يخاطر بإلحاق المزيد من الضرر باقتصاد البلاد.

أضافت الصحيفة الإيطالية بأن تروس قدمت أيضا مقترحات شعبوية، على سبيل المثال عندما قالت (تبعها سوناك لاحقا) إن الحقول البريطانية يجب أن تستخدم للزراعة وليس لاستضافة الألواح الشمسية.

من جانبه، أصر سوناك كثيرا على مسائل مثل الأمن والهجرة، وهي أمور "عزيزة" جدا للناخبين المحافظين بتقديم مقترحات كذلك "متطرفة" إلى حد ما، وفق تعبير الصحيفة.

على سبيل المثال، أعرب وزير المالية السابق عن دعمه للاتفاقية المثيرة للجدل بين المملكة المتحدة ورواندا والتي تقضي بترحيل بعض طالبي اللجوء الوافدين بشكل غير قانوني إلى الدولة الإفريقية. 

وهذه الاتفاقية التي قررتها حكومة بوريس جونسون، كانت قد تعرضت لانتقادات شديدة من قبل الناشطين ومنظمات حقوق الإنسان، لأنها تنص أيضًا على بقاء طالبي اللجوء في رواندا إذا جرى قبول طلب اللجوء الخاص بهم.

واقترح بعد ذلك توسيع تعريف "التطرف" ليشمل من يرتكب أعمالا "تشهيرية" ضد البلاد، والنظر في تسجيل هؤلاء الأشخاص في برنامج "بريفنت"، وهي إستراتيجية تتوخاها البلاد بدعوى مكافحة التطرف.

معالجة الأسباب

ولفتت الصحيفة إلى أن سوناك لم يحدد ما يعنيه بالأفعال "التشهيرية"، كما تعرض مقترحه لانتقادات شديدة بسبب المخاطر التي يمكن أن يشكلها على حرية التعبير.

تتضمن مقترحات الوزير السابق أيضا إدخال ضريبة مؤقتة قدرها 10 جنيهات إسترلينية لأولئك الذين يتغيبون عن موعدين أو أكثر مع طبيبهم العام بهدف ثني المواطنين عن فعل ذلك. 

وبدوره تعرض هذا المقترح إلى انتقادات واسعة من قبل العديد من ممثلي الخدمة الصحية الوطنية، الذين يعتقدون أن تكاليف الإدارة ستكون أعلى من العائدات المحصلة.

وبحسب رأيهم، سيكون من الأهم معالجة الأسباب التي تدفع إلى إلغاء مواعيد الطبيب وذلك عن طريق تشجيع الزيارات المنزلية أو المواعيد المسائية.

من جانبهم، يعتقد بعض المعلقين، أمثال توم ماك تاغ في مجلة "ذي أتلانتيك" وإيليني كوريا من صحيفة "بوليتيكو" الأميركية أن جزءا من الخطاب العدواني والمتطرف الذي يميز الحملة الانتخابية لتروس وسوناك يتعلق بأزمة الهوية في حزب المحافظين البريطاني.

وجاء في مقال للصحفي ماك تاغ أن "الحزب جنح بعد 12 عاما في السلطة ولم يعد يعرف ما هو وما الذي يمثله، وما هي مهمته وكيف ينبغي أن ينفذها".

وفي سياق الأزمات والانقسامات الداخلية التي ظهرت بوضوح شديد أثناء فترة جونسون، يمكن أن يكون اللجوء إلى نغمات قوية ومقترحات متطرفة، مثل تلك التي ميزت التاتشرية، وسيلة "لملء الفجوات في ملفاتهم الشخصية بالألوان الأولية"، وفق قول روبرت سوندرز، مؤرخ جامعة كوين ماري في لندن لبوليتيكو.