بيلوسي تزور تايوان رغم تحذيرات الصين.. مخطط مقصود أم خطوة طائشة؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رفعت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان، منسوب التوتر بين أكبر اقتصادين بالعالم، الولايات المتحدة والصين، إذ توعدت الأخيرة بشن عمليات عسكرية "محددة الهدف" للرد على الزيارة.

بيلوسي التي أغضبت الصين بزيارتها إلى جزيرة تايوان التي استمرت يومين وجاءت رغم تحذيرات بكين، قالت إن "الديمقراطيين والجمهوريين متحدون في دعم تايوان"، مشددة على أن "علاقاتنا مع تايوان وطيدة، وسنعمل على تعزيزها في شتى المجالات".

وأثارت زيارة أرفع مسؤول أميركي إلى تايوان منذ عام 1997، الكثير من التساؤلات بخصوص ما وراء توقيت الزيارة، وتداعيات هذه الخطوة على العلاقة بين واشنطن وبكين خلال المرحلة المقبلة.

"لعب بالنار"

بعد جدل طويل حول إجراء الزيارة، أكدت بيلوسي فور وصولها إلى تايوان في 2 أغسطس/ آب 2022، أن زيارتها "تظهر التزام واشنطن القوي حيال الجزيرة التي تتمتع بحكم ذاتي وتعدها الصين جزءا من أراضيها".

وقالت في بيان بعيد وصول طائرتها إن "زيارة وفد الكونغرس لتايوان تكرس التزام أميركا الثابت بدعم الديمقراطية النابضة في تايوان"، مؤكدة أن زيارتها لا تتعارض "بأي شكل" مع السياسات الأميركية التي تعترف بـ"صين واحدة" ولم تعترف رسميا بتايوان كدولة مستقلة".

لكن الصين، نددت بالتصرفات الأميركية بعد وصول بيلوسي إلى الجزيرة، إذ قالت وزارة الخارجية الصينية في بيان، إن "الولايات المتحدة تعمل باستمرار على تشويه وإخفاء وتفريغ مبدأ صين واحدة"، مضيفة: "هذه الخطوات، مثل اللعب بالنار، بالغة الخطورة. ومن يلعبون بالنار سيهلكون بها".

وتوعدت الوزارة بشن "أعمال عسكرية محددة الهدف" ردا على الزيارة، مؤكدة أن "جيش التحرير الشعبي الصيني في حالة تأهب قصوى وسيشن عمليات عسكرية محددة الهدف للرد على ذلك، وللدفاع بحزم عن السيادة الوطنية ووحدة الأراضي، وإحباط التدخل الخارجي ومحاولات استقلال تايوان الانفصالية".

من جهتها، قالت الناطقة باسم الخارجية الصينية هوا تشون يينغ خلال إحاطة إعلامية دورية إن "الجانب الأميركي سيتحمل المسؤولية وسيدفع الثمن في حال المساس بمصالح الصين الأمنية السيادية"، وفقما نقلت وكالة "فرانس برس" في 2 أغسطس.

وجاء في الإحاطة الإعلامية أن "موقف الصين من زيارة بيلوسي واضح وسنتخذ كل الإجراءات اللازمة للحفاظ على مصالحنا"، مضيفة: "علينا الاستمرار بالحوار لإبقاء شرق القارة الآسيوية منطقة آمنة".

رسالة أميركية

وبخصوص أسباب الزيارة وتوقيتها، أكدت بيلوسي، أنها قدمت إلى تايوان للوفاء "بتعهد" قديم، إذ توجه الزيارة "رسالة لا لبس فيها" بشأن الوقوف إلى جانب الجزيرة، مدعية أن الزيارة "لا تتعارض مع سياسية الصين الواحدة".

وأشارت بيلوسي خلال مقال نشرته صحيفة "واشنطن بوست" في 2 أغسطس، إلى قانون العلاقات مع تايوان، الذي أقره الكونغرس قبل 43 عاما، ورفضت واشنطن بموجبه الاعتراف بالسيادة الصينية على تايوان، ونظم العلاقات مع الجزيرة.

وقالت إن هذا القانون "وفر إطارا لعلاقة اقتصادية ودبلوماسية من شأنها أن تزدهر بسرعة لتصبح شراكة رئيسة. وعزز صداقة عميقة متجذرة في المصالح والقيم المشتركة: تقرير المصير والحكم الذاتي، والديمقراطية والحرية ، وكرامة الإنسان وحقوق الإنسان".

وأضافت أنها "تعهدت رسميا" بدعم الدفاع عن تايوان، والنظر إلى "أي جهد لتحديد مستقبل تايوان بطرق أخرى غير الوسائل السلمية" على أنه "تهديد للسلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ ومثير للقلق الشديد".

وتابعت بيلوسي: "اليوم، يجب على أميركا أن تتذكر ذلك العهد. يجب أن نقف إلى جانب تايوان، جزيرة الصمود".

وأشارت في مقالها إلى أن "الديمقراطية في تايوان باتت مهددة ففي السنوات الأخيرة، كثفت بكين التوترات بشكل كبير من خلال أشكال عسكرية متعددة، ما دفع وزارة الدفاع الأميركية إلى استنتاج أن الجيش الصيني يستعد لتوحيد تايوان بالقوة".

ولفتت كذلك إلى "الضغط الاقتصادي والهجمات الإلكترونية التي تشنها الصين وترهيب الدول التي تتعاون مع تايوان"، مشددة على أنه "يجب أن يُنظر إلى زيارة وفد الكونغرس على أنها تصريح لا لبس فيه بأن أميركا تقف إلى جانب تايوان، شريكنا الديمقراطي، وهي تدافع عن نفسها وعن حريتها".

إلا أنها أوضحت أيضا أن الزيارة "لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع سياسة الصين الواحدة طويلة الأمد، مسترشدة بقانون العلاقات مع تايوان لعام 1979، والبيانات المشتركة بين الولايات المتحدة والصين والضمانات الستة"، مؤكدة أن أميركا تواصل معارضة الجهود الأحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن.

وأضافت بيلوسي: "نقوم بهذه الرحلة في وقت يواجه فيه العالم خيارا بين الاستبداد والديمقراطية. بينما تشن روسيا حربها غير القانونية مع سبق الإصرار ضد أوكرانيا، وتقتل الآلاف من الأبرياء، حتى الأطفال، فمن الضروري أن توضح أميركا وحلفاؤها أننا لا نستسلم أبدا للحكام المستبدين".

وقبل أكثر من 30 عاما، أغضبت بيلوسي، عضوة مجلس النواب الأميركي، آنذاك، الحكومة الصينية بالظهور في ميدان تيانانمين وسط بكين، ورفع لافتة تكريم لمن قتلوا فيه خلال قمع احتجاجات عام 1989.

"تهوّر تام"

وتعليقا على الزيارة وتداعياتها، رأى الكاتب الأميركي توماس فريدمان خلال مقال نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية في 2 أغسطس، أن "الزيارة جاءت خلافا لرغبات الرئيس جو بايدن، وهي شيء طائش وخطير وغير مسؤول على الإطلاق".

وأضاف أن زيارة بيلوسي لن تأتي بشيء جديد ولن تجعل تايوان أكثر أمنا أو ازدهارا. ووصفها بأنها رمزية بحتة وقد تحدث الكثير من الأشياء السيئة، بما في ذلك رد عسكري صيني قد يؤدي إلى انزلاق الولايات المتحدة في صراعات غير مباشرة مع روسيا والصين المسلحتين نوويا في آن واحد.

وتابع فريدمان أنه إذا كانت بيلوسي تعتقد أن حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين، الذين يواجهون حربا وجودية مع روسيا بشأن أوكرانيا، سينضمون إلى واشنطن في حال حدوث صراع أميركي مع الصين بشأن تايوان جراء هذه الزيارة غير الضرورية، فإنها تخطئ بذلك قراءة العالم.

وشرح أن "هناك لحظات في العلاقات الدولية تحتاج فيها إلى إبقاء عينيك على الجائزة التي هي واضحة اليوم وضوح الشمس، فأوكرانيا قادرة، على الأقل، على تخفيف حدة الغزو غير المبرر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي إذا نجح فسيشكل تهديدا مباشرا لاستقرار الاتحاد الأوروبي بأكمله".

ورأى فريدمان أن توقيت الزيارة لا يمكن أن يكون أسوأ من ذلك، لأن حرب أوكرانيا لم تنته بعد، والمسؤولون الأميركيون فيما بينهم قلقون من القيادة الأوكرانية أكثر مما يصرحون به. وهناك عدم ثقة عميق بين البيت الأبيض والرئيس الأوكراني، أكثر بكثير مما قيل.

ولخص الكاتب الأمر بأن هذه الحرب الأوكرانية لم تنته تماما وغير مستقرة تماما ولا تخلو من مفاجآت خطيرة جدا قد تظهر أي يوم. ومع ذلك، نخاطر بالصراع مع الصين حول تايوان في خضم كل هذا، بسبب زيارة تعسفية وعبثية لرئيسة مجلس النواب.

ولفت إلى أن أبجديات الجغرافيا السياسية أنك لا تحاول شن حرب على جبهتين مع القوتين العظميين الآخرين في نفس الوقت. ورأى أنه كان على تايوان أن تطلب من بيلوسي ألا تأتي في هذا الوقت.

وتابع: إذا كانت أميركا ستدخل في صراع مع بكين، فليكن ذلك "حسب توقيتنا وقضايانا" التي هي سلوك الصين "العدواني المتزايد" على مجموعة واسعة من الجبهات، من التدخلات الإلكترونية إلى سرقة الملكية الفكرية إلى المناورات العسكرية في بحر جنوب الصين.

وخلص الكاتب الأميركي إلى أن زيارة بيلوسي ستمنح الرئيس الصيني فرصة لتحويل الانتباه عن إخفاقاته الداخلية، مثل وقف انتشار وباء كوفيد-19 والفقاعة العقارية الضخمة التي تنكمش الآن وتهدد بأزمة مصرفية وغير ذلك من المشاكل.

تحجيم الصين

وفي قراءة عن أهمية الزيارة، رأى الكاتب والإعلامي العراقي عامر الكبيسي أن "أهم شيء في تايوان بالنسبة لأميركا أنها مقدمة لحماية الحليفين اليابان وكوريا الجنوبية، ودول قلقة مثل الفلبين وإندونيسيا وماليزيا ودول شبه جزيرة الهند الصينية (فيتنام وتايلاند ولاوس وكمبوديا وبورما)، حمايتها من التغول الصيني وسقوط نصف سكان الأرض مرة واحدة بقبضة الصين تتابعيا".

وأضاف الكبيسي في تدوينة على حسابه في فيسبوك في 2 أغسطس: "بمعنى آخر تايوان نجمي التقدم الأميركي تجاه محيط الصين واتفاقاتها الأمنية والاقتصادية".

وتابع أن "الغرب كان يعترف بتايوان أنها الممثل الشرعي للصين، تخيل النقطة شرعية والبحر غير شرعي، ثم وبسبب الاتحاد السوفيتي وخوف الغرب منه واستمالة الصين طُردت تايوان من مقعد الصين، وانتهى الاعتراف بها من الدول نكاية بالاتحاد السوفيتي، وحتى أميركا نفسها لا تعترف بتايوان كدولة منذ عام 1979 لكنها حليف محمي، وشريك تجاري مهم جدا بـ90 مليار دولار".

وزاد: "أن تكنولوجيا الصين كلها تعتمد 5 بالمئة على الصين والباقي معظمه على تايوان. لذلك لو أخذت الصين تايوان ستكون سيدة العالم الصناعي الرقمي، بينما إذا قررت تايوان قطع سلاسل التوريد عن الصين وأشباه الموصلات خاصة ستعود الصين سنوات للوراء".

ومن الناحية الجغرافية، يقول الكبيسي إن "جغرافيا تايوان مريبة، فهي تشبه حرف (ـــفـــ) داخل جملة، النقطة تايوان، والبقية هي الصين، هذه النقطة تجعل صواريخ الصين أقرب 150 ميلا لأي تهديد أميركي بحرا وجوا".

وأردف الكاتب: "يمكن القول إن أميركا كسبت هذه الجولة، وأحرجت الصين جدا، ولا يمكن لبكين أن ترد حاليا، وكرد اقتصادي، قد تسحب الصين جانبا مهما من استثماراتها في أمريكا، وسبب سحبها المتوقع أنها خائفة إذا ما حصل خلاف عميق، تجمد تلك الأموال كما حصل مع روسيا".

وبحسب الكبيسي، فإن "أميركا تعرف كيف تتلاعب بالصين، وهي ماضية في بناء تحالفات بحر الصين الجنوبي لتحجيمها، وزرع الأشواك تباعا على طريق الحرير من باكستان إلى إيران إلى سيرلانكا إلى الخليج والعراق وإفريقيا، في كل طريق مشكلة".

وكانت بيلوسي، قد تجاهلت تحذيرات شديدة اللهجة من الصين، ووصلت إلى تايوان لدعم حكومتها، ولقاء نشطاء يدافعون عن حقوق الإنسان، حسبما صرّحت.

وتقول شبكة "سي أن بي سي" الأميركية إن بيلوسي معروفة جيدا في الصين، إذ لديها تاريخ طويل من انتقاد الحزب الشيوعي الصيني الحاكم تعود إلى عام 1989، مع اندلاع الاحتجاجات في ساحة تيانانمن بالعاصمة بكين.

وفي عام 1991، زارت بيلوسي عندما كانت نائبة في مجلس النواب الأميركي عن ولاية كاليفورنيا هذه الساحة مع اثنين من زملائها، حيث رفعوا لافتة تحيي ذكرى أولئك المتظاهرين.

وكانت بيلوسي من النواب الأميركيين الذين دفعوا باتجاه قرار يدين سلوك تعامل القوات الصينية في هذه الحادثة.

وسريعا تدخلت الشرطة الصينية التي كانت موجودة في المكان وأغلقت الساحة، وبعد عدة ساعات أصدرت وزارة الخارجية الصينية بيانا يدين سلوك بيلوسي، الذي وصفته بـ"المهزلة".