"كلمة نارية".. لهذا حاولت الإمارات حذف خطاب ناشط سوري أمام مجلس الأمن
.jpg)
في الكواليس تسعى الإمارات جاهدة لطمس كلمة ناشط بارز على منبر مجلس الأمن الدولي، انتقد فيها بشدة خطوات أبوظبي التطبيعية مع النظام السوري وتجاهلها لانتقادات أنصار الثورة.
وألقى مدير شؤون المعتقلين في فرقة عمل الطوارئ، المعتقل السابق في سجون الأسد، عمر الشغري، كلمة لمدة 11 دقيقة داخل مجلس الأمن في 29 يونيو/حزيران 2022 عن الوضع الصعب في سوريا.
خطاب ناري
وحملت كلمة الشغري البالغ من العمر 27 عاما، والناجي من مسالخ التعذيب في سجون النظام، دعوة لجميع الدول الأعضاء على اتخاذ إجراءات ضد انتهاكات حقوق الإنسان الشنيعة التي يرتكبها نظام الأسد، مركزا على تجنب التطبيع معه.
ودعا الناشط الذي قضى أكثر من ثلاث سنوات في أسوأ زنازين نظام الأسد، وكان عمره 15 عاما، إلى الوقوف إلى جانب الشعب السوري الذي يناضل من أجل الحرية والعدالة.
كما انتقد الشغري، يعيش حاليا في الولايات المتحدة الأميركية، في كلمته روسيا وإيران لـ"تواطئهما في قتل وتعذيب وتهجير السوريين الأبرياء الذين تجرؤوا على التحدث ضد نظام الأسد على أمل تحقيق الحرية والديمقراطية".
وداخل سجن "صيدنايا" بريف دمشق، الذي صنفته منظمة العدل الدولية "مسلخا بشريا"، سجن الشغري في العنبر "215" المعروف بـ"عنبر الموت"، والذي قال لصحيفة "واشنطن بوست" في أبريل/نيسان 2020 إنه "رأى السجناء وهم يقتلون فقط لأنهم كانوا يقولون إنهم مرضى".
وخلال كلمته في مجلس الأمن وجه الشغري كلامه للإمارات قائلا: "في وقت سابق من هذا العام رحب عضو في مجلس الأمن (الإمارات) بالديكتاتور السوري بشار الأسد في منزلهم".
وتساءل: "ألا تكن الإمارات أي احترام لملايين السوريين الذين عانوا وما زالوا يعانون بسبب الأسد؟ لكل شخص مات تحت التعذيب، لكل سيدة فقدت ولدها في سوريا، ألا تحترم أيا من هؤلاء".
والشغري المولود عام 1995 قتل والده وإخوته وعدد من أقربائه في مجزرة قرية البيضا الشهيرة بريف طرطوس التي ارتكبتها مخابرات الأسد في مايو 2013.
وأكد الشغري في كلمته أن "التطبيع مع الأسد جريمة، يجب أن يعرف العالم دعم الإمارات لقتل وتعذيب الأطفال والنساء في سوريا، وبالتأكيد أنهم اكتشفوا وفهموا مدى خلو قيادة الإمارات من الأخلاق تماما، وعندما يفعلون أين ستختبئون.. خلف برج خليفة؟ لن يكون طويلا أو كبيرا بحجم عاركم.. العار عليكم.. العار عليكم".
اعتراض أبوظبي
وبشكل مقصود، وفي يوم ذكرى الثورة السورية الـ11، زار الأسد الإمارات التي تقود الثورات المضادة للشعوب العربية.
ودون مراسم رسمية التقى الأسد في 18 مارس/آذار 2022 محمد بن زايد، الذي كان ولي عهد أبو ظبي، قبل أن يتولى رئاسة الإمارات عقب موت أخيه خليفة، إضافة إلى حاكم إمارة دبي، محمد بن راشد آل مكتوم.
وحملت زيارة الأسد للإمارات وقتها رسائل من ناحية التوقيت والهدف، لا سيما أنها كانت بعد 11 عاما لم يزر فيها الأسد بلدا عربيا واحدا، معلنة بذلك أبوظبي علاقة علنية جديدة.
وبذلك كسرت الإمارات باستقبالها الأسد المتهم بارتكاب جرائم حرب ضد السوريين وتشريدهم وقتل مئات الآلاف منهم، العزلة العشرية التي بقي فيها منبوذا عربيا ودوليا باستثناء زيارات قام بها خلال العقد الأخير إلى إيران وروسيا داعمتيه الأساسيتين في حربه ضد المدنيين.
لكن ما كان مفاجئا عقب كلمة الشغري اعتراض الإمارات عليها بعد اعتراض كذلك مماثل من المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة، فاسيلي نيبينزيا، والذي أعرب في 7 يوليو/تموز 2022 برسالة إلى مجلس الأمن عن أسفه على تعثر رئيس مجلس الأمن، لاختيار أحد ممثلي المجتمع المدني (الشغري) لإحاطة مجلس الأمن حول سوريا.
وكتب الشغري عبر حسابه على فيسبوك في 26 يوليو 2022، أن "الإمارات حاولت إخفاء انتقاداتي لدعمها نظام الأسد المجرم بحذف خطابي من سجلات مجلس الأمن، لا يمكن لأي دولة رغم حجم النفط لديها إخفاء الحقيقة".
طمس الكلمة
وشرح الشغري لـ"الاستقلال"، تفاصيل ما قامت به الإمارات بقوله: "بعد خطاب مجلس الأمن الذي كان فيه انتقاد كبير للإمارات، الخطاب كان موجودا برابط محدد كما يحدث عادة في مجلس الأمن لمشاهدته من قبل الجميع، لكن فجأة اختفى الجزء الذي أتحدث فيه في الجلسة من سجلات مجلس الأمن الذي يتيح متابعة الجلسة".
واستدرك قائلا: "لكن بعد ذلك اختفت الجلسة كلها من سجلات مجلس الأمن، وبعد خمسة أيام من محاولة معرفة ماذا يجري قام المجلس بإرجاع الجلسة، لكن ليس إلى المكان الذي يجب أن تكون فيه، بل جرى وضعها في مكتبة الفيديو التي من الصعب لأي شخص الوصول إليها ومشاهدتها".
واسترسل الشغري موضحا: "بمعنى أنه جرى إلغاء الجلسة من المكان الأساس، وهذا بسبب ضغط الإمارات، حيث اتصل بي مجلس الأمن وأبلغني أن الإمارات استطاعت أن تضغط وتلغي الكلمة كلها من المجلس، وذلك نظرا لتأثير أبوظبي بشكل عام نتيجة اقتصادها ونفطها".
ولفت إلى أن "تسجيل الكلمة من قبل فرقة عمل الطوارئ السورية (أهلية) ساهم في انتشار الكلمة على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم يعد بإمكانهم حذفها".
وألمح الشغري، إلى "أن روسيا بعثت برسالة منتقدة إلى مجلس الأمن لدعوتي من أجل إلقاء كلمة فيه، كما أن الصين اقترحت عدم دعوة أي شخص من المجتمع المدني إلى المجلس".
وذهب الشغري قائلا إن "الشعب السوري الذي يقتل بالقنابل على مدى 11 عاما لم تهتز مشاعر هؤلاء لذلك، بقدر ما هزتهم كلماتي في مجلس الأمن".
وعد أن ما قامت به الإمارات "سخرية من الإنسان السوري، رغم أن الكلمة التي قلتها يستحقونها بسبب جهلهم وتقصيرهم أمام تعذيب مليون شخص ومقتل أكثر من نصف مليون، مع وجود ملايين المشردين من اللاجئين".
وخلال الجلسة عرض الشغري 14 رسالة، قال إنها تعبر عن السوريين من جميع المحافظات، ونقل عن كريم من إدلب قوله "لقد كنتم تتصرفون بعجز شديد منذ عام 2011، لذا اللعنة عليكم لأنكم مجلس أمن عديم الفائدة، لعدم احترام حقوق الإنسان وحياة الإنسان".
وهذه هي المرة الثانية التي يتحدث فيها الشغري أمام مجلس الأمن بعد الأولى في ديسبمر/كانون الأول 2021، كما تحدث أمام مجلس الشيوخ الأميركي في مارس/آذار 2020، فضلا عن لقاءات إعلامية مع كبرى الصحف العالمية للحديث عن تجربة الاعتقال والتعذيب داخل سجون الأسد.
تعويم الأسد
وفي هذا الإطار أكد الدبلوماسي السوري السابق، داني البعاج، أنه "لا يمكن شطب كلمة من محاضر الأمم المتحدة، بل يمكن شطب جمل معينة وهذا من حق أي دولة، ويمكن هذا لأي دولة حتى من خارج الدول الأعضاء في حال ورود كلمات خارج الأعراف الدبلوماسية".
وعد بعاج في حديث لـ"الاستقلال"، أن "الشغري لم يكن يمثل دولة بل جرت دعوته بوصفه أحد الأشخاص الذين يحق لمجلس الأمن الاستماع لهم كشهود عيان أو خبراء، وبالتالي هنا يمكن شطب كلمة الشغري بالكامل كونها ليست أساسية بالمداولات، وهذا القرار يرجع لرئاسة المجلس".
وتوقع الدبلوماسي السابق أنه "سيكون هناك حذف الكلمات المسيئة التي قالها الشغري والتي هي خارج الأصول والأعراف الدبلوماسية"، قائلا إن "الكلمة أصبحت متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لو حذفت من موقع المجلس".
وربط دبلوماسيون وسياسيون سوريون في أحاديث منفصلة لـ"الاستقلال"، ما قامت به الإمارات من محاولة شطب كلمة الشغري بكونه "لا ينفصل عن محاولتها الجادة لإعادة تأهيل نظام الأسد، كون ذلك يصب في تولي أبوظبي مشروع الثورات المضادة التي بدأتها من مصر".
وعد هؤلاء أن ما أغضب أبوظبي، هو أن الكلمة "جاءت من الشغري، كونه شخصية مؤثرة، ويستمع لرأيه في الدوائر السياسية الغربية، ومن منظمات حقوقية كبيرة وصحف عالمية".
كما أن الشغري وجه "انتقاده بشكل مباشر لقادة الإمارات"، واصفا إياهم بـ"عديمي الأخلاق" وهو ما دعاها للتحرك والمطالبة بحذف الكلمة رغم أنها تضمنت انتقادا أيضا للأردن".
وتعد الإمارات من أشد الدول العربية حرصا على إعادة تأهيل النظام السوري، وتعهدت في سبتمبر/أيلول 2021 بإعادة تطوير المنظومات والبنى التحتية المائية في مناطق نفوذ الأسد.
وفي العقد الأخير، تواصل رئيس النظام السوري وولي عهد أبوظبي هاتفيا مرتين، الأولى، في 27 مارس 2020 حينما اتصل ابن زايد بالأسد معلنا تقديم الدعم له للحد من انتشار فيروس كورونا، والثانية في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2021 وبحثا سبل تطوير العلاقات.
وتوج التطبيع بشكل رسمي حينما زار وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 رئيس النظام في العاصمة دمشق.
كما أن دبلوماسيين سوريين سابقين أكدوا لـ"الاستقلال"، أن "الإمارات هي من تدفع نحو إعادة النظام إلى شغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، بعد قرار وزراء الخارجية العرب نهاية عام 2011، بتعليق عضويتها بالجامعة، وسحب أغلب الدول السفراء من دمشق، ردا على قمع الثورة".