نهى عبد الكريم نموذجا.. لماذا يتوالى انقلاب مقربين من السيسي عليه؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم دفاع بعض "النخب" المصرية عن رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي، وتبريرهم لفساده وفشله في إدارة الدولة منذ انقلاب 2013، يتحول آخرون بين حين وآخر لانتقاده والمطالبة بعزله لتضييعه البلاد بمغامراته غير المدروسة.

الدكتورة نهى عبد الكريم أستاذة الطاقة النووية بأميركا واحدة من هؤلاء الذين تمت الاستعانة بهم في مؤتمرات الشباب التي استهدفت تلميع السيسي، ثم انقلبت عليه بشدة بدءا من عام 2017 بعدما تبين أن هدف المؤتمرات تمجيد الانقلاب لا خدمة التنمية في مصر.

ومنذ ذلك الوقت تنشر عبد الكريم عبر صفحتها على فيسبوك انتقادات عديدة للسيسي، و"بيزنس" الجيش، والنهب الذي يجري، والفشل الذي أوصل مصر للحضيض، ودعت لتنحيته وعزله.

وفي أحدث منشوراتها، كتبت في 12 يوليو، أن "السيسي على خطى رئيس سيريلانكا غوتابايا راجاباكسا في جميع خططه الاقتصادية الفاشلة وفساد إدارته وسوء إدارة موارد دولته" مؤكدة أن مصر "أمام انهيار وشيك ونقطة غليان شعبي مؤكد".

‎"أفشل من حكم مصر"

كما انتقدت عبد الكريم في 6 يوليو، ما أسمته "مهزلة اسمها الحوار الوطني" ووصفت من يشاركون فيه في ظل استمرار الاعتقالات بأنهم "منحطو الأخلاق"، مشددة على أنه "لا حوار في ظل وجود أطفال معتقلين في سجون السيسي"، الذي وصفته بأنه "أضعف وأفشل من حكم مصر".

وبالتزامن مع ذكرى الانقلاب التاسعة طالبت عبد الكريم في 4 يوليو بإنهاء الحكم العسكري، قائلة: "حان أوان تنحي السيسي وحكم الشعب، حان وقت الخلاص من السيسي ويلزم انتقال آمن للسلطة".

كما هاجمت الإمارات التي تدعم السيسي واتهمتها في 3 يوليو، بأنها "تغسل أموالها في الصناديق السيادية لعبد الفتاح السيسي"، فضلا عن "الإرهاب ورعاية أموال الإرهابيين والفاسدين عبر مؤسساتها المالية".

وتخرجت عبد الكريم في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية عام 2002 وحصلت على الدكتوراه في الهندسة والسياسة العامة عام 2011 من جامعة "كارينجي ميلون" في ولاية بنسلفانيا الأميركية.

وعملت الدكتورة نهى باحثة بجامعة بنسلفانيا، واستشارية لمحطات الطاقة الكهربائية العاملة بالفحم في ولاية أوهايو الأميركية، كما عملت بشركة NERC الأميركية، وتعيش في مقاطعة كولومبيا بولاية واشنطن.

وتشغل منصب كبير مهندسي الهيئة التنظيمية الدولية للطاقة وتطبيق معايير الجودة والأمن لشمال إفريقيا وكندا والمكسيك، التي تخدم أكثر من 334 مليون شخص.

وانسحبت عبد الكريم، من منتدى شباب العالم في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، الذي كان يعقد تحت رعاية السيسي، احتجاجا على أسلوب إدارة الحوار الذي كان يستهدف فقط الحديث عن إنجازات السلطة لا مناقشة قضايا جادة.

وفي رسالة عبر صفحتها عام 2017 كشفت تأييدها حركة 6 أبريل المعارضة، ونفت ما أشاعه إعلام السلطة الذي بدأ يهاجمها، عن خطبتها إلى شخص سلفي وانتمائها إلى جماعات دينية واتهامها بالتمويل من الخارج والخيانة.

طابور طويل

نهى عبد الكريم ليست الوحيدة التي خرجت من بطانة السيسي لتنتقده وتفضح فشله بعدما اقتربت من دائرة حكمه وأدركت حجم الفساد واستغلال المؤتمرات في تلميع صورته لا حل مشاكل مصر.

فسبقها "حازم عبد العظيم" أحد أعضاء فريق ترشيح السيسي للرئاسة عام 2014، والذي تمرد عليه وفضح دور المخابرات في تشكيل برلمان 2015، فألقي به في السجن مايو/أيار 2018، ثم خرج في مارس/آذار 2020 وأجبر على الصمت، وهو ما أكده شخصيا في أحد تغريداته عام 2020.

و"نرمين عادل"، سيدة الأعمال والممثلة المغمورة التي كانت متزوجة سابقا من ضابط بأحد الأجهزة الأمنية، وذكرت أنها تعرضت في حياتها للعديد من الانتهاكات من قبل مجموعة من المسؤولين والشخصيات السيادية في الحكومة المصرية.

كما تحدثت عن اختطافها واقتيادها لجهة أمنية، واستغلال طليقها الضابط منصبه لقمعها، حتى اضطرت للهرب إلى كندا، بكمية من المستندات حصلت عليها بحكم صلات زوجها واقترابها من بعض أركان حكم السيسي، ونشرت بعضها.

انضمت لمنتقدي السيسي أيضا الدكتورة "غادة شريف" طبيبة الأورام وكاتبة المقال السابقة بجريدة "المصري اليوم"، والتي اشتهرت بعبارة "اغمز بعينك يا سيسي"، في بداية تأييدها له، ثم تحولت لنقده بشدة.

كانت تدبج مقالاتها في مدح السيسي، وتقول له نحن "ملك يمينك" وتبشر بنبوءة "صاحب مصر"، ثم انقلبت عليه وأصبحت تهاجمه بسخرية، فتم منعها من الكتابة في الصحيفة، وانتهى الأمر بتهديدها وصمتها.

الصحفية "نور الهدى زكي"، كانت أيضا يوما ما أحد أبرز الشخصيات في حملة تأييد السيسي، لكنها هاجمته بعنف عقب بيعه جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وقالت إن فكرة تخلي مصر عن الجزيرتين كانت أشبه بصفعة على وجهها. 

وكانت "زكي" واحدة من أبرز المتطوعين في حملة السيسي الرئاسية 2018، وسافرت إلى معظم محافظات مصر لتروج له وظهرت في برامج حوارية وشاركت في مسيرات وهي تلوح بعلم مصر وتهتف قائلة "الله أكبر .. السيسي جاي".

وبعدما أصبحت معارضة للسيسي، ألقي القبض عليها في 14 مايو 2021، لأنها حاولت رفع علم فلسطين في ميدان التحرير، ثم أطلق سراحها لاحقا.

أيضا انقلب السياسي البارز الدكتور محمد البرادعي علي السيسي بعدما اكتشف استغلاله في تمرير قرارات ومذابح الانقلاب في رابعة والنهضة وغيرها، بعدما عين نائبا للرئيس المؤقت عدلي منصور، فغادر إلى فيينا مقر إقامته السابق.

وفي 1 نوفمبر  2016، شرح البرادعي أسباب انقلابه ضمنا في بيان عن موقفه من أحداث 3 يوليو عام 2013 وفض اعتصام رابعة والنهضة، حيث أرجع سبب استقالته إلى "الانحراف عن مسار الثورة".

قال البرادعي، إنه فوجئ في اجتماع القوات المسلحة المصرية مع القوى السياسية، في 3 يوليو، باحتجاز الجيش للرئيس محمد مرسي، بعد احتجاجات 30 يونيو، مما جعل خيار الاستفتاء على إجراء انتخابات مبكرة مستبعدا.

وأضاف أن "خارطة الطريق تمت صياغتها في عجالة، وأخذت الأمور منحى آخر تماما بعد استخدام القوة لفض الاعتصامات وهو الأمر الذي كنت قد اعترضت عليه قطعيا في داخل مجلس الدفاع الوطني".

خيبة أمل

أيضا تحول المهندس ممدوح حمزة الاستشاري المعماري العالمي من دعم وتأييد السيسي وانقلابه إلى انتقاده بعنف، وجرى التضييق عليه وعلى مشاريعه فهرب من مصر للخارج.

"حمزة" الذي تردد أنه كان داعما للفوضى خلال حكم الرئيس محمد مرسي، ووقف مع الملياردير نجيب ساويرس وراء تمويل مجموعات "بلاك بلوك" الفوضوية المشبوهة، كان مؤيدا للسيسي وانقلابه العسكري.

لكنه تصادم معه منذ عام 2015، عندما اعترض على إعلان السيسي شق تفريعة قناة السويس بالمخالفة لكل الدراسات التي أكدت عدم جدواها في ظل تراجع التجارة العالمية، وعده مشروعا بلا جدوى وفاشلا اقتصاديا. 

ثم واصل، انتقاده لمعظم المشاريع التي أطلقها السيسي، مدعما انتقاده بدراسات علمية، وانتقد الاتفاق الذي وقعه السيسي مع إثيوبيا بشأن سد النهضة عام 2015، وعده اتفاقا خطيرا على حساب مصر مائيا.

وفي حوار مع موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 19 يونيو/ حزيران 2021، أكد حمزة أن "ثورة شعبية قادمة في غضون سنة أو سنتين ستهز عرش الطاغية".

وتحدث عن تعميق السيسي الفقر والعوز في أوساط الشعب المصري، والقضاء على خصومه، حتى الذين كانوا مقربين له، إما بالسجن، أو النفي، أو تشويه السمعة. 

الملياردير نجيب ساويرس أيضا أحد هؤلاء الذين أعلنوا دعمهم بشدة للسيسي لقمعه الإخوان الذين سعت أول حكومة في عهدهم لإجباره على دفع مليارات الجنيهات من أموال التهرب الضريبي.

لكن عقب تضرره من "بيزنس" الجيش الذي تغول على القطاع الخاص، بدأ ينتقد السيسي ضمنا.

وكانت أبرز انتقاداته في حوار مع وكالة الأنباء الفرنسية في 21 نوفمبر 2021، انتقد فيه وضع الاقتصاد المصري، وتغول شركات الجيش في البيزنس، مؤكدا أن "الشركات المملوكة للحكومة أو للجيش لا تدفع ضرائب".

ويرى مراقبون أن نجيب ساويرس خط أحمر لا يستطيع نظام السيسي الاقتراب منه أو عقابه، لأسباب أهمها أنه تحت الحماية الأميركية، كما أن هناك مصالح تجمعه بإسرائيل عبر شركته السابقة للموبايل "موبينيل".

ويشير انقلاب بعض حلفاء السيسي السابقين عليه إلى خيبة أمل واسعة النطاق، بسبب حجم الفشل الذي واكب حكم السيسي سياسيا واقتصاديا، وفق متابعين للمشهد.

يرون أن بعض المؤيدين من التيارات اليسارية والناصرية والليبرالية، انقلبوا عليه لأنهم كانوا يتصورون أن السيسي والجيش سيتركون السلطة ويسلمونها لهم، ويعودون للثكنات، لكنهم فوجئوا بتعرضهم لنفس القمع الذي تعرض له الإسلاميون.

فبعضهم ربما انقلب على السيسي بعدما عاد بخف حنين، ولم يتول أي منصب أو لم يحظ بأي امتيازات بالمقابل، أو تعرضت مصالحه للخطر مثل بعض رجال الأعمال والسياسيين، وفقهم.