صفقة سرية.. ماذا وراء عملية جيش العراق ضد "العمال" الكردستاني في سنجار؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت مدينة سنجار العراقية إلى الواجهة مجددا، مع اندلاع صدامات عسكرية بين قوات الجيش وجماعات مسلحة مرتبطة بحزب العمال الكردستاني "بي كا كا"، انتهت بإعلان حكومة بغداد بسط سيطرتها على المدينة الإستراتيجية، التابعة لمحافظة نينوى شمالي البلاد.

واستمرت المعارك التي اندلعت في 2 مايو/ أيار 2022 نحو أسبوع واحد، وخلفت العديد من القتلى وجرحى في صفوف القوات الأمنية العراقية، والمجاميع التابعة لـ"بي كا كا"، في حين تحدثت نائبة عراقية عن نزوح أكثر من 4 آلاف مدني من المدينة.

وتزامن التحرك العسكري العراقي ضد "بي كاكا" في سنجار، مع عملية عسكرية أطلقها الجيش التركي في 19 أبريل/ نيسان 2022 ضد مواقع الحزب الذي تصنفه أنقرة وواشنطن "جماعة إرهابية" في شمال العراق بمشاركة قوات جوية وبرية.

وكان "بي كا كا" أوجد له موطئ قدم في نينوى، وخاصة قضاء سنجار غربي المحافظة، عند اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي للمنطقة صيف 2014، وأنشأ هناك ما يسمى "وحدات حماية سنجار" تضم عددا كبيرا من أقلية الإيزيديين.

تأكيد وتشكيك

على الصعيد الرسمي العراقي، أعلن المتحدث باسم العمليات المشتركة في العراق (تابعة لوزارة الدفاع) اللواء تحسين الخفاجي، السيطرة الكاملة على مدينة سنجار، واختفاء جميع المظاهر المسلحة.

وقال الخفاجي خلال تصريحات صحفية في 9 مايو 2022، إنه "كان هناك مجاميع خارجة على القانون قطعت الطريق وحاولت إرباك الوضع الأمني، لكن قيادة عمليات نينوى وقيادة العمليات المشتركة تعاملت بكل مهنية مع من أراد قطع الطرق، ولن نسمح بأي مظاهر مسلحة في سنجار".

وأضاف: "لن تسمح بالتجاوز على أمن سنجار، وحسب الاتفاق فإن قوات الجيش العراقي هو من يدير الملف الأمني"، مؤكدا أن "المظاهر المسلحة اختفت، وأن الجيش العراقي هو الذي يسيطر على سنجار ولن نتهاون في تطبيق القانون ضد من يخرج عليه، وسنمنع هذه الجماعات من إقلاق الأوضاع وإرباك الأمن في سنجار".

وأشار المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة التابعة إلى أن "قوات الجيش والشرطة المحلية تقيم نقاط التفتيش في مداخل ومخارج المدينة، وأن أهالي القضاء كان لهم دور مهم في دعم القوات الأمنية بفرض السيطرة والأمان في سنجار".

من جهته، قال نائب قائد العمليات المشتركة في العراق الفريق الركن عبد الأمير الشمري، إن القوات العراقية فرضت الأمن والقانون والنظام وفتحت جميع الطرق في القضاء، مشيرا إلى أن قوات الأمن ستلاحق كل من يحمل السلاح ويحاول فرض هيمنته على القضاء.

وأكد الشمري خلال اجتماع أمني موسع لقيادات الجيش -ناقش فيه المستجدات الأمنية في مدينة سنجار- في 4 مايو، أن "الهدف من هذه العمليات هو فرض سيادة القانون والأمن لتأمين بيئة آمنة، حتى تتم إعادة بناء سنجار وإعادة النازحين".

وفي المقابل، قال النائب في البرلمان العراقي وقائمقام مدينة سنجار السابق، محما خليل إن "فرض السيطرة الأمنية للقوات العراقية جرى فقط في مناطق جنوب سنجار، لكن شمال المدينة لا يزال هناك تواجد لقوات حزب العمال الكردستاني، ويتحينون الفرصة للعودة مجددا".

وأضاف خليل خلال مقابلة تلفزيونية في 9 مايو، أن "المنطقة الشمالية تحتوي على أنفاق وكهوف وهي منطقة حدودية مع سوريا، تتيح لقوات العمال الكردستاني التنقل والاختباء فيها، لذلك على الحكومة العراقية الإسراع في تعيين أبناء المدينة بالأجهزة الأمنية لمسك زمام الأمن".

ورقة إيرانية

من جهته، قال الكاتب العراقي عبد الباسط سيدا خلال مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 7 مايو، إن "منطقة سنجار لها أهمية إستراتيجية سياسية عسكرية، فهي محاذية للحدود السورية العراقية، كما أنها قريبة من المثلث الحدودي بين العراق وتركيا وسوريا".

وأوضح الكاتب أن "المنطقة تشكل عمقا للتواصل بين العراق والمحافظات الشرقية السورية، لا سيما الحسكة ودير الزور؛ كما أنها قريبة من أربيل، وتدخل ضمن إطار خطة التطويق والضغط التي تمارسها إيران في التعامل مع أربيل بغية دفع المسؤولين فيها نحو الالتزام بالسياسات التي تنظر للعراق على أنه مجرد حديقة خلفية للإمبراطورية الإيرانية التي يتطلع نظام ولي الفقيه إلى إعادة بنائها".

وأشار إلى أنه "كان من اللافت معارضة فصائل الحشد الولائية (موالية لإيران) للاتفاق الذي جرى في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بين الحكومة العراقية الاتحادية وحكومة إقليم كردستان حول دخول الجيش العراقي إلى منطقة سنجار، لضبط الأمن فيها، وإخراج المسلحين منها".

وبحسب الاتفاق تتولى الحكومة العراقية الاتحادية مسؤولية الأمن فيها بالتعاون مع إقليم كردستان؛ وعلى أن تتشكل لجنة ثلاثية مكونة من ممثلي الحكومة الاتحادية والإقليم ومحافظة نينوى، لتقديم الخدمات للمنطقة بهدف تمكين المهجرين من سكانها الذين يقدر عددهم بـ 350 ألفا من العودة إلى منازلهم.

وأشار الكاتب إلى أن قوة من الجيش العراقي الاتحادي تحركت في الأيام الأخيرة في المنطقة، ودخلت مدينة سنجار، غير أن هذه الخطوة جوبهت بالرفض والقتال من قبل قوات "بي كاكا" وبعض المليشيات المحلية الدائرة في فلكها أو التابعة لها، وحتى من جانب بعض فصائل الحشد الولائية التابعة لإيران، الأمر الذي أدى إلى وقوع ضحايا".

وفي خطوة تؤكد العلاقة العضوية التي تربط بين حزب الاتحاد الديمقراطي "بي واي دي" و"بي كاكا"، تحركت قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي يتحكم فيها في واقع الأمر "بي كاكا"، نحو الحدود السورية العراقية من أجل التدخل، والإسهام في عملية منع قوات الجيش العراقي من تطبيق الاتفاق المشار إليه بخصوص تطبيع الأمور في سنجار، وتهيئة المقدمات لعودة أهلها إلى ديارهم، بحسب الكاتب.

ولفت سيدا إلى أن "هذا ما يؤكد أن الولاء الأساس لهذه القوات هو لـ(بي كاكا) وقيادته القنديلية (تتحصن بجبال قنديل) التي تلتزم بتوجيهات وتعليمات النظامين الإيراني والسوري منذ بدايات ثمانينبات القرن العشرين، وذلك بناء على اتفاقيات أمنية أشرف عليها القائد الروحي عبد الله أوجلان بنفسه أيام وجوده في سوريا في ذلك الحين".

"صفقة خفية"

في المقابل، تحدث الخبير الأمني العراقي ماهر عبد جودة خلال تصريحات صحفية في 9 مايو، عما وصفه بـ"تواطؤ وصفقة خلف الأبواب المغلقة بين رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية مصطفى الكاظمي، وزعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني مسعود البارزاني لإعادة انتشار البيشمركة في قضاء سنجار".

وأوضح جودة، قائلا: "لدى مراقبتنا ما يجرى في قضاء سنجار من تجدد حالة عدم الاستقرار تأكد لدينا وجود تواطؤ لإبعاد قوات وحدات مقاومة سنجار- اليبشة (موالية لحزب العمال الكردستاني) وهم من سكان القضاء عن ممارستهم بحفظ الأمن في سنجار وهذا التواطؤ نتيجة اتفاق ما خلف الأبواب المغلقة بين الكاظمي والبارزاني".

وبحسب معلومات جودة، فإن "الاتفاق بين الجانبين له مصلحة مشتركة الأولى إعادة تموضع وانتشار البيشمركة كما كان عليه قبل 2014 مقابل دعم الكاظمي بولاية ثانية"، مشيرا إلى أنه "من الأفضل أمنيا لاستقرار القضاء هو انتشار الشرطة الاتحادية وأهالي القضاء من جميع مكوناته الممثلين بالحشد وكذلك اليبشة".

بينما تتهم "وحدات حماية سنجار" (اليبشة) الجيش بأنه يريد السيطرة على منطقتهم وطردهم منها، في حين يريد الجيش العراقي تنفيذ اتفاقية بين بغداد وأربيل الموقعة في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2020 بوساطة الأمم المتحدة لتطبيق النظام في المنطقة.

وتقضي الاتفاقية بتولي الشرطة العراقية إرساء الأمن في القضاء، وإنهاء وجود حزب العمال الكردستاني من المنطقة، في حين تتعاون حكومتا بغداد وأربيل في إعمار ما دمرته الحرب في سنجار. ولم يحالف النجاح هذا الاتفاق، بسبب عدم استشارة القوات المحلية في سنجار أو حتى قادة الإيزيديين، كما يقول محللون.

وتأسست "وحدات حماية سنجار" بدعم من حزب العمال الكردستاني عام 2014 للدفاع عن المدينة بعدما سقطت بيد تنظيم الدولة، والتي تقع شمال غرب مدينة الموصل (400 كيلومتر شمال بغداد)، ويتبع إداريا محافظة نينوى.

ويسكن مدينة سنجار خليط من العرب والأكراد والطائفة الإيزيدية، التي نكّل بها تنظيم الدولة خلال سيطرته على القضاء لأشهر عدة عام 2014 حيث شهدت مجازر بحق الإيزيديين وتشريدهم في مخيمات النزوح، فضلا عن اختطاف التنظيم الآلاف من نسائهم وأطفالهم.

تمهيد تركي

التحرك العسكري العراقي ضد "بي كاكا" في سنجار، جاء أيضا بعد أقل من شهر على عمليات عسكرية باسم "قفل المخلب" شنتها القوات التركية في 19 أبريل/ نيسان 2022 على مواقع الحزب في شمال العراق بمشاركة القوات الجوية والبرية التركية.

وأعلن وزير الدفاع التركي خلوصي آكار، في حينها، قصف أهداف وملاجئ ومخازن ذخيرة لمسلحين أكراد في شمال العراق، مشيرا إلى أن قوات خاصة شاركت في العملية العسكرية، وذلك بعد قصف أهداف بطائرات حربية وهليكوبتر ومسيرة تركية أهدافا لمسلحين أكراد.

وخلال حديث سابق مع "الاستقلال" في 25 أبريل/ نيسان 2022، قال الباحث المختص في الشأن التركي محمود علوش، إن "هذه العملية مكملة للعمليات الأخرى التي نفذتها تركيا في هذه المنطقة منذ عام 2016 وتهدف بشكل رئيس إلى إبعاد مقاتلي الحزب عن الشريط الحدودي وإنشاء منطقة آمنة بعمق 40 كيلومترا".

ولفت علوش إلى أنه "في العادة، يكون حزب العمال الكردستاني أكثر نشاطا في فصل الربيع. لذلك، فإن هذه العملية مهمة للقضاء على قدراته"، مشيرا إلى أن "توقيت إطلاق العملية مهم إذ يأتي في ظل فراغ حكومي في بغداد وانشغال عالمي بأزمة أوكرانيا".

ويبدو أن أنقرة تسعى لاستثمار هذين الأمرين من أجل إعطاء زخم لعملياتها العسكرية في شمال العراق، وفق قوله. وأشار إلى أنه "قد تمهد هذه العملية الباب أمام تحرك عسكري مشابه ضد الوحدات الكردية في شمال سوريا في الفترة المقبلة".

ونوه علوش إلى أن "زيارة رئيس وزراء كردستان العراق (مسرور البارزاني) لتركيا قبل العملية (بثلاثة أيام) تشير على الأرجح إلى تنسيق بين الجانبين بخصوصها"، في إشارة إلى اجتماع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحضور رئيس المخابرات هاكان فيدان معه.

على الجهة الأخرى، أكد موقع "المونيتور" الأميركي خلال تقرير نشره في 9 مايو 2022، أن مليشيات عراقية موالية لإيران تنسق مع مسلحي "بي كا كا"، لاستهداف القوات التركية التي تستهدف باستمرار معاقل الأخير شمالي العراق.

وتعتقد المخابرات العسكرية الأميركية أن المليشيات المدعومة من إيران تنسق مع المقاتلين الأكراد لشن هجمات على الوجود العسكري التركي في شمال العراق، وفق وزارة الدفاع الأميركية.

وانتقدت المليشيات البارزة المدعومة من إيران علنا ​​العمليات العسكرية التركية التي تستهدف مقاتلي "بي كا كا" في جبال شمال العراق، متذرعة بانتهاك سيادة العراق.