"نحن هنا".. ما السر وراء إعلان الملحدين العرب عودتهم وربطهم بالربيع العربي؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

دعا من يطلقون على أنفسهم "الناطقين بالعربية من اللا دينيين" إلى يوم عالمي يتظاهرون به في 22 فبراير/شباط 2022 لتعريف الناس بأفكارهم ونشاطهم.

"اللا دينيون"، أو الملحدون العرب، أعلنوا أن هذه المظاهرة الرقمية على مواقع التواصل، غرضها لفت الأنظار لوجودهم، لذا جاءت تحت شعار "نحن هنا"، ليكون يوما عالميا رسميا للاعتراف بهم.

بدأوا الدعوة لهذا اليوم العالمي عبر تطبيق "كلوب هاوس" يوم 18 يناير/كانون الثاني 2022 ثم حددوه في 22 فبراير من نفس العام.

الدعوة واكبت وفاة الملحد المصري سيد القمني، ودفاع منصات إعلامية علمانية وأجنبية عنه.

بالتزامن مع ذلك، فضح ناشطون وباحثون دوره في هدم النص الإسلامي، ليعود الجدل حول الملحدين العرب وداعميهم وأعدادهم.

نشاطات إلحادية

تزامن أيضا مع عودة النشاط الإعلامي لاثنين من أبرز مهاجمي النصوص الإسلامية، وهما "إسلام البحيري" الذي أعطته قناة "إم بي سي" السعودية منبرا خلال فبراير 2022 لمهاجمة شيخ الأزهر في مصر أحمد الطيب.

وأيضا الإعلامي المصري إبراهيم عيسى الذي زاد جرعة هجومه على الرموز الإسلامية، وزعم أن "المؤسسات الدينية تحصرنا في سجن يسمونه الفقه"، عبر برنامجيه على قناتي "الحرة" الأميركية و"القاهرة والناس" المصرية.

وفي توقيت واحد، تبنى كل من البحيري وعيسى فكرة رفض مرجعية الأزهر في الشؤون المدنية في مصر خلال حوار الأول مع قناة إم بي سي، وتطرق الثاني إلى الأمر في برنامجه "حديث القاهرة"، وانتقدا أخذ رأي الأزهر. 

"الاستقلال" تواصلت مع ما يسمى "فريق عمل 22Feb"، الذي يدير هذه المظاهرة الرقمية، لمعرفة أهدافهم وأسباب تصاعد نشاطهم.

زعموا أنهم "مجموعة من الأفراد غير المنظمين" اختاروا هذا اليوم من عام 2022 للدعوة إلى المظاهرة الإلكترونية لأن "هذا التاريخ لديه رمزية خاصة فهو لا يعبر عن التوحيد (الإسلامي) ولا عقيدة التثليث (المسيحي)".

وبينوا أنه لا يمولهم أحد وأنهم يسعون للتبرعات عبر موقع دشنوه لجمع 20 ألف دولار لاستخدامها في تدشين موقع المظاهرة الرقمية والدعاية ليومهم العالمي، جمعوا منها 5.745 دولار حتى كتابة هذا التقرير.

ألمحوا إلى أن هدفهم هو إحصاء الملحدين (اللا دينيين) العرب في الشرق الأوسط، عن طريق معرفة عدد من سيشاركون في يوم المظاهرة الإلكترونية بالدخول على موقعهم، حيث سيعتبرون كل من يسجل على الموقع "ملحدا".

وقالوا إنهم يستهدفون "الناطقين بالعربية أي سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كوننا نمتلك نفس المعاناة ولتسليط الضوء على قضيتنا".

واختار هؤلاء توقيت "نيوزيلندا" لبدء انطلاق يومهم العالمي للإلحاد دون أسباب واضحة، مؤكدين: "ليس لدينا أي مقر على أرض الواقع".

ولفتوا إلى أنهم تواصلوا مع ملحدين عرب (يسمونهم المؤثرين اللا دينيين الناطقين بالعربية) يعلنون عن أنفسهم عبر مواقع التواصل والتنسيق معهم، "وطلبنا من كل من يريد المشاركة أن يساعدنا ويتواصل هو أيضا معهم".

ونفوا التنسيق مع جهات أجنبية كقناة "الحرة" الأميركية التي تتبنى خط الملحدين وتستضيف برنامجين لمصريين (إسلام البحيري وإبراهيم عيسى) للطعن في الثوابت الإسلامية.

لكنهم أكدوا بالقول: "تلقينا طلبات لمقابلات من الحرة وفضائيات أجنبية ونحن نعمل عليها"، بدعوى "توصيل قضيتنا لأكبر عدد ممكن من المحطات العربية والعالمية".

للتدليل على مشاركة مشاهير لهم في إلحادهم، نشروا رسالة فيديو مسجلة من الكاتبة العلمانية "فاطمة ناعوت" موجهة لحملتهم تؤكد "أدعم كل من يختلف عني في العقيدة وحتى من لا يعتقد بأي عقيدة وأحترم حقوقه وأحبه".

كما نشروا رسائل أخرى مصورة لمجموعة من الملحدين العرب، بينهم وفاء سلطان وأحمد حرقان، وبعضهم يرتدي قناعا وقرون الشيطان، كي يقولوا "نحن (الملحدون هنا)".

رفعوا شعاراتهم في بعض المدن الأجنبية مثل ألمانيا، ونفذوا مظاهرات حقيقية في الشارع لا رقمية، لكن كانت المفارقة أنهم تظاهروا ضد "الحجاب" في شوارع مدينة كولونيا الألمانية لا ضد "الأديان" التي يتنصلون منها.

يوم عالمي

الشعارات التي رفعوها في المظاهرة لم تكن لطلب الدعم لحريتهم في عدم الاعتقاد وإنما لمهاجمة الحجاب، وكتبوا عليها: "الحجاب يساوي كراهية النساء والتمييز الجنسي"، وفق تعبيرهم.

هجومهم على الحجاب والإسلام أثار الاستغراب لأنهم يعرفون أنفسهم على موقعهم بأنهم "مجموعة من اللا دينيين الناطقين بالعربية، ونحلم بغد أفضل للجميع من لا دينيين ودينيين".

وقد أكدوا أن هدفهم من "المظاهرة الافتراضية الرقمية" أن تكون "عدادا لمعرفة أرقام الملحدين داخل الدول العربية".

وسيحتسب الموقع الإلكتروني عدد من يدخل للموقع خلال هذا اليوم "وبهذا سيكون لدينا أول تقييم أقرب ما يكون للواقع عن أعداد اللا دينيين داخل الدول العربية"، وفق زعمهم.

تحدث السوري "عماد" أحد اللا دينيين في ألمانيا عن قصة إلحاده وتركه الدين عبر فيديوهات وصفحات التواصل الاجتماعي، بسبب رفضه للتعاليم الإسلامية، وفق قناة الحرة 13 فبراير/شباط 2022.

وقالت السودانية "رانيا" إنها ترفض الشعائر الإسلامية مثل الحج، ولا تقتنع بقراءة القرآن بدعوى وجود "الكثير من المغالطات المنطقية فيه"، بحسب قولها.

وذكر شاب مصري يطلق على نفسه "مستر نو وان"، أو السيد لا أحد، أنه يكره العبادات من صلاة وصيام، ويفعل في أوروبا ما يشاء و"تخلص من فكرة عدم وجود النار أو العقاب".

وسبق أن أكد الصحفي والإعلامي المصري حافظ الميرزاي أن "الحرة" جندت إسلام بحيري وإبراهيم عيسى بأموال طائلة "لنقد النص الإسلامي".

كشف في منشور له على فيسبوك في 20 يونيو/حزيران 2020 أن "الوكالة الأميركية للإعلام العالمي" التي تشرف على قناة الحرة تعاقدت مع بحيري وعيسى لعمل برنامجين لمهاجمة النصوص الإسلامية.

أوضح أن "البيرتو فيرناندز" المتحدث الرئاسي السابق والرئيس التنفيذي السابق لـ "الوكالة الأميركية للإعلام العالمي"، والذي عزله الكونغرس عام 2020، هو الذي استضاف عيسى والبحيري.

والتقى "فيرناندز" في مارس/آذار 2018 بإبراهيم عيسى للاحتفال ببدء برنامجه الذي يطرح قضايا جدلية مثيرة للبلبلة مثل خلق القرآن، والحجاب والمرأة في الإسلام، وهاجم الصحابة والخلفاء والإمام الشافعي والشيخ محمد الشعراوي والأزهر.

أيضا أعطى "فيرناندز" الضوء لإسلام البحيري لإطلاق برنامج "إسلام حر" في نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والذي قيل إنه "يسعي لتصحيح المفاهيم المغلوطة عن الإسلام" ولكنه تولى بدوره إثارة بلبلة حول قضايا إسلامية عديدة.

وسبق للأزهر أن اتهم البحيري بازدراء الدين الإسلامي ورفع دعوى قضائية لوقف برنامجه على قناة "القاهرة والناس" بعدما سخر من علماء مسلمين وانتقد بعنف الإمام البخاري وكتابه "صحيح البخاري".

وفي نهاية مايو/أيار 2015 أدانته محكمة مصرية بتهمة ازدراء الأديان وقضت بسجنه لمدة 5 سنوات.

 وفي ديسمبر/كانون الأول من العام ذاته خففت المحكمة السجن لسنة واحدة، ثم أصدر رئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي عفوا رئاسيا عنه في نوفمبر 2016.

الملحدون والثورات

سعى بعض الملحدين للربط بين دعوتهم للإلحاد وصعود الربيع العربي والتيار الإسلامي، الذي حملوه مهمة التضييق عليهم.

وانتعش نشاط الملحدين المصريين والعرب عقب إجهاض الربيع العربي عام 2013، وأطلقوا قناة تلفزيونية تمثلهم، باسم "العقل الحر"، لنشر الفكر العلماني، وقناة على يوتيوب يقودها الملحد "أحمد حرقان"، لترويج الإلحاد.

كما سعى علمانيون لتشكيل أول حزب يعرف باسم "الحزب العلماني المصري" عام 2013، لا يعترف بالدين ويدعو لفصله عن السياسة والدولة، لكنه لم يظهر للنور.

وحمل إعلاميون ومسؤولون مصريون الإسلاميين والربيع العربي مسؤولية انتشار الإلحاد بدعوى انتشار خطاب ديني متطرف في العالم العربي عقب الثورات العربية.

وزعم مفتي مصر شوقي علام في حوار مع قناة "العربية" 17 أكتوبر/تشرين الأول 2017، أنه جرى رصد زيادة في نسبة الإلحاد بمصر بعد العام الذي سيطرت فيه جماعة الإخوان على الحكم بالبلاد، نظرا لاستخدامهم شعار "الإسلام هو الحل".

وعاد المفتي لتكرار نفس المزاعم في حوار مع صحيفة "فيتو" الخاصة 24 مايو 2018 زاعما أن نسبة الإلحاد زادت بعد حكم الإخوان.

بالمقابل، يرى محللون غربيون أن الديكتاتوريين في الأنظمة العربية يستغلون الإلحاد ويعتبرونه خطرا وجوديا، بغرض تعزيز سلطتهم الدينية والظهور بصفتهم أوصياء على العقيدة، من أجل تعويض افتقارهم إلى الشرعية الديمقراطية.

"بريان ويتاكر" كتب في موقع "قنطرة" 13 سبتمبر/أيلول 2017 أن معظم الأنظمة العربية تستخدم الدين للتعويض عن افتقارها إلى الشرعية الانتخابية، وتبني في سبيل ذلك نسخة خاصة بها من الإسلام يناسب احتياجاتهم السياسية. 

أضاف بالقول: يتناسب ظهور "الخطر الملحد" مع الرواية السياسية للحكومة، حيث جرى تقديمه على أنه نتيجة مؤسفة لسوء حكم لمدة 12 شهرا من قبل جماعة الإخوان المسلمين.

وكان أول رصد للإلحاد ارتبط بالربيع العربي أجرته مؤسسة شركة بيرسون-مارستيلر Burson-Marsteller بنيويورك، عبر استطلاع لجامعة إيسترن ميتشيجان الأميركية، في الفترة من ثورة 25 يناير 2011 حتى انقلاب 3 يوليو 2013.

هذا الرصد ذكر أن عدد الملحدين في مصر وصل إلى 3 بالمئة من عدد السكان، أي أكثر من مليوني ملحد، حينئذ.

ولكن تقريرا صدر عن مرصد الفتاوى التكفيرية التابع لدار الإفتاء المصرية في ديسمبر 2014 قدرهم بـ 866 ملحدا في مصر، و325 بالمغرب، و320 في تونس.

وأعلن التقرير الذي اعتمد على المؤشر التابع لمركز "ريد سي" بمعهد "جلوبال"، وجود 242 ملحدا بالعراق و178 في السعودية و170 في الأردن، و34 ملحدا في ليبيا و70 في السودان و56 في سوريا و32 في اليمن.

ثم كشفت دراسة استطلاعية أعدتها شبكة البارومتر العربي البحثية المستقلة لصالح شبكة بي بي سي البريطانية عن تزايد أعداد "غير المتدينين" أو "الملحدين" العرب بصورة كبيرة، وتركزهم في مصر وليبيا ودول المغرب العربي.

أوضحت في  23 يونيو 2019 أن نسبة العرب ممن يصفون أنفسهم بأنهم "غير متدينين" أو "ملحدين"، زادت من 8 بالمئة عام 2013 إلى 13 بالمئة عامي 2018 و2019.

ويقول ناشطون إن "الغرف التي يديرها لا دينيون على تطبيق كلوب هاوس حاليا تحظى بدخول ما بين 600 و800 شخص في المتوسط لكل غرفة، وأعمارهم متنوعة، ومن الجنسين، ولكن الأغلبية للشباب من 18 إلى 30 سنة".

وأقر السيسي بوجود ملحدين مصريين خلال احتفال ليلة القدر في رمضان 2015 وقال "أنا مش قلقان من الإلحاد"، ووصف "الملحد" بأنه "لم يخرج من الإسلام" قائلا: "فيه شباب كتير ألحدو يعني مخرجوش من الإسلام".

وقال الباحث المتخصص في شؤون الأديان عمرو عزت في مقال نشره 23 أكتوبر 2018 بموقع "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" إن الملحدين في مصر لجأوا إلى الاختفاء وتغيير هويتهم بعد حبس بعضهم بعد اتهامهم بازدراء الأديان.

واتهمهم "عزت" بأنهم "ممولون من الخارج وتابعون لجهات مشبوهة، وأنهم تهديد خطير على الأمن القومي".