تزامنا مع ذكرى الحراك.. الجزائر تمعن في التنكيل بالمعتقلين بعد إضرابهم عن الطعام

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

كشفت مجلة "جون أفريك" الفرنسية عن تعرض عدد من سجناء الرأي في الجزائر إلى التنكيل إثر إعلانهم الإضراب عن الطعام للتعبير عن ظروف معاناتهم في السجون منذ شهور إثر مشاركتهم في الحراك الشعبي.

ونقلت المجلة عن ناشطين في مجال حقوق الإنسان، أنه مع اقتراب الذكرى الثالثة للحراك الشعبي، بدأت السلطات في نقل عدد من سجناء الرأي إلى مراكز احتجاز أخرى كإجراء احترازي، ووضعت بعضهم في زنازين انفرادية، ما تسبب في مشاركة سجناء آخرين بحملة الجوع تضامنا معهم.

وتستقبل الجزائر في 22 فبراير/شباط 2022، الذكرى الثالثة للحراك الشعبي الذي انطلق في نفس اليوم من عام 2019، وأجبر الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، على الاستقالة في 2 أبريل/ نيسان 2019.

إجراءات احترازية

وذكرت "جون أفريك" أن حوالي 40 سجينا في سجن الحراش بالجزائر العاصمة توقفوا عن تناول الطعام منذ 28 يناير/ كانون الثاني 2022، بحسب المحامي عبد الغني بادي، رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وأعرب نشطاء ومنظمات حقوقية عن قلقهم إزاء تدهور الحالة الصحية لسجناء الرأي، الذين ينتظر معظمهم المحاكمة منذ شهور طويلة.

وبحسب الناشط السياسي زكي حناش، يستنكر سجناء الرأي عبر هذا الإضراب الذي يحمل اسم "الكرامة"، حبسهم الاحتياطي وملاحقاتهم على أساس المادة "87 مكرر" من قانون العقوبات.

وتعتبر هذه المادة أي دعوة لتغيير نظام الحكم بوسائل غير دستورية، "عملا إرهابيا أو تخريب".

ويرى خبراء أن هذه المادة "تمثل تهديدا للحريات الفردية واعتداء خطيرا على الحريات الديمقراطية".

ورغم تكريس الدستور الحق في الممارسة السياسية بشكل كامل، تصاعدت في الآونة الأخيرة حملات التضييق والملاحقة القضائية ضد أحزاب المعارضة والنشطاء في الجزائر.

وهو ما أثار موجة انتقادات واسعة للسلطة، التي يبدو أنها تستبق الذكرى الثالثة للحراك الشعبي، بإجراءات احترازية، خصوصا في ظل انتقال الحراك إلى المؤسسات، وفق المجلة.

ويرى الناشط حناش أن العديد من السجناء المضربين "عبروا عن آرائهم ببساطة على مواقع التواصل الاجتماعي".

وفي اليوم السادس من الإضراب، تم نقل 23 سجينا إلى معتقلات أخرى، 13 إلى البويرة و10 إلى البرواقية بولاية المدية شمالي البلاد. 

غير أن هذه المبادرة التي كانت تهدف إلى عزل المضربين، أحدثت تأثيرا معاكسا، إذ انضم العديد من المعتقلين المقيمين في هذه السجون إلى حركة الاحتجاج، وفقا لشهادات الأهالي وأعضاء الدفاع.

ويعتبر هذا النقل "غير قانوني" لأن سيناريوهين فقط يمكنهما تبرير ذلك: الحكم النهائي أو إجراء تأديبي. 

ممارسات عقابية

وترى الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان أن ما حدث "إجراء عقابي ومناورة لوضع النزلاء في الحبس الانفرادي".

وأوضحت أن هناك مزاعم بإساءة معاملة السجناء، لذا تم طلب فتح تحقيق في الأمر". 

ومن بين المضربين عن الطعام، وفق "جون أفريك"، الصحفي والناشط الحقوقي حسن بوراس، الذي وضع في سبتمبر / أيلول 2021 قيد التوقيف بتهمة "التعاطف مع الإرهاب" و"استخدام وسائل تقنية وإعلامية لتجنيد أفراد ضد سلطة الدولة".

وتزايدت الانتقادات التي تواجهها السلطات الجزائرية، على خلفية معالجتها لسلسلة من القضايا المرتبطة بملف الحقوق والحريات.

ومع بداية 2022، لوحظ، وفق الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ارتفاع عدد الاعتقالات التي تنال النشطاء السياسيين، لأسباب تتعلق بمنشوراتهم المعارِضة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وتقول "لجنة الدفاع عن المعتقلين"، وهي هيئة رصد محلية، إن 250 معتقل رأي يقبعون حاليا بالسجون، ويواجه أغلبهم تهم "المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالمصلحة الوطنية والدعوة للتجمهر غير المصرح وإهانة هيئة نظامية"، وغير ذلك من التهم ذات البعد السياسي.

ومثلت محاكمة فتحي غراس، منسق "الحركة الديمقراطية الاجتماعية"، وسليل الحزب الشيوعي بالجزائر، ذروة القلق على الوضع الحقوقي للمعارضة، بعد أن حكم عليه بالسجن النافذ لمدة سنتين، في وقائع تتصل بتصريحاته المهاجِمة لسياسة السلطة الحالية.

وواجه غراس عدة تهم منها "نشر منشورات من شأنها المساس بالوحدة الوطنية والإضرار بالنظام العام"، و"إهانة هيئة نظامية"، و"إهانة رئيس الجمهورية".

وعلى رغم استماتة محاميه في الدفاع عن براءته وإظهار أنه مسؤول حزب معتمَد في الساحة وكان يعبر عن مواقفه، إلا أنه لم ينج من حكم ثقيل، يعد سابقة في حق مسؤول حزب، منذ إقرار التعددية الحزبية في البلاد في تسعينيات القرن العشرين.

لكن غراس، سيكون بإمكانه الدفاع من جديد عن براءته أمام محكمة الاستئناف، والتي عادة ما تكون أحكامها مخففة مقارنة بالمحاكم الابتدائية.

هروب متواصل

فيما ظل شاعر الحراك محمد تجديت وصديقه نور الدين خيمود رهن الحبس الاحتياطي منذ مايو/ أيار 2021 بتهمتي "الانتماء الإجرامي" و"إفشاء معلومات كاذبة من شأنها الإخلال بالنظام العام".

وبحسب الناشط حناش، فإن محمد تجديت موجود في مستوصف سجن الحراش منذ أيام بعد تدهور حالته الصحية.

 ويؤكد حناش أنه "لا يوجد أحد اليوم في وضع يسمح له بالإعلان عن العدد الدقيق لسجناء الرأي المضربين عن الطعام، ومصدرنا الوحيد هو العائلات والمحامون".

من جانبها، تنفي السلطات الجزائرية وجود حركة إضراب في السجون. 

وقالت النيابة الجزائرية في بيان بتاريخ 29 يناير/ كانون الثاني 2022 مهددة بالانتقام لأي شخص يدعي خلاف ذلك: "لم يتم تسجيل أي إضراب في سجن الحراش".

ومع اقتراب الذكرى الثالثة للحراك، تضاعفت الاعتقالات وتطال الآن جميع مناطق البلاد، وفق الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان.

وتقول إن "هذا التصعيد في القمع يشير إلى تجريم الحراك بشكل واضح على الرغم من ذكره في مقدمة الدستور، وبعد 22 فبراير تم تحديده يوما وطنيا للأخوة".

من جانبه، قال عبد الوهاب فرساوي، رئيس حركة التجمع والشباب، وهي منظمة غير حكومية في طليعة الحركة المؤيدة للديمقراطية، وتم حلها من قبل المحكمة الإدارية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2021، "يوجد في البلاد حاليًا 330 معتقلا سياسيا ومعتقلا للرأي".

وأضاف أن "السلطة مخطئة إذا اعتقدت أنه مع هذا التصعيد في القمع فإن الجزائريين سيوقفون النضال السلمي من أجل حريتهم وكرامتهم وديمقراطيتهم". 

وتابع: "هذا النضال لم يبدأ في فبراير 2019، ولن يتوقف في فبراير 2022، إنه نضال يومي، من جيل إلى آخر، حتى ذروته".

وحذر فرساوي، وهو معتقل سابق قضى ستة أشهر في السجن عام 2020، من أن تصرفات السلطة بتلك الطريقة قد تؤدي إلى "تقويض وحدة التراب الوطني".