مبادرة البارزاني.. هل تفلح "اللغة الأبوية" في رأب صدع البيت الشيعي بالعراق؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

في ظل الانسداد الذي تشهده العملية السياسية بالعراق، طرح زعيم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" مسعود البارزاني، في 31 يناير/كانون الثاني 2022 مبادرة لإنهاء الأزمة السياسية، لا سيما بين الفرقاء الشيعة، من أجل الإسراع في تشكيل الحكومة.

جاء ذلك في رسالة للشعب العراقي، نشرها مكتب البارزاني، الذي قال: "من أجل حل المشاكل وتوفير بيئة مناسبة وجيدة للعملية السياسية في العراق، طرحت مبادرة سياسية"، آملا أن "تكون لها نتائج إيجابية في مصلحة البلد وجميع مكوناته".

وأكد البارزاني أنه "في سياق هذه المبادرة، أقترح أن يجري نيجيرفان البارزاني (رئيس إقليم كردستان) ومحمد الحلبوسي (رئيس البرلمان العراقي)، زيارة إلى مقتدى الصدر (زعيم التيار الصدري) والتشاور حول كيفية مواصلة العملية السياسية وإزالة العقبات والمشاكل".

المبادرة وقاآني

وبخصوص توقيت إطلاق البارزاني مبادرته السياسية، كشف المتحدث باسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" في أربيل محمود محمد، عن دور لقائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال إسماعيل قاآني، الموجود في العراق منذ أيام، في المبادرة.

ونقلت وسائل إعلام كردية عن محمد في 31 يناير 2022، قوله إن قاآني طلب من رئيس "الحزب الديمقراطي الكردستاني" مسعود البارزاني لعب دور في حلّ الأزمة السياسية الحالية.

وأضاف محمد أن "قاآني موجود في بغداد منذ مدة طويلة، وكانت له زيارات إلى أربيل، وزار الرئيس مسعود بارزاني".

وأشار إلى أنه "طلب من مسعود بارزاني أن يلعب هذا الدور، بحكم ما يحظى به من احترام، لحلّ المشاكل القائمة داخل البيت الشيعي".

وأوضح المتحدث باسم "الحزب الديمقراطي الكردستاني" أنه "كانت لقاآني زيارات إلى العراق، ويرافقه في زياراته مسؤول ملف بغداد حسن دانائي فر"، مشيرا إلى أن "الجميع مهتم بإخراج البيت الشيعي من التشتت الذي يعانيه، أو على الأقل منع تفاقم الأمور".

وفي السياق، أكد النائب الكردي السابق أحمد الحاج رشيد، عن وجود علاقة بين زيارة قاآني العراق والاجتماع الذي شهدته النجف في 31 يناير 2022 بين نيجرفان البارزاني ومحمد الحلبوسي وخميس الخنجر (رئيس تحالف السيادة السني) ومقتدى الصدر.

وكتب الحاج رشيد على "تويتر"، قائلا: "تمخضت زيارة قاآني عن تشكيل وفد لزيارة النجف، من المحتمل أن يكون الاتحاد كبش الفداء"، في إشارة إلى "الاتحاد الوطني الكردستاني" الذي يتنافس مع "الحزب الديمقراطي الكردستاني" على منصب رئيس الجمهورية.

وبعد زيارة الحلبوسي، ونيجيرفان البارزاني، وخميس الخنجر، إلى النجف، ولقائهم الصدر، جدد الأخير في تغريدة على "تويتر" في 31 يناير 2022 تمسكه بـ "حكومة الأغلبية الوطنية"، معلنا في الوقت ذاته استعداده للحوار مع "المعارضة الوطنية".

وبخصوص تفاصيل المبادرة ومدى نجاحها، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي محمد المشهداني، إن "ما طرحه مسعود البارزاني، بالتأكيد له علاقة بزيارة قائد فيلق القدس الإيراني إلى إقليم كردستان العراق والاجتماع بينهما".

وأضاف المشهداني في حديث لـ"الاستقلال" أن "المبادرة لن تفلح في رأب الصدع في البيت الشيعي والبارزاني نفسه يدرك ذلك، لكنها جاءت لرفع الحرج عن الأخير بعد لقاء قاآني ومطالبته بالتدخل لإنهاء الأزمة الحالية بين القوى الشيعية قبل الذهاب إلى تشكيل الحكومة".

وتابع الباحث قائلا: "لكن جواب الصدر كان مباشرا على هذه المبادرة بإصراره على تشكيل حكومة أغلبية وطنية، وإبقاء الأطراف السياسية الأخرى في المعارضة، ولا سيما الإطار التنسيقي الشيعي".

ونوه المشهداني إلى أن "ما رشح من تسريبات عن تفاصيل المبادرة، هو منح خمس وزارات في الحكومة المقبلة، إضافة إلى منصبي نائبي رئيس الجمهورية والوزراء إلى قوى الإطار التنسيقي الشيعي، وهذا ما لم يوافق عليه زعيم التيار الصدري".

ولفت إلى أن "البعض تحدث عن أن المبادرة طلبت إعطاء منصبي نائب رئيس الجمهورية إلى زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، ونائب رئيس الوزراء إلى قائد تحالف الفتح هادي العامري".

وتوقع الباحث في الشأن العراقي أن "تُشكل حكومة أغلبية وطنية، لكن الضغط وتصفية الحسابات بين القوى الشيعية سيكون في مناطق السنة بشكل أساس وإقليم كردستان بدرجة أقل، وهذا بدأ بالفعل باستهداف مقرات الأحزاب الكردية والسنية".

"تقبيل لحى"

من جهته، رأى المحلل السياسي العراقي، غالب الشابندر خلال مقابلة تلفزيونية في 31 يناير 2022 أن "المبادرة عمل سياسي عشائري، فماذا يعني تقريب وجهات النظر بين المالكي والصدر، هل على السياسة الخارجية أم على حجم التدخل الإيراني في العراق؟".

ولفت الشابندر إلى أن "قضية لملمة المشكلات بهذه الطريقة دليل على وضع سياسي عراقي أشبه بالعشائري، غير قائم على أساس فكر سياسي، وهذه مبادرات تقبيل اللحى وليست مبادرات إصلاح جذري يقوم على إنقاذ العراق وما به من مأساة".

وأوضح الكاتب العراقي أن "مسعود البارزاني يتحرك بلغة الأب، واللغة الأبوية لا تحل المشاكل السياسية الكبيرة ذات العمق الإستراتيجي، لأن فيها حنان وصداقة وشراكة، لكن هل البارزاني جاء بمشروع لتحويل العراق إلى بلد ديمقراطي؟".

وأكد رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، قبيل لقائه الصدر في مدينة النجف، في تغريدة على "تويتر" أن زمن التدخلات الخارجية في تشكيل الحكومات العراقية ولى، مضيفا أن الفرقاء المعنيين سيجرون مباحثات مستقلة بشأن "حكومة عراقية وطنية خالصة".

وتصدرت "الكتلة الصدرية" الانتخابات التي أجريت في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021، بـ 73 مقعدا، تلاها تحالف "تقدم" 37، وائتلاف "دولة القانون" 33، ثم الحزب "الديمقراطي الكردستاني" 31.

ويسعى الصدر إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية، بخلاف بقية قوى "الإطار التنسيقي"، التي تطالب بحكومة أغلبية سياسية للقوى الشيعية داخل البرلمان العراقي.

وكان زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، أبلغ قادة "الإطار التنسيقي" الشيعي أن بإمكانهم جميعا، باستثناء نوري المالكي، الانضمام إلى جبهته، لكن "الإطار" لم يوافق بعد على ذلك.

وهو أمر يجعل التيار الصدري يتجه مع حلفائه الى تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية التي ينادي بها.

ويقول "ائتلاف دولة القانون" بزعامة نوري المالكي، إن الإطار التنسيقي لن يقبل أن يذهب للتحالف مع التيار الصدري بدون دولة القانون، وبالتالي "إما أن يدخل الإطار بأكمله إلى الحكومة، أو أنه مخيّر بين المعارضة أو المقاطعة، ولربما المقاطعة هي الأقرب بالنسبة للإطار".

وقال عضو "دولة القانون" وائل الركابي خلال تصريح في 30 يناير 2022، إن "المباحثات لا تزال مستمرة على الرغم من أن البعض يظن أنها وصلت إلى طريق مسدود بين الإطار التنسيقي والتيار الصدري".

واستدرك: "نأمل قبل انعقاد جلسة البرلمان المقبلة أن يكون هناك توافق حول دخول الكتلتين التيار الصدري والإطار إلى الجلسة الاولى، ويمثلان الكتلة الأكبر داخل البرلمان".

وعن السيناريوهات المتوقعة حال عدم توصل التيار الصدري والإطار التنسيقي إلى توافق، أوضح الركابي أن "الإطار يسير نحو المعارضة".

وأضاف أن "التيار الصدري مُصر بقبوله كل الكتل الموجودة داخل الإطار باستثناء دولة القانون".

لكن الإطار لن يقبل أن يذهب للتحالف مع التيار الصدري بدون دولة القانون، وبالتالي إما أن يدخل بأكمله إلى الحكومة، وإلا فهو مخير بين المعارضة أو المقاطعة، ولربما الخيار الثاني هو الأقرب بالنسبة للإطار التنسيقي".

وطالب وائل الركابي الأطراف الكردية والسنة للتدخل بشكل حقيقي للضغط على التيار الصدري "حتى تكون العملية السياسية مستقرة، وماضية للبناء وتقديم الخدمات، ودور الرئيس بارزاني كطرف وسيط من الممكن أن يحل الاشكالات العالقة داخل البيت الشيعي".

وأكد الركابي أن "الإطار إذا ذهب إلى المعارضة لوحده، حينها سيكون العدد في المعارضة لا يغني، ولا يستطيع أن يغير من المعادلة شيئا وبالتالي يكون في وجوده شيء من التهميش، لكن عندما يذهب إلى المقاطعة فإنه يعلن موقفه الرافض لهذه الإجراءات ولهذه الحكومة".