رغم قتالهم من أجله.. لماذا يوزع نظام الأسد أطعمة فاسدة على مليشياته؟
.jpg)
لطالما كانت الحصص الغذائية المقدمة لقوات النظام السوري محل انتقاد قبل عام 2011، ولم يغير هذا الوضع اندلاع الحرب وإقحام الآلاف فيها قسرا لبقاء بشار الأسد في السلطة، بل زادت وجبات الطعام الرديئة والفاسدة.
ومنذ سنوات يقلل نظام الأسد كمية الطعام المقدمة للوحدات العسكرية، ووصل الأمر إلى حذف بعض المواد التي كانت أساسية بالوجبات، مثل اللحوم والفواكه.
تقنين الطعام
والجديد في الأمر، صدور تعميم من اللواء شعيب إبراهيم مدير إدارة التعيينات التابعة لهيئة الأمداد والتموين في قوات النظام السوري، بتعديل برنامج الإطعام، ليتم حذف الموز من الوجبات وإضافة البرتقال بدلا منه.
وينص التعميم الذي جرى تداوله في 27 يناير/ كانون الثاني 2022، على تعديل برنامج الإطعام لجميع التشكيلات التي تحصل على تموينها من الطعام من مراكز التموين في دمشق وريفها، وحمص، وتدمر.
وسبق هذا التعميم، وبتوجيه مباشر من بشار الأسد، قيام حسين عرنوس رئيس حكومة الأسد، بزيارة إلى محافظة اللاذقية التي تعد الحمضيات محصولا أساسيا فيها، لتتبع واقع تسويق الحمضيات هناك.
وهدفت الزيارة لإيجاد رئيس الحكومة شخصيا، مخارج للاختناقات الحاصلة في تسويق الموسم في المحافظة التي تعد حاضنة الأسد الشعبية، وذلك عبر شراء البرتقال والليمون من المزارعين بأسعار أعلى من السوق.
وحالة الامتعاض من قبل عناصر النظام السوري من واقع الطعام السيئ لم تعد خافية على أحد، وباتت حديث كثيرين منهم بشكل علني، لدرجة أن ثمة من وجد في "فيسبوك" متنفسا لنشر صور الطعام الفاسد دون إبداء النظام أي استجابة لتغيير الأمر.
ويرى مراقبون عسكريون أن "الجيش" ونفقاته باتت خارج نطاق قدرة النظام السوري على تلبية احتياجاته، فهو مؤسسة كباقي المؤسسات التي لم يعد النظام قادرا على تأمين ميزانياتها المالية السنوية.
إذ جاء مشروع قانون الموازنة العامة للدولة السورية للسنة المالية 2022، يحمل عجزا كبيرا، إذ بلغ 13 تريليونا و325 مليار ليرة سورية (أكثر من 5 مليارات دولار).
وهذه الموازنة، هي أقل بمليار ونصف دولار عن موازنة 2021، التي كانت 6.8 مليار دولار، فضلا عن أن الدعم المقدم للمؤسسة العسكرية غاب ذكره في المشروع الذي أقره برلمان النظام في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2021.
وكان الجنود السوريون يشتكون من وضع وجباتهم السيئة منذ صعود حافظ الأسد إلى الحكم بموجب انقلاب عسكري منذ 1971 وحتى وفاته عام 2000، وبعد وراثة بشار السلطة، لم يتغير الأمر بل تدهور أكثر في سنوات الحرب.
مواد فاسدة
وصار جندي النظام محط سخرية شعبية ليس فقط لسيره الأعمى خلف بشار الأسد، بل حتى في مأكله الذي بات خلال سنوات الحرب، تعافه حتى الحيوانات.
وهذا الأمر دفع عناصر من قوات الأسد خلال السنوات الماضية إلى إطلاق عدة حملات على مواقع التواصل الاجتماعي لانتقاد الطعام المقدم لهم من خضار ومواد غذائية فاسدة.
إذ بدا الخبز المقدم لهم وهم على جبهات القتال، أو في الثكنات على حد سواء، يعاني من العفونة الزائدة، أو تقديم البطاطا والبندورة وقد نخرتهما العفونة.
وشملت سياسة تقليل مخصصات الطعام لقوات النظام السوري أصنافا عديدة، إذ اقتصر توزيع وجبة البيض التي كانت يومية في كل الوحدات العسكرية على مرة أو مرتين كل أسبوع.
أما الدجاج فيرونه كل شهرين، فيما اختفت كثير من الأغذية المعلبة.
ومادة السكر التي تعاني مناطق النظام من نقص شديد فيها، بات كل عنصر يحصل على أقل من نصف كيلوغرام منها، بعدما كان يحصل شهريا على كيلوغرام، وذلك بناء على توجيهات إدارة التعيينات التابعة لهيئة الأمداد والتموين.
وفي ظل هذه الظروف، ركز النظام على تقديم الخضراوات الورقية كالسبانخ للعناصر، لتصبح وجبة شبه يومية.
لكن بقيت مليشيا "الفرقة الرابعة" التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام، تتلقى نفس مخصصات الطعام ولم تتغير بشكل كبير.
ويرجع ذلك لانتشار حواجز المليشيا على كثير من مداخل المدن والبلدات في مناطق نفوذ النظام السوري، فتفرض إتاوات مالية على حركة التجارة، ما يجعلها تتمتع بخصوصية عن باقي القطع العسكرية.
وتنقل شبكة "السويداء 24" المحلية عن أحد عناصر النظام قوله إن "المجندين الذين يخدمون تحت قيادة القوات الروسية في سوريا، رواتبهم الشهرية 175 ألف ليرة (50 دولارا أميركيا)، فضلا عن حصولهم على السجائر والطعام والمواصلات المجانية خلال العطلات، أما نحن علينا أن نشبع من شعارات الصمود والتصدي".
وتقع تحت إمرة روسيا مجموعات تنتمي إلى فرق قوات النظام من الناحية الهيكلية، إلا أنها منتدبة لمهمات بإشراف القوات الروسية ضمن اتفاق مع وزارة دفاع الأسد وتتلقى منها الرواتب الشهرية لقاء حماية مصالح موسكو في بعض المناطق السورية.
جسم فاسد
وحول من يقرر خطة إمداد قوات النظام السوري بالطعام، يوضح الخبير العسكري السوري العميد عبد الله الأسعد أنها "هيئة الإمداد والتموين وتتبع لها إدارات ومنها إدارة التعيينات، وجميعها منذ بداية العام تقوم بتغيير أنواع وجبات الغذاء".
ويضيف لـ"الاستقلال" أن "ميزانية إدارة التعيينات أصبحت ضعيفة ولا يمكن أن ترفد الجيش بما يلزمه من طعام، ونتيجة الانهيار المادي لدى النظام السوري وتخفيف ميزانية الجيش قاموا بإلغاء بدل الطعام لمن لا يتواجدون في الوحدات العسكرية واعتبارهم مطعمين".
ويشير الأسعد إلى أن "النظام السوري يعتمد على حزب الله اللبناني في تزويده بالمواد الغذائية، لكن الوقائع تدل على انكفاء هذه المصادر التي تدعمه، لذلك أوقف النظام كثيرا من المواد عن الجيش التي لا يستطيع شراءها، والتي كانت تأتيه من هذه المصادر".
ولطالما عمدت عناصر النظام على إجراء مقارنات بين وجبات الغداء التي غالبها حبتان من البطاطا المسلوقة وبيضة لك عنصر، ومع طعام الجنود الروس الذي يأتي من قاعدة حميميم الروسية في اللاذقية على شكل معلبات صغيرة فيها لحوم بيضاء وحمراء وعسل وسكريات مغذية.
وفي يونيو/ حزيران 2020 أرسلت عناصر النظام السوري صورا للطعام الفاسد إلى القصر الجمهوري، وكان عبارة عن كيس بلاستيكي يحوي على عدد قليل من الكوسا والبندورة الفاسدة، إضافة إلى خيارة واحدة وربطة خبز.
إلا أن شيئا لم يتغير، وبالمقابل ظهرت كميات كبيرة من مخصصات الطعام جرى تخزينها في مستودعات خاصة تتبع للضباط والتي قيل إنها معدة للبيع في السوق السوداء.
ونشر موقع "السويداء24" في سبتمبر/ أيلول 2021 صورة تظهر وجبة طعام رديئة مقدمة لعناصر النظام السوري في الفوج 405 فرقة 15.
وتؤكد المعلومات أن كل عنصر من قوات الأسد كانت مخصصاته لا تتجاوز الـ150 ليرة (30 سنتا) حتى مطلع 2018، وزادت إلى 400 ليرة (80 سنتا).
وحول هذه الجزئية يقول الخبير العسكري عبد الله الأسعد إن "إدارة التعيينات عبارة عن لصوص، حتى قبل الثورة السورية، إضافة إلى إدارة المهمات والوقود وهما جسمان فاسدان ويتآمران على العسكري المجند من أبناء الشعب الفقير".
واستدرك قائلا: "ويجرى ذلك عبر الاتفاق مع المتعهد المدني ومدير إدارة التعيينات والمندوبين من الفرق العسكرية لسرقة الطعام وخاصة المواد الغذائية غالية الثمن كالسمنة ودبس البندورة واللحوم".
هذا فضلا عن التلاعب بجودة المواد وجلب الرديء منها، بخلاف المواصفات المحددة مسبقا للمواد، وكسب أموال ضخمة يجرى تقاسمها بين قادة الفرق وضباط الشؤون الإدارية، يضيف الأسعد.
تركيبة طائفية
ويعتبر الجيش من أهم مؤسسات الدولة التي تحدد من نواح كثيرة الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلاد، وكذلك جمود نظام الدولة بأكمله وقدرته على البقاء.
ففي الحالة السورية، وضمن منهج "ثالوث القيادة" (قاعدة توازن طائفي) هندس الأسد الأب مراكز القوة اجتماعيا بطريقة تضمن ولاء الجيش للنظام وتمنع تحوله لأداة سياسية ضد سلطته.
إلا أنه وبعد الثورة السورية في مارس/آذار 2011، ولأسباب عدة تصدع ثالوث القيادة في الوحدات العسكرية لصالح تولي الضباط العلويين قيادة الوحدات ليس في الصف الأول فقط بل في الصف الثاني والثالث وما يليهما، وفق دراسة لمركز عمران نشرت في 13 مارس 2020.
كما أن أهم 40 مركزا قياديا في قوات النظام السوري، يشغلها ضباط جميعهم من الطائفة العلوية، من القائد العام ووزير الدفاع مرورا بقادة الفيالق العسكرية وقادة الفرق وأجهزة الاستخبارات.
ومن هؤلاء الضباط، هناك ضابطان من أقرباء الأسد المباشرين، هم اللواء ماهر الأسد ويشغل منصب قائد مليشيا "الفرقة الرابعة".
ويقدر "مجلس العلاقات الدولية الروسي" العدد الإجمالي لأفراد قوات النظام ما قبل عام 2011 بحوالي 325 ألفا، بينهم 220 ألفا من القوات البرية.
وكذلك 100 ألف من القوى الجوية، 60 ألفا منها للدفاع الجوي، وأربعة آلاف من القوات البحرية، مع ثمانية آلاف من حرس الحدود و100 ألف مقاتل من "الجيش الشعبي"، وهذا الأخير بمثابة عنصر احتياطي للقوات المسلحة.
وتراجع عدد مقاتلي قوات النظام السوري، لنحو الثلثين بعد عام 2011، وفي عام 2012، حالت المساعدة العسكرية الروسية والإيرانية دون انهيار النظام وقواته، حسب دراسة لمركز أبحاث "توازن" السوري، الذي قدر أعداد عناصر قوات النظام عام 2020 بـ169 ألفا.
مآرب الأسد
ومن هنا يؤكد القيادي في المعارضة السورية، العميد فاتح حسون أن "النظام السوري يعاني من تدني كبير في موازنة الدولة التي تنخفض عاما بعد عام، ومعها تنخفض القيمة الشرائية لليرة السورية، ويزداد النقص في الموارد، لذا يسعى النظام باستمرار لتأمين الأموال والتقليل من النفقات إلى أدنى حد ممكن، شاملا ذلك كل ما تبقى من مؤسسات مدنية وعسكرية".
ويوضح لـ"الاستقلال"، أن "الجندي المكلف بتنفيذ الأوامر هو الحلقة الأضعف في جيش النظام، حيث يؤدي خدمته الإلزامية براتب لا يكفيه ليوم واحد، وطعام يومي قليل جدا، ومع ذلك تجرى سرقته".
وذهب حسون للقول إن "قرار مدير إدارة التعينات في جيش النظام بحذف مادة الموز (يأتي من لبنان) وإضافة البرتقال يثير السخرية، فالموز غير موجود في وجبة العسكري منذ الثمانينيات، إلا في بعض المناسبات وربما استثناء في الوجبات الإضافية المخصصة للطيارين".
واستدرك قائلا: "ولعل الحقيقة أن هذا الجيش كان يعتمد على مادة التفاح بشكل أساسي بعد وجبات الطعام، لقدرته على التحمل وسعره الأنسب بين الفواكه".
ويضيف: "أما اختيار مدير الإدارة لمادة البرتقال التي بات سعرها في الحضيض لعدم وجود سوق تصريفي لها، ويمتلك مزارعها أبناء الساحل السوري من مؤيدي الأسد والقادة العسكريين والمسؤولين الذين ينحدرون من الساحل أيضا".
ما يعني بوضوح أن القرار جاء تلبية لتململ هذه الفئة الواسعة في الساحل التي تعتمد على هذا المنتج بشكل أساسي، وتعتبر الشريحة الأخيرة المساندة لنظام الأسد المجرم، والتي قد تكون سببا في إسقاطه حال تمردها والانضمام للثورة، وفق حسون.
ولفت إلى أن "القرار جاء بعد إصدار بشار الأسد قرارا برفع قيمة وجبة الطعام بعد أن تدنت قيمتها كثيرا في ظل الانخفاض المتتالي لليرة السورية، وبعد هذا الرفع عادت إلى مستوى يمكن أن يجرى فيه إطعام العسكريين بتقطير شديد".
واستدرك القيادي في المعارضة: "لكن فرض البرتقال يعني أنه سيجرى رفع أسعار هذه المادة بما يؤمن سحب الفارق الحاصل في زيادة وجبة الطعام لتصب في جيوب شريحة المنتجين في الساحل لتهدئتها".
المصادر
- بعد إلغاء بدل الإطعام.. جيش النظام يستبدل البرتقال بالموز لعناصره
- مراكز القوة في جيش النظام 2020: "نهج الصفاء العلوّي"
- التقنين يصل إلى طعام الجيش السوري “لا أحد يلتفت لمعاناتنا”
- عناصر ميليشيات النظام يشكون تعفيش وجبات الطعام بالفرقة 15 في السويداء
- الأسد يوجه رئيس الوزراء لزيارة اللاذقية ومتابعة تسويق الحمضيات
- Evolution of the Syrian Military: Main Trends and Challenges