غابريال بوريك.. شاب يساري يحكم تشيلي يعادي إسرائيل ويناصر الفقراء

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

شهدت دولة تشيلي بأميركا الجنوبية، حدثا تاريخيا فارقا في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2021، بإعلان فوز مرشح أقصى اليسار غابريال بوريك (35 عاما) بالانتخابات الرئاسية، ليكون أصغر من يصل إلى هذا المنصب في البلاد. 

وفاز الشاب اليساري بوريك في جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية متقدما على مرشح اليمين المتطرف خوسيه أنطونيو كاست.

وتتمتع تشيلي بتاريخ مثقل بالجراح، حيث عانت طوال 17 سنة من حكم الجنرال الدكتاتوري أوغستو بينوشيه (1973-1990)، بعد أن أطاح بالرئيس المنتخب آنذاك سلفادور أليندي، وقتله على تخوم قصره، في ليلة انقلاب 11 سبتمبر/أيلول 1973 الشهيرة، لتبدأ بعدها واحدة من أكثر الحقب الاستبدادية في تاريخ البلاد. 

وعلى إثر ذلك غدا الرئيس أليندي ذو الخلفية اليسارية الماركسية، بطلا شعبيا في مخيلة شعب تشيلي، وبعد نحو 48 عاما أتى الشاب غابريال بوريك ليحكم البلاد بطريقة ديمقراطية على نهج أليندي مبشرا بعهد جديد.

بداية نشاطه السياسي

الرئيس التشيلي الجديد غابرييل بوريك، ولد في 11 فبراير/شباط 1986، في مدينة بونتا أريناس جنوبي البلاد.

ونشأ بوريك وسط عائلة يسارية، كانت تصوت دائما لصالح الحزب الاشتراكي.

وبدأت تتبلور ملامح نشاطه السياسي مبكرا بين عامي 1999 و2000، عندما شارك في إعادة إنشاء اتحاد طلاب المدارس الثانوية في مدينته بونتا أريناس.

حيث كان يدرس في المدرسة البريطانية، قبل أن ينتقل عام 2004، للدراسة في كلية الحقوق بجامعة تشيلي العريقة في العاصمة سانتياغو.

وسرعان ما برزت ملامح غابرييل القيادية، وهو ما أهله لتزعم اتحاد طلاب كلية الحقوق بجامعة تشيلي في عام 2008.

ثم أصبح رئيسا لمركز طلاب القانون، عام 2009، وهو العام الذي قاد فيه احتجاجا طلابيا لمدة 44 يوما، ومثل عموم الطلاب كعضو في مجلس الشيوخ بالجامعة.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2011: أصبح بوريك قائدا لاتحاد طلاب جامعة تشيلي، كما أصبح كذلك أحد المتحدثين الرئيسين باسم اتحاد الطلاب التشيليين في سائر أنحاء البلاد.

وعلى نحو متسارع شارك بوريك في عام 2013 بالانتخابات البرلمانية كمرشح مستقل، وانتخب عضوا في مجلس النواب عن منطقة ماغالانيس والقطب الجنوبي التشيلي.

أيدولوجية يسارية

 غابرييل بوريك جاء بخلفية يسارية بامتياز، وشارك في تأسيس حزب التقارب الاجتماعي اليساري عام 2018، رفقة حركات الاستقلال الذاتي (MA)، واليسار الليبرالي (IL)، والاشتراكية والحرية (SOL)، والديمقراطية الجديدة (ND).

وكان الحزب جزءا من الائتلاف اليساري المسمى الجبهة العريضة التي خاضت الانتخابات الرئاسية عام 2021، وفاز فيها بوريك بالرئاسة. 

كما يعد بوريك من الجيل الذي جاء وتشكلت خلفيته في مرحلة ما بعد الدكتاتورية التي فرضها الجنرال أوغستو بينوشيه، خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي.

ولم يكن بوريك قد تبلور وعيه السياسي بعد، لكنه التمس تلك المأساة من خلال ردة الفعل الاجتماعية والسياسية والأدبية التي أعقبت تلك الفترة، وبروز جميع مساوئها بشكل كامل.

لذا فهو ينتمي إلى جيل أعطى أولوية لاعتبارات الحرية والديمقراطية والتحرر السياسي والاقتصادي لبلاده من تبعية القوى العظمى، وتحديدا الولايات المتحدة. 

ويبدي بوريك إعجابه بسيرة كبار زعماء الحركة اليسارية، على غرار رئيس فنزويلا هوغو تشافيز، والزعيم الكوبي فيدل كاسترو.

كما يعتبر غابريال بوريك من مناصري القضية الفلسطينية، ومعاديا للسياسة الإسرائيلية. وقال في مقابلة تلفزيونية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021 إن "إسرائيل دولة إبادة ودولة إجرامية. يجب أن ندافع عن حقوق الإنسان مهما كانت قوة الدول".

نحو القصر 

وسط أجواء تنافسية حادة في الدولة التي هزتها احتجاجات جماهيرية ضد عدم المساواة والفساد في السنوات الأخيرة، استطاع زعيم الاحتجاجات السابق، بوريك، التغلب على منافسه اليميني المتطرف خوسيه أنطونيو كاست.

وكان الأخير مدافعا بقوة عن إرث الجنرال الانقلابي بينوشيه، الذي قتل تحت قيادته أكثر من ثلاثة آلاف شخص أو اختفوا قسريا، فضلا عن الزج بآلاف المعارضين في السجون. 

وبعد الفوز الصاعق لبوريك عمت الاحتفالات شوارع العاصمة سانتياغو، حيث خرج عشرات الآلاف من أنصاره ملوحين بالأعلام ومطلقين أبواق السيارات.

وفي أول خطاباته عشية فوزه، أطلق بوريك تصريحات ووعود قوية، استهل بها حكمه ورسم بها فلسفته، من أبرزها "نعلم أنه ما زال هناك عدالة للأثرياء، وعدالة للفقراء، ولن نسمح بعد الآن بأن يستمر الفقراء في دفع ثمن عدم المساواة في تشيلي".

كما أعلن أنه سيهتم بالديمقراطية، واعدا بفرض قيود على النموذج الاقتصادي النيوليبرالي في البلد.

خاصة وأن تشيلي التي كانت ذات يوم أكثر الاقتصادات استقرارا وتقدما في أميركا الجنوبية، صارت تعاني واحدة من أكبر فجوات الدخل في العالم، إذ يمتلك واحدا بالمئة من السكان 25 بالمئة من ثروة البلاد، وفقا لإحصاءات أممية عام 2020.

لذلك تعهد بوريك بإصلاح هذا التفاوت الفج من خلال توسيع الحقوق الاجتماعية وإصلاح نظامي المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية، فضلا عن تقليص ساعات العمل الأسبوعية من 45 إلى 40 ساعة، وتعزيز الاستثمار في المجالات غير المضرة بالبيئة.

تحديات ضخمة 

رغم حالة الفرح التي تعم تشيلي بفوز بوريك، والاستبشار بعهده كمرحلة جديدة للرخاء والاستقرار، تحديدا لطبقة العمال والكادحين والطبقات الوسطى، لكنه يواجه تحديات جمة لا يمكن إغفالها. 

فتشيلي تمر بتغييرات وانقسامات هائلة بعد التصويت بأغلبية ساحقة في 2020 لإعادة كتابة دستور البلاد الذي يعود إلى عهد الديكتاتور بينوشيه. 

وهو ما علق عليه الرئيس المنتهية ولايته سيباستيان بينيرا، قائلا إن تشيلي تعيش في "بيئة من الاستقطاب المفرط والموجه"، ثم حث خليفته على أن يكون رئيسا لكل التشيليين، وينهي حالة الاستقطاب القائمة. 

وهو ما أشار إليه موقع "بي بي سي" البريطاني، في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2021، في تعليقه على كلمة بوريك بعد فوزه بالانتخابات، بالقول: "كان خطابا شاملا، مع تأكيده أن الشخص العادي سيكون بطل الرواية في حكومته، وتأكيده أنه سيكون رئيسا للجميع حتى أولئك الذين لم يصوتوا له". 

وأضاف: "كانت هذه الانتخابات شديدة الاستقطاب، إذ كان التشيليون يختارون بين رجل امتدح ديكتاتورية البلاد (كاست)، وزعيم احتجاجات، رأى خصومه أنه سيجلب الفوضى وعدم الاستقرار".

وتابعت: "في النهاية، صوت التشيليون لعصر جديد، ولنوع جديد من الرؤساء".