"انقلابية رجعية".. يني شفق: دعوات منع الحجاب في تركيا سببها سياسي

قسم الترجمة | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثارت كلمات تفوهت بها صانعة محتوى على موقع يوتيوب جدلا في تركيا بعد محاولة ربطها حجاب النساء بالسياسة.

وصورت اليوتيوبر باشاك كابلان مقطع فيديو تحت عنوان "الوجه الخفي للحجاب.. هل هو أمر سياسي؟". وتابعت أن "الحجاب ليس نابعا من دين وأنه يستخدم لأغراض سياسية". 

وتقول المحامية سراء توغبا غينتش في مقال نشرته صحيفة "يني شفق" التركية، إن "الحجاب يستخدم لأغراض سياسية وهو تمييز ضد المرأة".

كانت هذه الكلمات التي تناقلتها الألسن بكل "وقاحة"، آخر المؤشرات التي تؤكد أن عقلية "28 فبراير" لا تزال مستمرة كمشكلة واقعية وأنها لم تقتصر على ماضي بلادنا، وفق قولها.

و28 فبراير/ شباط هو إشارة لعام 1997، الذي عقدت فيه قيادة مجلس الأمن القومي التركي اجتماعا مهد لبداية ما بات يشار إليه في التاريخ السياسي باسم "انقلاب ما بعد الحداثة"، وزُعم أن تأثيراته على الحياة السياسية التركية "سوف تستمر لألف عام إذا لزم الأمر".

في ذلك اليوم عقد المجلس اجتماعا أفضى إلى قرارات تعد نقطة البداية لانقلاب 1997، الذي عجل بإسقاط رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، زعيم حزب الرفاه، وإنهاء حكومته الائتلافية.

وواجهت الحكومة الائتلافية التي تأسست في 28 يونيو/ حزيران 1996، والمكونة من حزبي "الرفاه" و"الطريق القويم"، برئاسة الراحل أربكان، اتهامات بـ "تشكيل خطر على النظام" و"دعم الرجعية"، بعد فترة وجيزة من تسلمها مهام عملها.

وتضيف الكاتبة: أقول "آخر المؤشرات" لأننا لسنا غافلين عن وجود عقلية تحاول أن تفرض هذه الأفكار التي عفا عليها الزمن.

وتابعت: "نحن نشهد القضايا التي تفتح بين الحين والآخر بشأن جرائم الإهانة والاعتداء والكراهية التي تحدث ضد الحجاب والعقيدة والتي تتسبب في القضاء على بيئة السلام المجتمعي".

حجج واهية

وشرحت غينش قائلة: "يتجسد هذا في تعرض الفتيات للهجوم أثناء السير في الطرقات أو الجلوس في حديقة عامة لمجرد ارتدائهن الحجاب".

 كذلك فإن رفض عملهن في القطاع الخاص أو عدم تأجير المنازل لهن في أي مجمع سكني يعتبر "حظرا غير مباشر" للحجاب.

 لذلك أردفت، أنه من حقنا ومسؤوليتنا أن نقول إن "منع الحجاب" هو ما يستخدم لأغراض سياسية وليس العكس.

وأضافت: الحديث عن الحجاب بالطريقة التي كانت تلك العقلية تتحدث عنها من تلميع وتبرئة لساحة الانقلابات مع تجاهل المظالم التي تسبب بها منعه آنذاك، لهي معارضة مستترة للإسلام كما هي معارضة لحقوق المرأة وإهانة وتحقير للنساء اللواتي اخترن تغطية رؤوسهن.

ونوهت: تكمن أهمية وضرورة عدم تجاهل مثل هذه الخطابات لكونها آراء متطرفة؛ في حقيقة عدم مرور وقت طويل على حدوث ممارسات مثل هذه، تلزم الأفراد بنوع معين من اللباس وتقيد خياراتهم.

وتظهر هذا وكأنه يمثل وجهة نظر الدولة بكاملها دون إسناد أي من ذلك على أرضية شرعية، وذلك بدل أن تحمي حقوق النساء وحرياتهن حول لبس الحجاب أو عدمه، وفق قولها.

واستدركت: هناك حقيقة يجدر التأكيد عليها في هذه الأيام التي نحتفل فيها بالذكرى الـ 87 لحصول المرأة التركية على حق الترشح والتصويت.

هذه الحقيقة هي أنه فقط في 2015 تمكنت المرأة التركية من الترشح للبرلمان دون أن تسمع تعليقات مثل: "هذا ليس المكان المناسب لتحدي الدولة. علموا هذه المرأة درسا". 

لذلك، نحن في السنة السادسة فقط من الاعتراف بهذا الحق لجميع النساء، بغض النظر عما إن كانت محجبة أم لا.

وواصلت: "أنهى رئيسنا رجب طيب أردوغان، التمييز الذي جاء مع منع الحجاب في المؤسسات الحكومية وانتهك حق العمل وحرية الدين والضمير، وذلك في نطاق حزمة الإصلاحات الديمقراطية التي أعلن عنها في عام 2013".

وأردفت: كان من المثير للسخرية حقا ما تقدم به أحدهم للمحكمة الدستورية من طلب بأن "لا يتم السماح بالحجاب في القطاع الحكومي".

 إذ كان معنونا وموقعا بجملة "عضو في لجنة التحقيق في حقوق الإنسان في مجلس الأمة التركي الكبير".

وتابعت: حاول القائلون بـ "وجوب عدم إظهار الهوية الدينية" بالتذرع بـ "المساواة" وأنه "ينبغي أن لا تكون هناك قاضية أو موظفة حكومية محجبة"، إيجاد أرضية شرعية لمقاييسهم وفرضياتهم التمييزية سابقا، وما زالوا يحاولون.

الذاكرة المجتمعية 

واستطردت غينتش: وعلى الرغم من أن إنقاذ المفاهيم لا يزال يمثل المشكلة الرئيسة هنا، دعونا نتذكر ما تعرضت له المحجبات في ظل وجود من يحاولون التقليل من هول جريمة اغتصاب حقوق المحجبات وما تعرضن له من خلال قلب المفاهيم.

وقالت: فمثلا، كان انعكاس منع الحجاب على التعليم الذي هو حق أساسي، باديا في شرط "الكشف عن الشعر" الذي وضع لحصول الفتيات على التعليم في تركيا.

 أما الطالبات اللواتي لم يسمح لهن بدخول المدارس بسبب الحجاب فقد طُردن بحجة "التغيب" عن المدرسة.

وتابعت: كذلك أصدر مجلس التعليم العالي تعميما يقضي بعدم السماح للزائرات المحجبات أيضا بدخول المدارس. 

حتى جاء عام 2002، عندما صدر قانون يقضي بحظر استخدام الشعر المستعار والقبعات بجميع أنواعها باعتبارها تستخدم لأغراض "سياسية"، (وذلك بعد أن ذهبت الفتيات لاستخدامها كوسائل لتغطية شعرهن).

وبينما جرى هذا أحيانا بالإقناع وصرف عبارات مثل "أمي أيضا ترتدي الحجاب" كما في الفيديو الذي نتحدث عنه، فقد أدى إلى نتائج كارثية من خلال الممارسات التمييزية.

وتوضح: إذ إن الحقوق التي لا يمكن المساس بها ولا انتهاكها ولا التخلي عنها، مستمدة من القوانين الطبيعية العالمية، بغض النظر عما إذا كان ارتداء الحجاب يضمنه القانون الوضعي للدولة أم لا. 

ومع أن الحرية أصل والتقييد استثناء في الأنظمة الديمقراطية، فإن الأمر ينعكس تماما عندما يتعلق بالحجاب.

ولقد انعكس هذا على القضاء الوطني والدولي أيضا. فقد جرى رفض الطلب المقدم إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان ضد قرار المنع الذي أصدر بحجة "إمكانية تأثير المحجبات على غير المحجبات سلبيا". 

وكذلك حدث في قضية ليلى شاهين (كانت طالبة في الطب حينذاك ثم أصبحت نائبة عن حزب العدالة والتنمية) التي لجأت إلى المحكمة لكنها انتهت بخسارتها للقضية.

وشرحت قائلة: فقد قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بـ "وجود انتهاك. لكن لم يتم النظر فيما إن تم تجاوز السلطة بسبب الظروف الخاصة بتركيا". 

واليوم تظهر محكمة العدل الأوروبية، صورة متناقضة بتصريحاتها المشبعة بالإسلاموفوبيا عندما يتعلق الأمر بالحجاب وهي إن بدت في ظاهرها حيادية، إلا أنها في جوهرها تمييزية، وفق الكاتبة التركية.

الإقناع الرقمي

وتلفت غينتش: أدخلت تعديلات على المادتين 10 و42 من الدستور في عام 2008، تتعلق بعدم إمكانية تقييد أي حقوق دون الاستناد للقانون في التعليم.

وعلى الرغم من أن ذلك لم يكن إلا تكرارا وتأكيدا على القاعدة الأساسية في الدستور، فإن المحكمة الدستورية ألغت التعديل.

وجاء الإلغاء بعد أن قال رؤساء الجامعات بأنهم لن يمنحوا الطالبات المحجبات الدرجات التي يستحقونها.

وتشدد قائلة: هؤلاء العاملون في القضاء والذين حظروا الحجاب، لم يظهروا في الماضي فحسب، بل يستمر وجودهم حتى اليوم. 

فعلى سبيل المثال، ظهروا عندما جرى إلغاء منع الحجاب في القوات المسلحة التركية، وطالبوا بالتراجع عن ذلك في عام 2018. وهكذا لنرى انعكاسا آخر لعقلية "28 فبراير". 

ولذلك لن نتردد في الكشف عن عقلية "28 فبراير" التي تفرض الحظر في الوقت الذي تتواجد فيه داخل القوانين والقرارات والممارسات الواقعية. 

إذ من الواضح أن هذه العقلية التي تضمر العداء، سترغب في فرض أفكارها عندما تسنح لها الفرصة بذلك، بحسب ما تراه الكاتبة التركية.

وتختم غينتش مقالها بالقول: لذلك لن نتوقف عن قول الحقيقة لأجل الحق في الوقت الذي يجتهد فيه معارضو الحجاب لبناء تصورات خاطئة بتسخير كامل قواهم. 

وهنا، نعيد ونقول إن "التمييز هو ما يستخدم لأغراض سياسية وليس الحجاب!"، وذلك ضد "غرف الإقناع الرقمية" التي لا تفوت حججا غير مشروعة ولا مضللة إلا وتستخدمها.