أراض مترامية و80 عرقية.. ما تأثير حرب تيغراي على وحدة إثيوبيا؟

محمد أيمن | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

قرر رئيس الوزراء الإثيوبي وعقيد استخبارات الجيش السابق آبي أحمد في 24 من نوفمبر/تشرين الثاني 2021 الذهاب إلى جبهة القتال شمال شرقي العاصمة أديس أبابا.

وبهذا يقود آبي أحمد قواته ميدانيا ضد جبهة تحرير شعب تيغراي وحلفائها من الأورومو والجماعات المعارضة الأخرى.

قرار رأت جبهة تيغراي أنه يذهب بالبلاد بعيدا عن السلام نحو "حرب لن يكون فيها خير"؛ كما يقول المتحدث باسمها "غيتاتشو رضا".

وتساءل رضا في سلسلة تغريدات عبر حسابه على تويتر عن الذي كان يفكر فيه آبي أحمد عندما قرر الذهاب إلى جبهة القتال لمواجهة التيغراي.

دعوة رئيس الوزراء الإثيوبي للقتال جاءت بعد نجاح الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في تهديد العاصمة أديس أبابا بشكل مباشر.

وظهر ذلك في سيطرة قوات الجبهة على مدن رئيسة كمدينتي ديسي وكمبوشا في 30 أكتوبر/تشرين الأول على بعد أقل من 250 كيلومترا شمال شرقي العاصمة. 

الدعوة للقتال

وما بين مشهد اقتراب قوات الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي من العاصمة وخروج رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد لقيادة قواته على خط القتال؛ تلوح في الأفق نذر حرب أهلية تنذر بتقسيم البلاد. 

توقع هذه الحرب الكتاب الأبيض عن الأمن القومي الإثيوبي الصادر عام 2002؛ الذي لم يستبعد خطر انقسام إثيوبيا في ظل الخلافات العرقية والحدودية بين أقاليم البلاد الأحد عشر.

فمن أقاليم تيغراي وعفر وأمهرة وبني شنقول شمالا؛ مرورا بغامبلا شرقا والأمم الجنوبية وأوروميا جنوبا إلى الصومالي وداير داوا وهرر شرقا وأديس أبابا وسط البلاد، لا يجمع معظم تلك الأقاليم سوى الفيدرالية الإثيوبية والخلافات العرقية والحدودية.

أولى جذور الخلاف في إثيوبيا وأحدثه يتمثل في الصراع القائم حاليا بين الحكومة المركزية والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي؛ الذي بلغ ذروته مع إعلان آبي أحمد حملة عسكرية على الإقليم. 

وجاءت تلك الخطوة "بسبب مخالفة قادة الإقليم قرار الحكومة الفيدرالية تأجيل الانتخابات" من أغسطس/آب 2020 إلى يونيو/حزيران 2021 وإجرائهم انتخابات داخلية دون العودة إليهم.

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أعلن آبي أحمد حشد قواته لإخضاع الإقليم لسيطرة حكومته؛ وهو ما جرى بعد دخول "ميكلي" عاصمة تيغراي في 28 من ذات الشهر. 

على الجهة الأخرى أعلنت الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي التي كانت تتولى زمام السلطة في إثيوبيا منذ تسعينيات القرن الماضي حتى قدوم آبي أحمد عام 2018؛ مواصلة القتال ضد القوات الحكومية.

وجاء الإعلان على الرغم من خسارتها السيطرة على الإقليم واعتقال عدد كبير من قادتها وهروب من تبقى منهم إلى الجبال والغابات.

ومن تلك الغابات والجبال نجح الجنرال السابق بالجيش "تسادكان غبريتنساي" الذي لم ينم على فراش لمدة 15 عاما؛ في إعادة تجميع قوات تيغراي؛ بعد أن وجد نفسه للمرة الثانية في قلب التمرد ضد الحكومة الإثيوبية.

فالجنرال المنتمي إلى عرقية التيغراي كان له الدور الأكبر في سيطرة عرقيته على الحكم في إثيوبيا عام 1991 بعد إطاحته بحكم العقيد هايلي منغستو.

ويعتبر تسادكان في عين خبراء الأمن الدولي، أحد أفضل الإستراتيجيين العسكريين من بين أبناء جيله في إفريقيا، بحسب أليكس دي فال المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمي. 

ونجح مع قواته التيغراي بعد ثمانية أشهر من القتال في استعادة السيطرة على عاصمة "ميكلي" وتنصيب حكومة تيغرانية جديدة للإقليم في 28 يونيو/حزيران 2021.

وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 قررت جبهة تحرير تيغراي التوجه نحو العاصمة أديس أبابا بعد تحالفها مع أقلية الأورومو وسبع جماعات أخرى معارضة لحكومة آبي أحمد؛ اتفقوا جميعهم على التوحد للإطاحة بالحكومة المركزية.

وبالإضافة إلى الصراع في تيغراي، لا تزال هناك حركات تمرد أخرى تظهر على واجهة الأحداث في المشهد الإثيوبي مع تزايد التوترات العرقية والإقليمية، وانتشار خطاب الكراهية بين الجميع. 

فالنزاع القائم بين إقليمي عفر والصومالي شمال شرقي البلاد؛ يعد من بين أحد أكثر هذه النزاعات حدة وعنفا في تاريخ إثيوبيا ويتنازع الإقليمان الإثيوبيان أيضا من أجل السيادة على ثلاث مناطق هي جاربا عيسى، وأوندوفو، وأديتو.

وفي أعقاب امتداد معارك تيغراي إلى إقليم عفر استغلت الفصائل العفرية المسلحة هذا الوضع الجديد في شن هجوم مضاد على جاربا عيسى خلف قتلى وجرحى وأسفر عن تهجير الآلاف في يوليو/ تموز 2021 

ومما زاد من حدة التوترات على جبهة العفر محاولة جبهة تحرير تيغراي التقدم شرقا بغرض السيطرة على الطريق البري وخط السكك الحديدية الرابط بين العاصمة الإثيوبية أديس أبابا وموانئ جيبوتي. 

وهو الطريق الذي يشكل المعبر الأساسي لأكثر من 95 بالمئة من تجارة إثيوبيا الخارجية الصادرة والواردة بحسب وكالة الأناضول التركية.

وهناك كذلك الصراع القائم بين إقليمي بني شنقول شمالا على الحدود مع السودان وإقليم أوروميا الواقع أقصى غرب إقليم أمهرا؛ التي تضم مكونا أوروميا غالبا.

كان آخر مظاهر ذلك الصراع الاشتباكات العنيفة التي تفجرت بين الإقليمين في أبريل/نيسان 2021.

كما تنشط تنظيمات مسلحة متعددة في إقليم بني شنقول المجاور والتي تستهدف في المقام الأول إدارة الإقليم وسكانه من الأمهرا، وذلك إضافة لما لا يقل عن 13 مجموعة عرقية مختلفة تطالب حاليا إما بمزيد من الحكم الذاتي أو الانفصال؛ الذي تكفله المادة 39 من دستور إثيوبيا.

احتمالات النجاة

وتثير صراعات إثيوبيا المتزايدة العديد من التساؤلات حول قدرة رئيس الوزراء آبي أحمد على الحكم، وربما وجود الدولة في شكلها الحالي بعد أن مُنيت القوات الإثيوبية بخسائر تركت العاصمة أديس أبابا مفتوحة لأي هجوم.

فبحسب تحليل لمجلة فورين أفيرز الأميركية، "تعتمد قابلية أي دولة للبقاء على ما إذا كانت القوى المركزية تفوق القوى الانفصالية، حيث تستطيع الجهة المركزية توفير البنية التحتية وتقديم الخدمات، والحفاظ على الحدود بغض النظر عن الانقسامات العرقية أو الاجتماعية". 

وحذر التحليل الذي نُشر في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 من اجتذاب الصراع في إثيوبيا إلى تدخلات من قوى أجنبية بما في ذلك الصين ومصر وإريتريا والسودان والإمارات والولايات المتحدة، ما قد يزيد من مخاطر حدوث صراعات وحروب بالوكالة بين قوى إقليمية على الأراضي الإثيوبية.

وفي ظل "غياب رؤية موحدة لكيفية إعادة بناء البلاد، فإن مستقبل إثيوبيا في خطر"، والطريق الوحيد لبقاء البلاد، سيكون بعكس ما رسمه آبي أحمد من كونفدرالية فضفاضة؛ بحسب فورين أفيرز. 

وبينت أنه في حال إعطاء حكم ذاتي للتيغراي فإن هذا قد يعني امتداده للمجتمعات الأخرى الأكبر في البلاد لتطالب بالشيء ذاته في ظل المادة 39 من الدستور الإثيوبي التي تعطي حق الانفصال غير المشرط للأقاليم الإثيوبية.

لكن ذلك الطرح قد لا يكون متوفرا حاليا؛ بسبب ضرورة وجود حكومة مركزية معترف بها من طرف الأقاليم كافة للموافقة على تفعيل هذه المادة؛ بحسب الباحث في الشأن الإفريقي عبد القادر محمد. 

وقال محمد لـ"الاستقلال"، إن النزعة الانفصالية داخل إقليم تيغراي بدأت بالتزايد داخليا؛ بدءا من مواطنيه وصولا إلى قادته السياسيين والعسكريين؛ خاصة بعد حملة حكومة آبي أحمد العسكرية على الإقليم.

وأضاف أن الصراع القائم في إثيوبيا أبرز التناقضات العرقية داخل المجتمع سواء كانت عداوات عرقية أو تاريخية وجغرافية في ظل طبقات متراكمة من المشاكل. 

وحتى يكون الإثيوبيون قادرين على إعادة بناء وطنهم من جديد والسير به نحو الأمام وتجنيبه مخاطر التفكك، عليهم حل هذه المشكلات وإعادة صياغة تتعلق بالعقد الوطني والاجتماعي والسياسي في البلاد.

وقد يكون التحرك نحو اتحاد فيدرالي أكثر مرونة أمرا حتميا في إثيوبيا، بحسب نك تشيزمان أستاذ الديمقراطية في جامعة برمنغهام؛ الذي توقع في مقال بمجلة فورين أفيرز في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن يؤدي ذلك حال حدوثه إلى المزيد من محاولات الانفصال.

وبالتالي يعني هذا نهاية البلاد "كما يقول الإثيوبيون"، وهو ما قد يرفضه آبي أحمد حتى لا يراه التاريخ باعتباره الرجل الذي مزق إثيوبيا.

ويتوقع تشيزمان أنه إذا انتصر تحالف الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي في هجومه على العاصمة أديس أبابا، فمن المرجح أن يؤدي الاضطرار إلى تقاسم السلطة إلى إبراز التوترات طويلة الأمد بين المجموعتين، ما يزيد من خطر عدم الاستقرار السياسي. 

أما إذا قررت جبهة تحرير تيغراي عدم الاستمرار في خططها للاستيلاء على العاصمة من أجل السلام بشروط مواتية والمطالبة باستفتاء على قدر أكبر من الحكم الذاتي والحماية فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات مع حليفهم جبهة تحرير الأورومو، بحسب تشيزمان.

وهذه الجبهة الأخيرة تدعي أن العاصمة هي قلب إقليم أوروميا.

كما أن دخول قوات التيغراي إلى العاصمة أديس أبابا بدون اتفاق سياسي مع بقية الأقاليم الإثيوبية قد يعجل بإشعال نار الحرب الأهلية المتخفية تحت رماد الصراع القائم بين الحكومة الفيدرالية والإقليم بحسب عبد القادر محمد. 

نزاعات تاريخية

وتحدث محمد عن عداوات متجذرة بين بقية الأقاليم الإثيوبية وإقليم تيغراي خاصة أن تجربة في حكم إثيوبيا منذ عام 1991 إلى 2018 قد تسرع من اتجاه البلاد نحو الحرب الأهلية.

فكل الظروف مهيأة لاندلاع هذه الحرب المحتملة منذ عقود بحسب محمد؛ خاصة في ظل الانقسام الحاصل بين صفوف الجيش الإثيوبي.

وهو الانقسام الذي يراه نك تشيزمان في مقال له بمجلة فورين أفيرز؛ سببا لعدم انقلاب قادته على رئيس الوزراء آبي أحمد حتى الآن كما يتوقع البعض. 

ويبدو الجيش الإثيوبي متعدد العرقيات غير قادر حاليا على هزيمة الهجوم على العاصمة، وعليه فإن الانقلاب لن ينتهي بحلٍ للصراع.

وأما إذا تمكن الجيش الحكومي من التمسك بالعاصمة وخط القطار الذي يربط أديس أبابا بجيبوتي، وفشل في استعادة الأراضي التي تسيطر عليها الآن قوات تيغراي والأورومو، فإن آبي أحمد سيتعرض لضغوط أكبر للقبول بتسوية تفاوضية.

وفي نهاية المطاف فإن بقاء الدولة الإثيوبية بشكلها الحالي سيتطلب من قادة الدولة وضع رؤية جديدة للبلاد بحسب مجلة فورين بوليسي التي شددت على أن قادة البلاد حاليا غير قادرين حاليا على تحقيقها. 

وبحسب مقال نشرته المجلة لتيفيري ميرغو الأستاذ المساعد بجامعة واترلو الكندية في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، فإن أزمة إقليم تيغراي تسلط الضوء فقط على خطر تفكك إثيوبيا. 

فمنذ نهاية القرن الـ 19 ظلت بذور عدم الاستقرار في هذه البلاد مزروعة لم تشهد بسببها سلاما داخليا إلا نادرا بحسب ميرغو.

ورأى أنه من السهل رؤية الانقسامات في إثيوبيا على أنها نتيجة حتمية للحجم الهائل للبلاد وتنوعها الإثني.

فإثيوبيا هي البلد رقم 27 الأكبر في العالم من حيث المساحة وموطن لأكثر من 80 مجموعة عرقية مختلفة. 

وعلى مدار التاريخ أثار القادة الإثيوبيون المتعاقبون التوترات العرقية والمناطقية، بحسب تيفيري، وحكم كل منهم بطريقة أعطت مجتمعا واحدا على الأقل سببا للشعور بالظلم.

وخلال العامين الماضيين، ازدادت حدة الانقسامات في إثيوبيا بسبب انتشار خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي. 

وهو الأمر الذي كشفته فرانسيس هوغن المُبلغة عن المخالفات على فيسبوك لأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي في جلسة استماع في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وأدى الحديث الخطير عبر الإنترنت بحسب هوغن في إثيوبيا إلى "عنف حقيقي يضر بالناس بل ويقتلهم"، معترفة بأن عملاق وسائل التواصل الاجتماعي ساهم في تفتيت الدولة.

ولمنع حدوثه، يجب على قادة إثيوبيا إيجاد طريقة لإعادة توحيد البلاد مرة أخرى، ماديا ورمزيا، بحسب بيان للخارجية الأميركية في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021. 

وسيتطلب القيام بذلك 3 أشياء لن يكون أي منها سهلا؛ تأمين سلام دائم، وإعادة بناء تيغراي والأجزاء الأخرى من البلاد المتضررة من الحرب، والتوصل إلى إجماع حول فكرة إثيوبيا وهويتها الموحدة.