بنكيران يقود "العدالة والتنمية" مجددا.. هل تكفي عودته لاسترجاع مكانة الحزب؟

12

طباعة

مشاركة

عقب النتائج المخيبة للآمال التي حصدها "العدالة والتنمية" المغربي في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، لم يجد حلا لـ"لملمة الصدمة" إلا بعقد مؤتمر استثنائي، بعد استقالة الأمانة العامة للحزب.

وأخرجت الانتخابات، التي عقدت في 8 ديسمبر/أيلول 2021، الحزب ذا المرجعية الإسلامية من كونه القوة السياسية الكبرى في البلاد، وجعلته يحتل المرتبة الثامنة في مجلس النواب (الغرفة الأولى).

المؤتمر الاستثنائي في 30 أكتوبر/كانون الأول 2021، عكس "واقع الانقسام" الذي انطلق من خلال طريقة إعفاء أمينه العام ورئيس الحكومة عبد الإله بنكيران عام 2017، قبل أن يعود في 2021 لـ"إصلاح أعطاب ".

هزيمة قاسية

"العدالة والتنمية تعرض لواحدة من أقسى النتائج الانتخابية، لم يتوقعها حتى أسوأ المتشائمين"، هكذا علق أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، مصطفى السحيمي، خلال ندوة عن "نتائج انتخابات 8 ديسمبر" بجامعة الرباط، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

هذا التعليق المختصر، لواحد من الأسماء المعروفة بقربها من مربع السلطة في المغرب، يعني أن الزلزال الذي ضرب حزب الإسلاميين المشاركين في الانتخابات، كانت آثاره "مدمرة بشكل عنيف وقاس".

الحزب الذي عبر أمينه العام، ورئيس الحكومة (حينها)، سعد الدين العثماني، عن مفاجأته في بلاغ تلاه في ساعة متأخرة من ليلة 8 ديسمبر/أيلول 2021، بأن ممثلي وزارة الداخلية المشرفة على الانتخابات "لم تسلم المحاضر لممثلي حزبه في مراكز الاقتراع، ما يعني عدم القدرة على التأكد من النتائج".

دقائق بعد هذا التصريح، أعلنت وزارة الداخلية نتائج الانتخابات، بشكل كامل، وأفضت إلى فقدان "العدالة والتنمية" (شعاره المصباح) أكثر من 100 نائب برلماني في الغرفة الأولى من البرلمان، حيث تقلص من فريق يضم 125 برلمانيا إلى مجموعة تضم 13 نائبا فقط.

كما تراجع الحزب عن تسيير أكثر من 300 مدينة متوسطة وكبيرة، وعشرات مجالس القرى، حيث كان يشرف على جميع المدن الكبرى في المغرب، باستثناء وجدة (شرق)، والعيون (في إقليم الصحراء)، ليصبح على رأس 10 جماعات قروية فقط.

صدمة هذه النتائج، أخرجت بنكيران عن صمته، حيث دعا في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إلى استقالة العثماني.

ونشر بنكيران على صفحته الموثقة في "فيسبوك"، رسالة قال فيها: "بعد اطلاعي على الهزيمة المؤلمة التي مُني بها حزبنا في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب، أرى أنه لا يليق بحزبنا في هذه الظروف الصعبة إلا أن يتحمل السيد الأمين العام مسؤوليته ويقدم استقالته من رئاسة الحزب".

وتابع: "سيكون نائبه ملزما بتحملها إلى أن يعقد المؤتمر في أقرب الآجال الممكنة، في أفق مواصلة الحزب تحمل مسؤوليته في خدمة الوطن من موقعه الجديد".

مقترح بنكيران سيتم رفضه داخل الأمانة العامة للحزب، التي قررت تقديم استقالة جماعية (وليس فقط العثماني)، دعت معه إلى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني للحزب (برلمان)، مع الدعوة لـ"مؤتمر استثنائي".

وقالت قيادة الحزب، في بيان، إنها "تتحمل كامل مسؤوليتها السياسية عن تدبيرها للمرحلة السابقة، وأن أعضاءها وفي مقدمتهم الأمين العام قدموا استقالتهم من الأمانة العامة مع استمرارها في تدبير شؤون الحزب".

كما دعت إلى "عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني في 18 أيلول/سبتمبر 2021، من أجل تقييم شامل للاستحقاقات الانتخابية واتخاذ القرارات المناسبة؛ كما دعت للتعجيل بعقد مؤتمر وطني استثنائي للحزب في أقرب وقت ممكن".

"تباعد" سياسي

دعوة الأمانة العامة المستقيلة للحزب، إلى عقد مؤتمر وطني استثنائي، اعتبرها عضو المجلس الوطني للحزب، ورئيس اللجنة المركزية لشبيبة الحزب، حسن حمورو، "واحدة من الأخطاء التي كادت تكلف الحزب غاليا".

وشرح حمورو في حديث مع "الاستقلال"، أسباب هذا الحكم، أنه "مهما كانت نتائج الانتخابات، كان الحزب سيعقد مؤتمره في ديسمبر/كانون الأول 2021، لذلك كان المطلوب فقط استقالة الأمين العام، وحده، لكن هذا الجواب المنطقي رفضته الأمانة العامة السابقة لاعتبارات غير مفهومة".

بالتوازي مع استعداد الاستحقاقات الداخلية للحزب، ظهرت بفعل الهزيمة دعوات إلى "مراجعة شاملة" لتصورات الحزب، واسمه شعاراته، وعلاقته بالمرجعية الإسلامية.

وفي هذا الإطار، نشر عضو المجلس الوطني للحزب، عبد الصمد سكال، ما يشبه المقال داخل مجموعات الحزب على تطبيق "واتساب"، اعتبر فيها أن "ما وقع للحزب أمر كبير، العمق يؤشر لنهاية مسار ومرحلة تمتد منذ ولوج الحركة الإسلامية إلى مجال العمل السياسي والمشاركة الانتخابية وليس فقط نهاية لولاية حكومية".

ومضى سكال يقول في مقاله الذي نشره موقع "lesiteinfo" المحلي، إن "الحزب يحتاج تفاكرا (مدارسة) جماعيا للقيام بعملية تشخيص إستراتيجي لهذا المسار، ولهذا الذي وقع مؤخرا (خسارة الانتخابات)".

وأضاف "نحاول الإجابة على أسئلة من قبيل: أي اختيار وخط سياسي للمرحلة المقبلة؟، وبأي أداة؟، حيث لا ينبغي استبعاد سؤال هل ما زال الحزب بشكله واسمه صالحا أم أن هناك حاجة لبناء شيء جديد؟"

وفي خضم هذه التساؤلات، نشر الصحفي مصطفى الفن، في 13 أيلول/سبتمبر 2021، تدوينة عبر حسابه على "فيسبوك" سجل فيها أن قيادي العدالة والتنمية، عزيز رباح، الوزير لعشر سنوات، يعمل عل تأسيسي حزب سياسي جديد.

وقال الفن: "علم كاتب هذه السطور أن قادة من البيجيدي (العدالة والتنمية) بزعامة عبد العزيز الرباح قطعوا أشواطا متقدمة في النقاش والمشاورات في أفق تأسيس حزب جديد بخط سياسي واحد لا مكان فيه للذين يضربون بالحجر أو الذين يطلقون النار على كل شيء يتحرك فوق الأرض..".

هذا الخبر سارع الوزير السابق إلى نفيه، حيث نشر عبر حسابه على موقع "فيسبوك"، قائلا: "أخبر الرأي العام أن خبر إقدامي على تأسيس حزب جديد لا أساس له من الصحة".

وتابع: "كما أؤكد أنني ككل قياديي وأعضاء الحزب منكب على العمل الجماعي من أجل التقييم والتقويم والتجديد بما يخدم الوطن أولا ودائما، وبما يعيد للحزب دوره في الحياة السياسية بقيادة جديدة وأولويات جديدة مناسبة للمرحلة وتحدياتها".

وبعده بأيام نشر موقع "مدار21" المحلي، خبرا مفاده أن الوزير رباح "يعمل على تأسيس شبكة من جمعيات المجتمع المدني، سيجعلها محطته الأولى من أجل تأسيس حزب سياسي جديد، بعد خروجه من العدالة والتنمية".

الوزير السابق الذي نفى الخبر الأول، لم يعلق على الخبر الثاني "لا سلبا ولا إيجابا".

حصاد الخمسة

الوضعية الحالية للحزب، يصفها عضو الأمانة العامة السابقة للحزب، محمد أمحجور، "نتيجة ما عاشه الحزب في السنوات الخمس الأخيرة من مشاكل".

وقال أمحجور في حديث مع "الاستقلال"، إن "حزب العدالة والتنمية عاش خلال الخمس سنوات الأخيرة تحت وطأة زلزال الإعفاء، وكانت أغلب ارتداداته داخل الحزب، فقد تفجرت داخله خلافات غير مسبوقة، أثرت على صورة الحزب في المجتمع، كما أسهمت في اضطراب التجربة الحكومية وعدم استواء السلوك والخطاب السياسيين لمسؤولي الحزب ومناضليه". 

واعترف بأن "الوضع تفاقم بتدبير ملفات حكومية صعبة، وهو ما هيأ الظروف للهزيمة القاسية التي تعرض لها الحزب في الانتخابات، وقد زاد من قسوتها السياقات التي جرت في إطارها الانتخابات وما تعلق بها من إستراتيجيات الفرملة والفَرْم (لم يوضحها) التي استهدفت الحزب".

واعتبر أمحجور أن "الجواب الأول الذي قدمه الحزب، كان تنظيميا حكمته ردة فعل نفسية ضد السحل والإهانة، بحيث تم استدعاء وانتخاب بنكيران (في 30 أكتوبر/كانون الأول 2021)، بكل ما يرمز إليه، أمينا عاما بأغلبية واسعة.. لكن هذه الإجابة التنظيمية/ النفسية وحدها في تقديري غير كافية".

وبخصوص المستقبل، قال إن "ما وقع يقتضي مساءلة عميقة ووجودية للحزب أولا من حيث المرجعية الإسلامية التي تحتاج إما إلى التخلي عنها والكف عن استدعائها، أو تحتاج إلى عملية إعادة إعمار حقيقية بعد الأضرار الكبيرة التي لحقت بها".

وتابع: "ثانيا إعمال مراجعة شاملة للمذهبية السياسية للحزب ولخطابه وسلوكه السياسيين، والدور الذي من الممكن أن يقوم به في نسق سياسي يبدو أننا نعاني من صعوبات بنيوية وانفصام حقيقي في التعامل معه والاشتغال في إطاره.

واستدرك أمحجور قائلا: "قناعتي أن الحزب قادر بما يتوفر عليه من خبرة وكفاءة يتمتع بهما كثير من مناضلاته ومناضليه، على إيجاد أجوبة جماعية لهذه الإشكالات".

وشدد عضو الأمانة العامة السابقة للمصباح، على أن "الأصعب في تدبير مستقبل الحزب في تقديري سيكون في القدرة على تدبير العلاقات البينية بين مكونات الطبقة الأولى لمسؤوليه وكذا كثير من مناضليه، وإعادة بنائها على أسس سليمة ومتينة، بعد ما تعرضت له من تشنجات وإساءات غير مسبوقة".

كما سيكون هناك "تحدي توفير الأجواء الملائمة لحوار حقيقي ومتحرر من كل الضغوط، ومنها على الخصوص كاريزما وقوة بنكيران التي ينبغي أن تكون مساعدة على عمق المراجعات وجودتها لا العكس".

هناك أمل

وخلص أمحجور إلى أن "حال حزب العدالة والتنمية مدعو إلى القيام بتمرين عسير متعدد الأبعاد والإكراهات.. فهل سينجح في ذلك؟ أتمنى ذلك من كل قلبي فالوطن مازال في حاجة إلى نخب سياسية حقيقية يغلب عليها الوطنية الصادقة".

ويتفق رئيس اللجنة المركزية لشبيبة الحزب، حمورو، جزئيا مع ما ذهب إليه أمحجور في أن المشاكل تراكمت في صفوف "المصباح"، خلال السنوات الخمس الأخيرة، ويذهب إلى أن "المؤتمر الاستثنائي الأخير قدم الجواب اللازم للخروج بالحزب من النفق المظلم الذي دخله منذ 2017".

وقال حمورو: "على الحزب اليوم أن يتوجه للمستقبل، لكن هذا لا يعني القفز على الماضي القريب ودروسه، والتي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم".

وأكد أن "العدالة والتنمية كان بحاجة لوقفة حقيقية مع نفسه منذ 2017 لكن القيادة السابقة كان لها رأي آخر، واليوم أيضا نقول إن أهم ورش ينبغي على الحزب العمل عليه هو الداخل الحزبي، وهذا لا يتأتى دون نقاش حقيقي ومفتوح أمام الجميع".

وأفاد حمورو بأن "الحزب تعرض لسلسلة من الهزات الداخلية غير المنتظرة، وغير الطبيعية، مهدت بشكل كبير لهذه الهزيمة القاسية، وبالتالي علينا الانتباه إليها وعدم تكرار أخطاء الماضي".

وشدد على أن "أعضاء المؤتمر الأخير قاموا بواجبهم، وذلك بوقف المسار السابق للحزب، وأعادوه إلى الطريق الذي يعتقدون صوابه (انتخاب بنكيران)، وبالتالي فالمتبقي ليس عليهم بل على القيادة الجديدة التي يتعين عليها حماية هذا الأمل الذي صنعه المؤتمرون".

وخلص حمورو إلى التأكيد على أن "حماية أمل مناضلي الحزب البسطاء هو الرهان الذي على قيادة الحزب الجديدة كسبه، فهي المنطلق إلى إعادة بناء خريطة أفكار الحزب وعلاقاته".