يدفن رأسه.. هكذا يساهم السيسي في نشر الجرائم بين المصريين ويمنع تصويرها

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"الشعوب المقهورة تسوء أخلاقها"، هكذا سطر مؤسس علم الاجتماع المسلم عبدالرحمن بن خلدون (1332 - 1406م)، هذه القاعدة في مقدمته الشهيرة، ليؤكد أن هذا مصير كل أمة وقعت شعوبها في قبضة قهر الحاكم ونال منها عسف الأنظمة.

مقولة ابن خلدون قد تنطبق على ما يحدث بالمجتمع المصري خلال حقبة النظام العسكري الذي يحكم بالحديد والنار منذ منتصف 2013.

ويواصل نظام عبدالفتاح السيسي البطش بالمصريين واستخدام القوة المفرطة ضدهم حتى نشر البلطجة بينهم بعد أن كان يصنف علم الاجتماع هذا الشعب على أنه "متدين بطبعه".

وشهدت مصر خلال نحو أسبوع جرائم مروعة؛ كان أكثرها فجاجة وفجاعة وصدى إعلاميا قطع شاب رأس آخر وسط الشارع في وضح النهار، بمدينة الإسماعيلية (شرق) في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، دون أن يتدخل المارة لمنعه، أو تصل قوات الأمن لإنهاء الجريمة.

توجه مريب

ومع ما أحدثته الجريمة وما تبعها من جرائم مماثلة خلال أيام من صدمة بين المصريين، فإن البرلمان المصري واجه مشكلة البلطجة والعنف وانتشار الجرائم الأسرية تلك بتحرك عاجل لتغليظ عقوبة مصوريها.

في اليوم التالي للجريمة 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قدمت عضو لجنة الثقافة والإعلام بمجلس النواب داليا السعدني، طلب إحاطة تطالب بتغليظ عقوبة تصوير الجرائم البشعة بالشوارع والأماكن العامة، ونشرها بمواقع التواصل الاجتماعي.

النائبة دعت إلى مراجعة وتعديل المواد الخاصة بجرائم النشر في قانون العقوبات، (102) و(171) حتى (191)، مؤكدة أنه جار التقدم بدراسة لتعديل قانون العقوبات بهذا الشأن.

هذا التوجه من البرلمان الذي يعرف عنه تمرير القوانين التي يرغبها النظام وتخدم سياساته؛ أثار موجة استياء كبيرة خاصة وأن المقترح يتجاهل أسباب تفشي ظواهر العنف والبلطجة والجرائم الأسرية ولم يطالب بدراستها وعلاج آثارها.

وانتقد السفير المصري السابق محمد مرسي، التحرك البرلماني لتغليظ عقوبة تصوير الجرائم العنيفة بعد حادثة قطع رأس رجل بالإسماعيلية، متسائلا: "ما هذا العبث والجنون؟ أهكذا تعالج مثل هذه المصائب؟"

وأضاف عبر صفحته بـ"فيسبوك": "كنت أتوقع أن ينتفض البرلمان لبحث جذور ومسببات مظاهر العنف والجريمة في مجتمعنا والعمل على معالجتها، وليس محاولة التستر عليها".

وتساءل مجددا: "كيف لنا أن نغمض أعيننا أو نستريح وهؤلاء وأمثالهم يقودون مسيرة الوطن؟"

ويأتي توجه البرلمان لمعاقبة مصوري الجرائم أو نشرها على غرار قرارات سابقة للنظام المصري تمنع التصوير أهمها إثارة وجدلا جاء في نسخة البرلمان الحالي نفسه بشقيه "النواب" و"الشيوخ" مع افتتاح أولى جلساتهما يناير/كانون الثاني 2021.

وكذلك منع السلطات دخول المواطنين والمحامين لأقسام الشرطة وبحوزتهم الهواتف المحمولة وكذلك منع التصوير في أي جهة تابعة لوزارة الداخلية.

وفي ظل تفاقم أزمة فيروس كورونا ونقص "الأكسجين" بمستشفيات العزل في مصر ووفاة الكثير من المصريين؛ قررت وزارة الصحة وهيئة التأمين الصحي 6 يناير/كانون الثاني 2021، حظر وتجريم التصوير بالمستشفيات والمنشآت التابعة لهما.

وأقر مجلس النواب وبصفة نهائية 23 مايو/أيار 2021، مشروع قانون منع تصوير جلسات المحاكمات الجنائية ووضع غرامة بلغت 330 ألف جنيه للمخالفين.

ومع دخول الفصل الدراسي (2021- 2022)، وظهور عدد كبير من المدارس الحكومية بصورة سيئة، قررت وزارة التعليم منع وتجريم التصوير فيها، بل منع دخول أولياء الأمور تحسبا لكشف أي مخالفات أو قصور.

وفي تعليقه على ذلك التوجه، قال مدير مركز "طيبة للدراسات" خالد رفعت صالح: "هؤلاء كالنعام يدفنون رؤوسهم في الرمال، ولا يحلون أي مشكلة، فهم لا يدركون أن كل هذا الاضمحلال الشامل هو ما قبيل نهاية عصر، وأن الفجر قادم بلا شك".

الأمر لم يخل من سخرية المصريين إذ كتب البعض: "تحيا جمهورية منع التصوير العربية".

جرائم مروعة

ولا يكاد يفيق المصريون من آثار جريمة مروعة حتى تقع أخريات أشد منها قسوة وعنفا، ولأن أغلبها جرائم أسرية فإن هذا يزيد المشهد المصري تعقيدا وتأزما. ورصدت "الاستقلال" بعض تلك الجرائم لعدة أيام.

ففي 27 أكتوبر/تشرين الأول 2021، تجرد ابن من مشاعر الإنسانية وقتل والدته التسعينية وفصل رأسها عن جسدها، ثم جردها من ملابسها وألقى بها في مصرف زراعي وأبلغ عن اختفائها، بقرية الطويلة مركز الرحمانية بالبحيرة (غرب الدلتا).

30 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وقعت مشاجرة بين طلاب بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية أسفرت عن اعتداء دام بسكين في رقبة أحد الطلاب.

31 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ضُبط أب حبس نجلته ثلاث سنوات بمنزل مهجور بقرية كوم النور مركز ميت غمر بمحافظة الدقهلية (وسط الدلتا).

مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قتلت فتاة والدها بمشاركة خطيبها بحلوان في القاهرة، بدس أقراص مخدرة له بالطعام ثم كتما أنفاسه وألقيا جثته بالقمامة.

أيضا قتل طلاب زميلا لهم وهو طالب بالصف الأول الثانوي بمدينة كفر الشيخ (شمال الدلتا).

في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني 2021، شهدت مصر جريمة احتجاز مواطن 12 من أسرته بمنزله في خط الفيوم، تحت تهديد السلاح 48 ساعة، ثم قتل حماته وزوجته، فيما نجحت قوات الأمن بتحرير الرهائن وإصابة المتهم بطلق ناري.

وأضرم عامل النار في نجل شقيقه بالقاهرة، لخلاف على 20 جنيها (دولار وربع)، فيما طعن عاطل سيدة في رقبتها، بمحرم بك في الإسكندرية، كما جرى العثور على جثة في كرداسة بالجيزة، مذبوحة من الرقبة، وبها 4 طعنات.

3 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، ألقى زوج مياه النار على وجه زوجته ووالديها وشقيقتها، بمحافظة كفر الشيخ.

أما 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، فشهد عدة جرائم مروعة أخرى، إذ استيقظت منطقة الحضرة بالإسكندرية، على جريمة ذبح ابن لأبيه وأمه داخل شقتهم، كما حطم زوج رأس زوجته بشومة (عصا غليظة) في قرية بحر أبو المير بالفيوم فأرداها قتيلة.

وقتل طالب زميله بزجاجة تسببت بجرح ذبحي في الرقبة بكفر الشيخ، فيما أشعل أخ النار بشقيقته بسبب خلافات على الميراث بمحافظة الدقهلية، كما مزق طالب زميله بكتر داخل جامعة المنصورة (وسط الدلتا).

وشهدت قرية ابن العاص بمركز كفر صقر بالشرقية، ربط أبناء عمومة لابن عمهم بجرار زراعي بالجنازير وسحله وجره بشوارع القرية، فيما أنهى خياط حياة شقيقه الأصغر بإشعال النيران بجسده بمنطقة الطالبية بالجيزة.

5 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، حبست النيابة مهندسا قتل نجل شقيقه وذبح والدته وأصاب والده وشقيقيه وأخت الطفل القتيل بمركز كفر الدوار بالبحيرة.

وبدوره، عبر الأكاديمي والناشط عادل دوبان، عن مدى انزعاجه من تفشي جرائم العنف ومظاهر البلطجة بالشارع في غياب تام للوجود الأمني.

وأشار عبر "فيسبوك"، إلى أن شيوع ظاهرة البلطجة سببه الأساسي، انتشار تعاطي أنواع مختلفة من المخدرات، فضلا عن ابتعاد بعض الناس عن الدين.

وطالب بـ"مراجعة شاملة للخطط الأمنية لمواجهة ظاهرة جرائم العنف والبلطجة"، داعيا "الشرطة لتوجيه إمكانياتها للأمن العام وضبط الشارع".

وأكد أن الاهتمام بأمن الوطن والأمن السياسي مطلوب للحفاظ على الاستقرار.

ووفق تصنيف قاعدة البيانات العالمية "نامبيو"، منتصف 2021، والخاصة بتصنيف الدول حسب معدلات الجريمة، جاءت مصر بالمركز 59 عالميا والـ18 إفريقيا والثالثة عربيا. 

وبحسب رصد لموقع "بوابة الأهرام"، الحكومي 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021، ارتفعت معدلات جريمة القتل بالقاهرة الكبرى 10 بالمئة في سبتمبر/أيلول 2021، مقارنة بالشهر نفسه من 2020.

مجتمع الخوف

وفي رؤيته لأسباب لجوء النظام إلى منع التصوير وتجريم النشر بدلا من محاربة ظاهرة العنف والبلطجة والجرائم الأسرية، يقول الكاتب الصحفي أحمد حسن بكر: "هو يعلم أن سياساته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، والأمنية، مسؤولة عما يشهده الشارع المصري من عنف وبلطجة، وجرائم نفس غير مسبوقة".

ويضيف لـ"الاستقلال": "لذا يريد التعتيم، بل وبث الروع والخوف في نفوس من يحاول كشف سوأته".

وتساءل: "ماذا نتوقع من مجتمع جفف منابع دينه تحت مسمى كاذب (تجديد الخطاب الديني)؟ حتى غابت القدوة، وغاب دور الدين، وماذا ننتظر من مجتمع نطالب مواطنيه بمراجعة عقيدته الدينية في جرأة غير مسبوقة؟"

"مجتمع أصبحت فيه تجارة المخدرات التخليقية المدمرة للعقل، والدافعة لارتكاب أقصى وأبشع الجرائم؛ وظيفة من لا وظيفة له من الصبية والشباب بكل مكان على أرض مصر"، يؤكد بكر.

ويعود للتساؤل: "ماذا نتوقع من مجتمع سيطرت عليه أفلام العنف والبلطجة تحت سمع وبصر أجهزة الدولة كافة؟ مجتمع زاد فيه الفقر والبطالة لمستويات غير مسبوقة بين الشباب، فضاق الناس فيه من العيش لضيق الرزق، وأصبح الشباب يعيش بلا أمل ولا عمل" .

وتابع أن "المجتمع اغتالت فيه الدولة حرية التعبير والنشر، وزجت بكل من يقول لا، أو نعم في غياهب السجون، ثم ماذا ننتظر من مجتمع تتفاخر فيه الدولة ببناء السجون شديدة التحصين؟، في حين لم تبن منذ عقد مصنعا، ولا مستشفى، ولا جامعة".

ويواصل الكاتب المصري: "وماذا ننتظر من مجتمع احتكرت فيه جهة واحدة كل شيء بالوطن؟، حيث تُهدم فيه المصانع والشركات بلا سبب مفهوم لبناء عمارات سكنية ما زالت خاوية لارتفاع أسعارها إلى مبالغ فلكية".

ورأى أن المجتمع المصري "سيطر فيه اليأس والخوف والغضب على الناس، فماذا ننتظر من مجتمع تتجاهل فيه الدولة أمنه الجنائي والاجتماعي لصالح أمن النظام السياسي؟"

وتساءل: "وماذا ننتظر من مجتمع يرى شريان حياته المائي يقطع، ومستقبله أصبح في خطر، وحكومته تتفرج؟" 

ويتابع: "ماذا ننتظر من مجتمع أفقره ارتفاع الأسعار، والضرائب والجباية غير المبررة، فتحول إلى الفقر؟، مجتمع زاد فيه الطلاق، وتأخر سن الزواج بسبب عدم وجود فرص عمل".

ويوضح بكر، أنه "بسبب كل ما سبق يشهد المجتمع المصري ما يشهده من عنف وبلطجة وقتل، وجرائم نفس مجتمعية وأسرية" .

"ولكل ما سبق أيضا يشعر النظام الحاكم بالخطر من نشر فيديوهات الجرائم والبلطجة التي أصبحت عنوانا للمجتمع والشارع المصري، لأنه يعلم أن النشر على نطاق واسع يمكن أن يدفع المجتمع لثورة على سياساته التي تفتقر لفقه الأولويات" .

ويضيف: "لذا دفع بالنائبة في مجلس النواب داليا السعدني لطلب إحاطة لتغليظ عقوبة نشر تلك الفيديوهات، ومراجعة مواد جرائم النشر في قانون العقوبات أرقام 102، 171 ، 191".

ويلفت إلى أن "النائبة بعد أن تعرضت لانتقادات كثيرة قالت إنها لا تطالب بمنع تصوير الجرائم، وإنما بتجريم النشر".

ويؤكد الكاتب المصري أن "التصوير والنشر يعدان توثيقا، بل عوامل مساعدة لأجهزة الأمن والتحقيق لإنجاز العدالة؛ لكن هكذا يفكر النظام دائما بإصلاح أخطائه بأخطاء أشد".

ويلمح إلى أنه "بدلا من تشخيص أسباب الخلل الذي أصاب المجتمع المصري، وأفرز العنف والبلطجة والقتل، نجده يضيف عوامل جديدة تشجع على البلطجة، بتجريم تصوير ونشر تلك الجرائم" .

ويعتقد بكر أن "تصوير ونشر تلك الجرائم على منصات التواصل الاجتماعي بمثابة جرس إنذار لإيقاظ المجتمع قبل فوات الأوان، وأيضا كبديل للصحافة التي تم تأميم حريتها وحرية صحفييها، ومنعها من تأدية دورها بصيانة أمن المجتمع" .

ويرى أنه "لو استمر هذا الخلل بالمجتمع ستزيد تلك الجرائم، وحتما سيفقد النظام الحاكم قدرته على السيطرة، حتى لو زاد ألف مرة من قبضته الحديدية، وفي هذه الحالة سينتفض المجتمع ثائرا على النظام لتغييره، حتى يحافظ على أمنه وسلمه وأمانه" .

وينهي حديثه بالقول: "هناك علاقة طردية بين ازدياد العنف والبلطجة والقتل وجرائم النفس الأسرية والمجتمعية، وبين زيادة البطالة والفقر، وتحييد دور الدين، وانعدام الحريات، والظلم، وغياب دور الأمن الجنائي والاجتماعي لحساب الأمن السياسي، وسينما العنف والبلطجة والابتذال".