داود رحماني.. مدير سجن إيراني تحول من حداد إلى صانع توابيت تعذيب

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"سفاح وصانع توابيت التعذيب" هكذا وصف سجناء سياسيون ومعارضون إيرانيون، داود رحماني، رجل الأمن الإيراني ومدير سجن "غزل حصار" خلال مرحلة الثمانينيات من القرن العشرين، الذي أعلنت طهران وفاته في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

جاء في إعلان تعزية السلطات بخصوص وفاة "الحاج" داود رحماني عن 76 عاما، أنه دُفن بمقبرة "بهشت زهراء" في طهران، حيث جرى وصفه في التعزية بأنه "مظهر من مظاهر الأخلاق الحميدة والطيبة" على عكس ما يسرده المعارضون من تاريخه المرتبط بتعذيب السجناء.

حداد قديم

داود رحماني ولد عام 1945 في الحي التقليدي، سراسياب دولاب، بالعاصمة طهران، وكان قبل "ثورة عام 1979" رجلا من عامة الناس لا يمارس أي نشاط سياسي، وإنما مهنته الحدادة.

سعى داود منذ صغره بسبب فقر الأسرة المالي إلى تعلم صناعة الأبواب والنوافذ الحديدية، وتوقف تعليمه في المرحلة الابتدائية.

 فمن حيث الأصول الفكرية والقاعدة الطبقية، فهو لم يكن متدينا وليس قريبا من حلفاء النظام التقليديين والمتدينين، وهذا ما اعترف به بنفسه وأصر دائما على أن "الثورة الإسلامية" أنقذته من هاوية الدمار وقادته إلى النجاة.

وبعد الثورة بعامين فقط، تولى إدارة أحد أكبر السجون في إيران وهو سجن غزل حصار، وتحديدا من 1981 إلى 1984 في إيران، ورافقه في هذه الرحلة زوجته وشقيقه.

كما سكن رحماني مع عائلته في هذا السجن، حيث كانت زوجته تقيم الصلاة أحيانا في عنابر النساء العامة.

وارتبط اسم داود رحماني، بأكثر عمليات التعذيب والعنف اللاإنسانية ضد السجناء السياسيين، حيث كان يسعى لإعادة أجواء وصمت المقبرة في قاعة "التابوت" للسجناء من الرجال والنساء.

كان يعرف لغة "القوة" فقط ولا يدري كيف يتعامل مع أي شيء بغير القمع الجسدي، وحاول استخدام أقصى درجات العنف الوحشي، وكذلك الضغط الأيديولوجي والسياسي.

وقد وصفه بعض السجناء السياسيين بأنه مخترع أو مرتكب بعض أشكال التعذيب، ومنها: "القبر، التابوت، القيامة، القفص، والصندوق"، وكانت هذه الطرق فريدة من نوعها في شكل ونطاق الإعدام.

وفي هذا التعذيب، كان السجين محصورا بين مترين من اللوح بطول حوالي 80 سم، وعرض وارتفاع 40 سم، ومعصوب العينين، ويضطر إلى الجلوس في ذلك المكان المحصور لفترة طويلة دون أي حركة أو اتصال مع السجناء الآخرين.

وقال بعض السجناء السابقين أيضا إنهم، بناء على أوامره، احتجزوا في المرافق الصحية لأشهر عدة دون الاتصال بزملائهم الآخرين.

كما كان يكن عداوة ومعاملة شرسة ضد السجينات، وخاصة النساء اللواتي من يناصرن منظمة "مجاهدي خلق"، حسبما ذكرت الأخيرة على موقعها في 20 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

شهادات ضحايا

روى عدد من المعتقلين السياسيين وذويهم في الثمانينيات ما فعله من تعذيب للسجناء وعرفوه بأنه أحد صناع "توابيت التعذيب".

ذكر الباحث والمخرج الوثائقي حسين دهباشي، على "تويتر" في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن "الوثائق القليلة المتوفرة" حول هذه الفترة "تزعج نفسية كل إنسان".

وقالت الناشطة شوكوفيه ساخي (دخلت التابوت بعمر 19 عاما) إن "داود كان يأخذ زمام المبادرة. التقط الألواح الخشبية ووضعها على الأرض.

وفي غرفة كبيرة بجوار الحائط صنع غرفة، كان أحد جوانبها جدارا، والوجهان الآخران عبارة عن ألواح خشبية يتراوح قياسها بين 90 سم ومترين، وكان الجانب الرابع خلف السجين، وكان مفتوحا مواجها للغرفة من الداخل و"لم تكن هناك أسرة".

وأضافت خلال تصريحات صحفية 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أنه "طوال الوقت الذي تكون فيه في هذه التوابيت، ليس فقط أنك انفصلت عن الحشد (الناس)، وقد أصبحت إنسانا وحيدا، ولكن لأنك مقيد بجميع حواسك الخمس، فأنت في موقف تآكل للغاية حيث الروح وكينونتك تنهاران ببطء.

وتابعت: "تخيل أنك إذا طهيت طعامك في قدر لمدة ساعة، فإنك تطبخ نفس الطعام في الميكروويف لمدة عشر دقائق".

وكتب الناشط في مجال حقوق الأطفال حامد فارماند، على "تويتر" في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "استغرق الأمر عشرين عاما حتى أرى أمي تموت ليلا خلال الأشهر التسعة التي مُنعنا فيها من رؤيتها. نكات تلاميذ المدرسة الابتدائية أزعجتني، وأصبت بالحمى في الشتاء والصيف حتى دخلت المستشفى.

وتابع: "كانت الأم في الأسر في قبور الحاج داود رحماني".

نجا من المحاكمة

وخلال أنباء وفاة داود رحماني التي انتشرت على نطاق واسع في مواقع التواصل الاجتماعي، عبر معظم المستخدمين عن أسفهم على وفاته قبل محاكمته وإصدار حكم عليه في محاكمة عادلة.

وكتب الناشط قاسم محمدي على "تويتر" في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "توفي داود رحماني رئيس سجن غزل حصار بطهران والذي اشتهر بين السجناء السياسيين لتعذيبه في السجن. كان منشئ التعذيب أو القيامة. في هذا العالم الذي لم يحاكم. الله يدينه في ذلك العالم".

وعلق السجين السابق بارفانيه عارف، على "تويتر" قائلا: "لا أعرف ما إذا كانت أنباء وفاته وصورة تعزيه صحيحة أم لا. لا يهم. من خلال تكرار اسمه مرارا وتكرارا طوال تلك الأشهر، والجلوس في التوابيت، والضرب والإذلال، فإن صوت أحذية الجيش ينبض بالحياة. هو مات. لكن ذكرياتنا عن كل جرائمه تنتقل من جيل إلى جيل".

وكذلك، قال السجين السياسي لإراج المسداقي، إن "داود رحماني، الذي كان حدادا، انضم إلى اللجنة الثورية بعد الثورة وأصبح مديرا لسجن غزل حصار بعد لقائه رئيس منظمة سجون طهران آنذاك أسد الله اللاجوردي. ثم جرى فصله في صيف عام 1983".

وأثار وصف السلطات الإيرانية أثناء إعلان وفاة داود رحماني بأنه "مظهر من مظاهر الأخلاق والعطف" ردود فعل كثيرة.

وكتب الناشط الإيراني مصطفى عزيزي على "تويتر" في 21 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 قائلا: "انظروا إلى هذا الوجه الرحيم كأنه حارس الجنة، لكن يبدو أنه الحاج داود جلاد الشهير في الثمانينيات. من صنع التوابيت ووضع الأسرى فيها، فلا تنخدع بالوجوه ولا ننسى أنه حسب الأساطير كان الشيطان أيضا ملاكا! "ليس كل الجلادين قبيحين".

خلال فترة رئاسته، وخاصة في النصف الثاني من عام 1982، نادرا ما تم الإفراج عن شخص من "غزل حصار" دون التعاون مع مسؤولي السجن وكتابة التقارير ضد السجناء الآخرين وإجراء المقابلات والاعترافات.

خلال هذه الفترة، كان التائبون في السجن مسؤولين عن الأجنحة، وكان لديهم قوة أكبر من حارس السجن، وفق قوله.