أبو الحسن بني صدر.. أول رئيس بعد ثورة إيران يرحل معارضا للشاه والفقيه

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد مسار حافل من معارضة نظامي الشاه محمد رضا بهلوي، وروح الله الخميني، وقليل من الحكم في إيران، رحل أول رئيس للبلاد بعد "الثورة الإسلامية" عام 1979، أبو الحسن بني صدر.

في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2021، أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية "إرنا"، وفاة بني صدر في مستشفى بيتيه-سالبتريير بالعاصمة الفرنسية باريس، بعد معاناة طويلة مع المرض، عن عمر ناهز الـ88 عاما.

وبني صدر، جرى تعيينه في يناير/كانون الثاني 1980، أول رئيس لإيران بعد انتصار "الثورة الإسلامية"، لكونه من المقربين لقائدها الخميني آنذاك، قبل أن يدب الخلاف سريعا مع الأخير ويصبح أبرز رموز المعارضة في المنفى. 

النشأة والصعود

ولد أبو الحسن بني صدر في 22 مارس/آذار 1933 بمدينة همدان غرب إيران لعائلة ملتزمة دينيا، وتزوج عام 1962 من عذرا حسیني وله منها بنتان وولد، وعرف من البداية دفاعه عن الحرية والديموقراطية ومناداته بإسلام ليبرالي.

دخل بني صدر مبكرا المعترك السياسي منذ أن كان طالبا، في سن 17 عاما، ومثل طلاب كلية الحقوق بجامعة طهران في مؤتمر الجبهة الوطنية الإيرانية عام 1963، وشغل منصب مسؤول منظمة طلاب "الجبهة الوطنية" في الجامعة نفسها.

وبعد دراسة علوم الدين والاقتصاد والاجتماع، أصبح بني صدر من أشد المعارضين لنظام الشاه، وكان مطلوبا من الشرطة واضطر لمغادرة إيران عام 1963 فانتقل إلى باريس، ومنذ العام 1970 دعا إلى اتحاد المعارضة حول الخميني، ثم نفي إلى العراق.

كانت حياة الرئيس الإيراني الأسبق سريعة التحول، إذ لم تدم فترة حكمه 17 شهرا بدعم من رجل الدين الشيعي الخميني الذي كان من دائرته الضيقة وبلغها حينما لزم الخميني إثر انتقال الأخير إلى فرنسا في أكتوبر/تشرين الأول 1978، لدرجة أن بني صدر وصف الخميني بأنه كان بمثابة "أب عزيز" له.

هذه العلاقة المتينة التي تنامت في المنفى، دفعت الخميني بوصفه زعيم الثورة، لأن يختار بني صدر من بين العائدين معه من باريس إلى طهران، على متن طائرة فرنسية حيث كانت جموع غفيرة من الإيرانيين في استقباله مطلع فبراير/شباط 1979 بعد  تخلي الشاه محمد رضا بهلوي عن السلطة في 16 يناير/كانون الثاني 1979 ومغادرته إلى مصر.

ومنذ عام 1975 بدأ الخميني من العراق منفاه الأول بث رسائل صوتية تحرض على حكم "شاه" إيران، قبل أن ينتقل لمنفاه الثاني فرنسا.

وكانت تلك الرسائل بمثابة محرك لمعارضي "الشاه" في الداخل وتأليب الشعب عليه، إلى أن خرجت مظاهرات 9 يناير/كانون الثاني 1978 وانهار على إثرها حكم الشاه الحليف القوي للولايات المتحدة، بعدما عجز عن السيطرة على الشارع.

الرئيس الأول

تسلم بني صدر منصب رئيس إيران من 5 فبراير/شباط 1980 إلى 20 يونيو/حزيران 1981، في ظل النظام الجديد عقب الثورة بعدما جرت "الانتخابات الرئاسية الأولى" عام 1980 وفاز بني صدر بنسبة وصلت إلى 67.86 بالمئة.

إلا أن حكم الرجل كان كـ"ضرمة نار"، إذ خلع من منصبه بعد أن دبت خلافات مع الخميني وأقطاب دائرته الضيقة، ما دفع بني صدر لمغادرة البلاد والعودة إلى باريس في 1981 وواصل حياته فيها حتى وفاته.

تقلد "بني صدر" مناصب عدة في الجمهورية الوليدة، إذ جرى تعيينه بداية وزيرا للاقتصاد ثم تولى منصب وزير الشؤون الخارجية بشكل مؤقت، وعقب تنصيبه رئيسا، عينه صديقه الخميني في 7 فبراير/شباط من العام المذكور رئيسا لمجلس الثورة، إلا أن تصاعد الخلافات دفعت مجلس الشورى في 21 يونيو/حزيران 1981 لإعلان تنحيته من الرئاسة لعدم "الأهلية السياسية".

وواجه بني صدر تحديات كبيرة منذ بداية ولايته، من أزمة اقتحام السفارة الأميركية في طهران واحتجاز الرهائن، وصولا إلى الحرب العراقية-الإيرانية التي اندلعت في عام توليه الحكم، فضلا عن الأوضاع الاقتصادية للبلاد.

وأعاد بني صدر، الذي كان القائد العام للقوات المسلحة بين 19 شباط/فبراير 1980 و10 حزيران/يونيو 1981، تنظيم الجيش وأمضى معظم وقته على جبهة الحرب مع العراق.

لم يكن أمام بني صدر الذي تحولت سلطته في لحظة إلى كتلة من العداء بين رفقاء الأمس، سوى اختيار اللجوء إلى فرنسا مرة أخرى، بعدما نجح في مغادرة إيران متخفيا في طائرة عسكرية جرى تحويل مسارها من قبل أحد مناصريه، وبعيد وصوله إلى فرنسا منح اللجوء السياسي هناك.

بعد الاستقرار في فرنسا، قرر بني صدر خوض المعارضة السياسية ضد صديقه الخميني، ليؤسس في أغسطس/آب 1980 "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" بالتعاون مع معارض آخر رافقه في رحلة المنفى هو مسعود رجوي، زعيم منظمة "مجاهدي خلق" التي تصنفها طهران "إرهابية"، لكن بني صدر أنهى ارتباطه بالمجلس ورجوي.

وتأسست "مجاهدي خلق" عام 1965 بهدف الإطاحة بنظام "الشاه بهلوي"، ثم نظام "الولي الفقيه" الذي حاربها ونفذ الإعدام بحق أكثر من 30 ألفا من عناصرها عام 1988.

وفي 1995، أدرجت واشنطن "مجاهدي خلق" على لائحتها السوداء الخاصة بالإرهاب، حين كانت المنظمة لا تزال تتخذ من العراق قاعدة أساسية لأنشطتها المسلحة ضد الحكومة الإيرانية، قبل أن تشطبها من تلك القائمة في 29 سبتمبر/أيلول 2012.

معاداة الخميني

عد كثير من المراقبين أن الخلاف بين الخميني وبني صدر كان خلافا بين رجل دين وآخر سياسي، إلا أن ذاك السياسي بقي يعض على اسم الخميني كلما ذكره.

وفي مقابلة مع بني صدر أجرتها معه "رويترز" عام 2019، شن هجوما لاذعا على الخميني رغم رمزيته الكبيرة في إيران ولدى عموم أتباعه من الشيعة في العالم والذين يعتبرونه الأب الروحي لهم، حينها قال إن "الخميني خان مبادئ الثورة بعدما وصل إلى السلطة عام 1979 تاركا شعورا بالمرارة الشديدة لدى بعض من عادوا معه منتصرين إلى طهران".

وخلال المقابلة عاد بالذاكرة 40 عاما واعترف بكل شفافية أنه كان حينها على قناعة بأن ما تسمى "الثورة الإسلامية" ستمهد الطريق نحو الديمقراطية وحقوق الإنسان بعد سقوط حكم الشاه، وبين ذلك بقوله: "كنا على يقين أن هناك التزاما قاطعا من زعيم ديني، وأن كل هذه المبادئ ستتحقق لأول مرة في تاريخنا".

وعندما عارض بني صدر الخميني، كان يستقوي بمنظمة "مجاهدي خلق" التي كانت مسلحة ومستعدة لخوض حرب شوارع.

وأكدت مصادر إعلامية أن الخميني اتهم بني صدر بضعف الأداء في قيادة القوات الإيرانية في الحرب مع العراق عام 1980، وأن عزله جاء نتيجة معارضته لاستمرار تلك الحرب، وآخرون قالوا إن بني صدر وجهت له تهمة التقارب مع جماعة معارضة لـ"الجمهورية الإسلامية".

وينظر إلى أن الخميني غدر بعدد ممن عادوا معه من منفاه الذي استمر عقدا ونصفا، ليتفرد بالسلطة، وعلى رأسهم بني صدر المتحمس للثورة الإيرانية؛ لكنه وقع عليه قول القائل: "عادة ما تأكل الثورات أبناءها".

واكتفت عائلة أبو الحسن بالقول إن بني صدر "دافع عن الحرية في وجه الاستبداد والقمع الجديد باسم الدين".

ونوه باكنجاد جمال الدين وهو مساعد أبو الحسن، إلى أن أسرته ترغب بدفنه في ضاحية فرساي بباريس التي عاش فيها خلال منفاه، وفق ما نقلت وكالة "رويترز".

أفكار ومبادئ

كان بني صدر يؤمن بأن يسود إيران "نظام اجتماعي مفتوح لا تقوم العلاقات فيه على القوة والهيمنة وإنما على الحقوق التي يضمنها ويمارسها الشعب".

وهذا ما دعاه للوقوف إلى جانب الخميني الذي خيب ظنه بعد توليه السلطة، وفق ما ذكر في حوار أجرته معه صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في فبراير/شباط 2019 عن الإرهاصات الأولى لثورة 1979، وبين أن الخميني سعى لإنشاء سلطة استبدادية من خلال الحكم "الثيوقراطي" (حكم رجال الدين).

وبقي بني صدر مؤمنا أن الشعب الإيراني سينتفض ضد هذا النظام، ويقيم "جمهورية المواطنين"، واتهم الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بأنه "يؤدي دور المتآمر على الشعب الإيراني مع ورثة الخميني"، وفق ما نقلت الصحيفة.

وفي مقابلة مع صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية في 7 فبراير/شباط 2019، أوضح الرئيس الإيراني الأسبق أن النظام الحالي في البلاد "أكثر فسادا وديكتاتورية من نظام الشاه، وهو يتلطى بالدين لإضفاء الشرعية على نفسه وخصوصا لتبرير القمع والظلم".

وعدد بني صدر 12 سببا لعده خائنا من قبل برلمان الخميني آنذاك، بقوله لـ"الشرق الأوسط"، منها "عدم أهليتي لأن أكون رئيسا أنني أدافع عن حقوق الإنسان ومدافع عن الديمقراطية، ولأنني أعارض عمليات الإعدام وضد المحاكم الثورية وحراس الثورة، ولأنني من أنصار خط مصدق (استقلال وحرية)، كانت هذه بنظرهم جرائم تبرر اعتباري خائنا للوطن".

وأكد أن مجموعة رجوي، زعيم "مجاهدي خلق"، هي التي حضرت خروجه من إيران، عبر طائرة "بوينغ 707" عسكرية مخصصة لتزويد مقاتلات "إف14" بالوقود، حيث هبطت الطائرة في مطار فيلاكوبليه العسكري الواقع جنوب باريس، نافيا أن تكون السلطات الفرنسية أو مخابراتها كانت حينئذ على علم بفراره من البلاد.

في العام 1989، وبمناسبة الذكرى العاشرة لـ"الثورة الإسلامية" وإطاحة الشاه، أصدر أبو الحسن بني صدر كتابا عنوانه "مؤامرة آيات الله".

وفي العام 1996 بالعاصمة الألمانية برلين، ثم في 2001 بباريس، أدلى بشهادته تحت حراسة مشددة في محاكمات تتناول مقتل معارضين، متهما "نظام الولي الفقيه" بالمسؤولية.

وبقي الرئيس الأسبق حتى وفاته، يتابع من المنفى عن كثب تطورات بلاده، وينتقد بانتظام المرشد الحالي علي خامنئي والاتفاق النووي الدولي المبرم بين بلاده في فيينا عام 2015، معتبرا أنه"استسلام للولايات المتحدة".

وظل بني صدر متمسكا لآخر حياته بأنه هو البديل عن النظام الإيراني الراهن، لكونه يقاتل من أجل أهداف الثورة والوصول إلى دولة القانون.

وتحدث بني صدر في كتابه "خيانة الثورة"، كما يقول عن 12 خطأ ارتكبه، أولها الثقة العمياء بالخميني، الذي قال له بعد عودته إلى طهران، إذا كان الإيرانيون الـ35 مليونا وهم عدد سكان إيران عام 1980 "يقولون نعم، فسأقول أنا لا".