تجميد دحلان.. هل يقطع ابن زايد "ذراعه الأمنية" إرضاء لتركيا ومصر؟

محمد السهيلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تحدثت تقارير عربية عن تجميد ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد دور ذراعه الأمني الأبرز في الشرق الأوسط، والمتمثل في محمد دحلان القيادي المفصول من حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح".

ويجري الحديث هنا عن تحديد أدوار دحلان ومحل إقامته، في وقت تشهد المنطقة تغيرات سياسية لافتة أفضت أخيرا إلى استعادة علاقات بين خصوم كثيرين.

تلك الأنباء تأتي في الوقت الذي يجري فيه الحديث عن سعي دحلان لنقل مكتبه من أبوظبي التي يقطنها منذ 2012 ويتخذها مركزا لعملياته بالشرق الأوسط، إلى العاصمة المصرية القاهرة.

وأكدت صحيفة "القدس العربي" اللندنية 25 سبتمبر/ أيلول 2021، أن "تيار الإصلاح الديمقراطي" الذي يتزعمه دحلان صدم برفض مصر قبول طلبه بنقل مكتبه من الإمارات إلى القاهرة.

موقع "الحقيقة بوست" الذي يهتم بالشأن العربي ويبث من تركيا، نقل في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، عن مصادر لم يذكرها أن الإمارات طلبت من دحلان، المستشار الأمني لابن زايد؛ تجميد كافة أنشطته السياسية والإعلامية والأمنية بأبوظبي.

المصادر أكدت للموقع أن سلطات الإمارات سحبت من دحلان (59 عاما) مخصصات مالية، وملفات كان يديرها كالملف الفلسطيني و"سد النهضة" الإثيوبي، وعلاقات التطبيع مع إسرائيل، لتكون تحت إدارة مستشار الأمن الوطني الصاعد بقوة طحنون بن زايد.

وقالت إن أبوظبي أبلغت دحلان بضرورة الالتزام بالتعليمات الجديدة، وعدم الظهور إعلاميا أو عقد اجتماعات خاصة مع مساعديه، وعدم السفر خارج البلاد إلا بتصريح منها.

وكشفت المصادر أن السلطات أمرت بزيادة الحراسة الأمنية أمام مقر إقامة دحلان وتشديد الرقابة على تحركاته وأسرته، فيما يشبه وضعه رهن "الإقامة الجبرية".

قصقصة الأجنحة

المثير في الأمر أن تلك المصادر أكدت بأن القرار الإماراتي ضد دحلان جاء بطلب من تركيا، والقيادة الفلسطينية، والأجهزة المصرية المعنية بأزمة "سد النهضة" أيضا.

تلك الأنباء، تأتي بعد 5 أيام من زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الرياض ثم أبوظبي ثم القاهرة أيام 27 و28 و29 سبتمبر/أيلول 2021، ولقائه ولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي ابن زايد، ورئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي.

كما تأتي أنباء تخلي ابن زايد عن دحلان أيضا، بعد زيارة أجراها مستشار الأمن القومي الإماراتي طحنون بن زايد، أغسطس/ آب 2021، إلى تركيا التقى خلالها الرئيس رجب طيب أردوغان، ثم تبعها اتصال هاتفي أجراه الأخير مع ولي عهد أبوظبي.

وتشهد المنطقة العربية تغيرات إستراتيجية منذ بداية 2021، تزامنا مع نهاية مقاطعة السعودية والإمارات ومصر والبحرين لدولة قطر بعد خلاف منذ العام 2017، ومباحثات تقارب تركية مع فرقاء الأمس في القاهرة والرياض وأبوظبي، وأيضا تقارب مصري مع حركة المقاومة الإسلامية "حماس".

لكن وفي مقابل أنباء تجميد الإمارات لدحلان، يواصل "تيار الإصلاح"، التابع لدحلان ورجاله في غزة إلى جانب زوجته جليلة، أدوارهم السياسية والإغاثية في القطاع. 

30 سبتمبر/ أيلول 2021، قال صلاح أبوختلة القيادي في تيار الإصلاح الديمقراطي، إن "النائب (السابق) محمد دحلان، سيرسل 250 ألف لقاح ضد فيروس (كورونا) لقطاع غزة خلال وقت قريب"، وفق وكالة سما الإخبارية.

حديث أبو ختلة، جاء خلال مؤتمر صحفي بمعبر رفح، لاستقبال 39 شاحنة محملة بمعدات ومستلزمات لتجهيز مستشفى محمد بن زايد داخل مستشفى غزة الأوروبي، بجانب سيارتي إطفاء مقدمة لجهاز الدفاع المدني، بدعم من أبوظبي.

وفي السياق، عادت جليلة دحلان، 28 سبتمبر/ أيلول 2021، إلى غزة عبر معبر رفح، بحسب موقع "وطن برس"، فيما تواصل مديرة المركز الفلسطيني للتواصل الإنساني "فتا" دور جمعيتها في توفير بعض الوظائف وعلاج بعض أهالي القطاع.

ومحمد دحلان، اسم حاضر في أغلب الأزمات التي لحقت بدول المنطقة العربية منذ ثورات الربيع العربي عام 2011.

إذ كان الذراع الباطشة في يد الثورات المضادة المدعومة من أنظمة خليجية لوأد حلم الشعوب العربية في الحرية.

بل إن القيادي المفصول من حركة "فتح" كان اليد الخفية في التطبيع العربي مع الكيان الإسرائيلي عام 2020.

الرجل القوي دحلان، كان يتولى رئاسة "جهاز الأمن الوقائي" الفلسطيني في غزة حتى 2007، عندما غادرها مع قوات حركة "فتح" بعد فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية حينها وتوليها حكم القطاع.

لكن؛ وفي 2011، طرد دحلان من "فتح" بتهم فساد، ليمكث في مصر ثم يستقر في أبوظبي، ليصبح سريعا مستشارا مقربا من ابن زايد، أحد زعماء الشرق الأوسط الطموحين والمثيرين للجدل بأدوارهم ضد ثورات الربيع العربي، مستخدما الرجل كذراع لتنفيذ خططه.

ولكن أخيرا بدت خسائر دحلان تتوالى، وخاصة مع قرار رئيس السلطة محمود عباس تأجيل الانتخابات الفلسطينية في مايو/ أيار 2021، إذ تراجعت آمال الأول في العودة للمشهد الفلسطيني، وخسر ترتيباته في تشكيل قائمة تتنافس على رئاسة السلطة.

وكان السفير الأميركي لدى إسرائيل ديفيد فريدمان، قال سبتمبر/ أيلول 2020، لصحيفة "إسرائيل اليوم"، إن واشنطن "تدرس استبدال دحلان بالرئيس الفلسطيني محمود عباس".

ورغم محاولة دحلان لملمة شمل أنصاره في البلدان العربية وفي غزة ورام الله فإن عباس، نجح أخيرا في استقطاب العديد من رجاله في الضفة الغربية وغزة بمنحهم الرواتب، وفق مواقع فلسطينية.

مصادر مقربة من دحلان كشفت لـ"القدس العربي"، 25 سبتمبر/ أيلول 2021، أنه جرى استدعاء العديد من مساعديه إلى أبوظبي لبحث المستقبل السياسي لـ"تيار الإصلاح"، بعد تأجيل الانتخابات الفلسطينية.

ووفق المصادر تمكن 30 شخصا من مصر ولبنان وغزة وأوروبا فقط من حضور الاجتماع، بينما لم يتمكن آخرون من السفر، فيما لم يدع دحلان البعض عمدا لشكه في ولائهم بسبب مزاعم بشأن اتصالهم بقادة "فتح".

وجاء رفض القاهرة، طلب دحلان نقل مكتبه من أبوظبي إلى الأراضي المصرية وفق "القدس العربي"، ليمثل ضربة من حليفه السابق عبدالفتاح السيسي، وخسارة جديدة تضاف لخسائر المستشار الأمني في وقت قصير.

وبالعودة إلى حسابه في "تويتر"، فإن آخر تغريدة له كانت في 21 سبتمبر/ أيلول 2021، وتقدم فيها بالتعزية لمصر، "رئيسا، وحكومة، وشعبا، بوفاة وزير الدفاع الأسبق المشير محمد حسين طنطاوي".

عقاب أم ضرورة؟

وتدور تساؤلات عن أسباب اتخاذ هذه المواقف المزعومة ضد دحلان من قبل أبوظبي.

بالنسبة مصر، فإن دحلان نفذ أدوارا أمنية مشبوهة لصالح نظام السيسي في شبه جزيرة سيناء المصرية منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، ودعم توجهات الأخير في ليبيا مساندا قائد الانقلاب خليفة حفتر بالعتاد والمسلحين.

إلا أن هناك أدوارا مريبة للقيادي الفلسطيني أغضبت القاهرة وشككتها في نواياه خاصة بملف المياه الأخطر لدى المصريين.

11 يناير/ كانون الثاني 2021، أثارت صورة لدحلان بجوار رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الكثير من الجدل عن أدوار الرجل في ملف التفاوض بشأن "سد النهضة" الإثيوبي، والأزمة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا لـ10 سنوات.

مجلة "نيوزويك" الأميركية أثارت الشكوك أيضا حول أدوار دحلان بشأن ملف السد الإثيوبي في وقت مبكر من الأزمة، لافتة في تقرير لها 28 أبريل/ نيسان 2015، إلى نفيه من السلطة الفلسطينية وتوجيه اتهامات الفساد له والتشهير به.

المجلة أكدت أن ذلك "يضيف إلى الرجل المثير للجدل، جدلا أكبر حول علاقته بتنظيمات إرهابية تنفذ أنشطة عسكرية في سيناء بحسب اتهامات حكومية من قطاع غزة".

كما أشارت، إلى تحركات دحلان الدبلوماسية المكوكية مع قوى إقليمية، والاجتماع مع مسؤولين إسرائيليين بفرنسا، والقادة العسكريين المناهضين للإسلاميين في ليبيا، لافتة إلى تطابق مساعيه مع أهداف النظام المصري وداعميه الإماراتيين.

وعن تركيا، يعد دحلان أحد أشد أعدائها، إذ اتهم وزير خارجيتها مولود تشاووش أوغلو، أبوظبي بإيوائه واصفا إياه بـ"الإرهابي".

وقال تشاووش أوغلو موجها حديثه إلى دولة الإمارات في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، إن "إرهابيا اسمه دحلان هرب إليكم لأنه عميل لإسرائيل".

وتقول السلطات التركية، إن لديها أدلة على تورط دحلان بمحاولة الانقلاب ضد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان 15 يوليو/ تموز 2016، وأن له علاقة بتنظيم "غولن" المتهم الرئيس بتلك المحاولة، مشيرة إلى أن دوره كان نقل الأموال للانقلابيين.

أنقرة، أصدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، نشرة حمراء دولية بحق دحلان، وفي 22  أغسطس/ آب 2020، طلبت من "الإنتربول" (الشرطة الدولية) القبض عليه بتهمة إدارة شبكة تجسس على أراضيها.

وفي أبريل/ نيسان 2019، أوقفت أنقرة فلسطينيين اثنين بتهمة التجسس على الفلسطينيين والمصريين في تركيا لصالح دحلان، ما دفع المدعي العام التركي لرصد مكافأة 10 ملايين ليرة (1.126 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات عنه.

وفي تقديره لاحتمالات تجميد الإمارات عمل دحلان رغم كونه رجلها وينفذ تعليماتها وأغلب عملياتها الأمنية طوال تسع سنوات، يقول الخبير في الشؤون الإسرائيلية صلاح الدين العواودة: "بعيدا عن دقة أو صحة ما نشر؛ فهذا الرجل مجرد أداة وورقة لعب".

الباحث في مركز "رؤية للتنمية السياسية" بإسطنبول يضيف لـ"الاستقلال": "من الممكن أن ينتهي دور دحلان، ويلقى في المزبلة في أي وقت يراه مناسبا من يمسك به".

وعن احتمالات أن يغضب القرار الإماراتي إن تم بالفعل إسرائيل التي ترغب بدحلان في الرئاسة الفلسطينية، يؤكد العواودة، أنها "لن تأسف عليه؛ وغالبا لم يعد له لزوم بالنسبة لها، إذ استخدمته لتسهيل تغلغلها بالخليج ونجحت ولم تعد بحاجته".

وعلى الساحة الفلسطينية حتى؛ لا تريد إسرائيل دحلان لأنه شخصية قوية بأوساط الفتحاويين، ولا يخدم مصالحها التي تقتضي تفكيك حركة (فتح)، والتعامل مع كل جزء منها على انفراد ليسهل ابتزاز الجميع، يوضح الباحث الفلسطيني.

ويعتقد بأن "إسرائيل ربما دعمته ضد الرئيس الراحل ياسر عرفات، ثم ضد محمود عباس، لكنها لن تستخدمه لتقوية حركة فتح، وإنما لتفكيكها".

يد متآمرة

بشأن ما يثار عن انقلاب النظام المصري على دحلان رغم أدواره السابقة في خدمة نظام السيسي، يقول العواودة، "ربما تكون فعلا منزعجة من دوره تجاه إثيوبيا؛ لكنها بالتأكيد تتأثر بالموقف الإماراتي أكثر، فإذا ألقت أبوظبي به فلن تستطيع القاهرة حمله وحمل وزره معه".

أما عن الموقف التركي، يؤكد أنه "ليس بالضرورة أن تكون طلبت أنقرة من أبوظبي شيئا يخص دحلان".

ويختم بالقول: "لكن الضرورة تقتضي أنه إذا أرادت الإمارات فعلا تحسين علاقاتها مع تركيا؛ فإن دحلان جزء من الفاتورة التي عليها أن تدفعها، بجانب الاستثمارات المالية، وتغيير الخطاب الإعلامي".

أدوار دحلان في سيناء وليبيا وتركيا، لم تكن الوحيدة، إذ طالت تحركاته الملف الفلسطيني وكان أحد خناجر التطبيع العربي المسموم في الجسد الفلسطيني.

وفي 13 أغسطس/ آب 2020، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتفاق محمد بن زايد ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو لتطبيع علاقات البلدين.

وقالت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2020،  إن دحلان هو مهندس اتفاقيات التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل وإنه يد حكام أبوظبي الخفية في ذلك.

وبين الكاتب بالمجلة جوناثان فيرزيغر أن: "دحلان بدا رجلا يلاحقه العار عام 2011 وتجاوزه الزمن"، لافتا لطرده من فتح بتهم الفساد.

وأضاف أنه في المقابل "عمل في تسع سنوات على تمتين العلاقة بابن زايد، الذي منحه الملجأ بعد طرده من رام الله".

ووصفته المجلة بأنه تحول بعد اتفاق "أوسلو" 1993، إلى يد ياسر عرفات ضد حركة حماس في غزة عبر قيادته القوى الأمنية هناك.

ولفت الكاتب إلى علاقته بأميركا قائلا: "دحلان تعلم كيفية النجاة، فمن إرهابي عند إسرائيل ذهب لكي يلعب دورا في اتفاقيات أوسلو، وأعجبت به إدارة الرؤساء الأميركيين السابقين بيل كلينتون، ومن ثم إدارة جورج دبليو بوش".

"فورين بوليسي" أضافت أنه إلى جانب ابن زايد طور دحلان علاقته مع السيسي الذي استشاره في كيفية التعامل مع حركة "حماس".

وأشارت إلى أنه تحيط بدحلان عدة نظريات مؤامرة، منها اتهامه بلعب دور في تسميم عرفات ومساعدة الموساد (الاستخبارات الإسرائيلية) على قتل القيادي في حماس محمود المبحوح في دبي 2010.

ولم يكن لدحلان أن يستوطن الإمارات إلا لكونها بلدا يفتح أبوابه لعدد غير قليل من قادة الدول السابقين، وبعض السياسيين الذين جرت بحقهم اتهامات بالفساد.

مجلة "إيكونوميست" البريطانية نشرت في 28 أغسطس/آب 2021، تقريرا أشارت فيه إلى دور الإمارات في استقبال العديد من القادة والسياسيين السابقين، لافتة إلى دور دحلان كورقة رابحة يستخدمها محمد بن زايد.

 وأشارت إلى استقبال أبوظبي الرئيس الأفغاني الهارب أشرف غني 18 أغسطس/آب 2021، والزعيم الباكستاني السابق برويز مشرف، ورئيس وزراء تايلاند السابق تاكسين شيناوترا، والملك الإسباني السابق خوان كارلوس، ومحمد دحلان.

وأكدت أن هؤلاء القادة تركوا بلادهم وسط سحابة من الاتهامات والشك، فقد غادر مشرف باكستان بعد اتهامه بالخيانة، فيما اتهم شيناوترا بالفساد، وكارلوس بالتعاملات المالية المشبوهة مع السعودية.

وأكدت المجلة، أن بعض المنفيين مثل دحلان وجدوا مقعدا في بلاط ابن زايد، الحاكم الفعلي للبلاد.

ونقلت المجلة عن مسؤول إماراتي سابق قوله إن ابن زايد "يحتفظ بأوراق الجوكر ليلعب بها في المناطق الجغرافية المهمة، ويقدم دحلان دورا مهما في الدبلوماسية مع صربيا وإثيوبيا وإسرائيل".