انتخابات الإليزيه 2022.. هل يُلدغ مسلمو فرنسا من جحر ماكرون مرتين؟

باريس - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع قرب كل استحقاق انتخابي في فرنسا، تتجه الأنظار إلى المسلمين باعتبارهم "أكبر أقلية دينية" لها تأثيرها في صناديق الاقتراع، ما يجعلها هدفا للمحاباة من معظم المرشحين بمختلف انتماءاتهم السياسية، للدخول إلى قصر الإليزيه، مقر الرئاسة في باريس. 

ورغم أن المسلمين الأقلية الدينية الأكبر في فرنسا وبعضهم ليسوا مواطنين، فإن هذه الأقلية يمكن أن تحدث فرقا في الانتخابات المقبلة بل وتحدد مصيرها، وفق مراقبين، ومن المتوقع أن يلعبوا دورا مهما في انتخابات أبريل/نيسان 2022.

لكن خلال السنوات الأخيرة، غذى صعود "تنظيم الدولة" في الشرق الأوسط والهجمات الإرهابية على الأراضي الفرنسية خطابات اليمين المتطرف ضد المسلمين، تحت ضغط كبير ممن يدعون أن فكرة الإسلام خطر على قوانين الجمهورية، وتصوير المسلمين على أنهم "إرهابيين ومتطرفين".

"عض يد المسلمين"

حسب المعهد الفرنسي لاستطلاعات الرأي، صوت 86 بالمئة من المسلمين عام 2012 لصالح اليساري فرانسوا هولاند، فيما شكل المسلمون نحو 5 بالمئة من الناخبين، وفق دراسة نشرها مركز "سيفيبوف" للعلوم السياسية عام 2011.

وفي 2017، أظهرت النتائج النهائية التي أعلنت عقب فرز الأصوات، حصول ماكرون على 66.1 بالمئة، مقابل 33.9 بالمئة لمنافسته زعيمة حزب "الجبهة الوطنية" اليميني، مارين لوبان.

وكان مسجد باريس الكبير قد دعا آنذاك مسلمي فرنسا من أجل التصويت، وبكثافة، لصالح المرشح ماكرون في الجولة الثانية المقبلة من الانتخابات، بدعوى أنه "المرشح الذي يقدم نفسه على أنه حازم في موضوع مصير وقدر فرنسا مع أقلياتها الدينية".

في مقال تحليلي نشرته وكالة "الأناضول" التركية عنونته بـ"ماكرون يعض يد المسلمين التي أوصلته لرئاسة فرنسا" قالت فيه إنه بعد أن غازل الناخبين المسلمين الجزائريين في انتخابات 2017، بقوله إن "الاستعمار جريمة ضد الإنسانية"، كشف ماكرون، عن وجهه الحقيقي المعادي للإسلام، بتأييده نشر الصور المسيئة للرسول محمد (صلى الله عليه وسلم)، قبيل نحو 16 شهرا من رئاسيات 2022.

وفي يوليو/تموز 2021، أقر البرلمان الفرنسي بشكل نهائي مشروع قانون "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" المثير للجدل، والذي جرى التعريف به أول مرة باسم "مكافحة الإسلام الانفصالي". 

وبموجب القانون الجديد، تصل عقوبة من يدان بجريمة "الانفصالية" التي أنشأها إلى السجن 5 سنوات، وغرامات تصل إلى 75 ألف يورو (88 ألف دولار) لمن يهددون أو يعتدون على مسؤول منتخب أو موظف مدني، لعدم رغبتهم في اتباع القواعد التي تحكم الخدمات العامة الفرنسية، مثل رفض الخضوع للفحص الطبي من قبل طبيبة.

وفي يناير/كانون الثاني 2021، عدلت السلطات المحلية بمدينة بيزييه جنوب فرنسا، وجبات الطعام في المدارس العامة، ليصبح لحم الخنزير هو اللحم الوحيد في القائمة، رغم وجود تلاميذ مسلمين لديها، والذين لا يأكلون لحم الخنزير وفق تحريم الشريعة الإسلامية، واعتبر ذلك "استهدافا صريحا لأطفال المسلمين في مدارس فرنسا". 

وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2020، قال وزير الداخلية جيرالد دارمانان في كلمة بالبرلمان، إن بلاده أغلقت خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة 43 مسجدا من حكم ماكرون، مبينا أن الأخير أغلق مساجد أكثر من جميع أسلافه، وزعم دارمانان أن بلاده بحاجة إلى قانون لمحاربة “الإسلاموية” وليس الإرهاب.

الخيار الثالث

مقابل الإجراءات والقوانين التي سنها ماكرون المعادية للمسلمين والمهاجرين والمضيقة عليهم في فرنسا، وبالنظر لاستطلاعات الرأي الأسبوعية التي تفيد باكتساب لوبان للمزيد من الأصوات، وظهور إريك زمور المرشح المحتمل الذي يظهر عداء وعنصرية كبيرين اتجاههم، ذهبت عدد من التحليلات إلى أن الخيار المتبقي أمام المسلمين هو "الاشتراكيون".

وفي مقال تحليلي نشرته عبر موقعها إذاعة "مونت كارلو" الدولية في يونيو/حزيران 2021، قالت إن الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأخيرة التي جرت عام 2017 "همشت الحزب الاشتراكي بشكل لم يسبق له مثيل، بعد أن كانوا قاطرة اليسار لعقود".

ورغم أن أحزاب اليسار تبدو اليوم "مفتتة" و"ضعيفة" وغير قادرة على التجمع، في إطار يسمح لها بالحد من خسائرها المتوقعة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي ستجري عام 2022، فإن الحزب الاشتراكي يعول كثيرا على النفس الجديد الذي تجسده لمياء الأعرج -ممثلة الحزب في مجلس النواب- حتى تعود الحياة إليه مجددا.

وأصبح الحزب الاشتراكي مقتنعا بأنه قادر على الثبات أمام "التسونامي" الذي أحدثه ماكرون في الخارطة السياسية الفرنسية عام 2017، لاسيما بعد الانتخابات البلدية الأخيرة التي جرت في يونيو/حزيران 2020. 

وقد تمكن هذا الحزب من الحفاظ على العاصمة باريس وعدد من المدن الكبرى منها ليل، بل إنه استطاع كسب عدد من المدن التي لم يكن المراقبون يتوقعون أن يكسبها.

لعب المسلمون دورا في الانتخابات الرئاسية الفرنسية السابقة، كقضايا للنقاش السياسي وأطراف فاعلة في الساحة السياسية، ومن الأسئلة التي لطالما أثيرت في الانتخابات، كيف ينظر المرشحون إلى الهجرة ومكانة الأقليات الدينية والعرقية في هذا البلد؟

وفي 24 سبتمبر/أيلول 2021، قالت القيادية في حزب الجبهة الوطنية اليميني المتطرف، ماريون مارشال: “ليس من المستبعد أن تصبح فرنسا جمهورية إسلامية في غضون 50 أو 60 عاما”.

وادعت مارشال أنها “قلقة بشأن الهوية والتغيرات الثقافية والحضارية التي يمكن أن يخلقها هذا الواقع في المستقبل”، خلال كلمتها في الندوة التي دعاها إليها رئيس وزراء جمهورية هنغاريا فيكتور أوربان‏.

تفرقت أصواتهم

في تحليل له نشره موقع "فرانس 24" الفرنسي، أفاد الباحث السياسي هاويس سينيغور، مدير المؤتمرات في معهد العلوم السياسية في ليون والباحث في مختبر تريانغل في ليون، بأن بعض المسلمين يمنحون أصواتهم للجبهة الوطنية (يمين متطرف)، وبينهم الرئيس السابق لجمعية "ابن فرنسا" والمتحدث السابق باسم "التظاهر للجميع"، كامل بيشيخ.

وقال سينيغور إن هناك أيضا مسلمين يصوتون لممثل "حركة فرنسا الأبية"، جان لوك ميلنشون، رغم خطابه العلماني، وبشكل أشمل، فإن "ظهور شخصيات ذات خلفيات وأصول عربية مسلمة على يمين المشهد السياسي ويساره يظهر أنه ليس هناك اتجاه واحد يمثل الإسلام".

من جهته، يرى المحلل السياسي المغربي بلال التليدي أن "المسلمين في فرنسا لا يمكن لصوتهم أن يكون مؤثرا، لأن التجاذبات التي تقع بين التيارات السياسية المستفيد الأكثر منها هم الذين يكون لهم في الغالب موقف متطرف من قضايا المسلمين والهجرة". 

وأوضح التليدي لـ"الاستقلال": "إذا استحضرنا نتائج الانتخابات السابقة، نتحدث عن اليمين المتطرف وأيضا عن حزب ماكرون، أما الأحزاب الأخرى سواء تعلق الأمر باليمين أو الوسط أو حتى الحزب الاشتراكي، هؤلاء أظن بأن أسهمهم لا تزال في مستويات متدنية أو في أحسن الأحوال في مستويات متوسطة".

وشدد على أنه "من المستبعد أن يكون لكلمة المسلمين تأثير كبير على الكتلة الناخبة، وإن كان البعض يجنح إلى مغازلة المسلمين من أجل اكتساب أصواتهم".

واعتبر التليدي أن "المشكلة تكمن في كون المسلمين بأوروبا ليسوا كتلة متجانسة فهناك جاليات متعددة، لا يحكمها توجه واحد وهي متفرقة على الأحزاب المتنوعة الموجودة في فرنسا".  

واستدرك: "كلمة هؤلاء (مسلمو أوروبا) موحدة ضد اليمين المتطرف الذي ينابذ المسلمين العداء ويحمل مواقف متطرفة من المهاجرين، وكل ما له علاقة بالإسلام ويدعم الإسلاموفوبيا في فرنسا، لكن فيما يتعلق بباقي الأحزاب لا أرى أن كلمة المسلمين تشكل كتلة واحدة".

وختم التليدي: "لا أرى فائدة على الأقل في الظروف الحالية من تضخيم دور المسلمين في ترجيح كفة هذا الحزب أو ذاك في رئاسيات 2022، إنما المطلوب بالنسبة للمسلمين إذا لم يستطيعوا على الأقل توحيد كتلتهم الناخبة، أن لا يدلوا بأصواتهم لفائدة التيارات السياسية التي تنابذهم العداء أو الذين ينتهجون تجاههم سياسة أو مواقف عنصرية".