نواف البشير.. قائد "أسود العشائر" يخون الثورة ويعود لحظيرة النظام السوري

مصعب المجبل | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عاد إلى واجهة المشهد السوري نواف راغب البشير، وهو زعيم قبلي كان من أشد معارضي رئيس النظام بشار الأسد قبل أن ينشق عن المعارضة ويعود إلى حضن الأول من بوابة إيران.

وبعدها، شكل البشير مليشيا محلية تحت اسم "أسود العشائر" لتصبح تابعة مباشرة للحرس الثوري الإيراني، ويقودها في محافظة دير الزور.

يقود البشير المليشيا  التي شكلها من أبناء قبيلة البكارة إحدى كبرى العشائر العربية بسوريا ويقارب تعدادها نحو ألف مقاتل تلقوا التدريب على يد المليشيات الإيرانية.

ورغم أن "أسود العشائر" تدين بولائها المطلق لإيران، فإنه وبشكل مفاجئ أرسلت القوات الروسية عناصر من المليشيا إلى قطاعات البادية السورية للتصدي لهجمات تنظيم الدولة.

وهو ما أثار استياء العناصر وفتح الباب أمام هروب بعضهم أو الانضمام للقوات الروسية، وفق ما ذكرت شبكة "دير الزور 24" بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول2021.

وتنبئ هذه الخطوة باحتمالية تفكك مليشيا "أسود العشائر"، نظرا لضعف التمويل وقلة الرواتب المقدمة من طهران مقارنة بموسكو، إضافة إلى الخشية الدائمة من القصف الإسرائيلي على مواقع المليشيات الإيرانية بسوريا.

النشأة والتكوين

سلط ذلك الضوء مجددا على قائد "أسود العشائر"، نواف البشير، الذي قفز من سفينة الثورة إلى النظام السوري.

إذ إنه في مطلع يناير/كانون الثاني عام 2017، فاجأ البشير الأوساط السورية، بظهوره في تسجيل مصور في العاصمة دمشق أعلن فيه عودته لحضن الأسد والولاء المطلق للنظام السوري، بعدما أمضى خمس سنوات كناشط سياسي محسوب على قوى المعارضة والثورة.

وكان البشير شيخ قبيلة البكارة بعموم سوريا قبل عودته لسلطة الأسد، وكان يعد من ضمن النخبة التي لحقت بركب الثورة التي تفجرت في مارس/آذار 2011 وقارعت النظام في محافظة دير الزور.

ولد نواف البشير عام 1954 في قرية المحيميدة الواقعة شمال دير الزور وهو الابن الثامن من بين إخوانه العشرة.

وبعد وفاة والده عام 1980 تقلد مشيخة القبيلة وهو في عمر الـ  26 عاما، وكان حتى عودته إلى سلطة النظام شيخا للبكارة في عموم سوريا.

وقبيلة البكارة هي من كبرى عشائر سوريا، ولها الثقل الأكبر في محافظات دير الزور والرقة والحسكة وحلب وحماة وإدلب، ويصل عدد أبنائها في البلاد إلى ما يقارب المليون نسمة من مجموعة سكان البلاد البالغ نحو 26 مليون نسمة.

وتعززت مسيرة البشير السياسية حينما انتخب عضوا في برلمان النظام في الفترة ما بين عامي 1988 و1992، ومثل سوريا ضمن وفود برلمانية في مؤتمرات بدول عربية وأجنبية.

عرف بآرائه السياسية في التحرر والحياة المدنية، وكان نفسه للنظام السوري من قبل الثورة، ويحظى بشعبية كبيرة في محافظة دير الزور.

ونقل بعض المقربين منه عندما جرى استدعاؤه من قبل أجهزة المخابرات في بداية الثورة لمحاولة ثنيه عن دعم المتظاهرين ومطالبهم المشروعة، أنه قيل له إن سقوط الأسد سيؤدي لمقتل ثلث الشعب السوري، ليرد الشيخ نواف حينئذ "اعتبروا أنفسكم من ضمن الثلث أنتم وعوائلكم".

وحينما اصطف البشير مع ثوار دير الزور، شعر هؤلاء بالراحة والمؤازرة من وجه سياسي وعشائري معروف، ما حدا بهم إلى تسمية إحدى ليالي المظاهرات باسمه في 27 سبتمبر/أيلول 2011 ورددوا وقتها هتافات "الشعب يريد إعدام الرئيس".

لكن البشير عقب عودته إلى كنف إيران والنظام، بقي متمسكا بعباءة المشيخة لقبيلة البكارة في سوريا.

وهو ما دفع أبناء العشيرة المناهضين للنظام إعلان براءتهم من البشير ومن "كل ما يصدر عنه من أقوال وأفعال ومن كل من يعترف به، ويعتبره شيخا"، واعتبروا أنه "لا يمثل سوى رأيه ومآربه"، وفق بيان نشر في 4 يناير/كانون الثاني 2017.

البراءة من البشير

جاء إعلان البراءة من البشير، بعد ظهوره على قناة العام الإيرانية ليؤكد عدم معارضته ترشح رئيس النظام السوري بشار الأسد، لأي انتخابات قادمة.

وبرر خلال مقابلته تغيير موقفه من المعارضة إلى النظام؛ بوجود تنظيم الدولة وجبهة النصرة، كما شن هجوما على السعودية وقطر متهما إياهما بتمويل الفصائل ضد الأسد.

كما اتهم البشير "الإخوان المسلمين" بالسيطرة على المعارضة السورية، زاعما أن من يخالف الجماعة لا يحق له تقلد أي منصب في مؤسسات الثورة مثل الائتلاف والهيئة العليا للمفاوضات.

وعمد البشير عقب تنامي شوكته العسكرية، إلى شق الصف داخل أبناء قبيلة البكارة، عبر حالة الاستقطاب والتجنيد لشبابها في صفوف مليشيات النظام السوري وإيران، عبر إغرائهم بالمال واستغلال الحالة المعيشية الصعبة.

ردا على ذلك، عمدت القبيلة في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام إلى تشكيل ما يسمى "مجلس قبيلة البكارة في الشمال السوري" في أغسطس/آب 2017 للتأكيد على أنه "لن يستطيع أي شخص جرها إلى النظام أو إيران".

واتهم المجلس حينها البشير بمحاولة جر القبيلة إلى "التشيع" واعتبر أن تشكيله هو "أفضل رد عليه".

وجاء ذلك بعد أن لجأ نواف البشير منذ مطلع عام 2017 إلى تكثيف جهوده لتشكيل مليشيا محلية جديدة تتبع مباشرة إلى قيادة الحرس الثوري الإيراني في سوريا.

ولهذا كان واضحا منذ البداية أن طهران لعبت دورا كبيرا في حماية البشير وتسوية وضعه الجديد مع الأسد وحمايته من أجهزته الأمنية.

خائن للثورة

وصف نواف البشير بـ "الخائن" من قبل جمهور الثورة السورية، بعد أن أدار ظهره لها باتجاه النظام، بعد أن نادى مبكرا للانتفاضة الشعبية ضده.

وحدد البشير في كلماته الأولى وجع الشعب السوري من آل الأسد حينما قال "لقد عشنا 40 عاما من الذل".

ومما قاله البشير في أولى تصريحاته بداية الثورة السورية: "إن ثورة الشباب سلمية لا تستعمل القوة وإن بلطجية النظام وأزلامه الأمنية هم من يطلقون النار على المتظاهرين، لقد عشنا أربعين عاما من الذل والمهانة والقتل العشوائي والسجون، ولكن اليوم لم نعد نخاف من هذا النظام".

جرأة نواف البشير هذه كانت مستمدة من مشيخته وانخراطه المبكر في دهاليز المعارضة الوطنية بسوريا.

 إذ إن له اسما بارزا منذ عام 2005 عندما وقعت أحزاب وشخصيات معارضة سورية من المجتمع المدني والإسلاميين والليبراليين على وثيقة "إعلان دمشق"، التي دعت إلى إنهاء 35 عاما من حكم أسرة الأسد لسوريا واستبداله بنظام ديمقراطي، وذلك بعد مضي 5 سنوات على توريث حافظ الأسد ابنه بشار الحكم.

وحينما أعلن معارضون سوريون في أواخر اغسطس/آب 2011 من العاصمة التركية أنقرة عن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي برئاسة المعارض البارز برهان غليون، بهدف قيادة الحراك الشعبي والالتزام بهدف الثورة الأساسي المتمثل بإسقاط نظام الأسد كان نواف البشير من ضمن الأعضاء البالغ عددهم وقتها 94.

واللافت وقتها أن نواف البشير كان معتقلا (30 يوليو/تموز 2011) من قبل مخابرات الأسد، لكن جرى إطلاق سراحه في 9 سبتمبر/أيلول من ذات العام دون أن توجه أي تهمة له آنذاك، ليبقى عضوا في إعلان دمشق حتى عام 2009.

ووفقا لشبكة "فرات بوست" المحلية، فإن البشير عرف عنه تقلبه المستمر في تقديم الولاءات لعدة جهات، لم يكن أولها إعلان دمشق، وقيادة جبهة الجزيرة والفرات أواخر عام 2012 التي انتهت بحل الجبهة بعد عدة اختلاسات، ولا آخرها عودته لأحضان النظام بعد سنوات قضاها في أروقة المعارضة، وفق الشبكة.

 وروت الشبكة كيف عاد البشير إلى حضن الأسد، بقولها إنه تواصل مع قائد مليشيا "لواء الباقر"، الحاج باقر وأخيه "عمر الحسن" الذي كان يشغل منصب عضو في برلمان النظام آنذاك، بالإضافة إلى أفراد في المخابرات الإيرانية والسورية، لتأمين وصوله إلى دمشق والتكفل بالتكاليف.

وجرى تأمينه إلى روسيا سرا ثم اتجه نحو إيران، وهناك بالتحديد ظهر في لقاء تلفزيوني مع “قناة العالم”، ثم تابع بعد ذلك مسيره نحو دمشق برفقة أفراد عائلته، وكان باستقباله عدد من المسؤولين وعناصر الأمن هناك.

وفقد البشير نجله عام 2018 جراء غارة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة نفذت على مليشيا "لواء الباقر" -مشكلة من أبناء قبيلة البكارة الموالين للأسد- أثناء محاولتها مع قوات النظام استعادة حقول نفط في دير الزور والتي تسيطر عليها قوات سوريا الديموقراطية "قسد" المدعومة من واشنطن.