مصالحة ليبية أم عودة لنظام المخلوع.. ما دلالة الإفراج عن الساعدي القذافي؟

طرابلس - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

دون توقعات سابقة، أتى خبر الإفراج عن "الساعدي" نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، بعد اعتقال دام زهاء 7 سنوات، ليفتح بابا من التساؤلات بشأن مغزى هذه "الخطوة غير المنتظرة".

وتزامن الإفراج عن الساعدي في 5 سبتمبر/أيلول 2021، مع مرحلة سياسية جديدة دخلتها البلاد التي تعيش أزمة حقيقية منذ 2011، ما جعل عددا من المراقبين يربطون بين الأحداث والتصريحات الأخيرة وعلاقتها بـ"المصالحة الوطنية".

وتنوي السلطات في ليبيا، حسب مصادر إعلامية محلية، إطلاق سراح مزيد من رموز نظام القذافي؛ لاستكمال "أول خطوة في اتجاه المصالحة الوطنية الشاملة"، رغم انتقادات داخلية بشأن "عدم جبر الضرر" بحق ضحايا النظام السابق (1969-2011).

بدء المصالحة

وذكر إعلام محلي، أن إطلاق سراح نجل القذافي جاء "نتيجة مفاوضات ضمت شخصيات عشائرية ورئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة"، وذلك بناء على حكم قضائي عام 2018، يثبت براءته من تهم "القتل العمد والخداع والتهديد والاسترقاق والتشهير".

وكان الساعدي قائدا للقوات الخاصة الليبية في فترة حكم والده، واشتهر أيضا باحتراف كرة القدم في إيطاليا وترؤسه لنادي أهلي طرابلس، وبعد الثورة فر إلى النيجر، لكن تم تسليمه إلى ليبيا عام 2014 وسجن منذ ذلك الحين في طرابلس.

وبعد الإفراج عنه مباشرة، أعربت حكومة الوحدة الوطنية، في بيان، عن أملها "في أن يسهم الإفراج عن الساعدي في المصالحة الوطنية".

بعدها بساعات، أعلن المجلس الرئاسي الليبي، رسميا انطلاق مشروع المصالحة الوطنية في البلاد، وثمن رئيس المجلس محمد المنفي "كافة الجهود التي بذلت في سبيل تحقيق ما تم التوصل إليه اليوم من مصالحة". 

وقال المنفي: إن "القرارات التي اتخذت ما كان لها أن تتخذ، لولا الرغبة الحقيقية والجادة، لدى الشعب من أجل طي صفحات الماضي المؤلمة وتجاوز الخلافات ونبذ الفرقة وإيقاف نزيف الدماء، ووضع حد لمعاناته". 

وهنأ رئيس المجلس، الليبيين على "انطلاق أولى خطوات المصالحة الوطنية التي تمثل الرغبة الحقيقة لدى الجميع لطي الماضي وتجاوز الخلافات"، وحث المنفي الشعب على الالتفاف حول الوطن وبناء دولة المواطنة والقانون، "والعمل معا من أجل بناء وطن واحد، ترفرف عليه راية السلام". 

وأكد المجلس الرئاسي الليبي في بيان، أن "المجلس سيواصل هذه المهمة حتى تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة ويعمل على التنسيق لإطلاق سراح باقي السجناء".

وعانت ليبيا من الفوضى والانقسام والعنف، خلال العقد الزمني الذي مر منذ الانتفاضة، وكانت حكومة الوحدة الوطنية قد تم تنصيبها في مارس/ آذار 2021، كجزء من جهود السلام التي تهدف أيضا لإجراء انتخابات في ديسمبر/كانون الأول 2021.

ترحيب دولي

بعد إعلان الإفراج عنه، أبدت وزارة الخارجية الروسية، ترحيب موسكو بقرار السلطات الليبية، وجاء في بيانها: "نرحب بقرار المجلس الرئاسي، نأمل أن يساعد إطلاق سراح نجل القذافي والمقربين منه، وكذلك إعادة دفن رفات الزعيم السابق، في تغلب الليبيين على الأعباء المتراكمة على مدى سنوات من النزاع الداخلي".

مصادر لوكالة "سبوتنيك" الروسية، رأت أن عملية الإفراج "تعد ورقة سياسية لتحالفات جديدة، وإشارات إيجابية، في خطوة يراها البعض أنها تمهد لعملية الانتخابات المرتقبة".

وبحسب معلومات الوكالة المقربة من الأطراف الليبية، فإن بعض الشخصيات في الحكومة كانت ترفض عملية الإفراج، وأن اجتماعات مطولة عقدت قبل قرار الإفراج، إلا أن بعض الضغوط من جهات عدة (لم تسمها) دفعت إلى تنفيذ الخطوة.

من جهتها، رحبت بعثة الأمم المتحدة بليبيا، في 6 سبتمبر/أيلول 2021، بالإفراج عن الساعدي، موضحة أن "الإفراج عن الساعدي وآخرين يأتي امتثالا لأمر قانوني صدر عقب تبرئته من محكمة ليبية عام 2019".

ووصف البيان عمليات الإفراج بـ"الخطوة المهمة نحو احترام سيادة القانون وحقوق الإنسان"، معتبرة أنها "تعد تطورا إيجابيا يمكن أن يسهم في تحقيق عملية مصالحة وطنية قائمة على الحقوق وفي تعزيز الوحدة الوطنية بشكل أكبر.

وأثنت البعثة الأممية، في ختام بيانها، على جهود حكومة الوحدة الوطنية والمجلس الرئاسي والسلطات القضائية، داعية السلطات لـ"الإفراج الفوري عن آلاف الأشخاص الذين ما زالوا محتجزين بشكل تعسفي في مرافق الاحتجاز في جميع أنحاء ليبيا".

مصالحة أم مصالح؟

من جانبه، أشاد السياسي أحمد قذاف الدم، بخطوة إطلاق سراح الساعدي و7 آخرين، معربا في تصريحات مع قناة "الحدث" (السعودية)، عن أمله أن تساهم هذه الخطوة في مساعي حلحلة الأزمة المستمرة منذ 10 سنوات، مطالبا بإطلاق أسرى آخرين يقبعون في السجون وعلى رأسهم رئيس جهازات المخابرات السابق عبد الله السنوسي.

وطالب ابن عم الزعيم الراحل معمر القذافي، باستعادة الآلاف من المهجرين الليبيين، معتبرا أن "هاتين الخطوتين ستسهمان في الصلح بين الليبيين، والازدهار في ليبيا".

ويشار إلى أن قذاف الدم يدعم أبناء القذافي بالمال بغرض العودة إلى السلطة، وفق تقارير دولية.

فيما أكد محللون سياسيون أن الإفراج عن الساعدي يأتي "كخطوة هامة باتجاه المصالحة الوطنية التي ستطوي صفحة قديمة حتى يستطيع الجميع التقدم والنهوض بالبلاد".

عضو المجلس الأعلى للدولة، عبد القادر الحويلي، وصف هذه الخطوة بـ"الجيدة في إطار تهيئة الرأي العام؛ لأنها أحد بنود خارطة الطريق، وهي وضع جو مناسب وتهيئة الرأي العام لقبول نتائج الانتخابات وإجراؤها في جو ديمقراطي شفاف آمن حر نزيه".

وقال خلال مشاركته في برنامج "وجها لوجه" على قناة "فرانس 24" في 7 سبتمبر/أيلول 2021: إنها "مبادرة إيجابية ولو أنها جاءت بتسرع ودون تتبع المراحل الإجرائية وهي العدالة الانتقالية، وجزء منها هو جبر الضرر المنقسم إلى قسم معنوي وآخر مادي، ويحتاج الأخير إلى حكومة قوية لم تتمكن منها ليبيا بعد، والمعنوي بأن يعتذر من أجرموا بحق الشعب".

أمين سر المجلس الانتقالي السابق ومستشار مكتب النائب العام، خالد الترجمان؛ قال خلال نفس البرنامج: إن "وجود الساعدي في السجن لا معنى له بعد صدور حكم بالبراءة في حقه، وأن لا علاقة له بالمصالحة الوطنية".

من جانبه، تساءل موقع "العربي الجديد" في تقرير نشره في 9 سبتمبر/أيلول 2021 عن "إمكانية تحقيق الإفراج عن الساعدي مصالحة وطنية، خصوصا في ظل تراكم ملفات جنائية، مثل المقابر الجماعية في مدينة ترهونة، ومذابح بنغازي، والمغيبين قسرا شرقي البلاد (خلال العشر سنوات الأخيرة)".