شفيق الغبرا.. مفكر كويتي الجنسية فلسطيني الهوية عربي التوجه والانتماء

الكويت - الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عن عمر ناهز 68 عاما، ترجل الأكاديمي والمحلل السياسي ذو الأصول الفلسطينية، شفيق الغبرا، بعد حياة علمية غزيرة، لتخسر الساحة الفكرية العربية شخصية بارزة حملت مشعل الدفاع عن قضايا الأمة وظلت ثابتة على مبادئها.

ومنذ مطلع العام 2021، عانى الراحل من صراع مع مرض السرطان بدرجة متقدمة،  ليفارق الحياة بمسقط رأسه الكويت، في 4 سبتمبر/أيلول 2021.

طيلة مسيرته الحافلة، قدم الغبرا العديد من المحاضرات في العلوم السياسية، وكان كاتبا للمقالات بشكل يومي في عدة صحف.

كرس الغبرا جزءا من ندواته ومحاضراته المصورة للتعريف بالقضية الفلسطينية، كما حمل هم الأمة العربية حتى مماته.

سكنته القضية

ينحدر الراحل من مدينة حيفا المحتلة، وهو نجل الطبيب ناظم الغبرا، لكنه ولد في الكويت سنة 1953.

حصل الغبرا على شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية وتخصص في سياسات المقارنة، والإدارة العامة والمنظمات، ودرس لسنوات في جامعة الكويت.

في عام 2003، اختير  شفيق الغبرا لتأسيس الجامعة الأميركية في الكويت، في أول تجربة لبناء مؤسسة أكاديمية في مسيرته المهنية إلى جانب مهامه الأكاديمية.

أشرف الغبرا على تأسيس الجامعة (2003-2006) وتصميم برامجها الأكاديمية للطلاب والأساتذة.

وشهدت حياة الباحث والأكاديمي الكويتي من أصول فلسطينية، تحولات كبيرة منذ سنوات طفولته ما أثر على مسيرته الأكاديمية الممتدة لأكثر من 40 عاما. 

عاش الغبرا صعوبات الشتات بعدما رحلت عائلته إلى مصر من فلسطين، في أعقاب نكبة 1948 ثم انتقلت لاحقا إلى الكويت.

قاتل الغبرا في صفوف منظمة التحرير الفلسطينية، قبل أن يختار التدريس والبحث. 

ساهمت سنواته بالمنفى في دفعه إلى تكريس معظم أبحاثه للقضية الفلسطينية، والتركيز على الشتات في أبحاثه، فضلا عن دراسة آليات السلطة والمجتمع داخل الكويت الذي ولد وعاش فيها أغلب سنوات عمره. 

حمل الغبرا هم الأمة العربية وظل متابعا لشؤونها حتى مماته، وعبر عن آرائه في برامج حوارية عن الأحداث والمتغيرات التي عاشها الوطن العربي في السنوات الأخيرة؛ من الثورة الليبية إلى أحداث البحرين وثورة سوريا ثم مصر وتونس. 

شغل الراحل عدة مناصب، بينها الرئيس والمؤسس للجامعة الأميركية بالكويت لثلاث سنوات منذ 2003، وشغل قبلها منصب مدير مركز الدراسات الإستراتيجية والمستقبلية في جامعة الكويت لمدة سنة، كما أسس مركز "جسور عربية" للاستشارات والتدريب عام 2006.

كان الغبرا مدير المكتب الإعلامي الكويتي في العاصمة الأميركية واشنطن بين 1998 و2002، كما حرص على الكتابة بانتظام في الصحف العربية وعلى الأخص يومية "الحياة".

كان الراحل عضو الهيئة الاستشارية في مؤتمر "فكر 9" (تنظمه سنويا مؤسسة الفكر العربي)، ورئيس تحرير مجلة العلوم الاجتماعية في جامعة الكويت، وحاضر في عشرات الجامعات ومراكز البحوث والجمعيات العالمية.

ترك الغبرا عدة مؤلفات عنونها بـ"فلسطينيون في الكويت (الأسرة وسياسات البقاء)"، و"من تداعيات احتلال الكويت"، و"إسرائيل والعرب: من صراع القضايا إلى سلام المصالح". 

كما أصدر الراحل قيد حياته مؤلفات أخرى، "الولايات المتحدة والخليج: قراءة للمتغيرات الدولية ورؤية للمستقبل"، ثم "حياة غير آمنة: جيل الأحلام والإخفاقات"، و"الكويت: دراسة في آليات الدولة والسلطة والمجتمع"، و"النكبة ونشوء الشتات الفلسطيني في الكويت". 

هموم الأمة

أشاد المفكر دائما بالربيع العربي، واعتبر أنه "أنهى التوريث في الجمهوريات وأظهر مدى الفساد في العالم العربي، وأوضح أيضا كيف تدير الأنظمة والدول العلاقة مع شعوبها وكيف تدير ثرواتها".

رأى خبير العلوم السياسية، أن الأنظمة كان بإمكانها أن تلبي وتتعامل، بعد أن ثارت الشعوب ولا تتشبث بالحل الأمني، وكان بإمكانها أن "لا تدخل في هذا المستنقع"، على حد تعبير الراحل خلال استضافته على قناة "الوطن" الكويتية سنة 2015. 

في الحوار نفسه، اعتبر المفكر تونس والمغرب حالتين فريدتين في التعامل مع موجة الربيع العربي، بتمكنهما من التعامل مع الوضع. 

جزم الغبرا دائما بأن "الحل الأمني" لن يكون أبدا نهاية للثورات والحراكات في المنطقة، سواء في سوريا أو ليبيا واليمن أو حتى مصر -التي اعتبرها حالة مختلفة-، مشددا على أن الحل تفاوضي وتنازلات تسمح للسفينة بالعبور. 

حدد المفكر الراحل إشكالية العرب -في إشارة إلى الحكام والأنظمة- أنهم لا يقبلون التنازل، وأن المنتصر "يحوز كل شيء". 

كان الظهور الأخير للغبرا على الشاشة في يونيو/حزيران 2021، من واشنطن على قناة "الجزيرة" حيث تحدث عن وجود الوفد المصري في غزة وأسس تثبيت الهدنة وقضية الأسرى، نال المرض الخبيث من شكل المفكر الذي بدا متعبا، لكنه لم ينل من علمه وابتسامته التي حرص على تمريرها للمشاهدين وهو يرد على أسئلة المذيع.

رأى الغبرا في تعامل إدارة النظام المصري مع الأحداث الأخيرة في فلسطين، "برغماتية" وأرجع ذلك لما تعانيه بسبب أزمة سد النهضة، أما على الجانب الآخر فلم يلمس دكتور العلوم السياسية تغييرا جوهريا في تعامل حركة المقاومة الإسلامية "حماس" مع الجانب المصري ما يجعلها "حذرة".

لم يكن المفكر العربي ليفوت فرصة التعبير عن رأيه في حدث فاصل في تاريخ الأمة العربية، في أغسطس/ آب 2020 عندما أعلنت الإمارات عن اتفاق التطبيع مع إسرائيل. 

وقال: إن "القرار اتخذ دون حوار لا مع الشعوب ولا النخب ولا ضمن مجلس التعاون الخليجي". 

واعتبر المفكر أن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي كان بدون شروط، وعبر عن أسفه عن ذلك، قبل أن يقارنه بالاتفاقات التي سبقته بين الطرف الإسرائيلي وكل من مصر والأردن؛ التي اشترطت تغيير سلوك المحتل كما طرحت إشكالات الاستيطان والعودة. 

قالوا عنه

عبر حسابه الخاص على موقع "تويتر"، كان 13 أغسطس/آب 2021، هو اليوم الأخير الذي غرد فيه الغبرا، قائلا: "أطل عليكم في برنامج أبجديات القضية الفلسطينية، أقدم فيه خلاصة تجربتي في تدريس القضية الفلسطينية على مدى 30 عاما في حوالي 40 حلقة"، في مشهد يوحي إلى أن الراحل كان يسلم متابعيه والمهتمين بعلمه أعماله مجمعة قبل الرحيل. 

وعبر وسم باسم #شفيق_الغبرا، نعى عدد من الناشطين المفكر والأكاديمي الراحل.

وقال عضو مجلس الأمة الكويتي، أسامة الشاهين: "برحيل الدكتور الغبرا فقدت الكويت قامة علمية ومنارة فكرية كبيرة، أضاءت بشجاعة عندما اختار كثيرون الانزواء والانطفاء".

بدوره، قال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت، عبد الله الشايجي: "عرفت المرحوم الأستاذ والدكتور الغبرا في برنامج الدكتوراه بجامعة تكساس، وزاملته 30 عاما في قسم العلوم السياسية بجامعة الكويت.. أكاديمي متميز مدافع عن الحريات وحقوق الإنسان والحق الفلسطيني، لخص تجربته في (كتاب) حياة غير آمنة".