خسر انتخابات الرئاسة والبرلمان.. ما مصير "التيار الإصلاحي" في إيران؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تعرض تيار الإصلاح في إيران الذي تشكل منذ تسعينيات القرن العشرين إلى ضربة مزدوجة بعد خسارتين لحقت به في انتخابات البرلمان والرئاسة، ما فتح باب التساؤل واسعا بخصوص مصير التيار السياسي، ولا سيما أن أبرز رموزه تحت الإقامة الجبرية منذ 12 عاما.

أظهرت نتائج انتخابات البرلمان في فبراير/ شباط 2020، سيطرة شبه مطلقة للتيار المحافظ بعد حصوله على 221 مقعدا مقابل 16 مقعدا للإصلاحيين و34 للمستقلين، فيما فاز مرشح المحافظين إبراهيم رئيسي، في انتخابات الرئاسة التي جرت في يونيو/ حزيران 2021.

إقصاء وتشتت

من أبرز الأسباب التي كانت وراء خسارة الإصلاحيين هي قرارات الرفض الجماعي التي اتخذها "مجلس صيانة الدستور" لطلبات ترشيح آلاف المرشحين من الإصلاحيين سواء حدثت بالانتخابات البرلمانية في فبراير/شباط عام 2020، أو الرئاسية في يونيو/حزيران 2021.

ومجلس صيانة الدستور، هو هيئة غير منتخبة، له الحق في استبعاد مرشحين بحجج متفاوتة منها نقص الالتزام بالإسلام والدستور. وقد رفض ترشح 7000 شخص من أصل 12 ألفا سجلوا للمشاركة في انتخابات البرلمان.

 ووافق على 7 مرشحين للرئاسة غالبيتهم من التيار المحافظ، من بين 500 تقدموا للترشح.

وعلى نحو مماثل، يعاني تيار الإصلاح في السنوات القليلة الماضية من أزمة عميقة، سواء على مستوى التنظيم الداخلي، أو الشعبية بين الإيرانييين.

 وأكبر دليل على ذلك، شعارات "لا للإصلاحيين" التي كررها ورددها المحتجون سواء في مظاهرات عامي 2017 و 2018، وخلال احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019.

كما أن صفوف الإصلاحيين شهدت تشتتا في انتخابات الرئاسة الأخيرة، في مقابل توحد المحافظين خلف مرشحهم إبراهيم رئيسي مستخدمين إمكانيات هائلة للترويج الدعائي له.

ولم يتفق الإصلاحيون على مرشح من الصف الأول، مما أربك الحراك الإصلاحي في إيران، رغم الاجتماع المطول لـ"جبهة الإصلاحات" قبل الانتخابات الرئاسية، لكن هذه الجبهة توصلت إلى اتخاذ قرار موحد بخصوص دعم أحد المرشحين.

وفي 14 يونيو/ حزيران 2021، أي 4 أيام قبيل الانتخابات، شعر 113 ناشطا إصلاحيا بالخمول الذي أصاب هذا التيار نتيجة للضربات التي تلقاها من مجلس صيانة الدستور والمتشددين معا.

فوجهوا رسالة إلى كبار الشخصيات الإصلاحية كالرئيس الأسبق محمد خاتمي، وعلي أكبر ناطق نوري، وهادي شقيق المرشد الأعلى علي خامنئي.

إضافة إلى حسن خميني حفيد المرشد المؤسس للنظام، ومحمد هاشمي رفسنجاني شقيق الرئيس الإيراني الأسبق، ومحمد رضا عارف المرشح الإصلاحي السابق، وبهزاد نبوي أحد أبرز زعماء الإصلاحيين، ودعوهم إلى دعم المرشح عبد الناصر همتي.

وذكر الناشطون في رسالتهم لهؤلاء القياديين: "نحن ننتفض لمكافحة الإحباط والجمود السياسي والاجتماعي واليأس المخيم على جموع الناس" وفي هذا الدرب، نتكل على شعار الثورة، وهو "استقلال، حرية، جمهورية إسلامية"، للحد من مساعي البعض لإضعاف الجمهورية".

واعتبروا أن تحركهم يهدف للحؤول دون "الانسداد السياسي" و"تفشي الإحباط".

وذكر الناشطون أن "التيار الإصلاحي جرب مرارة التشتت والفرقة في انتخابات 2005 ولاحظ الجميع النتائج المضرة لذلك".

لذا "ندعو قادة الإصلاحات والاعتدال والعقلاء في إيران لأن ينزلوا فورا إلى الساحة ويعلنوا خيارهم الجماعي ويقنعوا ويشجعوا الشعب الإيراني بغية المشاركة في الانتخابات والتصويت لهذا المرشح"، كما قالوا.

مرحلة صعبة

وبخصوص مستقبل الإصلاحيين، قال الكاتب والمحلل الإيراني محمد كلش: إنه "لا يمكن الاعتقاد أن التيار الإصلاحي قد انتهى بصعود إبراهيم رئيسي، بل على العكس من ذلك فسنكون في المرحلة اللاحقة في حال تعاقب لأن المناخ الإصلاحي موجود".

الكاتب الإيراني أكد خلال مقابلة تلفزيونية في 19 يونيو/ حزيران 2021 أنه "رغم ذلك كله، فالكلمة النهائية في إيران تبقى للتيار المتشدد (المحافظين)، والمرشد الإيراني علي خامنئي".

من جهته، نقل الكاتب الإيراني، إحسان مهرابي، بعض ما قاله الإصلاحيون "بعد ساعات قليلة من إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية، حيث أطل حسين مرعشي، المتحدث باسم حزب كوادر البناء (إصلاحي)، متحدثا عن تجديد الحزب".

وأضاف الكاتب مهرابي خلال مقال نشره موقع "إيران وير" المعارض في 25 يونيو/ حزيران 2021 أن "بهارة هدايت، العضو السابق في مكتب التحكيم رأت أن جميع علامات هزيمة التيار الإصلاحي كانت قد ظهرت إلى العلن منذ وقت طويل".

ومن ذلك "هزيمة الخطاب، والهزيمة التنظيمية والإستراتيجية والهوياتية وكل ما تغير أننا نرى الآن هذه الهزيمة بالأعداد والأرقام على لوحة الدرجات".

وتابع: "محللون أعلنوا عدم توافر الإصلاحيين على حظوظ الفوز في الانتخابات، حتى لو لم يقص إسحق جهانغيري، في الأثناء، فإن أصوات إبراهيم رئيسي هي الأصوات السابقة نفسها، في حين أن أصوات داعمي التيار الإصلاحي زالت عمليا عن العملية الانتخابية".

أما الأسباب التي أدت إلى إزالة تلك الأصوات فمنها الاستياء من الإصلاحات بسبب ضغوطات المرشد الأعلى وداعميه، وكذلك طريقة أداء التيار الإصلاحي وأداء حكومة حسن روحاني، ووقوع احتجاجات 2017 و2019، وفق قوله.

ورأى الكاتب أن "جزءا من تضاؤل الأصوات هذا يعود إلى داعمي أحزاب التيار الإصلاحي الذين عزفوا عن المشاركة في الانتخابات، لكنه لم يكن من التأثير بمكان حتى يحدث تغييرا في المعادلات الانتخابية".

كما يعود جزء منه إلى داعمي التيار الإصلاحي الذين إما انضموا انضماما تاما إلى تيار مقاطعة الانتخابات والمطالبة بإسقاط النظام وإما أن الملل والاستياء استولى عليهم إلى درجة فقدت معها المعادلات الانتخابية رونقها بالنسبة لهم.

ويواجه الإصلاحيون الآن كثيرا من سهام النقد تلويحا وتصريحا، لكنهم يفضلون الحديث عن مستقبلهم.

فقد طلب عباس عبدي، الإعلامي والناشط السياسي، من التيار الإصلاحي أن يعد العدة لــ"مرحلة سياسية صعبة" يرى أنها "ينبغي أن تترافق بانسلاخ وطرح القشرة الخارجية لجسدهم السياسي سواء من ناحية القوة البشرية والحزبية أم من ناحية المقاربات"، وفقا للكاتب إحسان مهرابي.

انتصارات "الإصلاح"

بعد وفاة مرشد إيران الأول روح الله الخميني عام 1989، ووصول علي خامنئي إلى الحكم، حصل انقسام بين القوى الإسلامية في البلاد وكان جزء منهم مؤمنا بالاقتصاد الحكومي وعرفوا باليسار وقدموا أنفسهم على أنهم من "السائرين على نهج الخميني".

وعلى نقيض هذه المجموعات، ظهر بينهم أتباع الملكية الخاصة وأطلقوا على أنفسهم اليمين.

وبحسب مقال للكاتب الإيراني، أمير سلطان زاده، نشرته صحيفة "إندبندنت عربية" في 16 سبتمبر/ أيلول 2020، فإن "المجموعتين عاشت فترة تمثلت بالانسجام والوحدة خلال حكم الرئيس الأسبق أكبر هاشمي رفسنجاني لكن خلال ولايته الثانية، حدثت خلافات بين فريق في حكومته ومرشد الجمهورية علي خامنئي".

وكان رفسنجاني آنذاك يصنف على اليمين المناصر لخامنئي، حتى جاءت الانتخابات الرئاسية عام 1998، إذ شهد البلد اصطفافات جديدة: ترشح رئيس البرلمان الأسبق علي أكبر ناطق نوري وهو من المقربين لعلي خامنئي ومثل تيار اليمين في البلاد وترشح محمد خاتمي المقرب من التيار اليساري في حقبة السبعينيات.

وأضاف الكاتب أن تلك الانتخابات شهدت للمرة الأولى منافسة بين المنتمين لنظام الجمهورية الإسلامية. وعلى الرغم من ترشح آخرين في تلك الانتخابات، فإنهم لم يحققوا نجاحا ملحوظا وظل التنافس بين ناطق نوري وخاتمي.

ولفت إلى أن القوى العسكرية والأمنية المقربة من خامنئي سعت إلى الترويج للمرشح المقرب منه أي ناطق نوري.

وكانت غالبية المراقبين السياسيين رجحت فوز ناطق نوري ولم يقتنع حتى المتفائلون من بين المناصرين لخاتمي أن يسمح مرشد الجمهورية بفوز أحد غير علي أكبر ناطق نوري.

لكن الانتخابات أظهرت نتيجة مفاجئة للجميع: حصد محمد خاتمي 20 مليون صوت وحصل أكبر ناطق نوري على 4 ملايين صوت.

مع فوز محمد خاتمي في الانتخابات، ترسخ وجود تيار سياسي تمحور حوله وأطلق عليه "التيار الإصلاحي"، بحسب الكاتب.

والتف حول هذا التيار من كانوا يعرفون باليساريين و"السائرين على نهج الخميني" وتقربت إليهم بعض القوى العلمانية التي تبنت نظرة معتدلة تجاه الإسلاميين على الرغم من أن بعضهم أخفى قناعاته تجاه الإسلاميين في تلك الحقبة، وفقا لحديث زاده.

وكان الشعار الأساسي لخاتمي هو "التنمية السياسية" وعمل لتوسيع الحريات السياسية والاجتماعية كما شهدت الصحف انفتاحا أكثر وأصبح الشعب يسمع خطابا جديدا.

هذا التيار الإصلاحي أفلح في تشكيل أحزاب جديدة وإطلاق صحف متنوعة وأحدث انقلابا في الأجواء الثقافية في البلاد. حدث ذلك في أجواء كان الشعب متعطشا لخطاب جديد.

جرى انتخاب محمد خاتمي لفترتين رئاسيتين، من عام 1997 إلى عام 2005، بدعم كبير من الشباب والنساء الحالمين بالتغيير. وطوال السنوات الثمانية، راهن خاتمي على أن الجمهورية الإسلامية يمكن أن تتحول سلميا من الداخل إلى الديمقراطية.

رافق فوز خاتمي بالانتخابات الرئاسية السابعة، الكثير من الانتصارات الإصلاحية، فقد فاز الإصلاحيون بثلاث انتخابات متتالية: المجالس المحلية في عام 1998، الانتخابات البرلمانية السادسة في عام 1999، ثم الرئاسية لعام 2001.

مع وصول التيار الإصلاحي، وعلى رأسه محمد خاتمي سادت أجواء جديدة في البلاد، كان التوجه العام للحكومة الإصلاحية حينها هو التنمية السياسية والتطور الثقافي والعمل على الحريات الجماعية والفردية، ورفعت حكومة الرجل منذ يومها الأول شعار التنمية السياسية والإصلاحات.

على المستوى الاقتصادي، حاولت حكومة خاتمي، إصلاح الاقتصاد المنهار بسبب تداعيات حرب الثماني سنوات مع العراق. كذلك حاولت الحكومة معالجة المشاكل الهيكلية لاقتصاد البلاد الذي كان يواجه أزمة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.

نجحت الحكومة الإصلاحية بقيادة محمد خاتمي، في توحيد نسبي لأسعار الصرف، وإعداد حساب احتياطي النقد الأجنبي للبلاد، وتنشيط القطاع الخاص، في مقابل سيطرة القطاع الحكومي على الأسواق الإيرانية.