رغم إعلان انسحابها.. لماذا تبني الإمارات قاعدة عسكرية في "ميون" اليمنية؟

سام أبو المجد | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم إعلان الإمارات انسحاب قواتها من اليمن منذ فبراير/شباط 2020، فإنها تعمل على بناء قاعدة عسكرية في جزيرة ميون الإستراتيجية الواقعة في مضيق باب المندب.

وأوضحت وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن قاعدة جوية يتم بناؤها في جزيرة ميون اليمنية التي تقع في منطقة إستراتيجية في قلب مضيق باب المندب.

ونشرت صورا التقطتها الأقمار الصناعية التابعة لشركة "بلانيت لابز" في 11 أبريل/نيسان 2021 شاحنات تفريغ ومدرج طائرات و3 حظائر للطائرات جنوبي المدرج.

ونقلت الوكالة عن مسؤولين في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، لم تسمهم، أن الإمارات هي من تقف وراء بناء هذه القاعدة.

كما نقلت عن مسؤولين عسكريين، رغبوا بعدم الكشف عن هوياتهم، قولهم إن "السفن الإماراتية نقلت أسلحة ومعدات عسكرية وقوات إلى جزيرة ميون خلال الأسابيع الأخيرة”.

وأوضح المسؤولون العسكريون أن “التوتر الأخير بين الإمارات والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي يعود في جزء منه إلى مطالب إماراتية لحكومته بتوقيع اتفاقية تأجير لجزيرة ميون مدة 20 عاما”.

غسيل جرائم

وتجاهلت الإمارات هذه التقارير وذكرت وكالة "أسوشيتد برس” أن مسؤولين إماراتيين في أبوظبي وسفارتها لدى واشنطن لم يردوا على طلبات الوكالة للتعليق على الخبر.

أما السعودية التي تقود تحالف ما يسمى دعم الشرعية في اليمن فقد نفت التقارير التي تحدثت عن وجود قوات إماراتية في جزيرتي سقطرى وميون اليمنيتين.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية "واس" عن مصدر مسؤول بالتحالف قوله: "لا صحة للأنباء التي تتحدث عن وجود قوات لدولة الإمارات العربية المتحدة، في جزيرتي سقطرى وميون".

وأوضح أن "التجهيزات الموجودة في جزيرة ميون تقع تحت سيطرة قيادة التحالف، وفيما يخدم تمكين القوات الشرعية وقوات التحالف من التصدي لمليشيات الحوثي، وتأمين الملاحة البحرية، وإسناد قوات الساحل الغربي".

غير أن المحلل السياسي اليمني ياسين التميمي يرى أن نفي السعودية للخبر محاولة لتوفير غطاء للنهج الإماراتي الاستفزازي والعدواني، إذ ليس من مصلحة الرياض أن تتكرس صورتها كشريك لطرف استعماري، على حد قوله.

يضيف التميمي لـ"الاستقلال" أن "السعودية تسعى دائما لغسل جرائم الإمارات من خلال تصوير ما يجري في ميون وكأنه جزء من الترتيبات الدفاعية المرتبطة بالمهمة العسكرية للتحالف، ومن بينها دعم القوات المرابطة للساحل الغربي".

يتابع: "بناء قاعدة عسكرية إماراتية في جزيرة ميون اليمنية جزء من مخطط تمضي الإمارات في تنفيذه على قدم وساق، بغية تحقيق عدة أهداف".

كان أحد الأهداف، بحسب المحلل، هو تجريد السلطة الشرعية من مقومات وجودها وتأثيرها ونفوذها، وكذلك تأسيس مراكز قوى جديدة لديها قابلية لتقسيم اليمن وإضعافه، وإعادة بناء سلطة شمولية ديكتاتورية في يمن مقسم ومجزأ.

يأتي ذلك الإجراء في سياق تخادم الإمارات مع القوى الغربية من خلال تأمين محطة دعم لوجستية إستراتييجة للأساطيل التابعة لهذه القوى في مضيق باب المندب، وتكريس مبدأ الإشراف الإقليمي على المضيق.

وكتب النائب اليمني علي عشال  تغريدة على حسابه في تويتر علق فيها على تصريح مسؤول التحالف في الرياض الذي أنكر أي أنشطة إماراتية على  جزيرة ميون قال فيها: "بيان المصدر المسؤول بالتحالف حول جزيرة ميون أراد أن يكحلها فأعماها".

وتابع: "أثبت صحة المعلومات كما أثبت أن الانحراف لم يكن عملا شاذا من طرف في التحالف وإنما عملا ممنهجا مرضيا عنه، أين سلطات الدولة من كل مايجري؟ نريد أن نسمع منها!!؟".

انتهاك وتفريط

أما النائب اليمني ومحافظ تعز الأسبق علي المعمري فقد كتب سلسلة تغريدات على حسابه قال في إحداها: الاعتماد في الوجود العسكري على الجزر اليمنية من خلال إعداد مجاميع مسلحة هي أشبه بشركات أمنية.

وبين أن "تمويلها من خارج مؤسسات الدولة ولا تخضع لسلطات الدولة اليمنية، يمثل انتهاكا صارخا لسيادة اليمن ولاشيء يعفي الحكومة من القيام بمسؤولياتها وواجباتها تجاه وحدة التراب و سيادتها".

من جانبه، اتهم السفير اليمني لدى الأردن علي العمراني، الإمارات بشكل ضمني، بدعم الانفصاليين في اليمن من أجل الاستيلاء على جزرها.

وقال في تغريدة على حسابه في تويتر، “جاؤوا (في إشارة إلى الإماراتيين)  بهدف إعادة الشرعية إلى صنعاء لكنهم طردوها (الشرعية) من عاصمة البلاد المؤقتة عدن”، مضيفا: “يدعمون خصوم الشرعية من الانفصاليين (المجلس الانتقالي) كي يهيمنوا على جزر مثل ميون (غرب)، وسقطرى (جنوب شرق) ويجلبون السياح الأجانب إليها دون تأشيرة من الحكومة”.

بدوره كتب نائب رئيس مجلس النواب اليمني عبدالعزيز جباري تغريدة على حسابه في تويتر قال فيها: "السكوت عما يحدث في جزيرة ميون من قبل الإمارات تفريط بسيادة اليمن"، ورأى أن "من فرط في سيادة بلده سقطت شرعيته".

وتناول السيناتور الأميركي الديمقراطي كريس ميرفي موضوع بناء الإمارات قاعدة عسكرية في جزيرة ميون اليمنية، وكتب تغريدة أكد فيها أن أبوظبي لم تخرج من اليمن.

جاء ذلك في تعليقه عبر تويتر على مغرد يتحدث عن قيام الإمارات ببناء قاعدة جوية عند مضيق باب المندب قبالة اليمن، وتساءل كاتب التغريدة عما إذا كانت إسرائيل ستستفيد من هذه القاعدة.

أهمية إستراتيجية 

قال جيريمي بيني، محرر الشرق الأوسط بشركة “جينس” للاستخبارات مفتوحة المصادر، لوكالة أسوشيتد برس: “يبدو أن هذا هدف إستراتيجي طويل الأمد لإنشاء وجود دائم نسبيا”.

وأضاف: “ربما لا يتعلق الأمر فقط بحرب اليمن، وعليك أن ترى وضع الشحن التجاري على أنه أمر أساسي إلى حد ما في جزيرة ميون”.

والأهمية الإستراتيجية لجزيرة ميون اليمنية تكمن في تموضعها بمضيق باب المندب، والسيطرة عليها تمكنها من حركة الملاحة البحرية في المضيق، كما تعد إحدى أهم نقاط التفتيش البحرية عالية الأهمية للسفن والباخرات والناقلات التجارية والعسكرية.

لذلك فإن السيطرة عليه تمنح تفوقا عسكريا وإستراتيجيا، خصوصا في ظل التنافس الدولي على مد النفوذ.

 علاوة على أن باب المندب ذاته يشرف على قارتين هما آسيا وإفريقيا، ويمكن لمن تمكن من السيطرة على الجزيرة تنفيذ أي هجمات جوية من القاعدة العسكرية المتموضعة في الجزيرة.

وكانت وكالة أسوشيتد برس أشارت إلى أن بناء القاعدة الجوية يمثل بعدا أكثر إستراتيجية يفوق نطاق النزاع العسكري بالنسبة إلى الإمارات.

تجدر الإشارة إلى أن التمكن من جزيرة ميون اليمنية، يقلل من أهمية السيطرة على جزيرة عصب الإريتيرية التي لا تشرف على المضيق بشكل مباشر.

 لهذا فقد عمدت الإمارات قبل عدة أشهر إلى تفكيك قاعدتها العسكرية في جزيرة عصب ونقلت جزءا من الآليات العسكرية إلى ميون.

وكشف تحقيق لقناة الجزيرة نشرته في مارس/آذار 2021 أن الإمارات تعمل على تفكيك قاعدتها العسكرية (المعروفة باسم عصب) في إريتريا، ونقلت جزء من منشآتها وآلياتها العسكرية إلى "ميون" اليمنية.

وأفاد التحقيق -الذي عمل عليه فريق البحوث المتقدمة والاستقصاء بالتعاون مع فريق متخصص في تحليل صور الأقمار الصناعية- بأن الإمارات فككت ثكنات عسكرية، ونقلت منظومة باتريوت وطائرات من قاعدة عصب العسكرية.

 وأظهرت صور الأقمار الصناعية أيضا إنشاءات عسكرية في جزيرة ميون اليمنية بباب المندب، وذلك بالتزامن مع تفكيك القاعدة الإريترية.