بسبب زعيم البوليساريو.. هل تصل الأزمة بين المغرب وإسبانيا حد القطيعة؟
.jpg)
استدعى المغرب، في 25 أبريل/نيسان 2021، سفير إسبانيا لديه، ريكاردو دييز رودريغيز، استنكارا لاستقبال مدريد، زعيم جبهة "البوليساريو"، إبراهيم غالي.
سافر غالي إلى إسبانيا للعلاج بعد إصابته بفيروس كورونا، وسارعت مصادر دبلوماسية في مدريد إلى تبرير استقباله بأنه كان لأسباب إنسانية.
جاء هذا التطور في وقت تشهد العلاقات المغربية الإسبانية تعاقبا في الأزمات بسبب ملف الصحراء الغربية التي يتنازع عليها المغرب وجبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر.
نحو التصعيد
في 29 أبريل، انتقد عضو البرلمان الأوروبي، أتيلا آرا كوفاكس، موقف إسبانيا قائلا عبر حسابه على موقع “تويتر”: “بصفتي مواطنا أوروبيا، أتساءل كيف يمكن للحكومة الإسبانية أن تسمح لمجرم سيء السمعة بدخول أوروبا؟”.
واعتبر النائب أن التعاون بين “البوليساريو” والجزائر وإسبانيا في هذه القضية “غير مقبول من الناحية الأمنية”، و”يتعارض مع القيم الأوروبية”.
من جهتها قالت وزارة الخارجية المغربية، في بيان، إنها طلبت من السفير الإسباني "تقديم توضيحات حول هذا الاستقبال".
وأعربت الوزارة، عن أسفها "لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها زعيم مليشيات (البوليساريو) الانفصالية، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
كما أعربت عن خيبة أملها "من هذا الموقف المتنافي مع روح الشراكة وحسن الجوار، والذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي (إقليم الصحراء المتنازع عليه مع البوليساريو)".
وأردفت: "موقف إسبانيا يثير قدرا كبيرا من الاستغراب والتساؤلات المشروعة، منها لماذا تم إدخال المدعو إبراهيم غالي إلى إسبانيا خفية وبجواز سفر مزور؟".
وتابعت: "ولماذا ارتأت إسبانيا عدم إخطار المغرب بالأمر؟ ولماذا اختارت إدخاله بهوية مزورة؟ ولماذا لم يتجاوب القضاء الإسباني بعد مع الشكاوى العديدة التي قدمها الضحايا؟".
استدعاء السفير سبقه بيومين تأكيد وزيرة الخارجية الإسبانية، أرانشا غونزاليس لايا، أن "غالي يتلقى العلاج في بلادها بعد إصابته بكورونا، مستبعدة أن يثير ذلك أزمة مع الرباط".
وشددت على أن "المغرب بلد جار وصديق وشريك مميز، والعناية الطبية التي يتلقاها غالي لن تكون مزعجة لعلاقاتنا الثنائية".
أظهرت إسبانيا بذلك رغبتها في "الحفاظ على العلاقات الجيدة بين البلدين"، متفادية حدوث "نكسة جديدة"، كما وصفتها تقارير مغربية، للتحضيرات القائمة حاليا بين أعضاء حكومتي البلدين تمهيدا للاجتماع رفيع المستوى المنتظر عقده في الرباط والذي سبق أن أجل مرتين بسبب قضية الصحراء.
أكدت المسؤولة وجود غالي في مستشفى "سان بيديو" بمدينة لوغرونيو للعلاج، إلا أنها لم تتطرق لطبيعة مرضه أو وضعه الصحي.
كما تفادت الحديث عن الطريقة التي دخل بها إلى البلاد، في حين أكدت وسائل إعلام مغربية -قريبة من السلطة- دخوله "بهوية مزورة بعد أن منحته الجزائر جواز سفر".
وبدأ النزاع بين المغرب وجبهة "البوليساريو" حول إقليم الصحراء عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده بالمنطقة، ليتحول الخلاف إلى نزاع مسلح استمر حتى 1991، بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
وتصر الرباط على أحقيتها في إقليم الصحراء، وتقترح كحل حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" بتنظيم استفتاء لتقرير المصير، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
تهم ثقيلة
يواجه غالي عددا من الشكاوى لدى المحاكم الإسبانية في السنوات الماضية، من مواطنين صحراويين، بدعوى ارتكابه "جرائم حرب وانتهاكات لحقوق الإنسان".
قال موقع "الصحيفة" المغربي، إن "الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان" حركت طلبا موجها للمحكمة العليا بعد ظهور أنباء عن دخول إبراهيم غالي إلى إسبانيا، من أجل التحقيق في صحة الأمر، وبالتالي الاستماع للمعني بالأمر وإصدار مذكرة توقيف في حقه وضمان عدم فراره من العدالة الدولية بسبب الاتهامات التي تلاحقهم منذ 5 سنوات.
وتعمل هذه المذكرة على إحياء الملف الذي فتحه القاضي الإسباني خوسي دي لا ماتا في نوفمبر/تشرين الثاني 2016 قبيل زيارة متوقعة لغالي إلى إسبانيا.
وهذا الملف يتعلق بتورط غالي في جرائم الإبادة الجماعية والقتل والتعذيب والإخفاء القسري في حق صحراويين معارضين لجبهة "البوليساريو" في مخيمات "تندوف" بالجزائر، استنادا إلى شكاية قدمها 3 ضحايا في نوفمبر/تشرين الثاني 2012.
وكان القاضي الإسباني الذي يترأس محكمة التعليمات المركزية الخامسة، قد أصدر أمرا لجهاز الأمن من أجل التعرف على غالي وتوقيفه فور دخوله الأراضي الإسبانية، وذلك بعد أن كان يستعد لحضور نشاط مساند للطرح الانفصالي بمدينة برشلونة.
وهو الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى إلغاء مشاركته خوفا من الاعتقال ولم تطأ قدمه الأراضي الإسبانية بعد ذلك.
وصف الدكتور عبد الرحيم منار اسليمي، رئيس المركز الأطلسي للدراسات الاستراتيجية والتحليل الأمني، بيان الخارجية المغربية بالقوي معتبرا أن يتلائم مع ما قامت به إسبانيا باستقبال غالي.
وبين في حوار له على قناة "ميدي 1" المغربية في 27 أبريل/نيسان أن الجهاز الدبلوماسي المغربي عبر عن عدم رضا بالدرجة الأولى، قبل أن يفتح المجال أمام مزيد من التصعيد قد يصل في الأيام المقبلة حد إرسال السفير، بحسب خبير العلاقات الدولية.
ورأى أستاذ القانون الدولي، أن تصريح وزيرة الخارجية الإسبانية "تبرير واه وغير مقنع"، معتبرا أن "الدوافع الإنسانية" لا تنطبق على حالة غالي المتابع قضائيا داخل إسبانيا.
ومضى إلى القول، إن الأمر أصبح متعلقا بالسيادة الإسبانية، موضحا أنها "أصبحت مخترقة" بعد دخول متهم بوثيقة مزورة إلى أراضيها.
تشنج لا قطيعة
زاد اسليمي، أن إسبانيا الآن في ورطة ليس فقط مع المغرب، بل أيضا مع المجتمع الدولي، والأوروبيين بالخصوص الذين قد يعتبرون أن حدودهم معها غير مؤمنة.
ووصف جزم وزيرة الخارجية الإسبانية بأن "الرباط لن تخلق أزمة" بـ"الخطأ الدبلوماسي"، واعتبر أن الأمر يختبر السلطات الإسبانية التنفيذية والقضاء الإسباني "المستقل".
وبين أن "الدوافع الإنسانية" لا تنفي مبدأ الإفلات من العقاب، واصفا ردها بـ"الهروب الذي قد يعمق الأزمة مع المغرب".
هشام برجاوي، الأستاذ بجامعة "القاضي عياض"، بمدينة مراكش بالمغرب، ذهب إلى أن "العلاقات الإسبانية - المغربية تتميز تاريخيا بنوع من الاستقرار الحذر، نظرا لملفي الصحراء ومدينتي سبتة ومليلية.
وأوضح في حديث مع "الاستقلال"، أنه فيما يخص ملف الصحراء، تتبنى الحكومة الإسبانية، على غرار دول أوروبية أخرى، موقفا أقرب إلى الغموض.
فهي لا تعترف رسميا بسيادة المغرب على الصحراء، لكنها تدعو إلى إيجاد حل تفاوضي تحت إشراف منظمة الأمم المتحدة، وهو موقف لم يتغير منذ سبعينيات القرن الماضي، ولا يراعي التطورات الأخيرة التي عرفها الملف الصحراوي.
وأضاف: فيما يتعلق بمدينتي سبتة ومليلية، فالمغرب يطالب بهما، ويعتبرهما محتلتين من قبل إسبانيا.
لكن، رغم وجود اختلاف في وجهات النظر حول الملفين المذكورين، يقول خبير العلاقات الدولية إن "التعاون بين الدولتين يشمل قضايا لا يستهان بأهميتها كالتعاون الاقتصادي والثقافي، وكذلك التعاون الأمني في مجالات مكافحة الإرهاب والهجرة غير القانونية والإتجار بالمخدرات".
وذكر برجاوي، بأنه سبق للعلاقات بين البلدين أن شهدت احتقانات شديدة، بيد أنها لم تصل إلى مرحلة القطيعة التامة.
واستدرك: "من المحتمل أن يفضي استقبال زعيم البوليساريو في أحد مستشفيات إسبانيا للعلاج إلى تشنج مع المغرب، لأنه كان من الممكن أن يتلقى المعني بالأمر العلاج في الجزائر، أو في إحدى الدول الأوروبية التي تدعم، بصورة صريحة، مبدأ تقرير المصير".
وتبعا لما سبق، فإن السؤال المطروح، وفق المتحدث، هو: لماذا وافقت إسبانيا على تلقي المعني بالأمر العلاج فوق أراضيها، مع وجود بدائل أخرى، ومع كونه مطلوبا قضائيا في عدة ملفات؟
وختم بالقول: عموما، ما قامت به الحكومة الإسبانية ينم عن تقدير غير متوازن وغير واقعي للأولويات، لكنه لن يفضي إلى أزمة بنيوية مع المغرب.
المصادر
- فرَّ من أمر اعتقال قبل 5 سنوات.. المحكمة الوطنية الإسبانية تحقق في دخول غالي إلى البلاد بهوية جزائرية مزورة
- خاص – مدريد أخبرت الرباط باستقبال غالي للعلاج.. ووزيرة خارجية إسبانيا: هذا لا يزعج المغرب
- ملف الصحراء: إسبانيا تؤكد على حيادها وفرنسا لن تتخذ موقفا حول مغربية المنطقة بدون إجماع أوروبي
- تورط إسبانيا في استقبال المدعو إبراهيم غالي يصل البرلمان الأوروبي
- المغرب يعلن رسميا استدعاء السفير الإسباني
- زعيم البوليساريو في إسبانيا للعلاج من كوفيد-19