أبعاد أخرى.. ما الأسباب الحقيقية لتعليق استخدام لقاح أسترازينيكا في أوروبا؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تسبب قرار العديد من الدول الأوروبية تعليق استخدام لقاح أسترازينيكا - أوكسفورد البريطاني في حالة ذعر واسعة بين المواطنين في أغلب الدول أهمها ألمانيا وفرنسا.

وفي 14 مارس/ آذار 2021، قررت 13 دولة داخل الاتحاد الأوروبي تعليق استخدام لقاح أسترازينيكا المستخدم في التطعيم للحماية من وباء كورونا بسبب وجود أعراض جانبية أهمها حدوث جلطات دموية وهو ما نفته الشركة البريطانية. 

وأثار القرار موجة لغط كبيرة داخل القارة الأوروبية وتخوفات من استخدام لقاح أسترازينيكا.

 ورغم صدور تقرير عن وكالة الأدوية الأوروبية يعيد للشركة اعتبارها ويؤكد أن لقاح أسترازينيكا آمن وفوائده تتغلب على آثاره الجانبية إلا أن حالة الخوف ما زالت تسيطر على الكثير من الأوروبيين.

ونفى تقرير الوكالة وهي أعلى هيئة تنظيمية للأدوية واللقاحات في أوروبا الصلة بين اللقاح والجلطات الدموية التي تسببت بتعليق استخدام اللقاح في عدة دول بينها ألمانيا وإسبانيا وإيطاليا وفرنسا. 

ذعر أوروبي

بعد صدور تقرير وكالة الأدوية الأوروبية في 16 مارس/آذار بساعات أعلنت العديد من الدول عن نيتها استئناف العمل باللقاح إلا أن القرارات السابقة والتصريحات التي رافقت قرار التعليق تسببت في حالة من الذعر.

الباحث في الشؤون الأوروبية وأستاذ العلوم الإنسانية بالمعهد الأوروبي في باريس الدكتور صلاح القادري، قال "إن الرأي العام الآن في أوروبا يتخوف من أسترازينيكا وبالتالي ستتباطأ عملية التلقيح، وبالتالي فإن الرأي العام سيكون أكثر حنقة وغضبا تجاه القادة الأوروبيين". 

وأضاف القادري في تصريحات تلفزيونية لقناة تي آر تي عربي في 18 مارس / آذار: "قرارات الساسة تأتي على خلاف ما قالته الوكالة الأوروبية للأدوية وكذلك منظمة الصحة العالمية وهنا يظهر تساؤل هل كان هذا القرار سياسيا أم كان القرار حقيقة مبني على حقائق علمية لأن الوكالة الأوروبية للأدوية ومنظمة الصحة العالمية تقول إن استعمال أسترازينيكا آمن". 

وظهرت حالة الذعر والخوف من التطعيم بلقاح أسترازينيكا في ألمانيا بشكل واسع. ويوضح القادري أنه في ألمانيا من بين 6.7 مليون جرعة تطعيم أولية اتخذت كان من بينها 1.7 مليون جرعة من أسترازينيكا.

وأضاف "حينما بدأت حملة التطعيم بالجرعة الثانية بعد استئناف التطعيم من بين 1.7 مليون ألماني لم يتقدم للجرعة الثانية إلا 250 شخص فقط، ستتحول الأزمة من أزمة مجتمعية إلى صحية والدليل على ذلك العودة إلى الحجر الصحي المنزلي للمرة الثالثة في ألمانيا".

وتوضح الأرقام الصادرة عن هيئة الصحة العامة الفرنسية أن الإقبال على لقاح أسترازينيكا انخفض إلى نحو 66 ألف جرعة و62 ألف جرعة خلال يومي 19 و20 مارس /آذار. 

ويأتي هذا الانخفاض بحسب ما نشرته صحيفة بوليتيكو الأميركية في 22 مارس / آذار من مستوى 90 ألف جرعة يوميا على الأقل خلال الأسبوع الأخير من الشهر والذي سبق قرار تعليق استخدام اللقاح واستئنافه بالتزامن مع تصريحات مربكة حول سلامته.

رئيس نقابة الأطباء في فرنسا جيروم مارتي أشار إلى أن هذه الأرقام لا تعد انهيارا ويجب مراقبة الأرقام. 

وأوضح في تصريحات نقلتها صحيفة بوليتيكو أن نصف فترات التطعيم الخاصة بهذا الأسبوع (أواخر الشهر) تم حجزها، معبرا عن ثقته من أن اللقاحات ستعود إلى المسار الصحيح.

لكن بعض الأطباء شككوا في ذلك ويقولون إن العديد من المرضى لم يعودوا يثقون بلقاح أسترازينيكا بعد أن أوقفت الحكومة استخدامه لعدة أيام.

ونقلت الصحيفة تصريحات طبية تعمل في قرية بالقرب من مدينة ميلوز شمال شرق فرنسا قالت فيها إنه لم يعد أي من مرضاها يرغب في التسجيل في أسترازينيكا بعد الآن، مؤكدة أن تعليق استخدام اللقاح خلق حالة من عدم الثقة وأن عملية إقناعهم باتت أمرا معقدا.

ووصفت مجلة فورين بوليسي الأميركية القرار الأوروبي بتعليق استخدام اللقاح بأنه غير علمي واستشهدت بتقرير وكالة الأدوية الأوروبية والذي قالت فيه "لا يوجد حاليا أي مؤشر على أن التطعيم قد تسبب في هذه الحالات" معتبرة أن الجلطات الدموية شائعة جدا. 

وأضاف التقرير المنشور في 17 مارس / آذار: "الجلطات الدموية تقتل من 60 ألف إلى 100 ألف شخص كل عام في الولايات المتحدة، من بين حوالي 2.8 مليون حالة وفاة سنوية".

تقرير آخر لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية يؤكد أن قرار التعليق يعيق حملة التطعيم الأوروبية المضطربة بالفعل وسط موجة ثالثة من فيروس كورونا.

وأكد التقرير في 16 مارس/آذار أن جهود التلقيح التي يبذلها الاتحاد الأوروبي ستصاب بالبطء بسبب قرار تعليق استخدام أسترازينيكا الذي تعتمد عليه الكثير من الدول، وبسبب ما وصفه بالاقتتال السياسي ونقص الإمدادات وانعدام التضامن.

وقال أستاذ علم الأوبئة في جامعة هارفارد الدكتور دون غولدمان للصحيفة الأميركية، "سيتأخر الأمر ويصعب كثيرا الحصول على ما يكفي من اللقاحات البديلة للحصول على استجابة سريعة منسقة".

واعتبر غولدمان أن مشاكل تخثر الدم شائعة نسبيا في عموم السكان، وأن السلطات الصحية تشتبه في أن العدد القليل من الحالات المبلغ عنها في متلقي اللقاح هي على الأرجح مصادفة.

قرار سياسي

قرار القادة الأوروبيين بتعليق استخدام لقاح أسترازينيكا البريطانية دون غيره أثار العديد من التساؤلات حول الاعتبارات الاقتصادية والسياسية والتجارية في اتخاذ مثل هذه القرارات التي تأتي في وقت تكافح فيه القارة العجوز للخروج من أزمة حادة بسبب تسارع انتشار وباء كورونا. 

ورغم تسجيل لقاحات أخرى مثل فايزر وموديرنا لأعراض جانبية إلا أنها لم تثر الجدل في صفوف الأوروبيين وهو ما يفسر على الأرجح حديث المدير العام لهيئة الأدوية الإيطالية نيكولا ماغريني عن أن التعليق الأوروبي لأسترازينيكا هو قرار سياسي. 

وقال ماغريني في تصريحات نقلتها وكالة رويترز الأميركية في 16 مارس / آذار: "قرار ألمانيا وفرنسا وإيطاليا بتعليق حقن أسترازينيكا بعد أن أبلغت عدة دول عن آثار جانبية خطيرة محتملة هو قرار سياسي".

وأكد على أن لقاح أسترازينيكا آمن وأن نسبة الفائدة منه مقارنة بالمخاطر إيجابية على نطاق واسع، مشيرا إلى وقوع 8 وفيات وأربع حالات من الآثار الجانبية الخطيرة بعد التطعيمات في إيطاليا.

وربطت شبكة بي بي سي البريطانية في تقرير لها بين بريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي) وأزمة اللقاحات.

 وقالت إن الأزمة الأولى أعطت بعدا إضافيا لغضب العديد من السياسيين في الاتحاد الأوروبي عندما واصلت أسترازينيكا تقديم الجرعات حتى وقت قريب جدا للمملكة المتحدة بسلاسة، حتى في الوقت الذي تخلفت فيه بشكل كبير عن تعهداتها المقدمة للاتحاد. 

وتشير التعاقدات المبرمة بين الشركة والاتحاد الأوروبي إلى التزام أسترازينيكا بتقديم 120 مليون جرعة خلال الربع الأول من العام 2021 للتكتل.

 إلا أنها لم تف بالتزاماتها وقدمت فقط ما يقرب من 30 مليون جرعة خلال تلك المدة. وفي المقابل التزمت بتعهداتها مع المملكة المتحدة وهو ما انعكس على نسب التلقيح العالية في بريطانيا والمتدنية في أوروبا.

واتهم التقرير في 23 مارس / آذار 2021 بعض قادة الاتحاد الأوروبي، وأبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بالسعي لتقويض لقاح أسترازينيكا-أوكسفورد بسبب صلاتها ببريطانيا.

وفي يناير / كانون الثاني 2021، وصف ماكرون لقاح أسترازينيكا بأنه شبه غير فعال لمن هم فوق 65 عاما ثم غير رأيه بعد ذلك، حيث وافقت الحكومة الفرنسية لاحقا على اللقاح لكبار السن.

أما القادري فاعتبر أن القرار جاء في إطار الحرب الاقتصادية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي. ودلل على اعتقاده بأن القرار كان سياسيا وتجاريا واقتصاديا أكثر منه علميا، وهو أن نسبة الإصابات التي قال إنها حالتين في المليون، رقم لا يكاد يذكر. 

وتساءل القادري: "هل التلقيحات الأخرى سواء فايزر أو موديرنا أو أي لقاح آخر لم يظهر أي أعراض جانبية؟". وأجاب أن ذلك غير ممكن من الناحية العلمية أن تلقح مليون شخص ولا تحدث أي أعراض جانبية وأن ذلك ينسحب على اللقاحات البسيطة. 

وشدد القادري على أن الحاصل الآن هو عبارة عن حرب تجارية بين الجانبين، خاصة بعد خروج بريطانيا من السوق الأوروبية وتوقيعها اتفاقا شاملا مع تركيا وكذلك مع اليابان وعديد من الدول. 

وقال إن "بريطانيا إذا استطاعت من خلال أسترازينيكا أن تقوي اقتصادها في الوقت الذي تتساقط فيه الاقتصادات الأوروبية ستحدث إشكالية كبيرة لبروكسل في المرحلة المقبلة"، مشيرا إلى أن السوق الأوروبية أصبحت تعاني من أزمة حلفاء اقتصاديين.

وأشار القادري إلى وجود حرب أخرى بين شركات اللقاح الأوروبية وغير الأوروبية التي تحاول الاستحواذ على أكبر حصة من السوق.

واعتبر أن لقاح أسترازينيكا هو الأقل ثمنا بين اللقاحات المطروحة حاليا كما أنه يعتبر الأكثر وفرة وتصديرا ولديه سهولة في التخزين ما يجعله يمثل لقاحا منافسا بشكل كبير من الناحية الاقتصادية.