لا تصمد على تويتر.. لماذا تراجعت "هاشتاجات" لجان السيسي الإلكترونية؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتعمد اللجان الإلكترونية لنظام عبد الفتاح السيسي بدء عملها مبكرا بتدشين هاشتاجات صباحية كي تستحوذ على اهتمام تويتر، لكن بعد دقائق معدودة يختفي الهاشتاج، ما يشير لأن عددهم قليل، ولم يعد المصريون يتفاعلون معهم كالسابق.

بالتزامن مع رد مصر على الدول الـ31 في الأمم المتحدة التي انتقدت القمع والاعتقالات بها، انتشر هاشتاج- به خطأ إملائي- للجان الإلكترونية المصرية بعنوان: "#المصريين_يرفضون_بيان_ال31دوله" يوم 17 مارس/آذار 2021.

ما لفت الأنظار أن الهاشتاج لم يصمد على تويتر أكثر من 15 دقيقة، وبتتبع "الاستقلال" له عبر أداة http://keyhole.co لقياس درجة انتشار أي هاشتاج تبين أن من استخدموه 126 فردا فقط ومن شاركوه 151.

وهو ما يبين ضمنا تضاؤل حجم الكتيبتين الإلكترونيتين اللتين تحدث عنهم السيسي عام 2016 وقال إنه يمكن بهما التحكم في مواقع التواصل.

والكتيبة هي وحدة عسكرية مؤلفة من 4 إلى 6 سرايا وعدد أفرادها من 300 إلى 1000 فرد، ويقودها ضابط برتبة مقدم أو عقيد، وفي مجال الإعلام تم الكشف أن من يقودها في مصر هو مقدم المخابرات الحربية أحمد شعبان.

وحين دشنوا هاشتاج (#السيسي_ركع_أردوغان)، مع أنباء المصالحة التركية المصرية، بلغ عدد من دعموه قرابة 4 آلاف على كل مواقع التواصل وبعد قرابة نصف ساعة اختفى.

وبمتابعته عبر أداة http://keyhole.co تبين أن من استخدمه ونشره على تويتر 119 فقط غالبيتهم من مصر، ومن شاركه 153، بعضهم من السعودية والإمارات، وهو مؤشر ثان على حجم اللجان الإلكترونية.

مطالبة مصر لتركيا بغلق قنوات المعارضة في تركيا أو تخفيف لغة خطابها ضد السيسي، ربما تكون مؤشر ثالث على ضعف اللجان الإلكترونية وعدم قدرتها على مجاراة تغريدات المعارضين أو الرد على قنوات الخارج.

كشف اللجان

في 13 أبريل/ نيسان 2016، كشف السيسي عن بدء عمل لجانه الإلكترونية خلال لقاء جمعه ببرلمانيين وإعلاميين وممثلين للنقابات، للحديث حول جزيرتي تيران وصنافير.

السيسي قال وقتها: "أنا ممكن بكتيبتين من دول أقفل المواقع دي وتبقى تبعي، وتاخد مني"، وبتلك الكلمات كشف الجنرال جانبا من عمل الكتائب الإلكترونية التي بدأت عملها لاحقا على مواقع التواصل الاجتماعي لدعم نظامه.

وخلال الندوة التثقيفية الـ31 للقوات المسلحة، 13 أكتوبر/ تشرين أول 2019 نصح السيسي "على كل أب وأم توعية ابنه وبنته بأن ما يروه في مواقع التواصل 80 أو 90 بالمئة منه غير صحيح". وحذرهم وقتها من استهداف أبنائهم من قبل "الأجهزة واللجان الإلكترونية"، قاصدا حملات المعارضين.

وظهر مصطلح "لجان إلكترونية" عربيا مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، كما ظهر سياسيا عقب ثورات الربيع العربي، ويتمثل دور تلك اللجان، سواء كانوا أفرادا معروفين، أو حسابات وهمية، في الانتشار عبر مواقع التواصل، خاصة فيسبوك، وتويتر، وذلك للقيام بدور تسويقي (مدح أو تشويح) لشخص أو مؤسسة، أو منتج ما.

تصاعد الغضب

تشير متابعة هذه الهاشتاجات الأخيرة لتقلص مؤيدي السيسي، وقصر مروجيها على العاملين بأجر بعدما كانت تحصد في بداية عملها إعجاب ودعم أعداد أكبر.

خبير بيانات أوضح لـ"الاستقلال" أن هذا النقص مؤشر لأن من يروجون للهاشتاج باتوا هم الموظفين فقط بأجر، وانتهى تقريبا دور المتعاطفين أو المؤيدين للسيسي الذي كان يظهر سابقا، بالتزامن مع تصاعد الغضب الشعبي من سياساته.

الخبير قال إنه في بدايات اللجان الإلكترونية كانت التغريدات يصل عدد من يروجونها ويعيدون نشرها بالآلاف لمشاركة من دعموا السيسي في بداية حكمه، لكنهم تقلصوا تدريجيا للمئات ثم حاليا للعشرات.

هذا التراجع والسقوط للجان السيسي ظهر في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016 حين تم الكشف عن لجنة "إبراهيم الجارحي"، واستمر التراجع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2019 حين ظهرت هاشتاجات المقاول محمد علي عن فساد السيسي.

في الحالة الأولى: تم كشف اللجان عبر تسريب من إحدى المجموعات المغلقة على «فيسبوك»، باسم "اتحاد مؤيدي الدولة"، تضم في مجموعتها المغلقة 93 ألفا، وفي مجموعتها المفتوحة الفعلية نحو 1300 عضوا فقط!.

هذه المجموعة كشفها حينئذ خالد رفعت، الأستاذ في جامعة قناة السويس، عبر صفحته على فيسبوك، موضحا أن أعضاء المجموعة يتم اختيارهم، ولا يسمح لغير المختارين بالدخول فيها.

أظهرت الصور التي سربها رفعت، دور الصحفي إبراهيم الجارحي، الذي بدا أنه مدير هذه المجموعة، بجانب أسماء بعض أعضاءها، وأعقب هذا تراجع مؤيدي اللجان.

حازم عبد العظيم، منسق لجنة الشباب في الحملة الانتخابية للسيسي، والذي أصبح من معارضيه، وصف، حينئذ، أسلوبهم في إدارة للجروب، بأنه: "شغل أجهزة ممنهج، مش أفراد، وتوجيهات شؤون معنوية وعساكر ولجان".

في الحالة الثانية: جاء فشل اللجان في تلميع السيسي والرد على اتهامات المقاول محمد علي له بالفساد وبناء قصور بالملايين، ليزيد السخرية من كتائب السيسي الإلكترونية ويزيد ضعفها.

وقال نشطاء عقب الانتشار الواسع لفيديوهات الممثل والمقاول محمد علي مقابل هاشتاجات لجان السيسي حينئذ، أن النظام خسر معركة مواقع التواصل.

بلغ حجم التفاعل مع هاشتاج ‫#‏كفاية_بقى_ياسيسى حدا غير مسبوق، وتصدر قائمة الأعلى تداولا في مصر ودول عربية، وظل بالقائمة العالمية للأكثر تداولا لعدد من الساعات، وتجاوز عدد المشاركين فيه 700 ألف مشارك.

بالمقابل فشلت هاشتاجات لجان السيسي الإلكترونية المضادة مثل #محمد_علي_كذاب، في مجاراة هاشتاج مثل: #محمد_علي_فضحهم.

دعا هذا السيسي للرد بنفسه على الاتهامات في مؤتمر عاجل للشباب تحدث فيه عن "الأكاذيب على الدولة في ضوء حروب الجيل الرابع"، لكن اعترافه ببناء قصور قلب محاولته تحسين صورته إلى وضع مأساوي وزاد الغضب الشعبي.

وجاء اضطرار السيسي للرد رغم نصائح الأجهزة الأمنية له بعدم فعل ذلك، كمؤشر آخر على ضعف وفشل اللجان الإلكترونية في التصدي لما كشفه "محمد علي".

رواتب "مجزية"

أحد الشباب الذين شاركوا في هذه اللجان الإلكترونية أوضح لـ "الاستقلال" أن هناك رواتب محددة "مجزية" لكل من يشارك، وأنه يجري التنسيق بين المسؤول عن ترويج الهاشتاجات في مصر ونظيريه في الإمارات والسعودية.

الشاب (رفض ذكر اسمه) قال إنه في المناسبات الهامة مثل انتخابات الرئاسة 2018 جرى توسيع عمل هذه اللجان وتوفير مقرات جديدة لهم وطعام فاخر وسجائر ومشروبات مجانية وزيادة المكافآت بصورة سخية.

الشاب، عضو لجان السيسي، كشف أن مجموعاتهم تدار بواسطة صحفيين وإعلاميين ورجال أعمال تابعين للدولة، لكن هناك لجان أخرى تابعة للمخابرات تعمل من مبانيها.

أوضح أنه "يحدث تنسيق مع لجان المخابرات في الحملات الكبرى والمناسبات كالانتخابات أو الدفاع عن مصر (نظام السيسي) أو ما يطلب منهم التركيز عليه".

صحفي مصري أبلغ "الاستقلال" أن صحفي (رئيس تحرير صحيفة أسبوعية) من كبار مؤيدي السيسي أرسل له (بطريق الخطأ) تعليمات عبر واتس أب يتداولها أعضاء كتائب السيسي الإلكترونية عن كيفية الرد على هجمات منظمات حقوقية على القمع.

الصحفي، الذي رفض ذكر اسمه، قال إنه "فوجئ بها قبل أن يقوم الصحفي الذي أرسلها له بتدارك الأمر ومسح الرسالة". مضيفا: "كانت الرسالة بشأن الترتيب لحملة إلكترونية لتشويه سمعة العاملين في المجال الحقوقي"، وهو ما فعلته بالفعل لاحقا الكتائب وإعلاميي السلطة.

تصيد ناشطين

جانب آخر من عمل لجان السيسي الإلكترونية ظهر حين تم القبض على عدد من السياسيين والناشطين منهم الدكتور حسن نافعة والصحفي خالد داود عام 2019.

صحيفة نيويورك تايمز كشفت في 4 أكتوبر/ تشرين أول 2019، أنه كان يجري التنصت على هواتف مستخدمين رشحتهم اللجان الإلكترونية لنشاطهم على مواقع التواصل.

ثم استهدفت سلسلة من الهجمات الإلكترونية المعقدة صحفيين وأكاديميين ومحامين وسياسيين معارضين وناشطين حقوق الإنسان بواسطة الحكومة.

ووفقا لتقرير نشرته شركة الأمن السيبراني Check Point، في سان فرانسيسكو وتل أبيب، جرى تتبع مواقعهم وتحديد من اتصلوا بهم ومتى؟ وقراءة ملفاتهم ورسائل البريد الإلكتروني.

وجدت Check Point أن الخادم المركزي المستخدم في الهجمات تم تسجيله باسم وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية وأن الإحداثيات الجغرافية المضمنة في أحد التطبيقات المستخدمة لتتبع الناشطين تتوافق مع مقر وكالة التجسس الرئيسة في مصر، جهاز المخابرات العامة.

رأي عام صناعي

لكن كيف يتربع هاشتاج معين على قائمة تويتر في مصر (الترند) أو أي دولة أخرى بينما عدد متابعيه أقل من هاشتاجات أخرى تحل في المركز الثالث أو الرابع؟. الإجابة هي ما تفعله لجان السيسي الإلكترونية عبر شراء ودفع ثمن تعليه هاشتاج على قائمة الترند المصري، لا يصمد أمام الهاشتاجات الأخرى الأقوى على منصة تويتر.

"شريف أحمد" خبير معلومات يشرح كيف يتربع هاشتاج على قائمة تويتر مؤكدا أن هناك وسيلتين: الأولى حقيقية بإقبال المغردين على الهاشتاج وترويجه وإعادة نشره فيعبر عن رأي عام طبيعي افتراضي.

والثانية، عبر التدخل لصناعة "رأي عام صناعي" بوضع اللجان الإلكترونية، الهاشتاج المستهدف على قمة تريند تويتر، عن طريق دفع أموال لشركات تكنولوجية متخصصة في هذا المجال.

يوضح لـ"الاستقلال" أن الترند (الهاشتاج) يمكث غالبا بين نصف ساعة أو ساعة، بحسب البلد وتوزيع المستخدمين الجغرافي على الموقع، وترويجه عبر أفراد يمتلكون حسابات كثيرة، يغردون في الوقت ذاته حتى يزيد التفاعل.

يؤكد أن "بيع الترند" منتشر في مصر والسعودية والإمارات والمغرب، ويسهل معرفة وتخمين أنه "مباع ليصعد على قمة تويتر" من خلال تتبع الترند المدفوع أو الموجه، وأول من أنشأه وهوية أول من يكتب فيه ويتفاعل معه.

ويشير إلى أن هناك شركات أصبحت تبيع الترند للسيطرة عليه، بجانب الجيوش واللجان الإلكترونية التي انتشرت في السنوات الأخيرة الماضية.

وهو ما يؤكده أيضا الدكتور أسامة مصطفى خبير أمن معلومات، الذي يوضح أن صعود هاشتاج كـ"تريند" دون آخر ممكن "عن طريق شراء وضع ترتيب هاشتاج معين في المرتبة الأولى بحوالي 5 آلاف جنيه مصري".

أشار إلى أن صناعة الترند متاحة لأي شخص من خلال شركات فى الهند تقوم بتعزيز كلمات معينة على تويتر وتصديرها لتصبح تريندا عالميا فى منطقة معينة.

ويتم ذلك مقابل تسديد قيمة مالية يتم تحويلها من خلال الدفع الإلكترونى بحسابات بنكية والتعامل بموجب الفيزا، حسبما قال لموقع "اليوم السابع" 19 سبتمبر/ أيلول 2019.

"مصطفى" يؤكد أنه يمكن اتباع خطوات نفس الحملة لإسقاط موقع أو منشور عبر صفحات السوشيال ميديا باستخدام الجيوش الإلكترونية "لعمل ريبورتات على المنشور" بعد دفع المقابل المادي المتفق عليه.

ويوضح المهندس وليد حجاج، خبير أمن المعلومات، أنه يمكن اختيار أى عبارة لتصبح "تريند" رقم واحد في أي دولة، من خلال استخدام مصطلح معين وجعله الترند.

يشير لوجود 10 برامج مجانية تقوم بوظيفة عمل الريتويت فضلا عن وجود نسخ من برامج مدفوعة وأخرى مجانية تقوم بعمل ريتويت لحسابات بعينها.

ويوضح أن ذلك يتم عن طريق أشخاص لديهم حسابات عديدة، بعضها وهمية يتم تكليفها بتصدير تريند معين خلال فترة محددة بمقابل مادي يختلف حسب المادة المطلوب تصديرها ويبدأ من 5 آلاف جنيه.

وسبق لصحيفة "نيويورك تايمز" الكشف في 6 سبتمبر/ أيلول 2019 عن دور شركة "نيو ويفز" التي يملكها عمرو حسين، ضابط جيش مصري متقاعد، يدفع لموظفيه 180 دولارا شهريا، لكتابة منشورات ورسائل مؤيدة للجيش على مواقع التواصل.

وقد قررت شركة فيس بوك حينئذ إغلاق عشرات الحسابات والمجموعات الوهمية في مصر والإمارات، اختلقتها "نيو ويفز" ضمن لجان إلكترونية لها.