لسرقة أموال المصريين.. كيف يتفنن برلمان السيسي في تفصيل قوانين ظالمة؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

البرلمان المصري المصنوع على عين رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، استهل دورته التشريعية الأولى بسن قوانين تثقل كاهل المواطنين المتضررين من سياساته الاقتصادية الفاشلة إضافة إلى توابع جائحة كورونا.

القوانين الجديدة التي أقرها مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) تجيز لحكومة السيسي فرض مزيد من الضرائب والرسوم على المواطنين والموظفين، بينما تزداد امتيازات العسكريين من العاملين في مؤسستي الجيش والشرطة بشكل مستمر.

صندوق التكريم

في 14 فبراير/شباط 2021، ناقش مجلس النواب خلال جلسته العامة، مناقشة تعديل بعض أحكام القانون رقم 16 لسنة 2018، الخاص بإنشاء "صندوق تكريم ضحايا ومفقودي ومصابي العمليات الحربية والإرهابية والأمنية وأسرهم".

التعديل يقضي باقتطاع نسبة جديدة من رواتب جميع العاملين في الدولة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، أو البنوك، تحت ذريعة تنمية موارد هذا الصندوق، الذي يمهد لإقراره نهائيا خلال انعقاد الفصل التشريعي الثاني. 

اعتراضات كبيرة على القانون حتى بين البرلمانيين أنفسهم، حيث طالب النائب محمد عبد الله زين الدين، بضم شهداء الأطقم الطبية والمصابين في مواجهة فيروس كورونا، للاستفادة من الامتيازات التي حددها قانون إنشاء صندوق تكريم شهداء العمليات الحربية.

بينما طالب رياض عبد الستار، بتحصيل رسوم أو موارد هذا الصندوق من رجال الأعمال والمستثمرين، قائلا: "الشهداء ضحوا بأرواحهم علشان (من أجل) الشعب المصري بالكامل، علشان (لذا) كده إزاي (كيف) ناخد (نأخذ) من الموظفين ونسيب (نترك) رجال الأعمال".

وحسب القانون، تُخصم شهريا نسبة من رواتب سائر العاملين في الجهات العامة، ومؤسسات القطاع العام، وشركات قطاع الأعمال، وما يتبع هذه الجهات والهيئات والشركات من وحدات ذات طابع خاص، والصناديق الخاصة.

أيضا يلزم كل طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي بدفع مساهمة تضامنية مقدارها 5 جنيهات سنويا، تزيد إلى 10 جنيهات في مراحل التعليم الجامعي، لصالح الصندوق.

معاشات العسكريين

لكن السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا لا تقطع نسبة من معاشات أو أجور العسكريين، لصالح هذا الصندوق؟ كما جرت الدائرة على الموظفين المدنيين؟.

في يوليو/تموز 2016، وأثناء مناقشة قانون زيادة معاشات العسكريين، وجه النائب محمد أنور السادات، انتقادات للقانون في حضور (الراحل) ممدوح شاهين مستشار وزير الدفاع للشؤون الدستورية والقانونية، قائلا: "كنا نتمنى أن يزيد المعاش، لكننا غير مطلعين على النظام الأساسي للأجور ولا نعرف مرتبات القوات المسلحة".

وتابع: "لكن السؤال للسيد مساعد وزير الدفاع، ما هو حكم معاشات السادة الضباط الذين يتقلدون مناصب مدنية مثل الوزراء والمحافظين ورؤساء المدن ويحصلون على مرتبات؟"، متسائلا: "ما هو موقف المعاشات التي يحصلون عليها؟".

وقتها صب رئيس المجلس آنذاك علي عبد العال، جام غضبه على السادات، وصرخ قائلا: "لا يجب أن تتكلم بمثل هذا الكلام عمن دفع ضريبة الدم، ويجب عندما يتكلم أي عضو عن القوات المسلحة أن يقف إجلالا واحتراما سواء كانوا سابقين أو حاليين، ولن أقبل في هذه القاعة التي تنحني بكل أعضائها إجلالا  واحتراما للقوات المسلحة بمثل هذا الحديث".

الملصق الإلكتروني

في 9 فبراير/ شباط 2021، وافق البرلمان نهائيا على فرض رسوم جديدة على كافة أنواع تراخيص المركبات (السيارات) بدعوى تمويل إنشاء المنظومة الإلكترونية للنقل وتطويرها عبر استحداث رسم سنوي بقيمة تراوح بين 75 و300 جنيه، مقابل تركيب الملصق المروري الإلكتروني. 

المثير للجدل أن القانون أعفى مركبات وزارات الدفاع والإنتاج الحربي والداخلية، والمركبات الأخرى التي يحددها وزير الداخلية بقرار منه، من رسوم الملصق الإلكتروني بدعوى "تحقيق مقتضيات الأمن القومي"، ليدفع المواطن المدني وحده تلك الرسوم.

وفي نفس الجلسة وافق مجلس النواب، على قرار السيسي، بتعديل بعض فئات التعريفة الجمركية، والذي يستهدف فرض ضريبة جمركية بواقع 2 بالمئة من القيمة على ما يستورد من معدات تجهيز محطات تموين المركبات بالكهرباء، أو الغاز الطبيعي، ومكونات تحويل المركبات للعمل بالكهرباء، أو الغاز.

في 19 يناير/ كانون الثاني 2021، كشفت وكالة رويترز عن أن "البيان التحليلي لمشروع موازنة السنة المالية 2020/ 2021، أظهر أن الحكومة المصرية "تخطط لزيادة الضرائب وخفض الدعم للمواد البترولية، كما تستهدف وزارة المالية زيادة الإيرادات الضريبية بنحو 12.6 بالمئة".

برلمان السيسي الجديد ( 2020 ـ 2024) يسير على نفس نسق برلمانه السابق (2016 ـ 2020)، عندما وافق الأخير في مايو/أيار 2020، على تعديلات تتعلق بقوانين تنمية موارد الدولة عن طريق زيادة الرسوم المفروضة على بعض الخدمات الحكومية، واستحداث أخرى جديدة على بعض الأنشطة والسلع الاستهلاكية والفواتير.

التجارة الحرام

في 7 يونيو/ حزيران 2020، أقر مركز الأزهر للفتوى تحريم بيع "بلازما الدم"، وأورد في فتواه أن "بيع المتعافي من فيروس كورونا بلازما دمه مستغلا الجائحة حرام شرعا".

وأضاف بيان الأزهر أن "جسد الإنسان بما حواه من لحم ودم ملك للخالق سُبحانه لا ملكا للعبد، ولا يحق لأحد أن يبيع ما لا يملك، ثم إن ثمن الدَّم حرام لا يجوز، لأن الشىء إذا حُرّم أكله حرم بيعه وثمنه".

لم يعر السيسي اهتماما لفتوى الأزهر، ومضى في مشروعه متجاهلا الرجوع للمرجعيات الدينية والفقهية، وفي 8 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أقرت لجنة الصحة بالبرلمان، الموافقة النهائية على المشروع.

وفي 13 فبراير/ شباط 2021، بدأ مجلس النواب يصوت على مشروع قانون "ينظم عمليات الدم وتجميع البلازما لتصنيع مشتقاتها وتصديرها"، بهدف جمع وتوزيع الدم ومركباته لغرض التصنيع في مصر، وبيع البلازما في الأسواق العالمية، وينتظر موافقة النواب عليه وإقراره قريبا رغم اعتراض مؤسسة الأزهر وفتوى التحريم.

مؤسسات ديكور

الباحث السياسي المصري محمد ماهر، قال: "يجب علينا الاعتراف أن البرلمانات المستقلة في التاريخ المصري قليلة ونادرة، رغم التاريخ التشريعي القديم للحياة النيابية التمثيلية في مصر، والتي تعود لعام 1866".

وأضاف ماهر لـ"الاستقلال": "قليلا ما وجدنا برلمانا يشتبك مع الحكام وينحاز إلى الشعب، اللهم إلا البرلمان الذي جاء عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، كنتاج لانتخابات ديمقراطية نزيهة شارك فيها عموم الشعب، فكانت معبرة عنه، وأفرزت مجلسا يضاهي الديمقراطية الصاعدة آنذاك".

وتابع: "البرلمان الحالي هو امتداد السابق، وكلاهما يعكسان وجه السيسي، وكلاهما فرز لشكل الحياة السياسية في عهده، حيث التسلط المطلق، والتنفيذ الأعمى لمشروعات القوانين المقترحة، التي تملى عليه من جهات أمنية واستخباراتية، لا يملك مناقشتها والاعتراض عليها".

الباحث المصري يرى أن مجلس النواب الحالي والسابق أشبه ما يكون بمجلس الأمة خلال عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر (15 يناير/كانون الثاني 1918 – 28 سبتمبر/أيلول 1970)، ينقصه فقط كثرة الهتافات والتصفيق، حتى ولو جاء بنكسة مثل نكسة 5 يونيو/حزيران 1967".

وأوضح ماهر أن مؤسسات الدولة في مصر أصبحت صورة أشبه بالديكور، لا دور حقيقي لها، ومنذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، حدث تغول كامل من المؤسسة العسكرية، على السلطة التشريعية والأجهزة الرقابية، ثم أعادت تشكيل تلك المؤسسات وفق رؤيتها الخاصة.

وختم حديثه: "البرلمان الذي أشرف على تجهيزه جهاز المخابرات، واختار عناصره بعناية، لا يمكن أن يخرج عن النمط المرسوم له، وبذلك مزيد من القوانين التي تسلب الناس أموالهم وحقوقهم، وتعطيها للعسكريين".