فرضه حزبه ورفضه الجميع.. لماذا يتمسك ماكرون بقانون "النزعة الانفصالية"؟

سليمان حيدر | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بدأ أعضاء الجمعية الوطنية (البرلمان) في فرنسا، مطلع فبراير/ شباط 2021، مناقشة مشروع قانون أعدته الحكومة، يستهدف في الأساس مظاهر الدين الإسلامي تحت مسمى "مبادئ تعزيز احترام قيم الجمهورية" والذي أطلق عليه الرئيس إيمانويل ماكرون في البداية قانون "النزعة الانفصالية الإسلاموية".

وترى الحكومة أن هذا القانون يعزز تشريعات مكافحة "التطرف" الذي وصفه وزير الداخلية جيرالد دارمانين بأنه "داء" معتبرا أن العلمانية هي "الدواء". 

وهاجم دارمانين ما يقرب من 6 ملايين مسلم يعيشون في فرنسا خلال دفاعه عن مشروع قانون أمام الجمعية الوطنية في الثاني من يناير/كانون الثاني 2021، قائلا: "يجب أن تكون العلمانية بمثابة العلاج لبلد مريض من الانفصالية الإسلامية".

وأضاف: "بلادنا سئمت من النزعة الانفصالية، وأولها الإسلاموية التي تلحق الضرر بوحدتنا الوطنية، عليك أن تعرف كيف تسمي المرض، وأن تجد الأدوية".

كما اعتبر وزير العدل إيريك دوبون موريتي أن مشروع القانون يمنح السلطات استجابة سريعة ومنهجية، ويمكّنها من معاقبة الذين يريدون الانعزال خارج إطار الجمهورية.

وتقول صحيفة لوديفوار إن مشروع القانون يهدف إلى التحكم بشكل أفضل في الجمعيات وشروط أي دعم باحترام علمانية صارمة، من أجل الحد من تمويل المساجد من قبل الدول الأخرى.

ويدعي تقرير الصحيفة الفرنسية، المنشور في 4 فبراير/شباط، أن القانون يفرض مزيدا من الشفافية المالية بحيث لا يجوز أن تتجاوز التبرعات عتبة يحددها مرسوم. ويعزز القانون أيضا صلاحيات الولاة الذين يمكنهم حل بعض الجمعيات وإغلاق أماكن العبادة التي "تنتهك هذه القواعد بشكل مؤقت".

لكن الرئيس الفرنسي كانت له أهداف أخرى من القانون، فهو يهدف من خلاله إلى "بناء إسلام التنوير ومساعدة هذا الدين (الإسلامي) في فرنسا على هيكلة نفسه ليكون شريكا للجمهورية، بحسب تصريحات سابقة. 

وأشار ماكرون، في تصريحات له في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، إلى أنه أراد على وجه الخصوص "تحرير الإسلام الفرنسي من التأثيرات الخارجية لمحاربة الإسلاموية وبناء إسلام يمكن أن يكون في سلام مع الجمهورية"، وفق وصفه.

وعليه، تبنى حزب "الجمهورية إلى الأمام" بزعامة ماكرون القانون في الجمعية الوطنية، وحاول تمريره، لكنه يواجه رفضا واسعا من الأحزاب اليمينية الأخرى واليسارية وحتى الجماعات والطوائف الدينية الفرنسية المختلفة. 

رفض واسع

تقول صحيفة باريس ماتش إن الرفض التلقائي لعدد كبير من التعديلات التي تم اقتراحها داخل اللجنة الخاصة بمناقشة القانون في البرلمان أدت إلى إثارة السخط الشديد في اليمين واليسار الفرنسي الذي أعرب عن عدم رضاه عن كثير من البنود الواردة في مشروع القانون. 

ويشير تقرير الصحيفة الفرنسية في 19 يناير/ كانون الثاني 2021 إلى أنه جرى توجيه اتهام للأغلبية والمقصود بها حزب الجمهورية إلى الأمام بأنها قامت "بالاختيار غير المناسب لتعديلات المعارضين لمشروع قانون الانفصالية في اللجنة". 

ودافعت الأغلبية عن نفسها بالتحصن وراء الدستور حيث أكد رئيس مجموعة "الجمهورية إلى الأمام" في الجمعية الوطنية كريستوفر كاستانير أن قرارات اللجنة الخاصة التي يرأسها الوزير السابق فرانسوا دي روجي تستند إلى الدستور والمادة 45 منه التي تسمح بتجنب التشريعات التي لا تمت بصلة إلى نص القانون.

وتوضح تقارير صحفية فرنسية أنه جرى تقديم 1878 تعديلا على القانون للجنة البرلمانية التي استبعدت 332 تعديلا منهم وهو ما اعتبرته صحيفة باريس ماتش محاولة من الحكومة والحزب الحاكم لتنظيف "كل ما يعيقهم لتمرير نص لا يهدف إلى تعزيز المبادئ الجمهورية".

وأشارت صحيفة لوفيغارو الفرنسية إلى أن استبعاد العديد من التعديلات على مواد مشروع القانون المطروحة قبل بدء المناقشة العامة في البرلمان أثار حفيظة اليمين واحتج بالفعل عندما منع "الغربال" النظر في بعض مقترحاته في اللجنة الخاصة بمناقشة مشروع القانون بحسب وصف الصحيفة. 

وقالت الصحيفة في تقريرها مطلع فبراير/شباط 2021 إن غالبية حزب الجمهورية للأمام والحكومة ترفض مواجهة مشكلة الانفصالية ويفضلون لعب دور النعامة. 

ويصف زعيم نواب الحزب الجمهوري اليميني داميان أباد نص القانون المقترح بأنه يفتقر لأي حلول لقضايا الهجرة والتطرف في السجون والمؤسسات الفرنسية الخاصة.

 ويظهر تقرير آخر لصحيفة لوفيغارو نشر في الثاني من فبراير/ شباط 2021 مدى معارضة اليمين للقانون من خلال تقديم مجموعة الحزب الجمهوري اليميني في الجمعية الوطنية مشروعا مضادا لقانون ماكرون. 

وتبرز أهم معالم القانون حسب وصف الصحيفة أنه يقدم مقاربة عالمية وبراغماتية في المسائل المتعلقة بـ"الإسلاموية"، مشيرة إلى أن اليمين ينتقد الحكومة لعدم سعيها إلى الشمولية وعليه قدم الجمهوريون 40 اقتراحا وصفها داميان أباد بأنها "بدائل ومكملة لمشروع القانون الحالي". 

ودافع عن مبادرة أباد زميله إيريك سيوتي الذي دعا إلى أفعال ملموسة وقوية بدلا من شعارات، وفي نفس الوقت هوية لا تقود إلى شيء. 

وتعتبر رئيسة حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف مارين لوبان من أشد الرافضين لمشروع القانون. وتقول صحيفة لو ديفوار في تقريرها إن لوبان "لم ترغب في شيء أكثر ولا أقل من الحظر التام على الإسلاموية".

"غير مجدي"

وقدمت لوبان زعيمة اليمين المتطرف مشروع قانون لمكافحة "الأيديولوجيات الإسلاموية" ومنع الحجاب في الأماكن العامة والمؤسسات إلى البرلمان. 

ويهدف مشروع القانون الذي جرى تقديمه في الأسبوع الأخير من يناير/ كانون الثاني 2021 بحسب وكالة الأنباء الفرنسية إلى زيادة التدابير التقنية ومكافحة الكراهية على شبكة الإنترنت وتشديد الرقابة على الجمعيات ودور العبادة ومصادر تمويلها وحظر شهادات العذرية وتعدد الزوجات والزواج القسري. 

أما الزعيم اليساري المتطرف جان لوك ميلينشون فقد استنكر هذا القانون واعتبره غير مجدي وخطير ويهدف إلى وصم المسلمين.

وفي سياق رفض القانون أشارت لوفيغارو إلى تقديم ميلينشون وهو وزير سابق وعضو في البرلمان اقتراحا برفض الملف برمته في لائحة اتهام قال فيها "إنكم تضعون قانونا في نظرنا لا يجدي نفعا لأنه يكرر فقط ما هو موجود بالفعل".

وتابع: "هو خطير لأنه يهدد الحرية ويفتح الباب أمام اندفاع نعرفه جيدا ونعتبره ضارا جدا بوحدة الوطن الأم الذي يضم خمسة إلى ستة ملايين مسلم من أبناء وطننا وآبائنا وحلفائنا في كثير من الأحيان". 

كما يضاف إلى اليمين واليسار معارضة قوية من جهة المنظمات الدينية التي تخشى من أن يشمل العقاب الذي يستهدف ما تسميه باريس "التطرف الإسلاموي" جميع الأديان الأخرى. 

وأمام لجنة القانون في مجلس الشيوخ قال كبير حاخامات فرنسا حاييم كورسيا إنه يخشى الآثار الجانبية على الأديان الأخرى خاصة وأن هناك طوائف لطالما كانت نموذجية مع الجمهورية بحسب تعبيره. 

ونقلت صحيفة "لو ديفوار" نفس القلق من جانب رئيس مؤتمر أساقفة فرنسا إريك دي مولين بوفورت الذي يخشى أن يتحول "قانون الحرية 1905" حول العلمانية إلى "قانون السيطرة والشرطة والقمع".

وتشير إحصائية للمرصد الوطني ضد معاداة الإسلام إلى ارتفاع نسب الاعتداء على المسلمين في فرنسا خلال العام 2020 بنسبة تصل إلى 53 بالمئة مقارنة بالعام 2019. 

ونشر رئيس المرصد في فرنسا عبدالله زكري بيانا في 29 يناير / كانون الثاني 2021 أعلن فيه أن فرنسا شهدت 235 اعتداء على المسلمين خلال العام 2020 مقابل 154 اعتداء في 2019.

وتشير التقارير الرسمية إلى إغلاق السلطات الفرنسية 43 مسجدا في البلاد خلال الأعوام الثلاث الأخيرة وهي خطوة أكدها وزير الداخلية الفرنسية بالقول إن "إغلاق المساجد خلال فترة حكم ماكرون أكثر بكثير من جميع أسلافه". 

وفي وقت سابق من العام 2020 قررت الداخلية الفرنسية مراقبة 76 مسجدا في البلاد بينها 16 في العاصمة باريس وضواحيها. وقالت وسائل إعلام في مطلع ديسمبر/كانون الأول من ذات العام إن السلطات ربما تغلق 18 مسجدا منها.