دعوة مقتدى الصدر لـ"ترميم البيت الشيعي" بالعراق.. الأهداف والسياقات

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

رغم حديثه السابق عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، نشر زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، تغريدة على "تويتر" كشف فيها عن رغبته في الحصول على أغلبية برلمانية والفوز برئاسة الحكومة، لإكمال ما أسماه "مشروع الإصلاح من الداخل".

الصدر لم يكتف بدعوة أنصاره للاستعداد لخوض الانتخابات، بل طالب في تغريدة أخرى أطلقها في 2 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بالإسراع في إعادة ترميم البيت الشيعي من خلال اجتماعات مكثفة لكتابة ما أطلق عليه "ميثاق شرف عقائدي وسياسي".

تغريدات الصدر أثارت جدلا واسعا في العراق، لا سيما أن التيار الصدري يواجه اتهامات بالانقلاب على الحراك الشعبي وقتل المتظاهرين وحرق خيامهم في بغداد والناصرية، فما هي فرص الصدريين بالحصول على أغلبية برلمانية والفوز برئاسة الحكومة المقبلة؟.

تلويح بالعنف

أثناء حديثه بشأن الانتخابات المبكرة، في 5 ديسمبر/ كانون الأول 2020، ألزم الصدر شباب العراق بمناصرته، ملمحا بقدرته على "استخدام العنف"، مهددا بالتعامل وفق "القانون والأعراف والعشائر"، متابعا: "أنتم تعلمون أننا كما أذللنا الاحتلال والإرهاب فسنوقف التطبيع وأصوات الإلحاد والعنف بما يليق".

قبل ذلك، قدم أنصار زعيم التيار الصدري في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، عرضا اتسم بالعنف بمدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار (جنوبا)، بالاشتباك مع المتظاهرين وحرق خيامهم ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 70 آخرين.

هجمات التيار الصدري ضد المتظاهرين، أثارت تكهنات بأن الصدر قد يلجأ إلى العنف لانتزاع الفوز في الانتخابات المبكرة المزمع إجراؤها 6 حزيران/يونيو 2021، وضمان منصب رئيس الوزراء في الحكومة المقبلة.

الباحث في الشأن العراقي أحمد العاني يرى أن التيار الصدري وضع في حسبانه منصب رئاسة الحكومة من مدة ليست بالقليلة، وسعى جاهدا إلى إقرار قانون الانتخابات الأخير بالشكل الذي يساعده في الحصول على أكبر عدد من مقاعد البرلمان".

العاني قال لـ"الاستقلال": "رغم ما بذله التيار الصدري من أجل إقرار قانون الانتخابات، فقد بات اليوم مرفوضا من قطاعات واسعة من الشعب، ولا سيما التي ظنت به خيرا في الانتخابات السابقة للإصلاح وإنهاء الفساد والقضاء على المليشيات المسلحة، لكنه اليوم أصبح أحد المتهمين بارتكاب هذه الأفعال".

وأوضح العاني أن "التيار الصدري أوغل في دماء المتظاهرين وقمع ساحات الاحتجاج وحرق الخيام، ووجه سيلا من الاتهامات إلى الناشطين بأنهم أداة بيد السفارة الأميركية، وأنهم عملاء وملحدون ويمارسون المجون في ساحات الاحتجاج".

واستبعد الباحث حصول التيار الصدري على منصب رئاسة الوزراء في المرحلة المقبلة، لأنه أصبح منبوذا في مناطق كانت تؤيده بشكل واسع، واليوم تمزق صور الصدر وتهتف ضده بأنه "عدو الله"، وكل ذلك ينذر بانخفاض شعبيته.

وتوقع العاني ألا يحصل التيار الصدري حتى على تأييد معظم القوى السياسية الشيعية، فضلا عن الولايات المتحدة وربما حتى إيران، لأنه تيار غير مأمون الجانب ومتقلب في المواقف، وبالتالي غير مضمون فيما يقطعه من تعهدات.

ونقل موقع "المونيتور" الأميركي عن مصدر في الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان حليف الصدر الأبرز في انتخابات 2018، قوله: "الصدر حصل على ما أراده من المظاهرات، وهو قانون انتخابي جديد أقره البرلمان".

المصدر الذي لم يذكر اسمه الموقع الأميركي، أضاف: "لم يعد الناس في الشوارع يتجنبون الصدر في شعاراتهم وهتافاتهم"، في إشارة إلى الانتقادات العلنية التي تهاجم الصدر في المناطق الشيعية.

من جهته، قال حارث حسن، الزميل غير المقيم بمركز "كارنيجي" للشرق الأوسط، للموقع الأميركي: "التيار الصدري يعتقد أن قانون الانتخابات الجديد سيسمح له بزيادة مقاعده البرلمانية، لأن المقاعد في القانون الجديد تةزع على نطاق واسع في مختلف الدوائر، ويعتقد الصدريون أنهم يستطيعون كسب المزيد من المقاعد من خلال توجيه ناخبيهم للتصويت لمرشح معين في كل دائرة".

وفي المقابل، قال النائب جمال فاخر عن تحالف "سائرون" المدعوم من مقتدى الصدر: "التيار الصدري هو القاعدة الكبيرة في العراق، وحصل في الدورة البرلمانية الحالية على 54 نائبا".

وتوقع النائب خلال تصريحات صحفية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 "تحقيق الأغلبية في البرلمان المقبل، بالحصول على 161 مقعدا، لأن كل شخص مستقبل ويتبنى رؤية التيار يعتبر من جمهورنا".

وبشأن رأي القوى السياسية والأطراف الخارجية بتسلم "صدري" رئاسة الحكومة، قال النائب: "القانون يعطي الأغلبية الحق في تشكيل الحكومة، فإذا حصلنا على ذلك فسنشكل الحكومة بالتوافق مع باقي القوى السياسية، أما الأطراف الخارجية فلها أن تقرر ما تريد".

"عباءة الطائفية"

المختص في الشأن العراقي، نوري حمدان رأى أن "أسباب هذه الدعوة هي التنافس للحصول على منصب رئيس الحكومة، والتيار الصدري يتحدث عن ذلك بشكل علني، والمنافس الوحيد لهم هو تحالف الفتح بقيادة هادي العامري".

وأوضح حمدان خلال تصريحات صحفية في 4 ديسمبر/ كانون الأول 2020، أنه "في الانتخابات الماضية بدأت القوى السياسية الشيعية تنفتح على القوى الأخرى من المكونات بمعنى تشكيل تحالفات وطنية، وهذا كان تطورا نوعيا في العمل السياسي الطائفي في العراق، لكن هذا الأمر يقلق مقتدى الصدر".

وعزا حمدان قلق الصدر إلى أن تحالف "الفتح" إذا لم يحصل على أغلبية تؤهله للفوز برئاسة الحكومة، فإنه بإمكان القوى السياسية الأخرى السنية والكردية دعمهم للحصول على رئاسة الوزراء، وبالتالي يخسر التيار الصدري وزعيمه، إذا حدثت هذه التحالفات بعد الانتخابات".

ورأى أن "التيار الصدري يشعر بأن القوى السياسية بشكلها العام قد لا تتفق معه على منصب رئيس الوزراء، وهذا ما دفعه باتجاه جمع البيت الشيعي حتى يضمن تأييد الأصوات الشيعية، وبالتالي تكون القوى السياسية الأخرى مؤيدة".

ولفت حمدان إلى أن "دعوة زعيم التيار الصدري لترميم البيت الشيعي، لا يمكن تسميتها إلا بالطائفية، كونها خطابا جديدا لمقتدى الصدر بعدما اعتاد العراقيون رفضه للطائفية، واليوم تأتي هذه الدعوة لتنسف كل ما طرحه من مشروع سياسي سابق، وبالتالي وضع نفسه في موضع طائفي، وهذا إضعاف للعملية السياسية التي يريد تبنيها التيار الصدري بتطلعات عراقية".

وأكد حمدان أن "شعور مقتدى الصدر بقلق عدم تأييد القوى الشيعية لحصوله على منصب رئاسة الحكومة المقبلة هو ما دفعه إلى المطالبة بإعادة ترميم البيت الشيعي، لكني مع ذلك أستبعد موافقة زعامات شيعية كبيرة على أن تقاد من زعيم التيار الصدري".

شعبية متدنية

وفي السياق ذاته، قال غيث التميمي رئيس "مشروع المواطنة العراقي" في 4 ديسمبر/ كانون الثاني 2020: "مقتدى الصدر صعد في الانتخابات الماضية على أكتاف الاحتجاجات والحراكات المدنية والعلمانية المطالبة بالتغيير والإصلاح، وكان للحزب الشيوعي وبعض التنسيقيات الدور الأكبر في ذلك، مقابل حصولهم على عدد من المقاعد والمناصب وتوفير الحماية لهم".

وأكد التميمي أن "الصدر الآن يجد نفسه معزولا من المتظاهرين وليس له القدرة على تجنيدهم والسيطرة عليهم، وأيضا خسر التحالفات الوطنية، إذ إن علاقته بالسنة والأكراد سيئة للغاية، ولم يبق عنده سوى الخندق الطائفي".

وأضاف: "بما أن القوى الشيعية باتت تشعر بالعزلة التامة من جماهيرها في الوسط والجنوب، لذلك يبدو أنهم بصدد إعادة الخنادق الطائفية وإعادة تركيب العملية السياسية على أسس طائفية حتى يتاح لهم الاستمرار بالحكم، وهذا سيبرر تكفير جميع القوى التي يمكن أن تنبثق من الاحتجاجات بوصفها قوى وطنية".

وحسب التميمي، فإن "القوى الشيعية ستحاول اتهام أي قوى تنبثق عن الاحتجاجات، بالعمالة لأميركا وإسرائيل والإلحاد والمجون وغيرها من التوصيفات التي يطلقها الصدر منذ الآن، والتي هي بالأساس كانت تطلقها القوى الولائية بوصف المتظاهرين بالعملاء والجواسيس".

التميمي وهو قيادي سابق في التيار الصدري يرى أن "الصدر يعيش اضطرابا وخوفا كبيرين مما سيؤول إليه مصيره، لأنه بدأ يخسر شارعه من جمهوره الصدري فضلا عن غيره".

وحسب قوله: فإن الصدر "يعيش أزمة كبيرة بسبب أن الدول العربية التي كان يتواصل معها ويحصل على دعم منها مثل السعودية، الإمارات، والكويت، سحبت يدها وما عادت تتعامل معه لأنها فقدت ثقتها به، إضافة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا اللتين يبدو أنهما أيضا قاطعتاه وفقدتا الثقة بالتواصل معه، كل ذلك جعله يذهب إلى أقصى اليسار الطائفي".

وحذر التميمي من أن "سلوك الصدر سيكون غير محسوب وخطير خلال المرحلة المقبلة وصولا إلى الانتخابات، وربما يمارس انتهاكات مستفيدا من ضعف وتردد مصطفى الكاظمي، إضافة إلى التواطؤ الواضح بين الأخير مع تيار الصدر".

من جانبه، رأى الكاتب، زكي رضا، أن أهم وأخطر الرسائل التي وجهها مقتدى الصدر في دعوته لترميم البيت الشيعي، هي دعوة قطيعه لقتل المنتفضين بدم بارد ودون خوف من محاكمة، بتهمة التعدي على الذات الإلهية والدين الإسلامي والنبي والأولياء (الأئمة المعصومين)".

وأشار رضا خلال مقال نشره موقع "صوت العراق" في 4 ديسمبر/ كانون الثاني 2020، إلى أن الصدر يمنح بهذا التصريح "تنفيذ العقوبة وفق هوى الشخص الصدري، ما يفتح الباب واسعا لعمليات قتل على الشبهة أو نتيجة عداوات مسبقة".

وأوضح أن "الصدر بتغريدته هذه فتح الأبواب مشرعة في ظل غياب الدولة والقانون وفساد القضاء، أمام عصاباته والعصابات الأخرى لقتل الناس دون وازع من ضمير أو خوف من قانون، بهدف قمع التظاهرات وإنهاء الانتفاضة التي تؤرق سلطة العصابة".