المبادرة الهولندية.. هل تحقق العدالة لضحايا تعذيب نظام الأسد؟

12

طباعة

مشاركة

تناولت مجلة معهد "الأعمال الدولية" الإيطالي احتمالات نجاح "المبادرة الهولندية" في ملاحقة النظام السوري قضائيا؛ لارتكابه جرائم تعذيب بحق شعبه، وأبرز العوائق التي من المحتمل أن تقف أمامها.

وقالت المجلة: إن "الاهتمام بالثورة السورية، بعد أن ظلت لسنوات في قلب المشهد الإعلامي الدولي، تلاشى تدريجيا بعد استعادة نظام بشار الأسد لجزء كبير من المناطق بفضل دعم وتمويل روسيا وإيران".

واعتبرت أن "مخاطر المرحلة الحالية، تتمثل في فشل الجهود المبذولة لملاحقة المسؤولين عن الجرائم المرتكبة أثناء الصراع في أعقاب القبول العام بانتصار الأسد عسكريا، غير أن المبادرة الهولندية يمكن أن تعيد إحياء الآمال في تحقيق العدالة لضحايا التعذيب في سوريا''.

التحرك الهولندي

في 18 سبتمبر/أيلول 2020، قدمت هولندا مذكرة دبلوماسية لنظام بشار الأسد، تبلغه فيها عزمها محاكمته دوليا بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، مثل عمليات التعذيب واستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا.

وطالبت الحكومة الهولندية، رسميا، الوقف الفوري لجميع أعمال التعذيب والأشكال الأخرى لسوء المعاملة، وبدء التحقيقات والمحاكمات ضد الجناة، وتعويض الضحايا عن الأضرار.

وفي السياق، أكدت المجلة الإيطالية أنه يجب على هولندا اتباع الإجراء المكون من 3 خطوات.

وأوضحت أن "الإجراء أولا، يجب على هولندا محاولة التفاوض مع الجانب السوري، وفي حال الفشل، عليها الالتجاء إلى التحكيم الدولي، وبعد 6 أشهر من تقديم طلب التحكيم دون الاتفاق على تنظيمه، ستتمكن هولندا من إحالة الأمر إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي".

وتتوقع المجلة أنه "من المرجح أن تفشل محاولات التفاوض والتحكيم بين الطرفين، في ظل المعارضة الشديدة من نظام بشار".

وأضافت: "وبالتالي، فإن الآفاق تفتح المجال أمام محكمة العدل الدولية لفحص الجهاز القمعي السوري ونظام التعذيب الذي يقوم عليه".

صلاحيات العدل

وأوضحت المجلة أن "محكمة العدل الدولية ستعمل على التأكد من اللوائح الواردة في الاتفاقية التي تم انتهاكها من قبل النظام السوري، وإعلان المسؤولية وتحديد التعويضات المستحقة للضحايا".

وأضافت: أنه "على عكس المحكمة الجنائية الدولية، ليس للعدل الدولية سلطة التحقق من المسؤولية الجنائية الفردية لمرتكبي التعذيب المحتملين".

وبما أن الإجراءات أمام محكمة العدل الدولية يمكن أن تستمر لسنوات، أشارت المجلة إلى أنه من المحتمل أن تطلب هولندا اعتماد تدابير مؤقتة لحماية ضحايا التعذيب على الفور.

ومن خلال هذه التدابير، قد يُطلب من النظام السوري اتخاذ سلسلة من الإجراءات، بما في ذلك مراجعة التشريعات الوطنية الخاصة بالتعذيب، وبدء الإجراءات الجنائية ضد مرتكبي الانتهاكات.

وكذلك، الاحتفاظ بأدلة الجرائم المرتكبة، وتحسين ظروف السجون وكذلك ضمان حرية الوصول إلى أماكن الاعتقال من قبل الهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية، وفق المجلة الإيطالية.

واستدركت المجلة بالقول: "على الرغم من أن هذه الإجراءات المؤقتة، بالإضافة إلى الحكم بالإدانة المحتمل، ملزمة، فمن المرجح أن نظام الأسد سيرفض تنفيذها (كما حدث مؤخرا مع دولة ميانمار)، وعلى عكس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لا تملك محكمة العدل الدولية سلطة تطبيق قراراتها بالقوة".

مأزق العدالة 

لفتت المجلة إلى أنه "إذا كان من الممكن، من حيث المبدأ، محاكمة المسؤولين عن التعذيب وسوء المعاملة أمام المحكمة الجنائية الدولية، ففي حالة سوريا، يجب تفعيل اختصاص هذه الأخيرة من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأن النظام  لم يصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية".

وترى المجلة أن هذا الخيار مستبعد جدا، نظرا لحق النقض الروسي والصيني في المجلس، والذي تم استخدامه بالفعل عام 2014 والتهديد باستخدامه مرارا وتكرارا في السنوات التالية.

كما يخضع إنشاء محكمة خاصة مماثلة لتلك التي أُنشئت في التسعينيات للحكم على الجرائم المرتكبة في يوغوسلافيا السابقة ورواندا لنفس الشرط.

وإذا كانت العدالة الدولية تواجه مأزقا في الوقت الحالي، ذكرت المجلة الإيطالية أن "هناك محاكمات قد بدأت في أوروبا وأميركا ضد جنود سابقين في نظام الأسد ومن المعارضة وأعضاء من تنظيم الدولة (داعش)".

وفي 23 أبريل/نيسان الماضي، انطلقت المحاكمة الأكثر أهمية في كوبلنز بألمانيا، ضد ضابطين سابقين في مخابرات بشار، وهما أنور رسلان وإياد الغريب.

كما بدأت إجراءات أخرى ضد عملاء النظام في النمسا والسويد والنرويج، بينما صدرت أوامر اعتقال في فرنسا وألمانيا.

ونوهت المجلة بأن "هذه الملاحقات القضائية يمكن أن تستفيد من البيانات والتحليلات التي أنجزتها كل من لجنة التحقيق الدولية بشأن سوريا، النشطة منذ عام 2011، ومن قبل ما يسمى الآلية الدولية المحايدة والمستقلة لسوريا، التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2016 من أجل إجراء تحقيقات جنائية في الجرائم المرتكبة في سوريا".

أمل محدود

وأكدت المجلة أنه "يجب ألا يأمل ضحايا التعذيب والجرائم الأخرى المرتكبة في سوريا كثيرا في إمكانية أن تنصفهم العدالة في المستقبل القريب، لأن الطريق سيكون طويلا ولن يخلو من العقبات''.

ويمكن إجراء محاكمات في أوروبا ودول أخرى ضد عدد محدود جدا من المسؤولين عن الانتهاكات، مما قد يرضي بضع عشرات أو مئات الضحايا، وفق المجلة.

ومع ذلك، تعد هذه الخطوة أساسية في مكافحة الإفلات من العقاب في سوريا، ويمكن الأمل في أن تفتح الطريق أمام المحاكمات المستقبلية على المستوى الدولي.

وخلصت المجلة إلى أن هذا التحرك الهولندي "يتيح الفرصة لإجراء تحقيق قضائي في التعذيب الممنهج والواسع النطاق الذي يتحمل مسؤوليته النظام السوري".

واعتبرت أن "هذا التحرك يمكن أن يشكل أداة ضغط دبلوماسي ضد النظام السوري والدول الثالثة التي تنوي إعادة العلاقات الدبلوماسية معها أو المشاركة في عملية إعادة إعمار البلاد".

وشددت المجلة الإيطالية على أن "هذا الضغط الدبلوماسي سيكون أكثر فاعلية مع انضمام المزيد من الدول إلى الإجراء الذي بدأته هولندا".