نصف المغربيات يعانين العنف.. لماذا فشل القانون في إنهاء الظاهرة؟

12

طباعة

مشاركة

في 15 فبراير/شباط 2108 صدر القانون الذي يجرم العنف ضد النساء في المغرب، وفي 12 سبتمبر/ أيلول 2018، دخل حيز التنفيذ، ورغم مرور أكثر من عامين حتى الآن على إقراره والعمل به إلا أن صعوبات مختلفة تواجه تطبيقه على أرض الواقع.

وفق آخر تقرير رسمي أصدرته الحكومة في أبريل/نيسان 2019، وصل معدل انتشار الظاهرة إلى 54.4 في المئة (أي أكثر من نصف المغربيات)، وأوضح التقرير أن امرأة من كل اثنتين أبلغت عن تعرضها لشكل من أشكال العنف.

جدل واسع وخلاف كبير يثار حول القانون الذي يعتبره البعض قانونا "ثوريا" ينصف المرأة ويضع حدا لمعاناتها، فيما يشكك آخرون في قدرته على حفظ كرامة المرأة وحمايتها.‬‬‬

2.85 مليار درهم أي ما يقارب 314 مليون دولار، هو المبلغ الذي صرفته الحكومة المغربية في 12 شهرا، على ضحايا العنف الجسدي والجنسي ضد النساء، بحسب المندوبية السامية للتخطيط (حكومية).

وكشف استطلاع أجرته السلطات بدعم من هيئة الأمم المتحدة للمرأة في المغرب، بين فبراير/شباط ويوليو/تموز 2019، حول التكلفة الاقتصادية لضحايا للعنف ضد النساء والفتيات، أن متوسط ما يكلفه العنف الجسدي والجنسي للأسر، 957 درهما- أزيد من 100 دولار- لكل ضحية.

عنف الحجر

المعطيات الصادرة عن فيدرالية رابطة حقوق النساء (أهلية)، في الفترة ما بين 16 مارس/آذار و24 أبريل/نيسان 2020، كشفت أن العنف الزوجي، بما فيه عنف الطليق بكل أشكاله، طغى على أنواع العنف الممارس ضد النساء، خلال فترة الحجر الصحي لكورونا، وشكل نسبة 91.7 في المئة.

وجاء العنف الأسري في المرتبة الثانية، بنسبة 4.4 في المئة، وتضمن أفعال العنف الممارس على النساء من قبل أفراد الأسرة.

المؤسسة الحقوقية أفادت، بأن العنف الاقتصادي احتل المرتبة الثانية بنسبة 33 في المئة، يليها العنف الجسدي الذي تجاوز نسبة 12 في المئة، ناهيك عن بعض حالات العنف الجنسي، مع تسجيل حالات الطرد من بيت الزوجية، كفعل استدعى بإلحاح التدخل لتوفير خدمة الإيواء.

وكشفت فيدرالية رابطة حقوق النساء أنها استقبلت، من بداية الحجر (مارس/آذار إلى يونيو/حزيران 2020) عبر مختلف الخطوط الهاتفية التي وضعتها للنساء، 240 اتصالا هاتفيا للتصريح بالعنف.

كما سجلت ما مجموعه 541 فعل عنف مورس على هؤلاء النساء بمختلف أنواعه وتجلياته، مشددة أن "خدمة الإيواء للنساء تعترضها إشكالات كبيرة، تتمثل في نقص حاد في المراكز المتخصصة، وفي صعوبة التنقل بين المدن وداخل نفس المدن بسبب الحجر، إضافة إلى إشكالية التخوف من نقل الوباء".

وخلال الشهر الأول فقط من بدء الحجر، استقبلت جمعية التحدي للمساواة والمواطنة 300 مكالمة هاتفية من نساء تعرضن للعنف، وتم الاستماع إلى 31 امرأة معنفة، وقُدمت إرشادات قانونية لـ39 منهن، ومنحت الجمعية مؤونة غذائية لـ20 امرأة.

وفي الفترة ما بين 20 مارس/آذار إلى 20 أبريل/نيسان 2020، رصدت النيابة العامة في المغرب ما مجموعه 892 شكاية، تتعلق بمختلف أنواع العنف ضد النساء، وتم تحريك الدعوى العمومية في 148 قضية فقط من هذا النوع.

ولفتت النيابة العامة أن عدد المتابعات من أجل العنف ضد النساء انخفض 10 مرات عن المعدل الشهري لهذا النوع من القضايا (148 متابعة بدلا من 1500 متابعة شهريا في الأحوال العادية)، وأنه إذا كان افتراض ثبوت الأفعال المشتكى منها في كافة الشكايات المسجلة (892 شكاية)، فإن هذه النسبة تمثل فقط حوالي 60 في المئة من المعدل المسجل في الأحوال العادية من قضايا العنف ضد النساء.

قانون بثغرات

ورغم اعتماد المغرب القانون رقم 13-103 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، فإن تعليق روثنا بيغوم، باحثة حقوق المرأة في قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هيومن رايتس ووتش عقب إصدار القانون لم يكن متفائلا بشكل كبير.

روثنا قالت: "يعترف قانون المغرب المُتعلق بمحاربة العنف ضد النساء أخيرا ببعض أشكال الإساءة التي تواجهها نساء كثيرات من قبل أزواجهن وأسرهن. لكن على المغرب أن يُعالج الثغرات لضمان حماية جميع الناجيات من الإساءة، وقيام الشرطة والنيابة العامة بعملها".

وأشار التقرير الذي نشرته المنظمة الحقوقية على موقعها في فبراير/شباط 2018، إلى أن القانون يُجرم بعض أشكال العنف الأسري، ويُنشئ تدابير وقائية، ويوفر حماية جديدة للناجيات.

مضيفا: "لكنه يطالب الناجيات برفع دعوى قضائية للحصول على الحماية، ولا يستطيع سوى القليل منهن فعل ذلك، كما أنه لا يحدد واجبات الشرطة والنيابة العامة وقضاة التحقيق في حالات العنف الأسري، أو تمويل مراكز إيواء النساء".

يتضمن القانون، بحسب المنظمة، أحكاما إيجابية، مثل تعريف العنف ضد المرأة على أنه "كل فعل مادي أو معنوي أو امتناع أساسه التمييز بسبب الجنس، يترتب عليه ضرر جسدي أو نفسي أو جنسي أو اقتصادي للمرأة"، ومع ذلك، فإنه لا يقدم تعريفا "للعنف المنزلي".

يسمح القانون بقرارات الحماية التي تمنع متهما من الاتصال أو الاقتراب أو التواصل مع الضحية، لكنها لا تصدر إلا أثناء المقاضاة أو بعد الإدانة، كما يمكن إلغاء هذه القرارات إذا تصالح الزوجان مما يزيد من الضغط على النساء لإلغاء هذه القرارات، وهذه ثغرة أخرى بحسب هيومن رايتس ووتش.

ولا يوفر القانون أيضا، وفق ما سجلته المنظمة الحقوقية، المساعدة المالية للناجيات، أو تحديد دور الحكومة بوضوح فيما يتعلق بتوفير الدعم والخدمات للناجيات من العنف الأسري، بما في ذلك المأوى، الخدمات الصحية، الرعاية الصحية النفسية، المشورة القانونية، والخطوط الهاتفية لحالة الطوارئ.

تكلفة ثقيلة

ترى الأمم المتحدة أن تحقيق عالم خال من العنف ضد النساء والفتيات، يعزز حقوقهن وخياراتهن، هو السبيل الوحيد للوصول إلى عالم مزدهر ومستدام، مشيرة إلى ضرورة بلوغ ذلك في 2030.

وزارة التضامن والتنمية الاجتماعية والمساواة والأسرة بالمغرب، ترى أن ظاهرة العنف ضد النساء انخفضت في المغرب، واستدلت بالاستطلاع الذي أنجزته سنة 2019، وأكد أن 54.4 في المئة من المغربيات تعرضن لشكل من أشكال العنف، بعدما كانت النسبة 63 في المئة عام 2009.

وأوضح الاستطلاع أن العنف النفسي ضد النساء هو الأكثر انتشارا تليه أشكال العنف الاقتصادي والجسدي والجنسي، مسجلا تفاوتا ضعيفا في أشكال العنف هذه بين المدن والأرياف.

وفق الاستطلاع، بلغت نسبة التعرض للعنف في الأماكن العامة 12.4 %، فيما بلغ معدل انتشار أفعال التحرش والشتم والابتزاز والتشهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي 13.4 %. 

وأشارت الدراسة إلى أن 93.4 % من النساء ضحايا العنف يحجمن عن تقديم أي شكوى، ملفتة إلى أن المطلقات أو الأرامل هن الأكثر ميلا إلى تقديم شكاوى من هذا النوع.

"مسلسل تراكمي"

فوزية العسولي، رئيسة المؤسسة الأورومتوسطية للنساء والرئيسة الشرفية لفيدرالية رابطة حقوق النساء، تؤكد أن تكلفة العنف تجاه النساء لا تتحملها فقط الأسر والضحايا، بل أيضا المجتمع.

وقالت الحقوقية في حديث مع "الاستقلال": "الجمعيات النسائية نبهت باستمرار في عمليات التوعية التي تقوم بها، لضرورة اتخاذ جميع الإجراءات لمناهضة العنف ضد النساء، ومنها الجانب الاقتصادي والانعاكاسات التنموية والعبء المالي للعنف".

ترى العسولي، أن "تلك المبالغ من الأولى صرفها في الوقاية من العنف، لا في تلافي تأثيراته، والوقاية تتم عبر معالجة الاختلالات المجتمعية، وأهمها التمييز ضد النساء، مع اتخاذ كل التدابير الوقائية، قبل الوصول إلى العنف، ومن ضمنها التوعية والتربية على المساواة بين الطفلات والأطفال، وكذلك وسائل استباقية.

وصفت الناشطة الحقوقية العنف بـ"المسلسل التراكمي"، وبالتالي يجب استباق حدوثه منذ أول شكاية تقدمها المرأة، قبل أن يتصاعد بداية من السب والقذف والضغط النفسي، إلى عنف مركب يمكن أن يصل إلى حد القتل. 

لا تعتبر المتحدثة، العنف "قضية شخصية خاصة، بل هي قضية مجتمع ككل، والدراسة أظهرت أن العنف ليس انتهاكا للحقوق الإنسانية للنساء، بل له تكلفة اقتصادية واجتماعية ومدنية، وبالتالي فهو شأن عام قبل أن يكون خاصا".

مسؤولية الدولة

أبرزت العسولي، في حديثها، أن "جزءا كبيرا من هذه التكلفة تتحملها النساء المعنفات نفسهن، إذ إن مجانية العلاج غير متوفرة 100 بالمئة في كل مناطق المغرب، رغم أن القانون 103/13 يحتم المجانية للمعنفات في المراكز الصحية العمومية".

ولفتت الحقوقية إلى أن "العلاج ليس الضرر الوحيد الذي يحتاج إلى تكلفة مالية، بل أيضا التوقف عن العمل والمتابعات القضائية، وهي نفقات تتحمل الدولة جزءا منها فيما تلتزم الضحية بباقي التكاليف".

عادت العسولي في حديثها لتشدد على أن "الدستور المغربي واضح في كون الدولة ملتزمة بالحفاظ على الحرمة الجسدية والنفسية للأشخاص وضمان الحياة السليمة والآمنة لهم، فضلا عن الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها المغرب".

اعتبرت المتحدثة، أن "إصدار القانون أمر إيجابي، في إشارة إلى قانون 103/13، موضحة أنه جرّم أفعالا كثيرة لم تكن كذلك في السابق، مثل الطرد من بيت الزوجية وتبديد أموال الأسرة".

ووقفت الحقوقية عند ثغرات القانون قائلة: "هناك عدة وسائل احترازية ضمنها حماية النساء، لم تسنها القوانين بعد"، وأعطت العسولي مثالا بالسوار الإلكتروني للإبعاد. وخلصت العسولي إلى أن الحكومة "لا تقوم بكل الإجراءات والقوانين اللازمة لأجل حماية النساء ومناهضة العنف ضدهن".

وترجع الناشطة المغربية البارزة في مجال حقوق النساء، السبب الأساسي في تفشي الظاهرة إلى التمييز بين الجنسين، ثم الصور النمطية ووسائل التنشئة من كتب وبرامج، وكذلك يتحمل الخطاب الإعلامي جزءا من المسؤولية.