اعتبروها "قرصنة".. لماذا رفض سنة العراق نقل أوقافهم لوزارة الثقافة؟

يوسف العلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

حالة من الغضب العارم انتابت الشارع العراقي جراء مصادقة الحكومة على اتفاق يقضي بتحويل أملاك الوقف السني- والتي تعتبر الكثير منها تاريخية ولا تقدر بثمن- إلى الوقف الشيعي ووزارة الثقافة، في خطوة وصفتها قوى وأحزاب سياسية بأنها "كارثية".

أصل المشكلة يعود إلى مرحلة الاحتلال الأميركي عام 2003، بعدما حُلت وزارة الأوقاف العراقية، وشُكل مكانها ديوان للأوقاف لكل مذهب، لكن غالبية الأوقاف في البلاد التي تضم المساجد والأملاك العقارية كالبيوت والعقارات التجارية عائدة للسُنة.

وعلى مدار السنوات الماضية أسفرت محاولات الوقف الشيعي والمليشيات المسلحة عن السيطرة على أملاك وقفية للسنة في بغداد وديالى وكركوك ونينوى وبابل وصلاح الدين، لكن قرار الحكومة الأخير يمثل سيطرة شبه مطلقة على  أوقاف أهل السنة في العراق.

نص الاتفاق

القرار الحكومي جاء بناء على اتفاق وقع عليه رئيس ديوان الوقف السني بالوكالة سعد كمبش- الذي تطالب جميع القوى السنية بإقالته- ونظيره الشيعي، وينطوي على صيغتين لحسم أملاك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الملغاة منذ عام 2003.

وينص الخيار الأول على نقل أرشيف (الحجج الوقفية) وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الملغاة إلى وزارة الثقافة/ دائرة الكتب والوثائق، وعلى جميع الجهات الحكومية الأخرى تسليم الأرشيف والوثائق والأحكام القضائية والمتعلقات كافة التي كانت عائدة إلى الوزارة الملغاة قبل 9 نيسان/أبريل 2003 إلى وزارة الثقافة خلال مدة أقصاها نهاية عام 2020.

ويشير قرار الحكومة المثير للجدل إلى توزيع الأرشيف (الحجج والأملاك الوقفية) لاحقا على الدواوين المختصة، حسب نتائج عمل اللجنة العليا المذكورة في الاتفاق آنفا.

أما الخيار الثاني، فينص على إقرار محضر الاتفاق المشترك بين ديواني الوقفين الشيعي والسني لحسم أملاك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الملغاة، الذي جاء وفق مذكرة مكتب مستشار رئيس مجلس الوزراء للشؤون الإستراتيجية المؤرخة في 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

وحسب الاتفاق المشترك، فإنه ستشكل لجنة عليا برئاسة رئيس مجلس الوزراء ووزير العدل ورئيسي ديواني الوقفين الشيعي والسني للإشراف على تنفيذ فرز الأوقاف الإسلامية والأموال التابعة للوزارة الملغاة.

وتنص هذه الصيغة أيضا، على تشكيل لجنة فرعية أخرى لتسجيل الأوقاف والأموال التي تتوافر فيها حجج شرعية صحيحة باسم الوقف المعني، أو الركون إلى النسبة السكانية المعتمدة في كل محافظة في حال عدم وجود سند مصادق عليه، باستثناء كركوك التي يطبق عليها مبدأ النصفية، أما المساجد المشيدة من الأفراد فستكون بحسب مذهب الواقف.

"قرصنة ولصوصية"

رئيس ديوان الوقف السني الأسبق محمد عبد الوهاب الشماع اعتبر خلال تصريحات صحفية في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أن اتفاق الدمج بين الوقفين السني والشيعي "يثير فتنة لا يعلم مداها إلا الله"، واصفا إياه بـ"القرصنة واللصوصية".

"الشماع" أكد أن هذا الاعلان الذي سمي بالاتفاق ليس اتفاقا بل "قرصنة مغلفة باسم اتفاق وهو فتنة"، مضيفا: أن "لجنة فك العزل كانت مداومة على عملها منذ عام 2005، وكانت تستند إلى أمرين مهمين، بهما يأخذ كل واحد حقه ومستحقه، أولا: "الحجة الوقفية أو المستند"، ثانيا: "مذهب الواقف".

وقال الشماع: "الشيعة لا يوقفون لله، بل أوقافهم لبيت الحكيم والصدر، ليس عندهم وقف لله، عندهم الخمس، لكن أهل السنة يوقفون العمارة والبستان لله سبحانه وتعالى مثل الجامع أو المسجد الفلاني".

وأكد أنه "قبل عام 2003 كان لدينا موظف شيعي يدعى كاطع عبد النبي وهو مسؤول الأملاك في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، ومسؤول المساجد في الوزارة كان شيعيا أيضا، مضيفا أنهم جاؤوا لعبد النبي بعد 2003 وقالوا له: ماذا عندنا من الأملاك في وزارة الأوقاف؟ قال: نمتلك من الأوقاف 4 بالمئة فقط، و96 بالمئة تعود لأهل السنة".

رئيس ديوان الوقف السني الأسبق، قال: "هل يثبت الشيعة بأن لديهم وقفا أو حجة وقفية استولت عليها وزارة الأوقاف، أو أهل السنة؟، ليس عندهم أي مستند، سوى منطق القوة في هذه المسألة، وهذا الأمر لا يستقيم مع القانون والدستور والأخلاق".

"اتفاق الفتنة"

خطوة الحكومة هذه، أثارت حفيظة جميع القوى السياسية والدينية السنية، فوصف "تحالف القوى العراقية" توقيع رئيس الوقف السني بالوكالة على الاتفاق بأنه "مخالفة قانونية واستغلال وظيفي لتحقيق غايات ومنافع شخصية، كونه غير مثبت ولم يصوت عليه البرلمان وليس له صلاحية التوقيع على قرارات مصيرية تتعلق بالتخلي أو التنازل أو التفريط بأوقاف المسلمين".

وطالب التحالف الذي يتزعمه رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بإنهاء عمل رئيس الوقف واختيار أحد مرشحي المجمع الفقهي (أكبر مرجعية للسنة) لإدارة الوقف السني أصالة، وسحب محضر الاتفاق.

وعلى الوتيرة ذاتها، أصدرت "جبهة الإنقاذ والتنمية" بيانا في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، رفضت فيه الاتفاق ونقل الأرشيف إلى وزارة الثقافة كونها "تتعلق بأملاك وحجج وقفية خاصة"، واعتماد النسبة السكانية لانتخابات مجالس المحافظات 2013 لحسم عائدية الأوقاف واعتماد النسبة السكانية في تقسيم المساجد الرئاسية والمشيدة في عهد نظام الرئيس الراحل صدام حسين.

وغرد رئيس الجبهة أسامة النجيفي على تويتر قائلا: "قرار مجلس الوزراء لحسم مصير الأوقاف في العراق كارثي ومخالف للقانون ويمهد للسيطرة شبه المطلقة على أوقاف السُنة في العراق، ويجب التصدي له سياسيا وقضائيا".

من جهته، النائب عن "الجبهة العراقية" محمد إقبال، وصف قضية ديوان الوقف السني في تغريدة على "تويتر" بأنها: "مستنقع يزكم الأنوف، وورقة تستغل سياسيا في كل حكومة للابتزاز وشراء المواقف والولاءات"، مشيرا إلى أن "مجلس الوزراء أقحم نفسه في المصادقة على عملية تضليل كبيرة وسرقة أكبر لأوقاف المسلمين".

أما "المجمع الفقهي العراقي" (أكبر مرجعية دينية للسنة) فأصدر في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، فتوى حرم فيها قرار الحكومة المتعلق بالأوقاف "لما فيه من تلاعب والتحكم بأوقاف محسوبة لله تعالى ومشيدة بشرط واقفها، ولذا يطالب بإلغاء هذا الاتفاق".

وفي 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، خرجت في جامع الإمام الأعظم شرق بغداد، مظاهرة منددة بالاتفاق الذي يصادر الأوقاف السنية، تلبية للدعوة التي أطلقها "المجمع الفقهي" برفض ما أسماه "اتفاق الفتنة".

"مسرحية سياسية"

قضية الأوقاف السنية أثيرت في وقت كان الرأي العام العراقي منشغلا بحراك سياسي تجريه معظم القوى السنية والكردية والشيعية، للإطاحة برئيس البرلمان محمد الحلبوسي، من منصبه، في وقت يحاول فيه رئيسا الجمهورية والحكومة التوسط لإنهاء الأزمة دون حدوث الإقالة.

موضوع إقالة الحلبوسي بلغ ذروته بعدما أبدت قوى شيعية يقودها هادي العامري زعيم تحالف "الفتح" ونوري المالكي رئيس ائتلاف "دولة القانون" تأييدهم للإقالة، وعزمهم اتخاذ خطوة مقبلة تطيح برئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، ورئيس الجمهورية برهم صالح.

ما أثار الشكوك أكثر أن رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، كان حريصا على إبقاء رئيس الوقف السني بالوكالة سعد كمبش، في منصبه، رغم ترشيح "المجمع الفقهي" الذي يعتبر صاحب الحق في ذلك، لأكثر من شخصية إلى رئيس الحكومة لتعيينه رئيسا للوقف بالأصالة، بحسب مصادر سياسية.

مصادر طلبت عدم كشف هويتها قالت في حديث لـ"الاستقلال": "اتفاق فك وعزل الأوقاف السنية كانت منذ البداية سيناريو معد بين الكاظمي والحلبوسي، وذلك بأن يطرح الموضوع، لكن لا يمرر".

وأضافت: أن "الغاية من هذا السيناريو أمران: الأول، كسب ود زعيم تحالف الفتح، هادي العامري، والكتل الشيعية الأخرى لعدم ذهابها باتجاه مسألة الإقالات التي تطيح برؤساء البرلمان والجمهورية والحكومة".

أما الأمر الثاني، فهو الظهور بمظهر الأبطال الشعبيين بعد إلغاء هذه الاتفاقية إثر جهودهما، وبالتالي الموضوع من بدايته إلى نهايته مسرحية أبطالها الكاظمي والحلبوسي، حسبما أفادت المصادر.

وفي 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، كتب المتحدث الرسمي باسم المجمع الفقهي العراقي، الشيخ مصطفى البياتي عبر منشور على حسابه بفيسبوك قال: إن رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي وعدنا بـ"عدم تنفيذ الاتفاق بين الوقفين وستجدون ما يسركم".

وأضاف البياتي أن ذلك جاء في لقاء اليوم (21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020)، الذي حضرناه وضم وفدا من علماء العراق ومؤسساته الشرعية مع دولة السيد الكاظمي وبحضور وزيري التخطيط والثقافة.

وما يعزز رواية المصادر، تأكيد البياتي أن "اللقاء جاء بجهود من السيد محمد الحلبوسي (رئيس البرلمان) بعد أن ذهب إليه ممثلو المحافظات المحررة (المدن السنية التي استعيدت من سيطرة تنظيم الدولة) وناقشوا معه الاتفاقية وقد حضر معنا جزءا من اللقاء".

قبل ذلك بيوم واحد فقط، أفاد بيان صادر عن مكتب الحلبوسي بأن الأخير زار "المجمع الفقهي العراقي"، والتقى برئيس المجمع الشيخ العلامة الدكتور أحمد حسن الطه، دون الإدلاء بمزيد من التفاصيل.

لكن "المجمع الفقهي" أصدر بيانا عن الزيارة في اليوم نفسه، أكد فيه أنه جرى "مناقشة الاتفاق المشترك بين رئيسي ديواني الوقفين السني والشيعي، حيث بيّن الشيخ الطه خطورة بنود الاتفاق من الجانب الشرعي وبطلانه وتداعياته على النسيج الوطني، وطالب بضرورة السعي الجاد لإلغائه وتعطيله، وأن الجماهير الغاضبة تنتظر موقفا حاسما وليس وعودا".

من جانبه، تعهد الحلبوسي للشيخ الطه بإيقاف العمل بهذه الاتفاقية، وأن مثل هذه القضايا لا بد من عرضها على المرجعيتين السنية والشيعية. وأكد رئيس البرلمان عدم إمضاء القضايا الشرعية إلا بعد موافقة مرجعية أهل السنة المتمثلة بالمجمع الفقهي، وفقا للبيان.