الجارديان: كيف يساهم ترامب في تعميق اضطهاد الإيجور؟

12

طباعة

مشاركة

بينما يواجه الرئيس الأميركي دونالد ترامب، نظيره الصيني شي جين بينغ، يجب على الآخرين التصرف لمنع الإبادة الجماعية في شينجيانغ والحرب الباردة الجديدة، حيث تستحق معاناة أقلية الإيجور المسملة، حلولا هادفة.

وبحسب ما ترى صحيفة الجارديان البريطانية، يبدو أن القادة في الصين والولايات المتحدة يشعرون بالحنين إلى أسوأ جوانب القرن العشرين.

وقال تقرير نشرته الصحيفة: "بعد فصل أفراد الأسر عن بعضهم البعض، وقمع أعداد مواليد الإيجور، يجب ألا يكون هناك شك في أن السياسات التي فرضها الحزب الشيوعي الصيني (CCP) على السكان الأصليين في آسيا الوسطى، التي يحكمها، تفي بتعريف الأمم المتحدة للإبادة الجماعية". 

في حين أن إدارة ترامب بدأت متأخرة في فرض عقوبات على هذه الفظائع، إلا أن سياستها العامة للصين مدفوعة بدوافع تخدم مصالحها الذاتية وليست إنسانية، وفق التقرير.

وأوضح: "من الواضح أنه بعد استرضاء شي جين بينغ لأول مرة، يأمل ترامب الآن في أن تغطي حرب باردة جديدة على طريقته الفاشلة في التعامل مع وباء كورونا". 

كيف إذن يجب أن تستجيب الدول الأخرى لأزمة شينجيانغ (شمال غرب الصين) وسط استفزازات ترامب الخطيرة؟

اضطهاد الإيجور

ويجيب التقرير عن هذا التساؤل بالقول: "ما تفعله جمهورية الصين الشعبية في شينجيانغ (تعيش هناك أقلية الإيجور) ليس له علاقة تذكر بمكافحة الإرهاب، إنه تتويج لحملة دامت عقدا من الزمن لتطوير الإقليم شينجيانغ بجعل مناظرها الطبيعية وشعوبها تبدو أكثر صينية". 

وواصل: "لقد عكست جمهورية الصين الشعبية ما كان سابقا، سياسات تنوع تعددي نسبيا لصالح سياسة الاستيعاب والهيمنة الجديدة، التي تهدف إلى هندسة شعب صيني متجانس، هوية صينية وطنية موحدة يتم تصورها في حلم الصين للأمين العام شي جين بينغ".

وتابع: "فبعد قمع مظاهرة سلمية للإيجور في أورومتشي في عام 2009 من قبل الشرطة بالقوة المميتة والتحول إلى العنف، زاد الحزب من الاستثمار في المنطقة من خلال مطالبة المحافظات والمدن الغنية في شرق الصين ببناء مجمعات صناعية ومناطق تجارية في شينجيانغ".

ومع ارتفاع تكاليف العمالة في بقية الصين، نقلت الدولة زراعة القطن والصناعات ذات القيمة المضافة المنخفضة من الساحل الصيني إلى شينجيانغ، وكان الهدف هو توفير العمالة الرخيصة للمصنعين الصينيين.

وأردف التقرير: "وإلى جانب عملية تحويل الإيجور إلى عمال مصانع صينيين، هاجم الحزب رموز هويتهم". فقد دمرت المدن القديمة مثل كاشغر وهوتان، ثم حظرت، وعاقبت الحجاب وغطاء الرأس للنساء واللحى على الشباب، ومنعت الصلاة العامة والصوم في رمضان، والامتناع عن الخمر. 

لقد منعت لغة وثقافة الإيجور، إلى درجة أن طلاب الإقليم، كانوا في واحد من فصول تعلم لغتهم القليلة المتبقية في مدارس شينجيانغ، يدرسون كلاسيكيات اللغة الصينية مترجمة للإيجور، بدلا من كلاسيكياتهم، وفق التقرير.

لم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد أرسل الحزب، قوات الشرطة وفرق التفتيش للبحث عن علامات "التطرف الديني" في منازل الإيجور والمتمثلة ببساطة في امتلاك القرآن الكريم. 

ونتيجة لذلك زادت أعمال العنف والاضطرابات، كأقل رد فعل ممكن تجاه عمليات تطهير عرقي بهذه البشاعة.

وبعد أربعة أحداث عنف صغيرة نسبيا في عامي 2013-2014، قام سكرتير الحزب الجديد في شينجيانغ، تشن كوانجو، بتنفيذ مراقبة عالية التقنية، ونشر مكثف لنقاط التفتيش ومراكز الشرطة حول المناطق التي يُعتقد أنها مشتبه فيها.

ويقول التقرير: "اعتمد نظام ذكاء اصطناعي جديد على قاعدة بيانات واسعة من البيانات السلوكية، والبيولوجية؛ لتقييم وفرز ما يقرب من 2 مليون شخص يُعتقد أن لديهم أفكارا متطرفة، وتقديمهم للسجن أو الاعتقال التعسفي".

وتابع: "وتم إرسال أطفال المعتقلين إلى دور الأيتام والمدارس الداخلية ليتم تربيتهم على الثقافة والمعتقدات الصينية". ولم يقف الأمر عند محاولة تغيير الهوية قسريا بالاعتقال والخطف.

يوضح التقرير ذلك، بالقول: "في الوقت نفسه، بدأ الحزب الشيوعي الصيني في تقليل مواليد الإيجور، بينما شجع عرق "هان" (الأغلبية العرقية في الصين) على إنجاب المزيد من الأطفال". 

وفي سبيل كبح تكاثر عرق الإيجور، تعددت الوسائل، من الإدخال القسري لأجهزة منع الحمل داخل أرحام النساء.

وظهر أن 80٪ من جميع عمليات وضع اللولب في الصين في عام 2018 تم إجراؤها في شينجيانغ، التي يوجد بها 1.8٪ فقط من السكان. ومن تلك الوسائل عمليات التعقيم الإجباري خلال الاعتقالات الجماعية.

نتيجة لهذه الإجراءات الوحشية وغير الإنسانية، انخفضت معدلات النمو السكاني بنسبة 84٪ في مناطق  الإيجور السكانية بين عامي 2015-2018. 

ويعتبر النقل القسري للأطفال، والتدابير التي تهدف إلى منع الولادة، اثنين من العناصر الخمسة لتعريف الأمم المتحدة لمعنى الإبادة الجماعية، وفق التقرير.

عودة العبودية

ويوضح التقرير كيف عادت العبودية، ولكن هذه المرة في الصين، بالقول: "منذ عام 2019، نقل الحزب مئات الآلاف من الإيجور وشعب شينجيانغ الآخرين من معسكرات الاعتقال والقرى إلى المجمعات الصناعية التي بنتها مقاطعات ومدن وشركات شرق الصين".

كما نقلت عشرات الآلاف من الإيجور إلى مصانع في الأجزاء الشرقية من الصين، وحجزتهم بشكل غير آدمي في ثكنات تحت نظام عسكري.

وتابع التقرير: "من خلال القيام بذلك، جعلت جمهورية الصين الشعبية المحافظات والمدن والمئات من الشركات الصينية التي استثمرت في شينجيانغ، وبنت وزودت معسكرات الاعتقال، شركاء في نظام شينجيانغ - جولاج". 

وجولاج هي وكالة حكومية مسؤولة عن الشبكة السوفيتية لمعسكرات "السخرة" التي تم إنشاؤها بأمر من فلاديمير لينين، إبان الحقبة السوفيتية الدموية.

وأشارت التحقيقات الأخيرة إلى وجود 83 علامة تجارية عالمية على الأقل في سلاسل التوريد المرتبطة بنظام العمل الجبري هذا.

ويقول التقرير: "الولايات المتحدة محقة في التحقيق باستيراد المنتجات من سلاسل التوريد هذه وحظرها، ويجب على أي شركة من أي مكان في الصين، أن تتجنب التورط في هذا العمل غير الإنساني إذا أرادت تجنب العقاب". 

وبالفعل، وباستخدام قانون سياسة حقوق الإنسان الإيجوري الذي تم تمريره مؤخرا (UHRPA) وقانون ماغنيتسكي العالمي، فقد فرضت الولايات المتحدة عقوبات على سكرتير الحزب الجديد في شينجيانغ، تشن كوانجو ومسؤولين آخرين في الإقليم، ووضعت وكالات وشركات الأمن الصينية على قائمة الكيانات التي تقيد وصولها إلى التكنولوجيا الأميركية.

هذه بالطبع تطورات إيجابية أخيرا بتفعيل قانون UHRPA، الذي أخره ترامب لمدة عام ونصف، على أمل أن يقدم له شي صفقة تجارية لمساعدته على إعادة انتخابه، وللوهلة الأولى يبدو هذا القانون أداة دقيقة ومحددة لاستهداف فظائع جمهورية الصين الشعبية لحقوق الإنسان، وفق التقرير.

واستدرك: "لكن تطبيق هذا القانون وعقوبات ماغنيتسكي العالمية، لا يمكن أن يكونا مختلفين أكثر عن الإجراءات الأخرى التي يقوم بها البيت الأبيض، وهي إجراءات عدائية لا معنى لها ضد الشعب الصيني".

إجراءات مثل، فرض تعريفات جمركية واسعة النطاق على سلع صينية بمليارات الدولارات، واستخدام مصطلح عنصري للإشارة إلى كوفيد-19 بدلا من التعاون لهزيمة الجائحة العالمية، وإلغاء فيلق السلام.

أيضا، دعوة الطلاب والعلماء الصينيين بـ "جواسيس"، التهديد بمنع أعضاء الحزب الشيوعي الصيني وعائلاتهم (مجموعة تقدر بأكثر من 200 مليون شخص، الغالبية العظمى بدون دور في صنع السياسات)، أو إغلاق قنصلية جمهورية الصين الشعبية في هيوستن، تكساس، بشكل مفاجئ.

وتقول الجارديان: إن كلا من واشنطن وبكين أفضل من زعمائهما الحاليين، وعلى البلدان الأخرى والمنظمات المتعددة الأطراف والمنظمات غير الحكومية والأشخاص من خارج الولايات المتحدة والحكومات الصينية أن يفكروا ويتصرفوا برشاقة للمساعدة في وقف الإبادة الجماعية، ولكن أيضا تجنب حرب باردة. 

وتابعت: "إن الاستمرار في التحقيقات في سلاسل التوريد القائمة على العبودية، والتشهير ومعاقبة الشركات والمسؤولين المرتبطين بمعسكرات جولاج الصينية في شينجيانغ، وغيرها من الإجراءات المماثلة أمر مهم، والأكثر أهمية هو توفير الدعم والملجأ القانوني للإيجور والكازاخستانيين وغيرهم من المنفيين في شينجيانغ".

ونددت عدد من الدول الديمقراطية، بالفعل، بالفظائع التي ارتكبت في شينجيانغ، في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي الهيئة التي انسحب منها ترامب بشكل متهور، ممهدا الطريق أمام الصين لمحاولة تعطيل عمل المجلس وتحويله عن هدفه. 

وعلى الرغم من ذلك، فقد استطاع المجلس بأغلبية 22 دولة، بما في ذلك بريطانيا، ومعظم أوروبا، وكندا، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا، إصدار البيان المشترك الذي يدين الاعتقالات الجماعية في شينجيانغ، وهو أمر مهم، ونحتاج إلى الكثير من هذه التحركات في المستقبل، وفق التقرير.

وأضاف التقرير: "وفي الوقت نفسه، فإنه يجب على دول مثل، المملكة المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والحلفاء الديمقراطيين الآخرين، ألا يعلقوا في منتصف الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والصين، وإلا فإن مشاجرة هواوي (ارتبطت بحرب تجارية تخللها فرض ضرائب) ستكون مجرد البداية".

وبين أنه "أصبح الحفاظ على العلاقات الثقافية والأكاديمية مع جمهورية الصين الشعبية الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، حيث تسعى فوبيا الأجانب المتصاعدة في البيت الأبيض، إلى استبعاد الشعب الصيني من الأراضي الأميركية".

وعلى الرغم من أن ترامب نفسه ليس معروفا باستجابته للنصيحة الحكيمة، إلا أن الكلمات التحذيرية من أصدقاء الولايات المتحدة، ما قبل ترامب، لا تزال قادرة على التأثير في المحادثة الأوسع ومنع جنون كراهية الصين من الارتفاع مع الفيروسات التاجية.