توتر حدودي بين الهند والصين.. هل يسهم كورونا بعودة الصراع؟

محمود سامي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بعد هدوء نسبي تشهده الحدود الصينية الهندية، عادت المناوشات العسكرية مرة أخرى بين البلدين الأكثر كثافة في تعداد السكان على مستوى العالم.

ولقي 20 جنديا هنديا مصرعهم، بحسب حصيلة رسمية في 16 يونيو/حزيران، إثر مواجهة عنيفة مع جنود صينيين، عند الحدود في منطقة الهيملايا المتنازع عليها، في أعنف اشتباك بين القوتين النوويتين منذ 53 عاما، في تصعيد بدأ قبل عدة أسابيع.

وتقول الهند: إن طول الحدود يبلغ 3,500 كلم، بينما تقول الصين: إن الحدود يجب أن تكون 2,000 كلم عند احتساب مطالب بكين في غامو وكشمير ولداخ ومناطق أخرى تعيش خلافا يعود إلى حقبة استعمار بريطانيا للمنطقة.

وتصاعدت التوترات منذ أواخر أبريل/ نيسان 2020 عندما أرسلت الصين القوات والآليات العسكرية إلى المنطقة المتنازع عليها، على طول "خط السيطرة الفعلية"، وهو خط ترسيم تقريبي يفصل بين الأراضي التي تسيطر عليها كل دولة.

وتسبب الخلاف الحدودي بين البلدين بحرب قصيرة عام 1962 استولت فيها الصين على أراض من الهند، لكن آخر حادثة إطلاق نار كانت عام 1975 خلفت أربعة قتلى، بينما كانت حصيلة هذا الأسبوع هي الأكبر منذ اشتباكات خلفت مئات القتلى عام 1967.

وظل السلام هشا منذ ذلك الحين، وتخللته مناوشات خفيفة على الحدود، بما في ذلك في عامي 2013 و2017، ولم يتم التفاوض على أية حدود رسمية.

تشتيت الانتباه

ونقلت وكالة الأناضول التركية، عن خبراء عسكريين، قولهم: إن ثمة صلة بين سوء تعامل الصين مع وباء كورونا (كوفيد 19) والاتهامات الموجهة إليها بالتغطية عليه، وغاراتها العسكرية الأخيرة على منطقة "لاداخ" (بولاية جامو وكشمير الهندية) ما أدى إلى مواجهة بين الجيشين.

وذهب الخبراء إلى أن المأزق الحدودي الحالي بين البلدين، قد لا يتم حله بنفس السهولة التي جرى بها حل نزاعات شبيهة في أوقات سابقة.

وما يعزز هذا الطرح، أنه من المقرر أن يتولى هندي منصب رئيس عملية صنع القرار التنفيذي داخل منظمة الصحة العالمية، في خضم الضغوط العالمية المتزايدة على الصين، والفجوة المتفاقمة بين واشنطن وبكين، في تحميل الأخيرة مسؤولية تفشي الفيروس عالميا.

كما سيتعين على الهند حسم موقفها إزاء المطالب الأميركية بإعادة تايوان (التي ترغب الصين في إخضاعها لسيادتها) كمراقب داخل المنظمة.

وهو المطلب الذي ترى بكين أنه يتعارض مع سياسة "صين واحدة" التي تنتهجها، خصوصا وأنها نجحت في إبقاء تايوان خارج اجتماع الصحة العالمية منتصف أبريل/نيسان 2020.

وفي هذا الصدد، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن الأكاديمي بجامعة جواهرلال نهرو (هندية) راغيش راغاغوبالان، أنه "ليس من قبيل المصادفة أنه في اللحظة التي حصلت فيها الهند على فرصة لزيادة نفوذها أمام الصين (التحقيق بخصوص الوباء وتصعيد وضع تايوان) شرعت بكين في ضغط مزيد من الأزرار لتذكير نيودلهي بأنه لا تجب عليها المبالغة في التأكيد على نفوذها". 

وأشار إلى أن "الصين بمقدورها تعقيد الوضع الأمني بالهند، ورفع تكلفة الحفاظ على الاستقرار على حدودها".  

الهروب إلى الأمام

في المقابل، قلل الباحث المغربي المتخصص في الشأن الصيني، عثمان أمكور، من دور كورونا في تجدد التوتر الحدودي بين البلدين، مستبعدا في الوقت ذاته اتخاذ الصين الأزمة كذريعة للهروب من المسؤولية عن تفشي الفيروس.

وفي حديث لـ"الاستقلال"، أوضح أمكور أن سياسة الصين لا تقوم على الهروب إلى الأمام؛ لعدة اعتبارات؛ أبرزها انتعاشها الاقتصادي الحقيقي وإن كان نسبيا، الذي تعبر عنه مؤشرات تؤكد أنه ليس بذلك السوء الذي بدأ معه الوضع في بداية انتشار الجائحة.

واستشهد في هذا الصدد بالانخفاض الطفيف في معدلات البطالة خلال الشهرين الماضيين (أبريل ومارس) بالصين مقارنة بشهر فبراير/ شباط –وفق مقياس رسمي للبطالة- بخلاف تحقيقها نموا في الإنتاج الصناعي والتعديني بالأشهر الأخيرة.

وذهب في هذا الطرح إلى أن التعاطي مع تداعيات كورونا، ساهم في منح الصين أفضلية طفيفة عن بقية دول العالم في مختلف الملفات، خاصة المعنية بالسياسات الخارجية المرتبطة بالحدود مثل ملف إقليم هونغ كونغ (يشهد صراعا تاريخيا بين بكين ولندن) والآن الحدود مع الهند.

وقال: إن العقل الصيني يستثمر فائض الوقت، الذي يمنحه تباطؤ التدخل الدولي، بسبب انشغاله بتداعيات كورونا، ليتقدم ويفرض هيمنته على مجموعة من الملفات المرتبطة بـ"الأمن القومي".

وبالعودة لأزمة الحدود مع الهند، شدد أمكور أن استمرار نيودلهي في إنجاز مشروعها الطرقي (المتمثل في بناء 73 طريقا إستراتيجيا على طول الحدود أنجزت منها نحو 75%) يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي الصيني، حيث يتيح إمكانيات تكتيكية للجنود الهندية في المنطقة الحدودية.

وثمة ملاحظة هامة تطرق إليها الباحث بشأن الأزمة الحدودية، تتمثل في أن حوالي 47% من المياه التي تستخدمها الهند من نهر الجانج الذي يغذي بدوره نهر كوسي والذي يرتفع في التبت، تسيطر عليها الصين.

وأوضح أن الهند تبني مئات السدود الجديدة للتعامل مع ذوبان جبال الهيمالايا، وقد يبدو الصراع في التضاريس الوعرة على قمة الجبل مجرد شيء غريب مقارنة بالمعركة السياسية القادمة حول الحصول على المياه.

وتوقع أن يلجأ الطرفان لتجنب تكلفة حرب، إلى صفقة تنازل تحمي حقوق الطرفين، البرية للصين، والمائية للهند.

المصالح الجيوسياسية

دفعت المصالح الجيوسياسية المتضاربة بين البلدين، إلى تسارع وتيرة الصراع الإقليمي بينهما، على غرار مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، أو التعاون بين الهند وفيتنام في التنقيب عن النفط في بحر الصين الجنوبي، وتجاهلهما احتجاجات بكين.

ووفق مراقبين، تسعى الصين لتطويق الهند، التي ترفض المبادرة، كي يمكنها إملاء شروطها فيما بعد، ولا يكون هناك طريق أمام نيودلهي سوى أن تحذو حذو الدول المشاركة في "الحزام والطريق".

كما تدعم الصين باكستان ضد الهند فيما يتعلق بأزمة إقليم كشمير المتنازع عليه، وتقف أمام طموحات نيودلهي الساعية لإيجاد موطئ قدم داخل مجموعة الموردين النوويين بإصرارها على دخول إسلام آباد أيضا.

ولكن هذا الأمر ترفضه نيودلهي، فيما أصبحت الصين الشريك التجاري الأول لبنغلاديش التي لها علاقات معقدة مع الهند.

وأيضا، تحاول بكين عرقلة المحاولات الهندية لدخول مجلس الأمن الدولي كعضو دائم، وهو ما يزيد من الوضع الحدودي تعقيدا. 

وبناء على ما سبق، اعتبر الباحث المغربي أمكور، أن المصالح الجيوسياسية الحديثة لكلا البلدين، تعد سببا أصيلا في تأجيج التوتر بين البلدين اللذين يتنافسان تكتيكيا خاصة في المناطق الحدودية.

كما أشار إلى أن نهج رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مدفوع بالخوف من حرب على جبهتين متحالفتين أي الصين وباكستان. 

وفي مايو/أيار 2020، ذكرت مجلة فورين بوليسي الأميركية أن الصين أنفقت 261.1 مليار دولار على الإنفاق الدفاعي عام 2019، أي ما يقرب من أربعة أضعاف إجمالي الإنفاق الهندي البالغ 71.1 مليار دولار. 

ورغم أن مكانة الهند تعززت باعتبارها اقتصادا وقوة عالمية في العقود الثلاثة الماضية، فإن قوتها النسبية أمام الصين قد تراجعت إلى حد كبير.

دور أميركي

ومع إخفاق الهند في توقيف وتيرة النمو والنفوذ الصيني المتسارع بين الدول الآسيوية، أبدت الولايات المتحدة دعما لنيودلهي، في مناسبات عدة لتنشيط هذه السياسة وإعطائها زخما أكبر، في ظل مخاوف أميركية من الصعود الصيني دوليا في السنوات الأخيرة.

غير أنه في أواخر مايو/ أيار 2020، أبدى البلدان رفضهما لوساطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل معضلة التوتر الحدودي.

وفي هذا الصدد، قال أمكور: إن حل المشاكل في جبال الهيمالايا يساعد الصين على إثبات أن أي تحالف هندي مع الولايات المتحدة ليس بتحالف قوي وعملي، مشيرا إلى أن واشنطن ليست في الوضع الذي يمكنها من دعم الهند بشكل مفيد على حدودها الجبلية. 

ولكن قد تتغير سياسة الإدارة الأميركية في هذا الملف على الأقل مستقبلا، في ظل جهود ترامب لبناء علاقات أمنية مع نيودلهي، ووسط تراجع علاقاتها مع الصين، بخلاف نمو التعاون الأمني بين المجموعة الرباعية التي تضم الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا وهي دول تعرف علاقتها مع بكين توترا، وفق أمكور.

بدورها نقلت شبكة "سي إن بي سي" الإخبارية الأميركية، عن محللين قولهم: إن احتمال نشوب صراع مسلح أوسع نطاقا بين الهند والصين أمر غير مرجح.

وذكرت الشبكة، أن عدم تحول حادثة منتصف يونيو/ حزيران على الرغم من القتلى، إلى صراع أكبر "إشارة إيجابية على أن كبار المسؤولين في كلا الجانبين غير مهتمين بإثارة أي نوع من الحرب".

وأشارت إلى أنه من المرجح أن يعود البلدان إلى خفض التصعيد، لكن العملية ستستغرق "فترة أطول بكثير"، مع ارتفاع خطر اندلاع نزاع آخر، حيث يتعين على الحكومتين معالجة المواقف المحلية المتشددة ضد الجانب الآخر ومقاومة دعوات الانتقام.

غير أنها توقعت أن تؤدي الاشتباكات العنيفة الأخيرة إلى زيادة تدهور العلاقات الثنائية بين الهند والصين.