تراجع الإيرادات وتآكل الاحتياطي.. كيف ستتجاوز الجزائر جائحة كورونا؟

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يعاني الاقتصاد الجزائري منذ انتشار جائحة كورونا من تراجع في الإيرادات نتيجة انهيار أسعار النفط الذي يعد المصدر الأكبر في تمويل موازنة البلاد بنسبة تبلغ نحو 60%، مما دفع الحكومة لاتخاذ 10 إجراءات اقتصادية تقشفية.

تمثلت تلك القرارات التقشفية في زيادة خفض ميزانية التسيير (المبالغ المالية التي تصرفها الدولة إشباعا للحاجيات العامة) من 30% إلى 50%، على أن يشمل التخفيض نفقات الدولة والمؤسسات التابعة لها.

ومن أبرز القرارات التي تستهدف إنقاذ المهن الأكثر تضررا من الإجراءات الاحترازية الخاصة بجائحة كورونا: إلغاء الضريبة على المداخيل التي تقل أو تساوي 30 ألف دينار ابتداء من مطلع يونيو/ حزيران 2020، ورفع الأجر الوطني الأدنى المضمون بزيادة ألفي دينار جزائري (15.64 دولارا أميركيا) ليصبح 20 ألف دينار جزائري (220 دولارا أميركيا) وإلغاء نظام التصريح المراقب على المهن الحرة.

وفي محاولة لبعث بدائل اقتصادية أخرى غير النفط الذي يشكل 97% من دخل البلاد، قرر مجلس الوزراء الجزائري اعتماد اقتراحات وزارة الصناعة والمناجم المتعلقة بإنعاش القطاع الصناعي، بالإضافة إلى الإسراع في تشكيل ديوان للفلاحة الصحراوية بغرض استصلاح ملايين الهكتارات الصحراوية لتطوير الزراعة الصناعية.

ومن قرارات الحكومة، خفض فاتورة الواردات بواقع 10 مليارات دولار، نزولا من 41 مليار دولار في 2019، إلى 31 مليار دولار بنهاية العام 2020.

يأتي ذلك في ظل ما يعانيه الاقتصاد الجزائري من تراجع عائدات النفط التي تمثل 93% من الصادرات، من 6.35 مليارات دولار تم تسجيلها خلال أول شهرين من 2019، إلى 4.56 مليارات دولار خلال نفس الفترة من السنة الحالية، أي بانخفاض بلغ 26%.

وارتفع عجز الميزان التجاري 79% في الفترة ذاتها، من 686 مليون دولار في الشهرين الأولين من 2019، إلى 1.23 مليار دولار خلال يناير/ كانون الثاني وفبراير/ شباط 2020.

ووسط التآكل المُتسارع لاحتياطي الجزائر من العملة الصعبة الذي بلغ 60 مليار دولار، أصبحت الحكومة أمام الاختيار بين حلين أحلاهما مر، الاستدانة الخارجية، أو طباعة النقود وهو الخيار الذي يتبناه منتدى رؤساء المؤسسات، أكبر تكتل لرجال الأعمال في البلاد.

طبيعة القرارات

وتعود أسباب تلك القرارات إلى وجود عجز في الموازنة العامة للبلاد للعام 2020، يصل إلى 15 مليار دولار، والثاني يتعلق بتراجع عائدات البلاد من النقد الأجنبي بسبب هبوط أسعار النفط، حيث تتوقع الحكومة مداخيل بـ 22 مليار دولار.

وأرجع أستاذ الاقتصاد بجامعة أحمد بن يحيى الونشريسي بالجزائر، علالي مختار، أسباب تلك القرارات إلى أن ميزانية التسيير كانت على أساس سعر مرجعي 50 دولارا للبرميل، إلا أنه بعد انهيار أسعار النفط أدى ذلك إلى إشكالية وجود نفقات أكبر تزيد عن الإيرادات.

هذا الأمر دفع الحكومة إلى تقليص النفقات من خلال خفض الميزانية بنسبة 30%، لتقدم فيما بعد مشروع ميزانية تكميلية 2020 والذي أقرت فيه تخفيض السعر المرجعي لـ 35 دولارا للبرميل وبالتالي يصل حجم تقليص النفقات العامة حتى 50%.

وأضاف مختار في حديث لـ "الاستقلال"، أن الحكومة تركت فقط ما يتعلق بأجور ومرتبات الموظفين فقط وتنازلت عن الباقي، لئلا يكون هناك تداعيات أخرى خاصة في النفقات المتعلقة بالتجهيز أو الاستثمار أو غيرها من النفقات الهامشية أو التكميلية، حتى لا يكون هناك إهدار عام من أجل إحداث حالة من ترشيد للنفقات.

وأوضح أن الميزانية مقسمة إلى قسمين: الأول يتعلق بكل ما يخص المرتبات والأجور والتعويضات والمنح الخاصة باليد العاملة، بينما القسم الثاني يتعلق بمصاريف أخرى مثل التكاليف الملحقة والترميم والتهيئة وتجهيزات خاصة بمجالس الإدارة، مضيفا بأن الحكومة تخلت عن القسم الثاني من أجل تقليص النفقات بنحو 50%، بالإضافة إلى أن ذلك يحد من الفساد وتبديد المال العام.

من جانبه يرى الخبير الاقتصادي والمتخصص في العلاقات الدولية والدبلوماسية، فريد بن يحيى، أن القرارات التي اتخذتها الحكومة ترجع لأمرين هما انهيار أسعار النفط نتيجة جائحة كورونا وانخفاض الإنتاج الجزائري من 1.6 مليون برميل إلى نحو 1.1 مليون برميل، مضيفا أن عدم وجود إحصائيات تعكس الأرقام الحقيقية لكل القطاعات يتسبب في ارتفاع حجم النفقات.

وأكد ابن يحيى، في حديث لـ"الاستقلال"، أن تلك القرارات تعد غامضة حيث أنها تفتقد للرؤية والإستراتيجية وما هي إلا ترقيعات سطحية فقط، مضيفا بأنه لا بد من أن يكون هناك استثمارات في القطاعات الكبرى التي تملكها الدولة والعمل على تحفيز القطاعات الصناعية على الإنتاج والتصدير.

وأشار ابن يحيى، إلى أن تقليص النفقات سيكون له آثار سلبية على الاقتصاد نظرا لحاجة الشركات الكبيرة إلى دعم الحكومة، مضيفا بأن تلك الشركات سيكون لديها تداعيات سلبية نتيجة أزمة كورونا وبالطبع هذه السلبية تتحملها الحكومة نتيجة أن هذه الشركات ستتوقف عن دفع الضرائب في وقت وصل فيه الاحتياطي الأجنبي نحو 59 مليار دولار بعدما كان 200 مليار دولار.   

وتوقعت الحكومة الجزائرية في مطلع مايو/أيار 2020 تراجع احتياطياتها من النقد الأجنبي إلى 44.2 مليار دولار بنهاية 2020 وهي أدنى من توقعات سابقة بتسجيل 51.6 مليار دولار.

ضرورة الاقتراض

أعلن الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في مطلع مايو/أيار، أن بلاده لن تطلب قرضا من صندوق النقد الدولي رغم الأزمة المالية الناجمة عن انهيار أسعار النفط العالمية وتدابير الإغلاق الرامية إلى مكافحة فيروس كورونا المستجد، مؤكدا أنه يفضل الاقتراض من المواطنين الجزائريين على صندوق النقد الدولي أو بنوك أجنبية.

ويرى مختار، أن الاقتصاد الجزائري يحتاج إلى تمويل ولكن ليس بالضرورة اللجوء إلى المؤسسات الدولية.

وأشار إلى أنه يمكن التعامل مع الدول الأخرى في المرحلة الحالية عن طريق ما يسمى المقايضة وليس على أساس الاستدانة المالية، كما أن الشبابيك الخاصة بالصيرفة الإسلامية التي أنشأتها الحكومة مؤخرا ستساهم في دعم ثقة المواطن الجزائري في إيداع أمواله في البنوك بدلا من بيته، حيث يتوقع أن تلك المكتنزات تبلغ نحو 200 مليار دولار.

وأضاف مختار، بأن الجزائر يمكن أن تلجأ للاقتراض الداخلي عن طريق بناء مشاريع ومؤسسات من خلال الاتفاق مع المتعاملين الاقتصاديين المتمثلين في رجال الأعمال والمال لتشييد هذه المشاريع دون إعطائهم مقابل في الفترة الحالية على أن تسترجع أموالهم على المدى الطويل أو المتوسط.

فيما يرى ابن يحيى، أن الجزائر ليست بحاجة إلى الاقتراض في الوقت الحالي وبخاصة أن الاقتراض يتطلب أستعمال الأموال في مشاريع ذات قيمة إضافية كبيرة ودورة مالية سريعة وهذا لا يمكن حدوثه خلال الفترة الحالية.

وأضاف أن الجزائر خاضت تجربة الاستدانة من الخارج في السابق وكانت كارثة كبرى حيث فشلت البلاد في سداد تلك المديونية التي تعد أحد الأسباب التي قادت إلى "العشرية السوداء" (الحرب الأهلية في الجزائر).

تأتي تلك المعطيات لتضع حكومة عبد المجيد تبون أمام خيارات ضيقة يأتي في أبرزها إعادة طباعة النقود لدعم الإنفاق العام وامتصاص جزء من تراجع العائدات.

إلا أن الرئيس الجزائري استبعد الاعتماد على زيادة طباعة العملة الوطنية من قبل المصرف المركزي، مشيرا إلى أن ذلك قد يتسبب بارتفاع نسب التضخم.

وكانت الحكومة قد تبنت نهاية 2017، برئاسة أحمد أويحيى، المسجون في قضايا فساد، مجموعة من التدابير المتعلقة باللجوء إلى ما يعرف بالتمويلات غير التقليدية، لسد عجز الموازنة العامة وتحريك عجلة الاقتصاد، في ظل الصعوبات المالية التي تواجهها الدولة.

وحسب الخطة التي وضعتها الحكومة آنذاك وصادق عليها البرلمان، يطبع البنك المركزي ما يعادل 11 مليار دولار سنويا من الدينار الجزائري، على مدار 5 سنوات، يقرضها البنك للخزينة العمومية، على أن تُسدد الديون مستقبلا، عند انتعاش أسعار النفط، لكن ما حدث هو تجاوز هذه الأرقام في السنة الأولى لنحو 60 مليار دولار.

ولاقت خطوة طباعة النقود معارضة شديدة من أحزاب سياسية وخبراء اقتصاد تخوفوا من الآثار السلبية، أبرزها ارتفاع التضخم وانخفاض قيمة العملة المحلية، إلا أن التطورات التي تعيشها الجزائر تجعل هذا النمط التمويلي الأقرب زمنيا وتقنيا للحكومة الجزائرية، التي وضعت موازنة سنوية بـ 64 مليار دولار، ومخططا خماسيا بـ 270 مليار دولار.